يمانيون/ صنعاء شارك عضو المجلس السياسي الأعلى الدكتور عبد العزيز بن حبتور، ورئيس مجلس الوزراء أحمد غالب الرهوي، اليوم في فعالية إحياء الذكرى السنوية للشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي، ومواكبة لآخر المستجدات على الساحة الإقليمية، واللقاء الاجتماعي الموسع الذي عقدته الدائرة الاجتماعية بالتعبئة العامة وفروعها في بالأمانة والمحافظة تحت شعار “الشهيد القائد رمز ثباتنا وانتصارنا”.

وألقى الدكتور بن حبتور كلمة نقل في مستهلها تحيات رئيس وأعضاء المجلس السياسي الأعلى للحاضرين، مؤكدا اعتزاز الجميع بمؤسس المسيرة القرآنية التي قادت شعبنا إلى هذا النصر المؤزر والعظيم.

وأوضح أن الشهيد القائد انطلق من تعاليم القرآن الكريم الذي استقى منه كل الدروس لكي يوقظ وعي الناس للخطر المحدق بالأمة بسبب المشاريع الصهيونية التي تأتي امتدادا للصراع المستمر على القدس.. مشيرا إلى أن الشعوب الحرة تجمع أفضل ما قدمه هذا النوع من القادة لكي يكون مادة وذخيرة لكل الأجيال.

وأفاد بأن الأمم لا تتحرك إلا بإيقاظ الوعي، ولا يمكن أن تقوم للأمة العربية والإسلامية قائمة إلا بتمسكها بدينها ومحافظتها على مقدساتها التي لا يمكن التفريط بها بأي شكل من الأشكال لأنها رموز فكرها وتاريخها الإسلامي.

وقال الدكتور بن حبتور “لم يتجرأ الأعداء على احتلال أراضينا والتمادي في مشاريعهم الاستعمارية والتوسعية إلا حينما وجدوا ضعفا في بعض قادة الأمة العربية الذين عمل البعض منهم على تسييس تاريخ الأمة وإضعافها وتكريس فكرة الاستسلام وجعل اهتمام الناس وهمهم يتركز على الأكل والشرب واللهو لينسوا قضاياهم المصيرية وفي المقدمة القضية الفلسطينية”.

وأضاف “لأكثر من خمسين عاما وأعداء الأمة يعملون على تكريس العدوان بين أبناء الأمة تحت عناوين متفرقة أخطرها المذهبية وترسيخ ذلك في وعي أبناء الأمة والتي تعد مؤامرة كبرى تقف خلفها الصهيونية العالمية وعلى رأسها أمريكا”.

وبين عضو السياسي الأعلى أن المسيرة التي يقودها قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي اليوم أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن أي جزء من هذه الأمة عندما يستشعر خطورة ما تتعرض له الأمة والدين الإسلامي ويتحرك فإن دوره يصبح فاعلا ومؤثرا.

ونوه بالجهد الكبير الذي بذله قائد الثورة على امتداد معركة “طوفان الأقصى” لإيقاظ الوعي في أوساط الأمة الإسلامية جمعاء وليس في أوساط شعبنا فحسب.. معبرا عن الشكر للدائرة الاجتماعية على تنظيم هذه الفعالية وكل من شارك فيها.

بدوره نوه رئيس مجلس الوزراء بأهمية إحياء الذكرى السنوية للشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي، الذي ضحى بروحه في سبيل العودة إلى جوهر الدين الحقيقي وإلى القرآن الكريم وهداه وسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وأوضح أن الشهيد القائد وضع البذرة الأولى التي نمت وتفرعت وكبرت وأصبحت قوة لا يستهان بها على المستويات الاقليمية والدولية.

ولفت الرهوي إلى أن هذه النبتة استطاعت أن تواجه طيلة عشر سنوات هذا العدوان الدولي الذي ضم أقوى دول العالم وأكثرها ثراء وأن تهزمه.

وقال “قادرون بتوحدنا وتوكلنا على الله أن نصنع المستحيل وليس فقط القوة الصاروخية والبحرية والمسيرة التي هزمت أساطيل الأمريكان وحاملات طائراتهم التي أرعبت دول العالم طيلة هذه العقود وأجبرتها على الفرار”.

وأضاف “أثبتنا للعالم أجمع بأننا قادرون على الفعل وبأن اليمن وشعبه الحر الكريم عند مستوى المسئولية في القيام بواجباته الدينية والإنسانية والأخلاقية في نصرة المظلومين في غزة وبأننا مستعدون لمواصلة الإسناد في حال كرر العدو الإسرائيلي عدوانه الاجرامي على غزة”.. مؤكدا أن أي تصعيد من قبل العدو سيقابل بالتصعيد من قبل شعبنا الذي يراقب تحركاته أولا بأول.

وأشار رئيس مجلس الوزراء إلى محاولة السعوديين والإماراتيين ومن ورائهم الأمريكان معاودة العدوان على شعبنا.. مؤكدا أن الشعب اليمني وقواته المسلحة جاهزون لمواصلة الدفاع عن البلد ورد كيد الأعداء إلى نحورهم.

