لماذا اندلعت الاشتباكات الأخيرة بطرابلس؟
تاريخ النشر: 20th, August 2023 GMT
صحيح كلنا على قناعة تامة بأنه إذا عرف السبب بطل العجب! إلا أننا اليوم وبعد الاشتباكات الأخيرة بطرابلس، مع منتصف شهر أغسطس الحالي، يتأكد لنا بأن مقود القيادة الكاملة في ليبيا لم تستلمه الحكومة الليبية بعد! ففي محاولة من الكاتب لمراجعة سريعة لما يحصل في ليبيا اليوم، يجد نفسه أمام عدة سيناريوهات بعد قراءة ضرورية لما حصل بالأمس البعيد القريب من 2011 إلى تاريخ اليوم، وربما هذا ما سيقودنا إلى مراجعة السؤال المهم جدا وهو: هل انتفاضة فبراير 2011 قرار ليبي؟ وهذا ما قد يعيننا على فهم ما يحصل اليوم! وستكون البداية بالسؤال المحير للبعض والملح لكثر: هل قرار نهاية القذافي أصدره الشعب الليبي أم بعض الشخصيات من القيادات الليبية التي شاركت في الانتفاضة؟ ليتنسى لنا معرفة من قرر الاشتباكات الأخيرة في طرابلس؟.
قرار انتفاضة فبراير 2011؟
بكل بساطة وصراحة الشعب الليبي لم ينتخب أو ينصب معمر القذافي قائداً للدولة الليبية، ولذلك بالتأكيد لا يملك أحد من أفراد الشعب الليبي قرار انتهاء صلاحيته بدورة انتخابية جديدة! أو إصدار التعليمات له بالتنحي والنزول من سدة الحكم؟ ولا حتى قرار اقتلاعه من جذور السلطة التي تغلغلت على أرض ليبيا! والواضح أن قرار اقتلاعه من جذوره كان لدول الحلفاء الأطلسي، وهذا لا ينفي أن انفجار الشعب الليبي، بعد الظلم والقهر والمعاناة لأربعة عقود، كان عاملاً مساعداً ومهماً في تصيد الفرصة وتنفيذ قرار الحلف الأطلسي. فانتفاضة الشعب الليبي فتحت الأبواب على مصرعيها لجميع مدافن أسرار القذافي، وأسرار ليبيا، ومخازن أسلحتها وأموالها بالداخل والخارج. بل مكنت لجميع أجهزت الاستخبارات العالمية من سبر أغوار نفوس الشعب الليبي المتعطشة لحرية التعبير من خلال استبياناتها وأنشطتها الاستقرائية وبواجهة مدنية “مجتمع مدني”! بل سمحت أيضاً الفوضى بالتعرف، وعن قرب، على جميع التشكيلات المسلحة التي أُسقطت الكتائب الأمنية، بمساعدة النيتو، التي صنعها القذافي، بعد تدمير الجيش الليبي، لحمايته الشخصية وضمان عدم قيام أي انقلاب عسكري عليه، واستمراريته في قمع وقهر الشعب الليبي.
الصراع الدولي وتقليص المجموعات المسلحة!
بالرغم من تدافع الدولة المتدخلة في ليبيا، مباشر أو من خلال فتح قنوات تواصل مع بعض المجموعات بدعمها بالأموال والأسلحة، وكذلك الشرعية، والتي منحها السيد/ د.مصطفى عبدالجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي للجميع، والذي كان ضرورياً لمواجهة الكتائب الأمنية للقذافي. إلا أنه بالتأكيد لن ترضى أي دولة يهمها الشأن الليبي استمرار وجود تشكيلات مسلحة مختلفة، لذلك كان التوافق بين تلك الدول على تقليص عدد المجموعات المسلحة، وقد نجحت حكومة السراج في ذلك إلى حد معقول. مما ساعد على التآمر على الشعب الليبي ومنح الضوء الأخضر لقوات حفتر تساعده المرتزقة من مختلف الدول في الهجوم على طرابلس 4 أبريل 2019م. واستمر تقارب المصالح الدولية وتباعدها يدفع ثمنه المساكين من شباب ليبيا المنخرطين في تلك المجموعات المسلحة، التي دفعت لهم مرتبات مغرية، بعد إشعال وصناعة الحروب بينها. ولا يستغرب الكاتب هنا صناعة وخلق كراهية بعد استغلال الخلافات القديمة التي صنعها القذافي أو التي صنعها الاحتلال الإيطالي بين مجموعات الأمة الليبية، وكذلك دعم النقيض المتطرف: إسلامي وعلماني، وطني وحدوي وإقليمي فدرالي، مدني وبدوي، وعامي وأكاديمي، ومتوسط الحال وصحاب رأس مال، إضافة إلى تحويل اختلاف الانتساب للمناطق الجغرافية الشاسعة في ليبيا إلى دافع للصدام الحربي.
