موقع النيلين:
2025-04-25@01:54:59 GMT

الطفل المعجزة!

تاريخ النشر: 22nd, January 2025 GMT

القحاتي الوحيد الذي لم يطاوعني قلبي على كراهيتهِ كان محمد الفكي.. الحقّ أقول لكم. يترآءى إليّ في خيالي على هيئةِ شخصيةٍ يمكنُ رسمها سينمائيًّا لرجلٍ يمتازُ بالبراءةِ والعقلِ البسيط غير المركّب. يتقلّب بين صُنوف الدهر، ويُواجهُ مصاعب الحياة الجمّة بلا قدرات عقلية توازي حجم التعقيدات!

يركبُ القطار مسرعًا.

. لكنه لا يعرفُ وجهة القطار بالضبط، يلتقي مصادفةً ببارونات كبار ينشطون في تجارة المخدرات ويعدونه بمكافأةٍ ماليةٍ ضخمةٍ نظير إيصال شحنةٍ إلى مكانٍ معيّن -وهو لا يعلم بالطبع أنه يحمل كيلو غرامًا من مادة الهيروين- وعندما يصل المكان المعين يجد الشرطة في انتظاره!

يدخل السجن وفي السجن يتعرّف على عتاة المجرمين، ومن بينهم رجل طاعن في السن يحاول تعليمه أبجديات الإجرام.. لكن الفكي لا يتعلّم، ولا يُصغي جيّدًا إلى دروس الرجل؛ إنّما يتظاهرُ بالاهتمام والنباهة؛ فقط لأن العجوز يخصه بطعامٍ جيدٍ أو بصندوق بسكويت عند الصباح.. وهي بالطبع أشياء ثمينة في دنيا السجن؛ وبالتأكيد فإنها تعني الكثير لرجل واضح أنه نَهِم و”بطيني” كود الفكي.

تمضي الليالي الكئيبة بين عيني المتحمّس المسكين دون أنْ يتسلل خاطره ليستذكر شيئًا من دنيا ما قبل الزنزانة؛ إنه يعيش لحظته فقط منهمك مع لعب الورق وقضاء الساعات الطوال نائمًا. وفي يوم بين ردهات الزنازين ينادي شرطي بدين ببطنٍ ضخم: محمد الفكي سليمان.. محمد الفكي سليمان -بينما محمد الفكي منهمك في الأكل ويده إلى ما قبل الكوع غارقة في فتة العدس- يلكزه أحد زملاء السجن: بنادوك يا فكّة!

وحين يسمع اسمه للوهلة الأولى ينفض جلبابه المتسخ ويهب واقفًا، ويرد -أيوه نعم- بينما هو مشغول بلعق أصابع يده وما تساقط من طعام على ساعده
الشرطي: يلا ألبس سفنجتك.. إفراج!!
وفي يومٍ من أيام الله بينما يغط في النوم عميقًا ويشخر بصوتٍ عالٍ.. يستيقظُ ليجد رسالة تخبرهُ أنّه مطلوبٌ حضوره في قصر الشعب ليكمل أوراق اعتماده عضوًا بمجلس السيادة!
لا يفكر مرتين! أو ربما أنّ الأمر مزحة!

وكان هذا أهمُ ما يمتاز به المتحمّس المسكين صاحب الشارب الجميل
ومباشرةً يغلق الرسالة ويذهب لقائمة الاتصال: الو الطاهر.. ود عمتي.. ازييك.. متذكر البدلة الشديتا منك في عرسي.. أيوه بس عاوزها.. عندي مشوار القصر.. قالوا محتاجين لي هناك.. قصر الشباب والأطفال شنو يا الطاهر! قصر الشعب بقول ليك.. عارف براك يا الطاهر البلد دي ما بتمشي إلا بالزينا.. ومحتاجة مننا مساعدة.. شوف البلد دي منقة بس تعبر يا الطاهر.. منقة بس.. منقة جد.. الو.. اسمعني يا الطاهر.. رصيدي ح يقطع.. الطيب ود حلتكم الحلاق داك قاعد ولا مشى المزاد ناس خالتو.. كويس.. خلاص بجي أحلق وألبس عندكم.. الجماعة نمشي ليهم مزبطين.. الطاهر المنق.. توت توت توت

يرتدي الفكي بدلة الطاهر التي تبدو ضيّقةً عليه بعض الشئ. يدخل مُسرعًا ويعبرُ العتبات في زهوٍ طفولي، ويقطع المسافات داخل المبنى على سجادٍ أحمر. حين يصل أمام طاولة خشبية يفك غطاء القلم بفمه للامضاء على أوراق بروتوكول روتينية، ليذهب بعدها خلف موظفٍ صغيرٍ لاستلام مكتبه الجديد في قصر الشعب.