وتطرق إلى المسئولية الواقعة على الجميع في تسليط الضوء على دور الشهيد القائد وأدوار كافة شهداء الوطن الذين استرخصوا دماءهم من أجل الدفاع عن عزة وكرامة اليمن وشعبه العزيز، والعمل على ترسيخ هذه الروح الجهادية بصورة مستمرة في أوساط شعبنا وأمتنا.

وفي الفعالية التي حضرها نائبا رئيس مجلس النواب عبدالسلام هشول، وعبدالرحمن الجماعي ونائب رئيس مجلس الشورى محمد الدرة، وعدد من الوزراء، أكد ضيف الله الشامي في كلمة المكتب السياسي لأنصار الله على أهمية هذه الفعالية لإحياء ذكرى علم من أعلام أهل البيت الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي الذي جسد حياته ومثل القيم الإيمانية خير تمثيل وبذل حياته في سبيل الله.

وأشار إلى أن الشهيد القائد استشعر المسؤولية بوعيه الإيماني وفكره القرآني منذ الوهلة الأولى للمؤامرات التي يحيكها أعداء الأمة لإضعافها، ليصبح منارا ومنطلقا لكل الأحرار في العالم من خلال منهجيته ومشروعه القرآني.. مؤكدا أن الشهيد القائد استطاع من خلال إحياء القيم والمبادئ الإيمانية إخراج الأمة من واقع التبعية والإرتهان إلى واقع العزة والكرامة.

وقال ” إن الكلمات تعجز أن تفي الشهيد القائد حقه حديثا وكلاما وكتابة وشعرا ونثرا وأدبا وبلاغة وعلى كل المستويات، لأنه حمل روحية الإيمان وتجسد الإسلام في شخصيته فكان قرآنا يتحرك”.

ولفت إلى أن الشهيد القائد كان يتحرك في واقعه مستشعرا للمسؤولية ويرفض مخططات الأعداء ويواجهها بأقل الإمكانيات فلم ينظر إلى العقبات التي صنعها الأعداء حاجزا وعائقا من أن يقدم لأمته شيئا بل كان المسارع والمنطلق والمبادر.. مؤكدا أن القرآن كان منطلق الشهيد القائد إيمانا منه بأن القرآن الكريم هو الحل والقوة للانتصار على الأعداء وإفشال مخططاتهم.

وأوضح الشامي “أن ما نعيشه اليوم بفضل الله تعالى من عزة وكرامة ورفعة وإباء وشموخ وحرية إنما هو امتداد لمشروع الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي وترجم في واقعنا واستمر به قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي ليقودنا نحو العزة والكرامة والفلاح والنصر المؤزر بأذن الله سبحانه تعالى”.

من جهته استعرض رئيس الدائرة الاجتماعية بالتعبئة العامة علي المتميز مناقب وصفات الشهيد القائد وانطلاقته بالمشروع القرآني وأهمية العودة والتمسك بنهجه في مناحي الحياة كافة.

وأشار إلى أن الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي تحرك في مرحلة مهمة حين كانت أمريكا ترى الأمة الإسلامية فريسة خانعة، مقدماً مشروعه القرآني لإحباط تلك المؤامرات والوقوف في وجه البغي الصهيوني الأمريكي الذي باتت ملامحه واضحة تجاه البلدان الإسلامية.

وأكد أن الجهود المباركة للشهيد القائد ودمه الطاهر ودماء جميع الشهداء أصبحت بركانا عاتيا يقذف الحمم اللاهبة في وجه أمريكا وإسرائيل ويظهرهم على حقيقتهم بأنهم كبار في الإجرام والطغيان وقشة عند المواجهة.

ولفت المتميز إلى أن المواقف العظيمة والمشرفة التي وقفها أبناء الشعب اليمني العظيم ماهي إلا ثمرة من ثمار المشروع القرآني المبارك الذي حمله الشهيد القائد واستشهد من أجله.

وألقيت في الفعالية كلمات عبر تقنية الفيديو من قبل الدكتور نورالدين أبو الحية من الجزائر والدكتور وسام عزيز من العراق والدكتور نسيب حطيط من لبنان، أشاروا فيها إلى أهمية المشروع القرآني الذي حمله الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي لمواجهة الأخطار المحدقة للأمة وإفشال مخططات أعدائها.. مؤكدين أن ثمار المشروع القرآني الذي أسسه الشهيد القائد قد تجلت في تكون مقاومة قوية صامدة استطاعت الانتصار على المشروع الصهيوني الأمريكي وأذلتهم واجبرتهم على جر أذيال الهزيمة.

وأوضحوا أن المشروع القرآني الذي حمله الشهيد القائد أسس للفكر المقاوم المبني على المبدأ والنهج الإسلامي الصحيح.. منوهين بأهمية الدور المحوري للشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي في توجيه الأمة نحو العدو الحقيقي لها المتمثل في أمريكا وإسرائيل ومن تحالف معهما.

ولفتوا إلى أهمية هذا المشروع العظيم الذي كان أساسه القرآن الكريم وهدفه إخراج الأمة مما كانت فيه من ضعف وهوان ودرء الأخطار التي كانت محدقة بها وإفشال مخططات الأعداء لاستهداف الأمة.. مؤكدين أن الشهيد القائد جسد كل معاني الإنسانية والشجاعة والإباء والعزة والقيم العظيمة والمبادئ السامية.

