الحلف بغير الله.. قالت دار الإفتاء المصرية إن العلماء اتفقوا على أن الحالف بغير الله لا يكون كافرًا حتى يُعَظِّم ما يحلف به من دون الله تعالى، فالكُفْرُ حينئذٍ من جهة هذا التعظيم لا من جهة الحلف نفسه.

حكم الحلف بغير الله

والحلف بما هو مُعَظَّم في الشرع كالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والإسلام والكعبة لا حرج فيه؛ لأنه لا وجه فيه للمضاهاة، بل هو تعظيمٌ لما عظَّمه الله، وظاهر عموم النهي عن الحلف بغير الله غير مراد قطعًا؛ لإجماع الفقهاء على جواز الحلف بصفاته سبحانه، فهو عموم أريد به الخصوص.

أما الترجي أو تأكيد الكلام بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بغيره مما لا يُقْصَد به حقيقةُ الحلف فغير داخل في النهي أصلًا، بل هو أمر جائزٌ لا حرج فيه؛ لوروده في كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكلام الصحابة وجريان عادة الناس عليه بما لا يخـالف الشـرع الشـريف، وليس حرامًا ولا شركًا كما يُقال، ولا ينبغي للمسلم أن يتقول على الله بغير علم، ولا يجوز له أن يتهم إخوانه بالكفر والشـرك فيدخـل بذلك في وعيد قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا كَفَّرَ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا» رواه مسلم.

حكم الحلف وتأكيد الكلام والترجي بما هو معظم شرعًا
وأوضحت الإفتاء أن الإسلام وأهل الجاهلية كانوا يحلفون بآلهتهم على جهة العبادة والتعظيم لها مضاهاة لله سبحانه وتعالى عما يشركون كما قال عز وجل واصفًا لحالهم: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ﴾ [البقرة: 165]، فنهى النبي صلى الله عليه وآلـه وسلم عن ذلك حماية لجنـاب التوحيد فقـال: «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى، فَلْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ» رواه .

وكذلك نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن التشبه بأهل الجاهلية في حلفهم بآبائهم افتخارًا بهم وتقديسًا لهم وتقديمًا لأنسابهم على أخوة الإسلام جاعلين ولاءهم وعداءهم على ذلك، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «أَلَا إِنَّ اللهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ وَإِلَّا فَلْيَصْمُتْ» متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

حكم الترجي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم
أما عن الترجي أو تأكيد الكلام بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بغيره مما لا يُقْصَد به حقيقةُ الحلف فغير داخل في النهي أصلًا، بل هو أمر جائزٌ لا حرج فيه؛ حيث ورد في كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكلام الصحابة الكرام، فمن ذلك:
ما رواه مسلم في "صحيحه" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأَنَّهْ؛ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْبَقَاءَ ...» إلخ.
وروى في "صحيحه" أيضًا عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه في حديث الرجل النجدي الذي سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الإسلام ... وفي آخره: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ أو دَخَلَ الْجَنَّةَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ».
وروى ابن ماجه في "سننه" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَبِّئْنِي بِأَحَقِّ النَّاسِ مِنِّي بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ، فَقَالَ: «نَعَمْ، وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأَنَّ؛ أُمُّكَ ...» إلخ.
وروى الإمام أحمد في "مسنده" عَنْ أَبِي الْعُشَرَاءِ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَمَا تَكُونُ الذَّكَاةُ إِلَّا فِي الْحَلْقِ أَوِ اللَّبَّةِ؟ قَالَ: «وَأَبِيكَ لَوْ طَعَنْتَ فِي فَخِذِهَا لأَجْزَأَكَ».
وروى في "مسنده" أيضًا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِطَعَامٍ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ فَقَالَ: «نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ»، فَنُووِلَ ذِرَاعًا فَأَكَلَهَا، ثُمَّ قَالَ: «ناوِلْنِي الذِّرَاعَ»، فَنُووِلَ ذِرَاعًا فَأَكَلَهَا، ثُمَّ قَالَ: «نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا هُمَا ذِرَاعَانِ! فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «وَأَبِيكَ لَوْ سَكَتَّ مَا زِلْتُ أُنَاوَلُ مِنْهَا ذِرَاعًا مَا دَعَوْتُ بِهِ».
وروى الإمام مالك في "الموطأ" في قصة الأَقْطَعِ الَّذِي سَرَقَ عِقْدًا لأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال له: "وَأَبِيكَ مَا لَيْلُكَ بِلَيْلِ سَارِقٍ"، وروى الشيخان أن امرأة أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت له: "لا وَقُرَّةِ عَيْنِي لَهِيَ الآنَ أَكْثَرُ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِثَلاثِ مَرَّاتٍ" تعني طعام أضيافه.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الحلف الحلف بغير الله حكم الحلف بغير الله الترجي بالنبی صلى الله علیه وآله وسلم النبی صلى الله علیه وآله وسلم الحلف بغیر الله رضی الله عنه ق ی ا ر س ول ی الله ع ى الله ع ذ ر اع ا ر الله