المستخلص من الحرب:
بالتأكيد قرار الحرب لم يكن عبثياً! فقرار الحرب كان لأحد مستفيد منه! وربما مستفيد من زعزعة الاستقرار وحركة البناء والعمران التي تشهدها طرابلس! وهنا لو سألنا أنفسنا هل يوجد مستفيد من أحد الطرفين المتقاتلين؟ فسنجد الإجابة بالتأكيد لا! ولذلك سيحاول الكاتب التكهن بمن هو المستفيد من الحرب؟ وهذه التكهنات قراءات، غير مؤكدة وظنية، تعتمد على خبرة الكاتب في متابعة الشأن الليبي بكتابة عديد المقالات، وعلى النحو التالي:
لا يمكن أن يكون قرار الحرب من أحد الطرفين المتقاتلين وهما على قناعة تامة بأن الخاسر في ساحة الحرب والمتضرر منها: هم أهاليهم، وأصدقائهم، وجيرانهم. بل وقد يصل الموت وخراب البيوت لأقرب الأقارب لديهم. بالتأكيد إنهاء المجموعات المسلحة المتمكنة والتي لها نفوذ خارج سلطة الحكومة-الدولة ستكون أحد الأسباب الرئيسية للحرب، ونتمنى أن تعي هذه المجموعات بأن حتفها لن يكون بعيداً عن أحداث اليوم، ما لم تندمج بالكامل وبدون شروط داخل المؤسسة العسكرية أو الشرطية والانصياع والانطباط التام وفقاً للتراتبية المتعارف عليها. الانتخابات قد تكون مزعجة لبعض الأطراف الدولية، وترى فيها بعض الدول مغامرة قد تخسرها، وتفقد بخسارتها عملائها في الانتخابات ومصالحها، فعرقلة الانتخابات قد تمثل لها مكسب مضمون إلى حد ما. هناك انقلاب في النيجر وخسارة لفرنسا كبيرة بالدرجة الأولى في أفريقيا، فربما كانت الحرب لتبعد الانتباه والتركيز عما يحدث في النجير أو ما يخطط لتنفيذه في النيجر! شهر أغسطس ترصد فيه الميزانية في ليبيا وربما الدول المصنعة للأسلحة تريد أن تقضم قطعة كبيرة من مخصصات الميزانية فعوضاً أن تخصص للبناء والتنمية، تصرف على شراء الذخيرة، وآليات عسكرية جديدة، إضافة إلى الصرف على تنظيف مخلفات الحرب وعلى إعادة الإعمار وصحة الإنسان! من مخططات التقسيم التي تسعى لها بعض الدول العظمى لترضية بعضها البعض على حساب وحدة تراب ليبيا وثرواتها، فهل هذا يصب في مخططات الترضية ومحاولة تمكين لأطراف تخدم في هذا الاتجاه؟كلمة أخيرة:
من وجهة نظر الكاتب بأن أزمة ليبيا تتطلب الوقوف عند جملتين مهمتين إلا وهما:
سيناريو الخطف وقرار الحرب ليس ليبياً، وإن صدرت تعليماته داخلياً ونفذت بأيادي ليبية، نحتاج للوعي بواقع السياسة الدولية والعمل على تأمين مصالحها بدون أن تتعارض مع مصلحة ليبيا موحدة، وهنا لا ندري هل سيتقن الفاعلون الليبيون الدرس أم سيتم تقسيم ليبيا لكيانات قزمية بتبعية كاملة لدول خارجية؟هناك مدبر حكيم أكبر من الجميع سبحانه وتعالى، نسأله ربي أن يبعد شبح الحرب والكرب، والتقسيم عن ليبيا.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: المجموعات المسلحة الشعب اللیبی قرار الحرب فی لیبیا
إقرأ أيضاً:
من يوقف الحرب وكيف
بسم الله الرحمن الرحيم
زورق الحقيقة
أبوهريرة زين العابدين عبد الحليم
الحرب اللعينة التي اندلعت في ربوع الوطن حرب عبثية لعينة لا معنى لها ولا مبرر لاستمرارها ويجب ان تقف فورا لأسباب كثيرة سوف اعددها، فهنالك اسئلة كثيرة سوف تظل عالقة في الإذهان الى حين، مثل من بدأ الحرب ومن له مصلحة في استمرارها ولماذا لم تقف بعد، ومن يصب الزيت على نارها، وما حجم التدخلات الدولية والاقليمية.