وأكدوا أن ما حققته المقاومة والأمة بشكل عام من انتصارات ومواقف مشرفة وعظيمة هي بفضل الله سبحانه وتعالى والشهيد القائد وقوة مشروعه الذي يرتكز على هدى الله ونهجه القويم.. مشيدين بدور المشروع القرآني الذي أسسه الشهيد القائد في ترسيخ القيم والمبادئ الإسلامية السامية والأصيلة في نفوس الأجيال ومناهضتهم الوصاية والهيمنة الأمريكية في المنطقة والدفاع عن الأمة ومقدساتها.

وتطرقوا إلى جانب من سيرة وعلم وجهاد الشهيد القائد ومآثره وشجاعته وتضحياته في مواجهة قوى الكفر والطغيان والاستكبار ورفض الخنوع وكشف مخططات أعداء الأمة.

تخللت الفعالية قصيدة للشاعر عبدالسلام المتميز، عبرت عن عظمة الشهيد القائد ومشروعه القرآني والموقف اليمني المشرف المناصر للقضية الفلسطينية ووقوف الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي مع هذه القضية ومواجهة قوى الهيمنة والاستكبار العالمي.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: للشهید القائد السید حسین بدر الدین الحوثی الشهید القائد السید حسین بدر المشروع القرآنی الذی أن الشهید القائد بدرالدین الحوثی القرآن الکریم رئیس مجلس بن حبتور مؤکدا أن إلى أن

إقرأ أيضاً:

المحاضرة الرمضانية الرابعة للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي (نص + فيديو)

(نص + فيديو) المحاضرة الرمضانية الرابعة للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي 04 رمضان 1446هـ 04 مارس 2025م

???? المحاضرة الرمضانية الرابعة للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي 04 رمضان 1446هـ 04 مارس 2025م#ويزكيهم pic.twitter.com/yE0ivtnAu2

— قناة المسيرة (@TvAlmasirah) March 4, 2025


أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ جَمِيعِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

في بداية قصة نبي الله وخليله ورسوله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، تحدثنا عن المسيرة البشرية، وما اعتراها من مخالفات وانحرافات كبيرة جدًّا، وصلت إلى مستوى الشرك بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والانصراف التام عن نهجه ورسالته وهديه.

وبَيَّنَّا أن الأساس في مسيرة المجتمع البشري هو التوحيد لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والإيمان به، والتَّمسُّك بنهجه، فالمجتمع البشري لم يترك منذ بداية وجوده بدون هدىً من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بل إن أبا البشر الذي هو آدم “عَلَيْهِ السَّلَامُ” هو نبيٌ بنفسه، نبيٌ من أنبياء الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، حظي من الله بالهداية، وأتاه الوحي الإلهي، والتعليمات الإلهية؛ وبالتالي لم تكن المسألة في واقع البشر أن الأساس هو الانحراف، هو الشرك هو الكفر، هو الضلال، هو الباطل، وأنهم تُرِكوا، ثم كان مجيء الأنبياء إليهم وبعثة الرسل إليهم حالةً طارئةً على واقعهم، وحالةً مخالفةً للحالة الطبيعية التي هم عليها، بل العكس هو الصحيح.

الذي هو طارئٌ على حياة المجتمع البشري، وشاذٌ في مسيرة حياتهم، ومخالف للمسار الصحيح الطبيعي الفطري، هو: الانحراف عن نهج الله ورسالته بما فيه، يعني: الانحراف على المستوى الأخلاقي، على المستوى الشرعي، على مستوى الحلال والحرام… وصولاً إلى مستوى الشرك بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، الذي هو في نهاية حالة الانحراف، أسوأ حالة من الانحراف الكبير، والتنكر للحقائق الكبرى، والانقلاب على الفطرة التي فطر الله الناس عليها.

فهذه مسألة مهمة؛ لأن الكثير من الكُتَّاب، والأسلوب في المجتمع الغربي في الأبحاث والدراسات، يصوّر الحالة وكأن المجتمع البشري كان منذ البداية مجتمعاً بدائياً في دينه، بدائياً في مسألة الدين إلى درجة الجهل التام بالله، وإلى درجة التنكر التام لمبدأ التوحيد، ويجعلون الأساس في واقع المجتمع البشري هو الشرك، هو الكفر، هو الانحراف، هو الاعتماد على مبدأ الشرك، الذي هو تعدد الآلهة، فهذه مسألة جوهرية في هذا الموضوع.

وفي نفس الوقت يجب أن ندرك أن المجتمع البشري كانت كل خسارته، التي هي خسارة رهيبة جدًّا: الخسارة على المستوى الفكري والثقافي، وعلى مستوى الأخلاق والقيم، وعلى مستوى التوجه الصحيح في مسيرة الحياة، ناتجةً عن المخالفة للرسل والأنبياء، وعن الانحراف عن نهج الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

وهكذا هي المسألة على امتداد الزمن، كلما وجدنا حالة الانحراف في المجتمعات البشرية، والأفكار المِعْوَجَّة، والضلال بكل أشكاله، والاتِّباع للباطل، والتمسك بالخرافات، هذا كله ناتجٌ عن الانحراف عن نهج الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وعن المخالفة للرسل والأنبياء، والابتعاد عن الرسل والأنبياء، وعن مسيرتهم.

