تهديد ترامب للديمقراطية الليبرالية في الولايات المتحدة
تاريخ النشر: 22nd, January 2025 GMT
هل ستبقى ديمقراطية الولايات المتحدة بعد انقضاء رئاسة ترامب؟ هذا ليس سؤالا نظريا، من الواضح أن ترامب يتبع نهجًا معروفًا لتحويل الديمقراطية الليبرالية إلى ديمقراطية «غير ليبرالية»، وهذه الأخيرة اسم للديكتاتورية.
في كتابه «روح الديمقراطية» يرى لاري دياموند الأستاذ بجامعة ستانفورد أن الديمقراطية الليبرالية تتكون من الانتخابات الحرة والنزيهة وحماية الحقوق المدنية والإنسانية لكل المواطنين دون فرز وحكم القانون الذي يُلزم كل المواطنين بالقدر نفسها.
في حوار دار مؤخرا بمجلة «نيو ريبَبلك» أشار ستيفن ليفيتسكي ودانيال زيبلات الأستاذان بجامعة هارفارد ومؤلفا كتاب «كيف تموت الأنظمة الديمقراطية» إلى أن العملية الكلاسيكية المتمثلة في «التنازل الجماعي» أو «الانتحار المؤسسي» أمام الاستيلاء الاستبدادي على السلطة قطعت شوطا بعيدا. لقد استولى ترامب على الحزب الجمهوري، وأقنعت سيطرتُه على قاعدة الجمهوريين الانتخابية الحزبَ بقبول «الكذبة الكبيرة» عن فوزه بالانتخابات الرئاسية في عام 2020.
إلى ذلك، قررت المحكمة العليا أن الرئيس محصَّن من الملاحقة الجنائية عن أفعاله الرسمية، وهذا مبدأ يصر الفقيه القانوني البريطاني اللورد جوناثان سومشون على أنه يضع الرئيس فوق القانون وبالتالي يجعله عمليًا أشبه بالملك منه إلى المواطن. ونحن نشهد على الأقل أفرادًا أقوياء من أمثال مارك زوكربيرج وهم يركعون أمام حاكمهم الجديد.
ممَّ يخاف هؤلاء؟ إنهم يخشون من استخدام الرئيس جهاز الدولة ضدهم، وهذا ما ينوي عمله هو والناس الذين يحيطون به. فترشيحاته (لمن سيشغلون مناصب إدارته) تشير بقوة إلى ذلك. وأيضا خططُ إحلال البيروقراطيين (كبار موظفي الدولة) بأناس موالين لترامب والتي وُضِعت خطوطها العريضة في «مشروع 2025» لمؤسسة هيرتدج فاونديشن. مثل هذا الولاء سيكون سلاحًا قويًا للأوتوقراطية (الاستبداد)، فهو سيجعل الجهاز البيروقراطي للدولة مطيعًا للرئيس بدلا عن القوانين التي يلزمه تطبيقها.
تيموثي سنايدر، الأستاذ بجامعة ييل والخبير في الأنظمة الشمولية الأوروبية في القرن العشرين يصف الأسماء التي رشحها ترامب لتولي وزارات الصحة والعدل والدفاع وأيضًا أجهزة الاستخبارات بضربة «قطع الرأس» جزئيًا لأن عدم كفاءتهم وسوء طويَّتهم سيلحقان أذى جسيمًا بأداء الدولة. وأيضا سيتسبب التهديد بتسييس الحكومة الفيدرالية بما في ذلك القانون «ضد الأعداء في الداخل» بضرر بالغ للديمقراطية. (يقصد سنايدر بضربة قطع الرأس أن ترامب يهدف بترشيحاته إلى إضعاف وشل هذه المؤسسات الحكومية وجعلها بلا فعالية من خلال إحلال قادتها أو رؤوسها بقادة غير مؤهلين ومعارضين لرسالتها - المترجم).
كل هذه، يضيف ليفيتسكي وزميله زيبلات، تصرفات كلاسيكية لمن سيتحولون إلى مستبدين. ويمكن تصنيفها تحت عنوانين عريضين هما «السيطرة على الحكام وتهميش اللاعبين».
تحت عنوان السيطرة على الحكام تندرج التغييراتُ في الجهاز القضائي على كل المستويات، أما التصرفات المتعلقة بتهميش اللاعبين فتشمل مختلف أنواع الهجمات ضد المنظمات الإعلامية المستقلة والصحفيين والمؤسسات الأكاديمية والناشرين.
