الألغام في دير الزور.. حكايات الموت المؤجل
تاريخ النشر: 22nd, January 2025 GMT
دير الزور- في الوقت الذي تسعى فيه محافظة دير الزور (شرقي سوريا) للتعافي من آثار الحرب الطويلة التي دمرت المدينة، تظل الألغام الأرضية المنتشرة في المناطق السكنية والريفية على حد سواء تهديداً دائماً لحياة المدنيين.
وقد أودت تلك الألغام -التي زرعت خلال سنوات الثورة- بحياة الكثيرين وأصابت آخرين بجروح بليغة حيث وصل العدد إلى 14 قتيلا و28 مصابا خلال الشهر الماضي والجاري فقط حسب مصادر محلية، مما يكشف عن التحديات الكبيرة التي تواجه جهود استعادة الحياة الطبيعية في المحافظة.
قبل انسحاب قوات النظام المخلوع والمليشيات المساندة من المحافظة قامت بزرع أعداد كبيرة من الألغام، ومنعت المدنيين من الخروج إلى باديتها لأمور اعتبرتها أمنية آنذاك.
وبعد خروج قوات النظام من المحافظة، تفاجأ سكان دير الزور بالمأساة التي تنتظرهم في ريف المحافظة وباديتها، فمع لجوء الأهالي إلى البادية من أجل الحصول على الحطب الذي يستخدم في التدفئة تكشفت حجم الكارثة بانفجار العديد من الألغام الموضوعة من قبل قوات النظام.
ويقول عبود الوكاع أحد سكان قرية الكشمة في ريف دير الزور -للجزيرة نت- إنه أصيب في قدمه اليمنى، وماتت زوجة أخيه جراء انفجار لغم كما بترت قدم أخيه اليمنى أيضا بعد انفجار لغم أرضي أثناء محاولتهم جمع الحطب في البادية القريبة من منازلهم.
إعلانويضيف أنه لم يتمكن من الحصول على الرعاية الصحية المناسبة بسبب تدهور القطاع الصحي في المحافظة، حيث تم نقل شقيقه إلى العاصمة دمشق من أجل العلاج، مؤكدا الحاجة الماسة إلى كاسحة ألغام لإزالة الألغام التي تملأ محيط منازلهم وتسببت بمقتل العديد من سكان قريته والقرى المجاورة.
وفي حادثة مشابهة، فقد كل من غدار وزكريا الشبلي (25 و18 عاماً) حياتهما جراء انفجار لغم في بادية دير الزور أثناء خروجهما المعتاد إلى الصحراء مؤخراً، حسب ما أفاد عمهما منسي للجزيرة نت من مجلس العزاء.
وأشار العم الشلبي إلى أن بادية المحافظة "مليئة بالألغام التي زرعتها المليشيات الإيرانية وقوات النظام السابق" محذرا الأهالي من التوجه إلى تلك المناطق مهما كانت الظروف.
بدوره، يوضح أبو صالح (إمام مسجد في قرية الكشمة) -للجزيرة نت- أن المناطق القريبة من المساكن زرعت فيها الألغام بكثافة، مؤكداً حدوث العديد من الحوادث القاتلة، وأن هناك تهورا من قبل بعض الأهالي الذين يغامرون بالخروج إلى مناطق مليئة بالألغام.
وأضاف أن "المليشيات الإيرانية وقوات النظام زرعت هذه الألغام لإغلاق الطرق أمام المدنيين، والنتيجة هي خسائر يومية في الأرواح" مطالبا الجهات المعنية بسرعة التحرك لتوفير كاسحات ألغام وتنفيذ برامج توعية للسكان.
ألغام عشوائيةتنتشر الألغام في دير الزور بشكل عشوائي نتيجة تعاقب القوى المسيطرة على المنطقة، من نظام بشار الأسد إلى تنظيم الدولة ثم المليشيات الإيرانية.
ويقول الخبير العسكري العقيد فايز الأسمر إن هذه الألغام تشمل أنواعا مختلفة، منها ما هو مضاد للأفراد أو مضاد للدروع، وبعضها صُمم ليبدو كحجارة أو ألعاب أطفال، مما يزيد من خطورتها وصعوبة اكتشافها.