والضلال والباطل ليس منحصراً في حالة معتقدات جامدة، باقية في الذهنية، ليس لها نتائج في واقع الحياة، ولا في حالة الطقوس في المعابد، حالة الضلال تمتد إلى واقع الحياة، مع الشرك والوثنية، هناك انحراف على مستوى الأخلاق والقيم، هناك انحراف يتعلق بالمعاملات في حياة الناس؛ ولـذلك فالامتداد لحالة الشرك هو: الانحراف الأخلاقي، الانحراف في القيم، والمظالم، والجرائم، والمفاسد، والطغيان، الذي يملأ واقع الحياة، فتتحول مسيرة المجتمع البشري في مثل تلك الحالة إلى حالة ظلمات، ظلمات بكل ما تعنيه الكلمة؛ يستحكم الجهل، تستحكم الخرافة، يستحكم الضلال، يستحكم الباطل، تسيطر على الناس القوى الظلامية الظالمة، المفسدة، المتكبرة؛ فيشقى الناس في حياتهم، لهذا آثاره على مستوى الواقع، على مستوى حياة الناس، وتكون النتيجة هي: الانحطاط الكبير بالمجتمع البشري حتى عن مستواه الإنساني؛ ولـذلك فليست المسألة مجرد معتقدات هناك لوحدها، أو طقوس منحصرة على واقع المعابد التي كانوا يبنونها؛ بل تمتد إلى حياة الناس، إلى واقعهم، يطالهم الظلم، الفساد، تفقد البشرية الأهداف الصحيحة لمسيرة حياتها، وتتَّجه الاتِّجاه المعوج، بعيداً عن صراط الله المستقيم، وتسبب لنفسها سخط الله، غضب الله، عذاب الله، والعياذ بالله.

مسألة التوحيد، المبدأ العظيم، كذلك هو ليس مجرد مبدأ يتحول إلى معتقد يُعبِّر عنه الإنسان بكلمة، مثلاً: (أشهد أنْ لا إله إلا الله)، وانتهى الأمر، أو تلحق به- كذلك- شعائر دينية محدودة، مثلاً: في المساجد، أو شعائر متنوعة، مثل ما هي أركان الإسلام، التي هي أساسٌ ليبنى عليها كل الدين، في الشرع الإلهي، في الأخلاق، في القيم، في المعاملات، في مسيرة الحياة؛ فالمسألة في مبدأ التوحيد لله هو مبدأٌ يبنى عليه نهجٌ عظيمٌ لمسيرة الحياة؛ ولـذلك فالخطأ عندما يُجَمَّد هذا المبدأ، وتكون هناك تصورات أنه يكفي مع هذا المبدأ العظيم الإقرار به، التعبير عن هذا الإقرار بالشهادة، شعائر دينية محدودة، ثم يتَّجه الإنسان في مسيرة حياته بعيداً عن ذلك، ليُعَبِّد نفسه لغير الله، هذه حالة انحراف، وعدم استيعاب لهذا المبدأ العظيم: مبدأ التوحيد لله.

إيماننا بأنه (لا إله إلا الله)، وأنه وحده الإله، وأن علينا أن نتَّجه بالعبادة له وحده، هذا يعني العبادة بمفهومها الشامل، بمفهومها الكامل، في التزامنا في مسيرة الحياة بنهجه، بتعليماته، بالطاعة المطلقة له “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بتوجهنا إليه “جَلَّ شَأنُهُ” بالخضوع التام لأمره ونهيه، هذه ثمرة مبدأ التوحيد لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ ولهـذا يقول الله “جَلَّ شَأنُهُ” عن هذه المسألة: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ}[النحل:2]، هكذا هي الثمرة: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ}، الله يخاطبنا هكذا، فيُبنى على ذلك التقوى لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في آيات أخرى يؤكِّد على العبادة كذلك، على الرهبة… على بقية ما يرتبط بهذا المبدأ المهم والعظيم.

الإنسان بفطرته هو يدرك أنه عبدٌ، ويستشعر حالة العبودية في نفسه، وفي واقعه؛ ولـذلك حالة الافتقار عند الإنسان، حالة الشعور بالعجز والضعف، حالة الشعور بالحاجة، هي حالة متجذرة في الإنسان؛ لأنه هكذا في تكوينه وخلقه، الله خلقنا كبشر، وخلق بقية الكائنات وهي مفتقرةٌ إلى الله، في حالةٍ من العجز، والضعف، والافتقار التام إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

ولـذلك فالعبودية هي متجذرة في بُنية الكائنات والمخلوقات، هي بفطرتها، وتكوينها، وخلقها، في حالة عبودية، وافتقار تام، واحتياج إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ولأنها حالةٌ فطرية؛ فالإنسان يتَّجه أساساً، يعني: لا يبقى في حالة فراغ، إذا انحرف عن التوجه نحو الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وعن العمل بمقتضى هذه الفطرة في الاتِّجاه الصحيح الحق، في الاتِّجاه الصحيح الحق، في التوجه بالخضوع لله، والعبادة لله، سواءً على مستوى الرجاء، على مستوى الالتجاء، على مستوى الخوف، على مستوى أن يتوجه الإنسان باحتياجه إلى الله في دفع الضر، في الحصول على النفع… في غير ذلك مما هو مفتقرٌ إليه كإنسان، أو في الاتِّجاه الآخر: الاتِّجاه للتعبير عن حالة العبودية بالطقوس العبادية بأشكالها المتنوعة، من مثل: حالة الصلاة في شرع الله ودين الله، حالة الصيام، حالة الحج، حالة الدعاء والتضرع… وغير ذلك.