هنالك اسباب كثيرة للاجابة على سؤال لماذا يجب ان تقف الحرب فوراو تتعلق هذه الاسباب بالامن القومي السوداني في مفهموه الشامل، والخوف من انهياز الدولة والوصول لمرحلة اللاعودة وانهيار النسيج الاجتماعي والقيم والتعليم والتنمية وكل شيء. حسب الاحصاءات فاستمرار الحرب يكلف المليارات لسنوات قادمة ولو حسبنا خسارة التعليم والفاقد التربوي والتنمية ووقف الانتاج وكل شيء فمثلا لم يذهب الطلاب للمدراس لحوالي عام ونصف ويقدر العدد بحوالي 15 مليون فاي خسارة هذه، حجم النازحين واللاجئين وصل لاعداد خرافية، عدم الامن، النهب والسلب والسرقات وفقدان الأمان، حيث لم تستطع اي جهة توفير الامن والامان لحماية المدنيين. فالفكرة الخروج من خطاب الاصطفاف والادانات لخطاب جديد يحركنا من هذا المربع القميء لخطاب يعطي الامل للشعب ويوقف الحرب المفروضة على الشعب والمرفوضة منه.
أيضا لو درسنا طبيعة هذه الحروب من الصعب ايجاد منتصر فيها كالعادة فهي تستمر لفترات طويلة الى ان يصل الطرفان الى مرحلة الانهاك ومن ثم يتم الجلوس للحوار ونضرب مثلا بحرب الجنوب التي انتهت بانفصال الجنوب فهي مختلفة وكانت في اجزاء محددة وايضا حرب دارفور. اضف الى كل ذلك سوف يصبح السوادان ساحة صراع اقليمي ودولة.
السيناريوهات المتوقعة لوقف مثل هذه الحروب تتمثل في:
- إنتصار احد الاطراف
- الوصول لمرحلة الانهاك المتبادل وعدم انتصار اي طرف
- تدخل عسكري خارجي عن طريق الشرعية الدولية
- في حالة استمرار الحرب لفترة طويلة بدون تدخل دولي فربما تتدخل بعض الدول الاقليمية كما حدث في حرب اليمن مثل مصر أو اثيوبيا أو ارتريا أو اي دول اخرى لها مصالح.
بتحليل السيناريوهات الافتراضية اعلاه فجميعها ليست في صالح الشعب واستقرار الدولة بشكل مخطط واستراتيجي فاذا انتصر احد الاطراف سوف يقيم شموليته فالطرفين هدفهما النهائي السلطة والحكم ومهما ادعوا، ايضا سيناريو التدخل الدولي او الاقليمي الشرعي الحميد او غير الشرعي الخبيث فسوف يكون له تاثير كبير على مستقبل الدولة واستقرارها. سوف لا ينتظر العالم الى ان تصل المأساة لمجاعة شاملة وابادة.
الافضل في تصوري ان يحاول السودانيين ايجاد حل انفسهم اولا ولكن كيف يتم ذلك في اطار السيولة السياسية والاصطفاف والانقسام الشديد في المجتمع وقواه الحية. ادعو المثقفين والكتاب والمفكرين والجامعات بوضع تصورات تساعد الجميع في بلد الجميع واقترح الدعوة لمؤتمر جامع شامل للقوى السياسية والمدنية للاتفاق على تصور لوقف الحرب ومستقبل الدولة السودانية والدفع بهذه الرؤية للشعب السوداني وللمجتمع الاقليمي والدولي ومن ثم حشد الشعب والعالم لفرض هذه التصور على الطرفين واجبارهم عبر اليات اقليمية ودولية للامتثال لارادة الشعب السوداني. وبالنسبة للطرف الذي يرفض يمكن الاستعانة بعدد من الخطوات بالتنسيق مع المجتمع الدولي:
اولا: فرض حظر سلاح وطيران.
ثانيا: ضغط سياسي وشعبي وعزلة داخلية وخارجية ومقاطعة
ثالثا: تدخل عسكري محدود عبر قوات اقليمية ودولية عبر الشرعبية الدولية ويمكن الاستعانة واستيعاب جنرالات سودانيين في المعاش من الذين شهد لهم بالكفاءة في هذه القوات.
رابعا: عزل القيادتين او اجبارهم على الاستقالة ومحاولة ايجاد ضباط وطنيين ليحلوا مكانهم ومن ثم الانخراط في عمل فني لوقف اطلاق النار ووقف الحرب وبدء عملية سياسية، وان يكون واضح للجميع انه لا مجال لدخول العسكر في السياسة والاقتصاد وتأسيس جيش وطني واحد.
للاجابة على سؤال من يوقف الحرب علينا ان نعول على الشعب السوداني وقواه الحية في وقف الحرب وقيادة الجهود وترك الكسل السياسي والفكري والاعتماد على خطاب الادانات فقط وخطاب تحميل الآخرين مسئولية ما حدث، فاي جهة يمكن ان تقوم بذلك ولكن نحتاج لمجهود فكري وسياسي كبير لايقاف الحرب وتعبئة الجميع عبر افكار واضحة واجماع من القوى السياسية فهذا دورها وايضا يجب ان تتفرغ النقابات والاتحادات المهنية لاعمالهم وليس للسياسة ووضع تصورات لمستقبل الوطن كل جهة في مجال تخصصها، فمثلا بدلا ان تعمل نقابة البنوك او الاطباء في السياسة يركزون على مجالهم في تطوير المهنة ومساعدة الداخلين الجدد في المهنة ووضع تصورات لشهادات وتدريب مهني ووضع تصورات اعادة اعمار ما دمرته الحرب، وعليهم الخروج من السياسة والمساعدة مهنيا في مجال تخصصهم وهذا ما نحتاجه وايضا مثل الجيش عليه البعد من السياسة ويتفرغ الجميع للعمل في مجاله، فما اضاع بلدنا في ان الجميع يريد ان يكون سياسي ويريد ان يحكم، فمن يريد ان يحكم عليه ان يقوم بانشاء حزب سياسي ويطلب التأييد من الشعب السوداني. مشكلتنا في السودان الخلط في كل شيء وخلط المهنة مع السياسة ومع الدين ومع القبيلة والجهوية، فلو اعدنا النظر في طريقة عملنا السياسي ووضعنا لبنة وتصور في مؤتمر جامع واتفقنا على تصور دستور لتجيره اول جميعية تأسيسية او برلمان فيمكن ان نساعد الاجيال القادمة في ان تجد لبنة وطن.
لقد تعب الشعب من الحروب والتشريد في الداخل والخارج ، فعلينا أن نقود عبر مجهود فكري وسياسي وتصورات وتحويلها لواقع يمشي بين فقراء السودانيين الذين تم تشريدهم في الداخل والخارج وأن ننظر للامر بمفهوم الأمن القومي، باستمرار هذه الحرب سوف تكون نهاية الدولة والبنيات التحتية وكل شيء ومن الصعب ايجاد الموارد والدعم المطلوب لاعمار ما دمرته الحرب وما سوف تدمره، لذلك علينا الاسراع في وقف هذه الحرب اللعينة واجبار اللاعبين الاساسيين على الانصياع لرغبة الشعب. فهذا او الطوفان العنفي الذي يجرف اي شيء ونتحول لصومال آخر.
abuza56@gmail.com