وأضاف -في حديثه للجزيرة نت- أن عمليات إزالة الألغام تواجه تحديات كبيرة، أبرزها غياب الخرائط التي توضح أماكن زرع الألغام، وقلة الفرق الهندسية المختصة، وانتشار الألغام بكثافة في مناطق مثل حي الصناعة والطحطوح داخل مدينة دير الزور، إضافة إلى قرى المياذين والقورية والكشمة ودبلان وصبيخان والبوكمال في الريف الشرقي.
من جانبه، يوضح عبد الله الحسين المتطوع في الدفاع المدني ومسؤول استجابة دير الزور -في حديثه للجزيرة نت- أن فرق الدفاع المدني يقتصر عملها حالياً على وضع إشارات تحذيرية في المناطق الملوثة بالألغام وتوعية الأهالي بمخاطرها.
وأضاف الحسين أن الفرق تتلقى البلاغات من السكان عن مواقع الألغام، لكن نقص المعدات والفرق الهندسية يمنعها من التعامل معها بشكل كامل، مما يجعل هذه المهمة خطيرة ومعقدة حيث تستوجب بعض الألغام التفجير بنفس الموقع الذي توجد بداخله.
إعلانلم تقتصر مشكلة الألغام على المناطق الريفية فقط، بل امتدت إلى داخل أحياء مدينة دير الزور كحي الصناعة والجبل المطل على المدينة، وأحياء هرابش والبغيلية وعياش إضافة إلى حي الطحطوح.
وأشار أبو عبد الله (أحد سكان الحي) -للجزيرة نت- إلى وجود ألغام زرعتها قوات النظام السابق قرب المراكز الأمنية التي كانت تستخدمها نقاط تفتيش، مضيفا أن هذه الألغام تُشكل تهديداً مباشراً للسكان خاصة الأطفال.
ولفت إلى أن الجهات المختصة وضعت علامات تحذيرية في تلك المناطق، لكنه شدد على ضرورة إزالتها بشكل كامل لضمان سلامة المدنيين.
ويرى الصحفي هيثم الحنت أن بعض المنظمات المحلية حاولت إزالة بعض الألغام من القرى السبع التي كانت تحت سيطرة قوات النظام والمليشيات الإيرانية الواقعة شرق الفرات بأوامر من قوات قسد (سوريا الديمقراطية) لكن جهودها كانت محدودة للغاية.
وأضاف الحنت -في حديث للجزيرة نت- أن ناشطي المنطقة قدموا مناشدات للمنظمات الدولية والجهات المعنية لإزالة الألغام، لكن معظمها قوبل بالوعود دون أي تنفيذ فعلي بسبب نقص الدعم والمعدات.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات قوات النظام للجزیرة نت دیر الزور
إقرأ أيضاً:
لويزا الألمانية.. تروي للجزيرة نت كيف أسلمت ورابطت في المسجد الأقصى
عندما بدأت التسجيل مع لويزا لورانزن وجدت فيها حماسة للتعبير عن رحلتها إلى الإسلام والرباط بالمسجد الأقصى، وانطلاقا نحو سرد تفاصيل دقيقة شكّلت انعطافات كبيرة في مسيرات حياتها المهنية والأكاديمية والدينية، وتدفقت العبارات لتروي للجزيرة نت تفاصيل هذه الرحلة.
فتقول لويزا عن نفسها: "عندما بلغت 20 عاما من عمري لم أكن أعرف عن الإسلام شيئا، ولم ألتق مسلما من قبل، حتى المنطقة التي أسكنها والأسرة الكبيرة التي أنتمي إليها لم يكن فيها مسلم واحد، واستمر ذلك حتى انتقلت لمتابعة دراستي في مدريد بإسبانيا".
ولويزا نشأت في فرانكفورت بألمانيا لأب أسترالي وأم ألمانية، وهي باحثة في السلام والصراعات الدولية، وكان موضوع أطروحتها لنيل درجة الماجستير عن المرابطات في المسجد الأقصى، وأنشأت مع زوجها براء أبو الخير مؤسسة في ألمانيا معنية بالدفاع عن القضية الفلسطينية.