الإنسان إذا لم يتَّجه الاتِّجاه الصحيح، فهو ينحرف بهذه الفطرة في الاتِّجاه الخاطئ، يعني: يُعبِّر عن عبوديته لغير الله تعالى، وهذا ما حصل في واقع المشركين، حيث كانوا مع إقرارهم بالله، وهذه من الحقائق المهمة التي أكَّد الله عليها في القرآن كثيراً، وقدَّم عليها استبياناً من تاريخ الأمم، الأمم والأقوام كانوا يقرُّون بالله، ولكن مع إقرارهم بالله، كانوا يعتقدون أن هناك شركاء، يشركونهم مع الله في الألوهية، يعتبرونهم آلهة مع الله، ثم يتَّجهون بعبادتهم إليهم، يطلبون منهم النصر، يطلبون منهم مطلب العبودية، يعني: يعتبرونهم آلهة، يقدرون على أن يمنحوهم ذلك، يتقرَّبون إليهم بالقرابين، يؤدُّون لهم طقوساً معيَّنة، وشعائر معيَّنة، كما قال الله عنهم: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا}[مريم:81]، قال أيضاً: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ}[يس: 74-75]، فهذه هي الحالة، كانوا ينحرفون عن الفطرة، بالدافع الفطري يتَّجهون اتِّجاهاً معاكساً، اتِّجاهاً مخالفاً؛ لأنهم يشعرون بحاجتهم إلى ذلك.

مع أنهم كانوا في حالة الشدة الشديدة، والمخاطر الكبيرة، يعودون إلى الفطرة، مثل ما أكَّد الله في مواضع كثيرة في القرآن الكريم في عدة آيات، أنهم كانوا في البحر إذا غشيهم الموج، وهددهم بالغرق، وأصبحوا يستشعرون الخطر على حياتهم، في تلك الحالة يعودون إلى فطرتهم بالدعاء لله وحده؛ لأنهم يدركون في عمق فطرتهم أن كل أولئك الذين يعتقدونهم آلهة، ويتقربون إليهم كآلهة، لا يملكون لهم ضراً ولا نفعاً، ولا يتمكنون من أن يفعلوا لهم شيئاً، فيدعون الله وحده، هنا عادوا إلى الفطرة، عندما كانوا في حالة أزمة شديدة وخطر كبير، يقول الله عنهم: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[لقمان:32]، فهم كانوا يعودون إلى الفطرة.

فالانحراف في حالة الشرك، الانحراف عن نهج الله بكله، وصولاً إلى هذا المستوى، كما قلنا: الباطل يزداد، الضلال ينمو، فيصل الإنسان في معتقداته، في أفكاره، إلى مستوى فظيع جدًّا وسيء للغاية؛ لأنه ابتعد عن قنوات الهداية، وعن مصدر الهدى، فكلما ابتعد أكثر؛ ضل أكثر في تصوراته، معتقداته، أفكاره، يتحول إلى ظلاميٍ، ظلاميٍ بكل ما تعنيه الكلمة.

ما وراء هذا الانحراف الكبير في مسألة الشرك هو: عدم الإيمان، أو نسيان المبدأ المهم، الذي هو: الكمال المطلق، مبدأ الكمال المطلق أنه هو المبدأ الأساس في مسألة الألوهية، وأن ما سوى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ناقصٌ، عاجزٌ، مخلوقٌ، مُدبرٌ، في إطار تدبير الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأن الله وحده هو الخالق، هو رب العالمين، هو الرازق، هو المحيي، هو المميت، هو مدبر شؤون السماوات والأرض، وله أيضاً الحق وحده في هداية عباده، في جانب الهداية والتشريع الذي تُضبط به مسيرة حياتهم، هذه المسألة مسألة مهمة جدًّا، يعني: كان تقبُّل المشركين لأن يعتقدوا في غير الله أنه آلهة، هو لغفلتهم عن هذا المبدأ، مع أنه مبدأٌ فطري؛ ولـذلك وصل بهم الحال إلى أن يتَّجهوا في أن يؤلِّهوا من هو حتى دون مستواهم كبشر، من مثل حالة الأصنام؛ لأنهم نسوا هذا المبدأ، فاتَّجهوا إلى الكائنات، أو الجمادات، أو مخلوقات حالها حالهم، في افتقارها إلى الله، في عجزها، في ضعفها، في عبوديتها لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهذه هي المسألة الخطيرة جدًّا، الإشكالية الكبيرة، التي كانت مؤثِّرةً في مستوى تَقَبُّلهم وانحرافهم إلى هذه الدرجة.

عندما نعود إلى نبي الله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، قلنا بالأمس: أن البيئة التي نشأ فيها، والمجتمع الذي نشأ فيه، كان قد سيطر عليه الضلال والانحراف والشرك إلى حدٍ كبير، إلى درجة محيطه الأسري، فيما يتعلق بأبيه (أبيه آزر)، سواءً على مستوى ما يقوله البعض من المفسرين والمؤرخين بأن المقصود عمه، أو غير ذلك، أو أنه الأب نفسه (والده)، على كُلٍّ وصل الحال إلى مستوى محيطه الأسري، فهو في غربة في ذلك المجتمع.