في خضم هذه التفاصيل والتغيرات المُفاجئة وما بين حال اليوم والأمس.. لا ينتابُ الفكي أيُّ نوعٍ من أنواع الارتياب أو أدنى درجةٍ من درجات القلق الوجودي. وبالطبع لا يدفعه الذهن المتدهور حتى للشك بمنطق: ربما تكون هذه “الكاميرا الخفيّة”، ومؤكد أنْ لا فسحة بينه وبين ذاته ليسأل متأملًا في رحلة الحياة ومشوارها العجيب: “يا ابن القباب الحُمْرِ ويحَكَ! من رَمَى. بِكَ فوق هذي اللُّجَّةِ الزرْقَاءِ؟”
إنه نوع أولئك المتصلين فقط بالحواس المباشرة. اووه إنه الآن جائع.. يشعر بالجوع ولا شئ سوى ذلك!

القلق الوحيد الذي ينتابه الآن هو على من ينادي ليطلب الطعام في هذا المكان الغريب!
الفكي لا يبدو خسيسًا ودنيئًا كخالد سلك، ولا شحيحًا متغطرسًا وعابدًا للؤم ومتعالٍ عن جهل وسفاهة كجعفر حسن، ولا محتالًا جبانًا كمدني عباس، ولا تهويميًّا سفسطائيًا كالدقير، ولا انتهازيًّا عريقًا مخضرمًا كإبراهيم الشيخ، ولا منجمًا ومدعيًا للنبوءة والاشراق كالحاج ورّاق، ولا مريضًا نفسيًّا كالنور حمد والقراي، ولا دجالًا مُحترفًا كمنعم بيجو، ولا فاحشًا بذيئًا ماكرًا كعرمان، ولا متعفن الدواخل كمنّاع، ولا وضيعًا كالتعايشي، ولا مصنوعًا بمهارةٍ واتقانٍ في معامل إعداد الخونة وتأهيل الجواسيس كنصر الدين عبد الباري، ولا قوادًا منعدم الضمير والمروءة كحمدوك وحاشيته..

كان أهم ما يُميز الفكي عن بقيّة سادة قحت أنه سوداني حقيقي.. ساذج ومهذّب يُحب الخير للناس ولا يُجيد الكذب على نحوٍ من الإبداع والاتقان، أوجدتهُ في المواقع المُتقدّمة الصدفة المحضة. فكان ضحيةً لذهنه الغلبان؛ كان ضحيّة لما لم يحط خبرا.. “وَكَیۡفَ تَصۡبِرُ عَلَىٰ مَا لَمۡ تُحِطۡ بِهِۦ خُبۡرࣰا”؟!
الفكي -بمعجزة- أضحك الملايين من أبناء الشعب السوداني لأول مرةٍ يوم كتب جملة من ثلاث كلمات: “هبوا لحماية ثورتكم”!
تشبه “أيتها الجماهير العريضة” بصوت عادل إمام تمامًا

أنا مثلًا كلما أصابني الغم.. أديرُ الفيديو الذي يقول فيه: “هذا ممنوع” فأنفجر بالضحك وتذهبُ الأحزان مسرعةً كل منها بطريق. إذ لا يليق به التظاهر بالاستبداد فهو بعقل طفل في جسدٍ كبير. حتى توسلهُ بالجدية بإبدائه لقسمات وجهٍ حازمة وحادة لا يُضفي سوى الكوميديا على المشهد.. ومهما سعى للتظاهر بالجدية وعلو الشأن به طفولة وشئ من بلاهة لا تُخطئها العين؛ الطفولة ليست بمعانيها الجمالية الحسنة الخلابة المُتسمة بروح الشغف، والتأمل، وحب الاكتشاف.. إنّما السلوك المتصل بالطيش، والضلال، والخفة، ومحبة الملذات بلا تحرُّز، ومفارقة الحكمة؛ الحكمة النبوية المحمّدية العتيقة؛ الحكمة التي تجعلك في قمة الزهو والخيلاء أنْ تقول في إجلال -مخافة الغرور والافتتان بالذات-: “إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ كانت تَأْكُلُ القَدِيد”

محمد أحمد عبد السلام

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: محمد الفکی

إقرأ أيضاً:

اقتصادية النواب: رأس الحكمة طفرة في خريطة الاستثمار السياحي

أكد النائب علي الدسوقي، عضو لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس النواب، أن مشروع مدينة رأس الحكمة يمثل طفرة غير مسبوقة في خريطة الاستثمار السياحي في مصر، مشيرًا إلى أن هذا المشروع الضخم يعكس الرؤية الاستراتيجية للدولة في تحويل الساحل الشمالي الغربي إلى مركز تنموي عالمي متكامل.

وأضاف الدسوقي في تصريح خاص لـ"صدى البلد"، أن الدولة المصرية نجحت في عقد شراكات استثمارية مع كيانات ضخمة مثل "مدن القابضة" الإماراتية، ما يعطي مؤشرًا واضحًا على ثقة المستثمرين العرب والدوليين في الاقتصاد المصري، خاصة بعد الإصلاحات الاقتصادية الأخيرة، مشيرًا إلى أن المشروع سيكون له تأثير مباشر في زيادة الناتج القومي، وخلق فرص عمل، وتنشيط قطاع الخدمات والبنية التحتية.