وبراء أيضا وُلد في ألمانيا أيضا، ولأبوين فلسطينيين، ويعمل في مجال الهندسة الصناعية والطاقة المتجددة وحماية المناخ.
إسلام لويزا
شكّل وصول لويزا إلى إسبانيا نقطة تحول عظيمة في حياتها كلها، إذ للمرة الأولى تلتقي مسلمين عن قرب وتتعامل معهم، وكان تطوعها في منظمة إنسانية المدخل الأول الذي جعلها تعيد حساباتها، ولم يستغرق الأمر طويلا لاتخاذ قرار بأن الإسلام هو الطريق الصحيح الذي ينبغي السير فيه.
إعلاناستمرت لويزا في إسبانيا عامين، بدأت فيها دراسة العلوم السياسية، وركزت دراستها على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومن المفارقة أن فلسطين لم تكن موضوعا رئيسيا في دراستها آنذاك، ولم تكن تعرف الكثير عنها، حتى عندما يرد ذكرها في الدراسات الجامعية لديها تكون وجهة النظر أحادية.
ويشاء الله تعالى أن تصبح فلسطين محور دراستها في الماجستير والأبحاث الأخرى التي توالت بعد إسلامها، فتروي لويزا أنه رغم عدم معرفتها بأي فلسطيني عن قرب قبل إسلامها، فإنها شعرت برابطة الإسلام التي تجمعها مع المسجد الأقصى، وتحديدا عندما بدأت التعرف على الفلسطينيين.
بين إسطنبول والمدينةوتجسد هذا التعارف في زوجها براء وعائلته الفلسطينية، فأجداده من الذين عاشوا ويلات نكبة عام 1948، ووالداه ولدا مباشرة بعد النكبة في مخيم للاجئين الفلسطينيين، وهذا التعارف شكّل الباب الواسع الذي قدم مادة علمية أمام لويزا لكتابة أوراق بحثية عن القضية الفلسطينية على نحو يغاير انحياز الدراسات الألمانية تجاه الرواية الإسرائيلية.
وربما لعبت الصدفة دورا في تعرف لويزا على هذه الأسرة الفلسطينية، ففي مطار إسطنبول قابلت لويزا فتاة ألمانية من أصل فلسطيني أثناء توجهها إلى أداء مناسك العمرة، ولم يدم اللقاء كثيرا وذهبت كل واحدة في طريقها.
وفي اليوم الأخير من العمرة في المسجد النبوي بالمدينة المنورة قابلت لويزا الفتاة الفلسطينية نفسها، ولكن اللقاء هذه المرة امتد لوقت أطول، وتعمقت المعرفة وأخذت أبعادا أخرى للدرجة التي رشحتها الفتاة إلى أخيها، وسرعان ما تمت الخطبة.
زواج لويزا من براء لم يكن لقاء بين شخصين مجردين أو أسرتين مختلفتين، لكنه انفتاح على قضية ستشكل محور دراساتها واهتماماتها، وستضع في طريق معرفتها كتبا أخرى وسردية جديدة للصراع غير تلك السائدة في المدارس والجامعات الألمانية، والتي بالطبع تكون منحازة للمنظور الإسرائيلي.
إعلان
المرابطات بالقدس
تقول لويزا "المرة الأولى التي حظينا فيها بفرصة زيارة فلسطين والمسجد الأقصى كانت في رمضان (2023)، أي قبل نحو نصف عام من بدء الحرب والإبادة الجماعية على قطاع غزة، وكانت هذه لحظة تحول في رأيي، سواء في حياتي الشخصية أو في حياتي المهنية أو الأكاديمية، حيث تعرفت على أحد أكثر الشعوب صمودًا، وهم المرابطات في القدس".
وتروي الباحثة الألمانية ما وقفت عليه بنفسها: "هؤلاء النساء ممنوعات من دخول المسجد الأقصى منذ أكثر من عقد، وتصدر ضدهن أحكام من المحاكم العسكرية تمنعهن من دخول المسجد الأقصى. والآن بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 أصبح ذلك صعبًا للغاية عليهن ويكاد يكون مستحيلًا، ولكنهن ما زلن يمارسن مطالبهن بالتجمع عند أقرب نقطة يستطعن الوصول إليها قرب المسجد الأقصى".
ومن المفارقات التي وقفت عليها لويزا أن أغلب هؤلاء المرابطات يعشن في البلدة القديمة بالقدس، ومع ذلك يُمنعن من دخول المسجد الأقصى، "فكن يجتمعن عند البوابات الأقرب للمسجد ويصلين هناك ويفطرن ويتحدثن مع الناس".
كان التحدي الكبير أمام لويزا يتمثل في نقل القصص الإنسانية التي سمعتها في فلسطين إلى المشهد الأكاديمي الألماني، خاصة أن الأوساط الجامعية في ألمانيا لم تكن ترحب بدارسة يكون موضوعها "المرابطات في المسجد الأقصى"، ليس فقط بين الأساتذة، بل بين الطلاب أنفسهم.
نظرة لويزا للمرابطات تغيرت إلى حد ما بعد مشاركتها في الأنشطة التي يقمن بها، ونظرت إلى الرباط في رحاب المسجد الأقصى بوصفه "فعلا مقاوما" للاحتلال تقوم به ناشطات فلسطينيات، وكنوع من الإلهام الذي يغير مجرى دراساتها.
وهذا تحديدا ما دفعها إلى اختيار موضوع أطروحتها للماجستير ليكون حول ممارسات المرابطات اليومية، وكيف يقمن بأنشطتهن، وكيف يتكيفن مع القمع الذي يتعرضن له تحت الاحتلال الإسرائيلي، فهن يتعرضن للضرب والسجن باستمرار.
إعلانوتروي لويزا على لسان إحدى المرابطات أنها تخرج كل يوم من منزلها وهي تتوقع 3 سيناريوهات: إما أن تتعرض للضرب من قبل الجنود الإسرائيليين، أو يتم سجنها، أو تصبح شهيدة.
شهادة ألمانية
بعد عودة لويزا وزوجها براء من فلسطين، مارس الاحتلال الإسرائيلي "إبادة جماعية" على الفلسطينيين في غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفجّر ذلك تعاطفا كبيرا من الأصوات الناقدة للسياسة الألمانية، لكن هذه الأصوات تم قمعها وبعنف من قبل الشرطة، خاصة المظاهرات التي جابت شوارع برلين.
وتقول لويزا وزوجها براء إن الأمر امتد إلى أن كثيرا من المتعاطفين مع القضية الفلسطينية فقدوا وظائفهم وأعمالهم لمحاولتهم التعبير عن الإحباط والغضب من سلوك الحكومة الداعم للعدوان الإسرائيلي مما ولّد إحباطا عاما، لكنهم لم يتوقفوا عن الأنشطة التي تشرح قضيتهم حتى تغير المشهد الشعبي العام في ألمانيا.
ويقول براء أبو الخير إن ما بعد معركة السابع من أكتوبر غيّر الكثير من المسلمات التي كانت سائدة في ألمانيا، وعلى رأسها احترام القانون الدولي، بوصفه قوة لا يمكن تحديها أو تجاوزها، لكن ما تعلموه لاحقا أن هذه القدسية لها شروط ولا يتم تطبيقها على الجميع.
ويضرب أبو الخير مثلا بالأبرياء من أطفال غزة الذين يستمر قتلهم، والمزيد من المستشفيات والمدارس التي تدمر، لأن ألمانيا تحديدا تطبق القانون الدولي فقط "إذا لم تكن الضحية دولة أوروبية، أو لم تكن الضحية شخصًا أبيض، فإننا نتحدث عن قواعد مختلفة لا تنطبق على الفلسطينيين على الإطلاق أو على شعوب الجنوب العالمي".
وأشار أبو الخير ولويزا إلى أنهما أسسا معا مؤسسة في ألمانيا معنية بالدفاع عن السردية الفلسطينية، وعرض حقائق القضية باللغة الألمانية، وأنها تجد تجاوبا كبيرا من المجتمع الألماني الذي يحدث فيه تغيير إيجابي حاليا حتى في الساحة الأكاديمية، واستمرار المظاهرات في الشوارع الألمانية تعكس هذه المتغيرات، رغم التضييق الحكومي حتى الآن.
إعلان