ولـذلك في حركته لإنقاذ ذلك المجتمع، والسعي لهدايته، بدأ من محيطه الأسري، وسعى مع أبيه آزر لإقناعه، لهدايته، لاستنقاذه من هذا الضلال الرهيب جدًّا، يقول الله تعالى في القرآن الكريم: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[الأنعام:74].

نلاحظ في هذا السؤال، الذي هو سؤال توبيخ واستنكار: {أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً}؟! مستوى الانحطاط والتخلف الفكري والثقافي، لدى المجتمعات والشعوب التي وصلت إلى هذه الحالة، إلى أن تتَّخذ من الأصنام، ما هي الأصنام؟ هي التماثيل المنحوتة بأشكال معينة: سواءً من الحجارة، البعض ينحتونها من الصخور، أو من الأخشاب، أو من مواد أخرى يتم تصنيعها منها، المواد الأولية متنوعة يعني، وصل الحال ببعضهم أن كانوا يصنعونها من العجين والتمر، فيما إذا دهمتهم أزمة شديدة، وحصل لهم مجاعة، يقومون بأكلها، بدلاً من عبادتها.

هذه الحالة من التخلف والانحطاط الكبير انتشرت في مجتمعات كثيرة، وعلى مدى عصور كثيرة، ولا زالت في عصرنا هذا، بالرغم من كل التقدم في هذا العصر، عصر الفضاء، والتكنولوجيا، والأقمار الصناعية… وبقية الأشياء، من نفس تلك المجتمعات لا يزال هناك من هم في هذا المستوى من التخلف، والانحطاط الفكري، بحيث يتقبَّلون أن يعتقدوا تلك الأصنام التي تُصنع، إمَّا تُنحت من الحجارة كما قلنا، أو من أي مواد أخرى، في هذا العصر هناك البلاستيك أيضاً، هناك… بحسب الحالة والظروف لدى المجتمعات والأقوام، البعض من الذهب يصنعونها، لكنهم وهم يصنعونها وينتجونها هم، أو يشترونها ممن أنتجها من أمثالهم بالمال، يشتروها بالمال، يعني: هي ملكهم، ثم يعتقدونها آلهة، ويعتقدونها شريكةً لله في الألوهية، ويعتقدون أنفسهم عبيداً لها، يعني: أسوأ مستوى من التخلف الفكري والانحطاط لدى البشر، وتجاه أكبر قضية!

يعني: لاحظوا أين يمكن أن يصل الضلال بالإنسان! في أكبر قضية يفترض أن تكون بالفطرة واضحةً تماماً للإنسان، لا تحتاج إلى نقاش، لا تحتاج إلى جدل، لا تحتاج إلى تعب في الإقناع، أن تتحول هي ملتبسة على الإنسان إلى هذه الدرجة، ويقبل فيها كل ما هو متنافٍ تماماً مع الفطرة، مع الرشد، مع البديهيات؛ لا هي تملك القدرة، ولا هي تملك النفع، ولا هي تملك الضر، ولا هي تملك أي تأثير.

وهكذا كانوا على مدى أجيال كثيرة من المجتمعات البشرية، ومجتمعات كثيرة، وأمم وأقوام، يعتكفون عليها، يطلبون منها شفاء أمراضهم، يتعبدون لها بطقوس معينة، يُعبِّرون عن أنهم عبيد لها، يشهدون لها بالألوهية، وقد يحتاجون في مرحلة معيَّنة إلى أن يبدلوا الصنم بصنم جديد، أو إلى ترميمه إذا تعرض لحالة معينة، في بعض المجتمعات كانت تحصل زلازل مثلاً، ويتحطم الصنم، فيقومون بإنتاج صنم آخر، أو يأتي نحَّات ليصنع شكلاً أجمل من ذلك الصنم، ويحصل على مبلغ مالي أكثر من الذهب والفضة، ويُستبدل ذلك الصنم بصنم آخر، بل تصل الحالة إلى مستويات في غاية السخافة، في غاية السخافة!

في الواقع العربي في الجاهلية، في حالة السفر، عندما يكونون مسافرين، وابتعدوا في أسفارهم عن أصنامهم، التي هي في بلدانهم، فهم بحاجة إلى إله سفري، إلى صنم يعني مع حاجة السفر في ظروف السفر، يصلون إلى وادٍ معين، أو إلى منطقة مُقفرة، يبحثون عن أي صخرة تختلف عن بقية الصخور، صخرة ملساء مثلاً، أو لها شكل ملفت، ثم يقومون بالطواف عليها، والعبادة لها، والتقرب إليها، أو يذبحون لها، ويقدمون لها القرابين، ثم يتضرعون إليها، ويطلبون منها أن تحميهم، وأن تحفظهم، وأن تحفظ ما معهم في سفرهم من البضائع، أو المتاع… أو غير ذلك، هكذا، يعني سخافة إلى أنهى مستوى!