إقرأ أيضاً:

بعد غلاء الأسعار.. دار الإفتاء تكشف عن بدائل الشبكة الذهب للمقبلين على الزواج

ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (ما هي بدائل الشبكة التي تكون من الذهب للمقبلين على الزواج في الإسلام؟ حيث ارتفعت أسعار الذهب في الآونة الأخيرة ارتفاعًا كبيرًا، ممَّا ترتَّب عليه صعوبة تحصيل (الشبكة) من بعض الشباب المقبلين على الزواج؛ فهل لا بد أن تكون من الذهب، أو يجوز أن نضع لها بدائل، كأن تكون من الفضة مثلًا؟

دينا أبو الخير تكشف شروط الزواج وحكم العقد العرفي بين الشباب.. فيديوفى ذكرى وفاته.. قصة زواج وانفصال محمود الجندى عن عبلة كاملبدائل الذهب للشباب

وقالت دار الإفتاء في إجابتها عن السؤال، إنه إذا تم التراضي عند الخطبة على كون الشبكة من أي مال آخر له قيمة؛ كالفضة وغيرها بدلًا عن المصوغات الذهبية، فلا مانع من ذلك شرعًا، بل هو الأقرب لتحقيق مقاصد الزواج الشرعية؛ تيسيرًا لأمر الزواج وترغيبًا فيه.

وأوصت دار الإفتاء المصرية المُقبلِينَ على الزواج وذويهم بعدم المغالاة أو المبالغة في مطلوبات الزواج، ولا في تجهيزات بيت الزوجية؛ فذلك من جملة ما حَثَّ عليه الشرع الشريف وحَضَّ عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وأوضحت أن قبول الشبكة والهدايا في الجملة إعلان -في العرف- عن وعد بالزواج، ووسيلة له؛ وهي أمر مطلوب ومحمود؛ لأنها من قبيل مقدمات النكاح المرغب فيه شرعًا ما دام عقد الزواج لم يتم بأركانه وشروطه الشرعية؛ لما فيه من المصالح الفردية والاجتماعية والإنسانية، وقد جرت عادةُ الناس بأن يُقدِّموا هذه الأمور على عقد الزواج؛ لِتَهْيِئَةِ الجَوِّ الصالح بين الخاطب وخطيبته وعائلتَيهما تمهيدًا لإتمامه إذا حصل التوافق والقَبول.

بدائل الشبكة الذهب

وتابعت: كل ما كان مالًا أو عينًا متقومة بمال: يصلح أن يكون من الشبكة، سواء كان ذهبًا أو فضة أو نحوهما، ومقتضى ذلك أنه إذا تم التراضي على كون الشبكة من المصوغات الفضية بدلًا من المصوغات الذهبية فلا مانع شرعًا؛ تيسيرًا على الخاطب، بل هو أقرب إلى مقصد الشريعة الغراء من تيسير أمر الزواج وتخفيف المؤنة على الخاطب، ممَّا يحصل معه حفظ النسل، وغض البصر، وصيانة الفرج، إلى غير ذلك من المقاصد الشرعية الصحيحة في عقد النكاح.

ودعت الشريعة الغراء إلى رفع التكلف وعدم المغالاة عمومًا، وفيما ييسر أمر النكاح خصوصا؛ ليحصل مقصد الشرع الشريف من الحث على النكاح وإقامة الأسرة بطريق صحيح، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لرجل: «تَزَوَّجْ وَلَوْ بِخَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ» أخرجه البخاري.

وعن عائشة رضي الله عنها أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «أَعْظَمُ النِّكَاحِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُ مُؤْنَةً» أخرجه أبو نعيم في "الحلية".

وعن عليٍّ رضي الله عنه، قال: تَزَوَّجْتُ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنِ بِي، قَالَ: «أَعْطِهَا شَيْئًا» قُلْتُ: مَا عِنْدِي مِنْ شَيْءٍ، قَالَ: «فَأَيْنَ دِرْعُكَ الْحُطَمِيَّةُ؟» قُلْتُ: هِيَ عِنْدِي، قَالَ: «فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ» أخرجه النسائي في "سننه".

مقالات مشابهة

  • فضل الصلاة في الصف الأول.. الإفتاء تكشف ثوابها
  • دعاء الشفاء والوقاية من الحسد.. ردده كما قال النبي
  • كيف تعرف آيات سجود التلاوة في القرآن الكريم؟.. الإفتاء توضح
  • أنوار الصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام
  • دعاء بعد الركوع تحبه الملائكة وتتسابق عليه أيهم يصعد به إلى السماء
  • داعية: حالة واحدة يحصل فيها المسلم على نصف الأجر في صلاة السُنة
  • 4 صفات لمن يدخلون الجنة بغير حساب.. تعرف عليها
  • حكم ترديد الأذكار بالسبحة .. دار الإفتاء تجيب
  • بعد غلاء الأسعار.. دار الإفتاء تكشف عن بدائل الشبكة الذهب للمقبلين على الزواج
  • ما حكم الصلاة على ميت مديون؟ .. دار الإفتاء تجيب