برلمانية: مشروع رأس الحكمة يعكس كفاءة الدولة في استغلال أصولهابرلمانية: رأس الحكمة بوابة لصناعة السياحة وفرص واعدة للصناعات المكملةرئيس الوزراء: مشروع رأس الحكمة يدعم جهود الدولة في تطوير القطاع السياحيوزير الاستثمار: جاري التفاوض على صفقات تشبه رأس الحكمة

وشدد عضو لجنة الشؤون الاقتصادية على أن مثل هذه المشروعات الكبرى تؤكد أن مصر لم تعد تعتمد فقط على عائدات السياحة التقليدية، بل تسعى لتقديم تجربة سياحية متكاملة ترتكز على الجودة والفخامة، مع توفير بيئة استثمارية جاذبة تواكب المعايير العالمية.

وأشار إلى أن البرلمان سيتابع عن كثب تطورات المشروع، وسيدعم أي تشريعات أو تعديلات لازمة لتيسير عمل الشركات المنفذة، بما في ذلك تسهيل الإجراءات، وضمان التوازن بين مصلحة المستثمر والدولة، لافتًا إلى أن "رأس الحكمة" سيكون بمثابة نافذة اقتصادية جديدة لمصر على البحر المتوسط.

وفي ختام تصريحه، وجه الدسوقي التحية لرئيس الوزراء على اهتمامه الشخصي بالمشروع، مؤكدًا أن الدعم الحكومي الصريح والالتزام بالجدول الزمني سيُعجّل من الإنجاز ويمنح رسالة طمأنة مهمة للمستثمرين في الداخل والخارج.

وكان الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، عقد اجتماعًا لاستعراض مُستجدات تنفيذ مشروع مدينة "رأس الحكمة" بالساحل الشمالي الغربي، وذلك بحضور جاسم الزعابي، رئيس مجلس إدارة مجموعة "مُدن القابضة"، والوفد المرافق له.

وفي مستهل الاجتماع، أعرب رئيس مجلس الوزراء عن تقديره للتعاون القائم بين الجانبين لمتابعة تنفيذ مشروع مدينة رأس الحكمة، مؤكدًا اهتمام الدولة المصرية بمتابعة تنفيذ المشروع وفقًا للتوقيتات والجداول الزمنية المُحددة، ودعمه الكامل لأي إجراءات من شأنها تسريع وتيرة تنفيذ المشروع، وذلك في إطار اهتمام الدولة بتطوير منطقة الساحل الشمالي الغربي.

كما أكد الدكتور مصطفى مدبولي أن مشروع رأس الحكمة سيمثل طفرة كبيرة في مجال تطوير المنطقة، بما يدعم جهود الدولة لتطوير قطاع السياحة وزيادة أعداد السائحين الوافدين وأعداد الغرف الفندقية، مشيرًا إلى أن هذا المشروع المهم يعكس مدى عمق العلاقات بين الدولتين الشقيقتين مصر والامارات، وحرص قادة البلدين على تعزيز وتعميق التعاون في مختلف المجالات.

جهود الشركة خلال الفترة الماضية

بدوره، أعرب جاسم الزعابي، رئيس مجلس إدارة مجموعة "مُدن القابضة" عن تقديره لرئيس الوزراء لدعمه إنجاز المشروع، مستعرضًا جهود الشركة خلال الفترة الماضية لمتابعة تنفيذ المشروع، من خلال البدء في وضع المخطط العام للمشروع بكل ما يحتويه من مرافق وخدمات تعكس أرقى معايير التصميم على مستوى العالم، بما يجعل المشروع نقطة جذب سياحي واعدة في منطقة البحر المتوسط.

وفي ختام اللقاء، أبدى رئيس الوزراء تقديره لحجم المجهود المبذول من جانب الشركة، مشيدًا بما اطلع عليه من تصميم لمشروع رأس الحكمة، وهو ما يجعل من المنطقة نقطة جذب سياحي واعدة، مؤكدًا استمرار التنسيق والمتابعة مع الجانب الإماراتي الشقيق لتنفيذ هذا المشروع الهام.

مقالات مشابهة

  • 200 لاعب يشارك في بطولة آسيا الفردية للشطرنج بالعين
  • الطاهر التوم يكتب: الخيانة ليست وجهة نظر
  • السجن 6سنوات لشخص لحيازته هيروين و10سنوات لآخر للإتجار بالحشيش فى الإسكندرية
  • السجن المشدد 10 سنوات لعامل ونجله بتهمة الشروع فى قتل شخص بسوهاج
  • ليبيا تشارك بأعمال «مجلس جامعة الدول العربية» في مصر
  • اقتصادية النواب: رأس الحكمة طفرة في خريطة الاستثمار السياحي
  • برلمانية: مشروع رأس الحكمة يعكس كفاءة الدولة في استغلال أصولها
  • مصرع طفل غرقا بيارة ري بالشرقية
  • عباس فارس.. شيخ الشاشة وصوت الحكمة في السينما المصرية
  • السجن المشدد 3 سنوات لموظف بتهمة تزوير رخصة قيادة بسوهاج