هذا التوبيخ الذي وجَّهه نبي الله إبراهيم، والاستنكار في خطابه لأبيه آزر: {أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً}؛ لأن المسألة في بطلانها في منتهى الوضوح، باطل واضح يعني، كيف تنحت صخرةً، أو خشبةً، أو عوداً، أو أي شيءٍ آخر، أو تصنع أنت، أنت تصنع من مواد معيَّنة ما تعتقده إلهاً لك، وتعتقد نفسك عبداً له، ثم تطلب منه كل شيء: تريد أن ينصرك، أن يحفظك، أن يرزقك، أن يعينك، وقد يتغير الحال وتستبدله بصنم آخر، أو حالة أخرى!

فهذه الحالة الغريبة جدًّا ما الذي وراءها؟ ما الذي يصل بالناس إلى هذا المستوى، ووصل بالمليارات من البشر؟ يعني: الآن، في هذا العصر، في عصرنا وزمننا، العصر الذي هو- ربما- من أزهى عصور الدنيا، هناك نسبة كبيرة من البشر لا يزالون مشركين، المعابد في كل مكان، وهناك أشكال أخرى سنتحدث عنها أيضاً من حالة الشرك.

الحالة التي تصل بالبعض من الناس، على مستوى أمم والشعوب، إلى هذا المستوى من الانحطاط والتخلف الفكري هي ماذا؟ هي الضلال والمضلون، والابتعاد عن الهدى والهداة، فهي نتيجة لهذا؛ ولهـذا قال نبي الله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَامُ”: {إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}، الضلال هو الذي يصل بالناس إلى أن يتقبلوا أي باطل، مهما كان سخيفاً وسيئاً، ومهما كان فظيعاً، فظيعاً جدًّا، يعني: فيه تَنَكُّر لحق عظيم، لحق مهم، لمبادئ عظيمة ومقدَّسة؛ لأن هذا الضلال الذي يصل بالناس إلى الشرك بالله، هو- مع سخافته، ومع وضوح بطلانه- هو تنكُّر لأعظم مبدأ، وهو مبدأ: أن الله وحده الذي هو ربُّ العالمين، وخالق السماوات والأرضين، والمالك لكل شيء، هو الإله الحق الذي لا إله إلا هو، يجب أن نتوجه بالعبادة إليه وحده، فيما نرجوه، فيما نخشاه، فيما نرغب فيه، كذلك بالتعبّد وفق شرعه، ونهجه، وتعليماته، والالتزام بهديه… وغير ذلك.

حالة الضلال هي التي تهيئ الإنسان لتقبّل الباطل، لتقبّل السخافات، لتقبّل أي شيء مهما كان سيئًا جدًا؛ ولهـذا يأتي في القرآن الكريم التحذير الواسع من الضلال والمضلين، الذين ينحرفون بالناس، ويجعلونهم يتقبلون أفكاراً خاطئة، تصورات خاطئة، مفاهيم خاطئة وسخيفة، وتتحول إلى دين يتدينون به، ولهـذا عندما نتأمل في هذه المسألة، وهي مسألة مهمة؛ لأن تأثيرها في واقع البشر كبيرٌ جدًّا، فهناك فئة المضلين، الذين لهم الدور.

يعني مثلاً: الصنم الحجري، ليس هو الذي بنفسه، مثلاً بشكله قام ينطق ويتحدث، ويقنع الناس أنه إله؛ المُضِل الآخر، هناك إنسان مُضِل، هو الذي وصل بهم إلى أن يعتقدوا أن تلك القطعة من الحجر التي نحتوها، أو من الخشب، أو من الذهب، أو من أي معدنٍ آخر، أو من العجين والكعك… أو من أي شكلٍ آخر، أنها هي الإله، وأنهم عبيدٌ لها، وأن عليهم أن يتقربوا لها بكل شيء، وأن يطلبوا منها كل شيء، المُضِل، المُضِلون خطيرون جدًّا على الناس، والفئة المضلة هي فئة محدودة من الناس، لكنها تخدع الكثير، ينخدع لها الكثير من الناس، مُضل قد يضل أُمَّةً بأسرها، مُضِل واحد، فالمسألة خطيرة جدًّا.

مثلاً: في قصة الأصنام، ما الذي كان يحدث؟

في مجتمع نبي الله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، كان هناك سلطة ظالمة، على رأسها طاغٍ متكبر، وصل به الطغيان إلى أن يدَّعي لنفسه الربوبية، هذه واحدة.
ثم هناك أيضاً معه فئة نافذة في المجتمع، أصبح لها تأثير في المجتمع، وأصبح المجتمع مرتبطاً بها، وبناء على هذه الروابط تريد أن تحافظ على ذلك الوضع؛ لأنها تستغله هو في التأثير على البقية.
هناك فئة مستفيدة على المستوى المعنوي والمادي، مثل: منتجي الأصنام، الذين يصنعونها، ويبيعونها بأثمان غالية، سعر الإله حقهم سعر غالي يعني، وإذا كان بشكل معيَّن يرفعون السعر! فئة مستفيدة.
كهنة المعابد أيضاً، كهنة المعابد الذين هم من يستفيد مما يقدَّم من نذورات، وقرابين، ومأكولات، لتلك التي يسمونها بالآلهة… وهكذا.
تلك الفئة لأنها مستفيدة؛ تُصِرّ على ترسيخ ذلك، ثم في واقع الناس يرسخون هالة من الأساطير المعينة عنها، أنها: [فعلاً فلان قدَّم لها قرابين وشفي مريضه، وفلان قدَّم قرابين وعاد قريبه الذي كان مسافراً بسلام، وفلان كذا…]، أساطير تُحاك حولها، [وفلان لم يُقدِّم لها القرابين الجيدة فحصل له مصيبة…]، ومن هذه الأساطير، وتعُمّ الحالة، ثم تستمر- أحياناً- لأجيال، حتى تتحول من المُسَلَّمَات الراسخة، وتحاط بحساسية شديدة، تجاه مسألة الانتقاد لها، أو التشكيك بها، أو طرح تساؤل عنها، يتحول هذا إلى أمر خطير جدًّا، ومحظور للغاية، بحيث قد يتعرض الإنسان للاستهداف بشكلٍ مباشر، وهكذا تتحول الحالة العامة إلى حالة يحكمها ذلك الضلال، وذلك الباطل.

ولهذا يقول نبي الله إبراهيم: {وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[عنكبوت:25]، هذه العلاقات، والروابط، والنفوذ، والصداقات، التي تُجَذِّر مثل ذلك الباطل، وتحمي ذلك الباطل، وتقدمه محمياً.

ثم من أخطر أنواع الضلال: ما يُقدَّم ديناً، يعني: الضلال واسع: ضلال في أفكار الناس، في تصوراتهم، في مفاهيمهم، التي هي بعيدة عن الهدى، وعن قنوات الهداية ومصدر الهداية، ولكن عندما يكون هناك- مثلاً- ما هو باسم معتقدات دينية، ما هو باسم دين، وهو من الضلال، ليس من دين الله الحق، فالمسألة خطيرة جدًّا، أكثر خطورة؛ لأن الناس في مسألة التدين والالتزام الديني، ولاسيَّما البعض منهم، يعني: التدين عندهم قويٌ جدًّا، إن تدين بالباطل، كان شديداً؛ وإن تدين بالحق، كان قوي الالتزام ومتمسكاً، ما يتحول إلى معتقدات دينية، وهو من الضلال، يصبح الكثير من الذين يؤمنون به، يعتنقونه، يتقبّلونه، يقتنعون به، أكثر التزاماً وتمسكاً، وأشد تشبثاً به، ويصعب إقناعهم عن تركه، ويتعصبون له بشدة.

وهذا ما حصل في معتقدات المشركين، كانوا يتعصبون جدًّا لأصنامهم، إلى درجة أن يقاتلوا من أجلها، وأن يعادوا من يعترض على عبادتهم لها، أو ينتقد ذلك، أو يطرح علامات الاستفهام، وكانوا يخلصون إخلاصاً كبيراً فيما يقدمونه لها، يعني: إلى درجة أن البعض منهم- من شدة الإخلاص- كان يُقدِّم ابنه وفلذة كبده قرباناً لها، ويذبح ابنه عند الصنم، قرباناً إلى الصنم، ابنه، وهو عزيزٌ عليه.

حتى العرب في جاهليتهم، مع اهتمامهم بمسألة الأبناء الذكور، في صراعاتهم وموقفهم في الجاهلية المعروف من الإناث، معروفٌ جدًّا، {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ}[النحل:58]، قد يكون له ابن عزيزٌ عليه جدًّا، من شدة معزة ابنه عليه، يرى أنه أحسن قربان يقدِّمه لتلك الخشبة التي يعتقدها إلهاً، ذلك الصنم، الذي هو إمَّا من صخر، أو من عود… أو غير ذلك، يذهب بابنه، يأخذ السكين ويذبحه، قرباناً لذلك الصنم؛ ولهـذا قال الله: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}[الأنعام:140]، يصل بهم الحال إلى هذا المستوى، {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ}[الأنعام:137].

يحكي لنا القرآن الكريم عن مدى تشبثهم، عصبيتهم، في قوله تعالى: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ}[ص:6]، يقولون عن رسول الله: {إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا}[الفرقان:42]، يعني: يصل بهم الحال إلى أنه يغضب لصنمه أكثر مما تغضب أنت كمسلم من أجل الله، من أجل دينك، من أجل مقدساتك، إذا لم يكن انتماؤك الإيماني قوياً، هذا هو بسبب الضلال؛ ولهـذا قال إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَامُ”: {إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}.

نكتفي بهذا المقدار، ونواصل الحديث- إن شاء الله- عن هذا الموضوع في المحاضرة القادمة.

نَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

مقالات مشابهة

  • (نص) المحاضرة الرمضانية الخامسة للسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي
  • نص المحاضرة الرمضانية الخامسة للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 1446هـ
  • انطلاق منافسات بطولة الشهيد القائد الرمضانية لكرة القدم
  • اربعينة السيد الشهيد كربلاء لبنان وطف العاشقين
  • المحاضرة الرمضانية الرابعة للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي (نص + فيديو)
  • عماد الدين حسين: لا بد من العمل لإقناع ترامب بالخطة العربية من أجل فلسطين
  • السيد القائد.. جهدٌ رائد في توعية الأُمَّــة
  • محاضرات السيد القائد الرمضانية.. وقود العزيمة وزاد الإيمان
  • نص المحاضرة الرمضانية الثالثة للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 1446هـ
  • (نص) المحاضرة الرمضانية الثالثة للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي