غزة شاهدة على الظلم والطغيان العالمي
تاريخ النشر: 22nd, January 2025 GMT
◄ الدماء التي سالت من خلف تلك الجدران المتهدمة ستبقى دليلًا على الطغيان والمعاملة اللاإنسانية التي أظهرها الغرب
محمد بن سالم التوبي
من يرى حجم الدمار الشامل الذي خلَّفه جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، يقف عاجزًا أمام هذه الأهوال المُريعة التي لم تُبق ولم تذر، فقد قضت على الأخضر واليابس، ودمرت كل شيء على وجه تلك الأرض، والعالم شاهدٌ على حجم المأساة التي باتت عارًا على جبين الإنسانية، والتي ارتضت أن تشهد وتُعين الكيان ليفعل ما فعل في تلك البقعة من الأرض، من وحشية وإجرام وخراب لم تخلفه الآلة الإسرائيلية وحدها، وإنما تسببت فيه الدول الكبرى التي أعانت إسرائيل على فعل ما لا تستطيع فعله، لولا وقوفها سندًا لتفعل كل ذلك.
الدماء التي سالت من خلف تلك الجدران المتهدمة ستبقى دليلًا على الطغيان والتباين في المعاملة اللاإنسانية التي أظهرها الغرب تجاه كل الدماء التي أريقت وقد ضرب عرض الحائط بكل المواثيق والسنن والأعراف الدولية التي سنت من أجل حماية الإنسان في حال الحرب، أيُعقل أن تكون هذه الحرب بهذه الوحشية التي تعاملت بها الدول الكبرى مع مدينة صغيرة مثل غزة التي قضت فيها الصواريخ الغربية على كل شيء من غير رحمة ولا دمعة لطفل أو امرأة أو شيخ كبير معزول عن السلاح؟!
أتساءل آلاف المرات عن الضمير العالمي الذي كنَّا نحسبه حيًّا ولكن كشفت لنا هذه الحرب أن الضمير الغربي وحتى العربي ضمير في عداد الموتى إلا من الشعوب الحرة التي ما زال ضميرها ينبض بشيء من الرحمة لهؤلاء الأطفال والشيوخ والنساء الذين آلمهم الوضع الذي مرَّت به غزة وأهلها من ظلم وقتل وسفك للدماء لم تشهده الإنسانية في عصرنا الحديث حتى في الحروب التي شهدتها أفغانستان أو العراق أو حتى البوسنة والهرسك والحرب الحالية بين روسيا والمعسكر الغربي فهناك احترام للمعاهدات والأعراف الدولية المتعارف عليها في حال نشوب الحرب.
حصيلة الحرب من الشهداء تُقارب 50 ألفًا، جُلُّهم من الأطفال والنساء والشيوخ، وما يزيد من 110 آلاف جريح في غضون 15 شهرًا من حرب الإبادة المتواصلة، لم يستطع، أو لم يحاول بالأحرى أي من الدول الكبرى الوقوف في وجه الكيان الإسرائيلي حتى من منطلق إنساني أو قانون دولي رادع، على الرغم من كل المحاولات التي قامت بها المحكمة الدولية أو الأمم المتحدة فعبثًا كل الذي قيل، ففي كل مرة كانت الدول الكبرى هي من يحمي حمى إسرائيل في كل جرائمها وإباداتها وفتكها المخالف للقيم والمبادئ العالمية.
من يتابع حجم الخراب في قطاع غزة يجد أنها حرب وحشية خلفت دمارًا يحتاج لسنوات طويلة، وسيظل شاهدًا على حجم المُعاناة التي يواجهها القطاع في العيش الكريم وكُلفة التعامل مع هذه الجبال من الركام والمخلفات التي ستحتاج إلى موارد مالية كبيرة للتعامل معها وإعادة الحياة إلى القطاع وعودة الناس إلى الحياة بشكل مقبول يكفل لهم الأسباب الرئيسية للعيش، وكيف للإنسان أن يعيش في هذا الدمار المسبب للأمراض والذكريات المؤلمة التي واجهها أهل غزة بدمائهم وصدورهم عزلاً لا يملكون من الحياة إلا أنفاسهم وأرواحهم التي بذلوها من أجل تراب وطنهم العزيز.
حتى وإن سلمنا جدلا أن الحرب المستعرة قد خفت أوارها فلم يبق شيء على الأرض يمكن أن يذهب إلى إسرائيل بمسمى الحرب فقد أكلت صواريخها وطائراتها كل شيء يمكن أن يختفي تحته مخلوق واحد، فأيُّ حرب ضروس هذه الحرب وأي مجتمع إنساني يحكم هذه الأرض وقد تبلج الظلم واستبيح الإنسان وتبلدت المشاعر، وتبدلت المفاهيم وأهينت الكرامة الإنسانية بكل الأشكال ورمى العرب عرضهم وكرامتهم ليلغ فيه أسوأ من خلق الله وباعوا دينهم بدنياهم وآخرتهم بدراهم معدودة.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ما الذي تحقق من أهداف نتنياهو بعد 15 شهرا من الحرب؟
على مدار 15 شهرا، لم يتوقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن تكرار أهدافه من الحرب على قطاع غزة، التي كان في مقدمتها إنهاء الوجود العسكري والسياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وإلى جانب القضاء على حماس، وضع نتنياهو هدفين رئيسيين آخرين، هما استعادة الأسرى بالقوة ومنع أي تهديد مستقبلي لإسرائيل يمكن أن يخرج من غزة.
ووفقا لتقرير أعده صهيب العصا للجزيرة، فقد كان القضاء على حماس عسكريا وسلطويا يعني أن الحركة لن تكون موجودة في اللحظة التي سيتم فيها الإعلان عن وقف إطلاق النار، في حين كان الهدف الإستراتيجي ألا يصبح القطاع مصدر تهديد للأبد.
وبين هذين الهدفين، كان هدف استعادة الأسرى حاضرا دائما، خاصة أن هؤلاء هم الذين يفترض أن الحرب قد اندلعت من أجلهم بالدرجة الأولى.
تجويع وتدمير واعتقال
ولتحقيق هذه الأهداف، حاصرت إسرائيل القطاع تماما ومنعت دخول الدواء والغذاء والوقود إليه، وألقت على سكانه أطنانا من المتفجرات حتى أحالته جحيما.
وخلال عمليات التدمير الممنهجة، اعتقلت قوات الاحتلال آلاف الفلسطينيين من داخل المؤسسات التعليمية أو الطبية أو الخدمية التي دخلتها، ودفعت مليوني إنسان للنزوح مرات عديدة.
إعلانوقتلت إسرائيل -بقرار سياسي- أكثر من 46 ألف إنسان وأخفت ما يصل إلى 10 آلاف آخرين، أملا في تحقيق أهداف نتنياهو وحكومته المتطرفة ومن انضم لمجلس حربه من الساسة الإسرائيليين.
لكن دولة الاحتلال بدأت تستفيق من الصدمة والغضب بعد مرور 8 أشهر من أطول حروبها، فانسحب رئيس الأركان السابق بيني غانتس والقائد السابق في الجيش غادي آيزنكوت من مجلس الحرب بعد أسابيع من الخلافات والتهديدات المتبادلة.
واتهم الرجلان نتنياهو بعدم امتلاك إستراتيجية عسكرية وسياسية لمسار الحرب، وقد نزلا إلى جوار المعارضة في الشارع يطالبونه بالتوصل إلى اتفاق يعيد الأسرى.
كما توترت علاقات نتنياهو مع حلفائه الغربيين على وقع إيغاله غير المبرر في الدم الفلسطيني دون الوصول إلى أي من أهداف الحرب. وتأزمت علاقته مع واشنطن بعد مراوغته أكثر من مرة في المفاوضات بوضع شروط جديدة.
وقبل ذلك وبعده، لم يستمع نتنياهو لتحذيرات الرئيس الأميركي السابق جو بايدن من احتلال مدينة رفح جنوب القطاع والتوغل في محور فيلادلفيا على الحدود الفلسطينية المصرية.
وقد تجاوز نتنياهو كل ذلك، ولم يترك صورة تشير إلى استمراره في الحرب إلا التقطها، فدخل قطاع غزة مع جنوده وأعلن أنه لن يتراجع عن القتال حتى يحقق أهدافه الثلاثة التي وضعها.
ومع كل توغل في غزة، كانت إسرائيل تخسر مزيدا من الجنود، ومع كل محاولة لتحرير الأسرى كان يقتل عددا منهم.
نتنياهو في محور نتساريم بقطاع غزة (إعلام الجيش الاسرائيلي) فشل في استعادة الأسرىولم تنجح إسرائيل في استعادة أي من أسراها إلا مرة واحدة عندما استعادت 4 من بين 250 أسيرا، وقتلت وأصابت في سبيل ذلك مئات المدنيين الفلسطينيين في مخيم النصيرات بعد 8 أشهر من القتال، ووقفت العملية كلها على حافة الفشل.
ولم يكن كل ذلك كافيا لوقف التظاهر في الشارع الاسرائيلي، حيث أكد المحتشدون مرارا قناعتهم بعدم قدرة نتنياهو على تحقيق أهداف الحرب وتحديدا إعادة الأسرى أحياء دون صفقة مع حماس.
إعلانومع استمرار الحرب، بدأ خصوم نتنياهو السياسيون يتهمونه بالتهرب من عقد صفقة تبادل أسرى، حفاظا على مستقبله السياسي. وقال غانتس وآيزنكوت إن الحرب فشلت في تحقيق أهدافها.
وقال زعيم المعارضة يائير لبيد إن النجاح الوحيد الذي يمكن للحرب تحقيقه هو التوصل لصفقة تعيد الأسرى أحياء. بينما واصل وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير (استقال احتجاجا على وقف القتال) ووزير المالية بتسلئيل سموترتيش تمسكهما بأن الحرب حققت إنجازات هامة، وأن مواصلتها مهمة جدا لتحقيق بقية الأهداف.
وظل الانقسام السياسي سيد المشهد في إسرائيل حتى منتصف الشهر الجاري عندما تم الإعلان عن التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار، بعد مفاوضات مضنية تعثرت شهورا بسبب تعنت نتنياهو.
ومنح الاتفاق أملا في توقف للحرب وانسحاب للقوات الإسرائيلية من القطاع والدفع بمزيد من المساعدات للسكان الذين سمح للنازحين منهم بالعودة إلى ديارهم.
لكن الاتفاق الذي تم إعلانه كان مع حركة حماس التي تعهد نتنياهو باجتثاثها تماما، وقد نص على استعادة من تبقى من الأسرى الإسرائيليين الأحياء مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين قدامى في سجون الاحتلال.
وتمثل بنود الاتفاق كل ما تمسكت به المقاومة طوال شهور الحرب، وقالت إنه سيكون السبيل الوحيد لوقف الحرب وإعادة الأسرى.
ويوضح الاتفاق دون لبس أن إسرائيل عقدت صفقة مع حماس في النهاية ولم تسترجع أسراها دون الثمن الذي طلبته الحركة في أول الحرب. وقبل هذا وذاك، لم تسلم المقاومة سلاحها كما كان نتنياهو يريد رغم ما لحق بها من خسارة في العدد والعتاد.