إلى جانب ذلك ينبغي تذكر المشروع المركزي الذي يستهدف إبعاد المهاجرين غير الشرعيين. ويبدو أنه في الغالب يوحِّد عناصر عديدة للمقاربة الجديدة التي يعتمدها ترامب في إطار شامل. فترحيل ملايين عديدة من البشر سيتطلب عملية عسكرية ضخمة وتدخلات واسعة النطاق في الاختصاصات الولائية والمحلية وإقامة مراكز احتجاز كبيرة وقمع الاحتجاجات وليس أقله إيجاد بلدان يُلقَى فيها بالمهاجرين المرحَّلين..
هل يمكن أن يحدث كل هذا حقا؟ ربما. لكن اقتران مثل هذه الزعزعة بما يمكن أن يكون في الغالب اضطرابًا اقتصاديًا كبيرًا قد يحوِّل الرأي العام بقوة ضد ترامب الذي فاز بهامش في الأصوات يساوي فقط 1.5% ولم يحظ أبدا بشعبية واسعة. (حصل ترامب في الانتخابات الأخيرة على 49.8% من الأصوات الشعبية وهاريس على 48.3%- المترجم).
لدى ترامب أنصار متعصبون، لكن لديه أيضا خصوما متعصبين. إلى ذلك، إذا ظل الدستور قائما سيقضي ترامب في الحكم فترة رئاسية واحدة (4 سنوات)، في الإجمال، من المرجَّح أن تضعف قبضته على الرأي العام وعلى الحزب بداية من الآن.
قدرات ترامب كمهرِّج شعبوي استثنائية، وغالبا ما سيجد الحزب الجمهوري استحالة في اكتشاف بديل كاريزمي بقدرٍ كافٍ لترامب في الانتخابات الرئاسية عام 2028. كما يكشف تحالفه أيضا عن دلائل على تداعيه. فالوطنيون المسيحيون والقوميون المتشددون ليسوا رفاقَ دربٍ طبيعيين «لبلوتوقراط» التقنية الأقوياء من أمثال ايلون ماسك. وإذا نجحوا في تقويض الانتخابات الوطنية الأمريكية قد تكون تلك «نهاية اللعبة»، وحينها ستكون العواقب وخيمة على العالم. فمن دون الوجود النشط للولايات المتحدة التي تحتكم إلى الديمقراطية ستتعرض عافية الديمقراطية الليبرالية في العالم إلى خطر عظيم.
في عام 1787 عندما سأل مواطنون أمريكيون بنيامين فرانكلين عن نوع الحكم الذي تبنّاه المؤتمر الدستوري قال لهم «الولايات المتحدة لديها جمهورية، إذا أمكنكم الحفاظ عليها»، ربما سنعرف قريبًا إذا كان ذلك ممكنا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ترامب فی
إقرأ أيضاً:
ماتيو زوبي كاهن الحزب الاشتراكي الذي يرأس مجلس أساقفة إيطاليا
رجل دين كاثوليكي وُلد في روما عام 1955 ورُسّم كاهنا عام 1981. وشغل منصب نائب كاهن في كنيسة سانت ماريا في تراستيفيري مدة 19 عاما، وانخرط في جماعة سانت إيجيديو، ثم أصبح لاحقا مرشدها الكنسي العام. وعام 2012، عيّنه البابا بنديكت السادس عشر أسقفا مساعدا لأبرشية روما، ثم رُقي عام 2015 على يد البابا فرانشيسكو لمنصب رئيس أساقفة بولونيا، وعام 2022 اختاره رئيسا لمجلس الأساقفة الإيطاليين.
المولد والنشأةوُلد ماتيو ماريا زوبي يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول 1955، في العاصمة الإيطالية، لعائلة تربطها علاقات وثيقة بالفاتيكان.
وكان والده إنريكو زوبي يعمل صحفيا ومصورا، وعيّنه الكاردينال جيوفاني باتيستا مونتيني -الذي أصبح لاحقا البابا بولس السادس- رئيسا لتحرير مجلة "لوسيرفاتوري ديلا دومينيكا" وهي نسخة يوم الأحد من صحيفة "لوسيرفاتوري رومانو".
أما من جهة والدته كارلا فوماغالي، فينحدر زوبي من إرث كنسي وازن، فهي ابنة شقيقة الكاردينال كارلو كونفالنيري أحد كبار رجال الكنيسة في القرن الـ20 والذي تولى مناصب بارزة من بينها سكرتير البابا بيوس الحادي عشر ورئيس مجمع الأساقفة.
وقد التقى زوبي أثناء دراسته الثانوية بالمؤرخ والمفكر أندريا ريكاردي مؤسس جماعة "سانت إيجيديو" وهي حركة كنسية علمانية انطلقت من قلب روما. واعتبرها بمثابة "إنجيل آخر وكنيسة أخرى" وانخرط في صفوفها وأصبح أحد أبرز وجوهها ومرشديها الروحيين.
عام 1977 حصل زوبي على شهادة في الأدب والفلسفة من جامعة "لا سابينزا" وقدّم فيها أطروحة عن تاريخ المسيحية.
ولاحقا التحق بإكليريكية بالسترينا، ثم تابع دراسته في الجامعة البابوية اللاتيرانية ونال درجة البكالوريوس في اللاهوت.
إعلان الفكر والتوجه الأيديولوجيتبنى زوبي نهج ورؤية البابا فرانشيسكو، كما سعى في تحقيقها انطلاقا من الإرشاد الرسولي "فرح الإنجيل" وحتى وثيقة "الأخوّة الإنسانية" التي وُقّعت في أبو ظبي عام 2019.
وعُرف بتركيزه على القيم الإنسانية مثل نبذ الكراهية والتضامن والانفتاح الديني، مع اهتمام بالفئات المهمشة مثل المهاجرين.
وقد جعله هذا النهج الاجتماعي والانفتاحي يُصنّف ضمن التيار اليساري في إيطاليا، لدرجة أن الإعلام المحلي علق ساخرا عند تعيينه كاردينالا بالقول "كاهن الحزب الاشتراكي الإيطالي أصبح كاردينالا".
واشتهر بمواقفه المعارضة لحزب "ليغا" اليميني، وإشادته العلنية أثناء جنازات شخصيات يسارية معروفة بمواقفها المؤيدة للإجهاض، إلى جانب موافقته على خدمة كاهن شيوعي ترشّح سابقا للبرلمان الأوروبي ضمن أبرشية بولونيا.
وقد تصاعد الجدل حوله بسبب علاقته بجويلي ماغالدي أحد كبار رموز الماسونية التقدمية في إيطاليا، والذي صرّح عام 2020 بأن زوبي "أكثر الكرادلة الذين يقدّرهم".
كما أثارت مواقفه جدلا داخليا داخل الكنيسة، خاصة في ما يتعلق بترحيبه بالشواذ دون اشتراط توبتهم أو تغيير نمط حياتهم، مما جعله في مرمى انتقادات بعض التيارات المحافظة داخل الكنيسة.
التجربة الدينيةرُسّم زوبي كاهنا في 9 مايو/أيار 1981 في كاتدرائية القديس أغابيتوس، ثم عُيّن على الفور نائبا لكاهن رعية بازيليك سانت ماريا في تراستيفيري. وعام 2000، تولى منصب الكاهن الرئيسي في الكنيسة ذاتها، وظلّ في هذا المنصب عقدا من الزمن.
وعام 1992 كان له دور حيوي في التوسط لإنهاء الحرب الأهلية في موزمبيق، مما أسهم في توقيع اتفاقيات السلام ومنحه الجنسية الفخرية لهذه البلاد. كما شغل منصب المرشد الكنسي العام لجماعة "سانت إيجيديو" بعد نجاحه بهذه الوساطة.
إعلانوعمل كاهنا في كنيسة "سانتا كروتشي ألا لونغارا" الفترة بين عامي 1983 و2012، وانضم رسميا إلى كهنة أبرشية روما في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1988. وكان عضوا بمجلس كهنة الأبرشية من عام 1995 وحتى 2012.
وعام 2006، منحه البابا بنديكت السادس عشر لقب "كاهن فخري" تكريما لخدماته.
وخلال الفترة من عام 2005 حتى 2010، شغل منصب رئيس دائرة كنيسة المنطقة الثالثة في روما. وفي 31 يناير/كانون الثاني 2012، عينه البابا بنديكت السادس عشر أسقفا فخريا لمدينة فيلانوفا ومساعدا لأسقف روما، وتلقى رسامته الأسقفية في 14 أبريل/نيسان من العام نفسه.
وفي 27 أكتوبر/تشرين الأول 2015، عينه البابا فرانشيسكو رئيسا لأبرشية بولونيا. وفي 12 ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته، دخل كاتدرائية سان بيترونيو.
ونال زوبي لقب كاردينال "سانت إيجيديو" في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول 2019. وفي 22 مايو/أيار 2022، تولى منصب رئيس مجلس الأساقفة الإيطاليين بموجب المادة 26 من النظام الأساسي للمؤتمر.
وفي 2023 عُيّن قاضيا في المحكمة العليا لدولة الفاتيكان، وفي مايو/أيار من العام ذاته، كلفه البابا فرانشيسكو بقيادة البعثة الدبلوماسية للكرسي الرسولي ومحاولة إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية.