علي جمعة: المسلم يؤمن بالكتب السماوية إجمالًا وتفصيلًا
تاريخ النشر: 22nd, January 2025 GMT
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن المسلم يؤمن بأن الله أنزل على إبراهيم عليه السلام صحفًا، وكذلك أنزل على موسى عليه السلام التوراة وألقى إليه الألواح، وأنزل على داود عليه السلام الزبور، وأنزل على عيسى عليه السلام الإنجيل، ولا يكذب باسم كتاب أنزله على أحد الأنبياء ولا يصدقه، طالما أنه لم يرد في شرعنا الشريف نبأه، ولا يعتقد أن الله قد حفظ هذه الكتب وأن فيها تشريعًا يصلح للمسلمين؛ وذلك لأمرين، الأول : أن هذه الكتب لم يذكر الله لنا حفظها حتى الآن، بل ذكر ربنا أن بني إسرائيل حرفوها لا سيما أن الكتب المذكورة كلها قبل القرآن كانت في بني إسرائيل.
وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن الله عز وجل قال فى كتابه الكريم عن بني إسرائيل : ﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ﴾، وقال تعالى عنهم كذلك : ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾، ويقول سبحانه مخاطبًا للمؤمنين : ﴿ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾، وقوله تعالى : ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾.
الثاني : أنها حتى إن كانت موجودة وباقية بغير تحريف، فإن القرآن يهيمن عليها وينسخ العمل بها، قال تعالى : ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ﴾، قال تعالى : ﴿ اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴾، وقال سبحانه عن القرآن ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾، وقوله تعالى : ﴿ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾.
المسلم يؤمن بالكتب السماوية إجمالًا، ويؤمن تفصيلًا بما ذكر منها في مصادر شرعنا الشريف إيمان تصديق بإنزال هذه الكتب على هؤلاء الأنبياء، ولكن لا يتبعها للأسباب السالفة، أما القرآن فيؤمن به ويتبعه؛ لأنه كلمة الله الأخيرة للبشرية، فلا ناسخ له، ولذا فالمسلم يعتمده مصدرا للهداية، وشفاء لما في الصدور، وحجابا من الغواية والغاويين، قال تعالى : ﴿ذَلِكَ الكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾. وقال سبحانه : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِى الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾. وقال جل ذكره : ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا﴾.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: علي جمعة التوراة الإنجيل المزيد علیه السلام قال تعالى ال ک ت اب
إقرأ أيضاً:
تأملات قرآنية
#تأملات_قرآنية
د. #هاشم_غرايبه
يقول تعالى في الآية 106 من سورة البقرة: : “مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”.
شكل موضوع النسخ في القرآن الكريم أهم المسائل الخلافية طوال العصور، ومن قالوا به استندوا الى هذه الآية، وكان الدافع الوحيد لاجتهادهم هذا، هو تجاوز بعض الأحكام القرآنية الصريحة، التي يرونها متساهلة الى البحث عن بديل أكثر صرامة في الحديث.
المعارضون لقولهم يرون أن كلام الله ليس ككلام البشر الذي فيه استدراك ومراجعة، ولأن الله لا يضل ولا ينسى، لذلك فكل ما ورد في كتابه نصوص ثابتة واجبة الاتباع، ولا يمكن أن يوجد فيه نص يتلى ولا يتبع، ويثبت ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أعلم من الفقهاء بمرادات الله في القرآن، لم يقل يوما بأن هذا نص ناسخ لذلك النص.
ولو كان الله تعالى أمره بإلغاء حكم آية واستبدال حكم آية جديدة بها، ما الحكمة من إبقاء نصين متعارضين؟، وإذا كان الله أراد إن ينسيه إياها فلماذا كان يبقيها ولا يأمر كتاب الوحي بمحوها؟.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الأكثر حرصا على وحدة المسلمين من بعده، والأعظم قلقا من أن يصيبهم ما أصاب الأمم السابقة من الإختلاف حول النصوص المقدسة، ورغم أنه لا يمكن أن يأتي بما يخالف كتاب الله، إلا أنه وتحوطاً من أن يحدث خلط بين أحاديثه الشريفة والنص القرآني، منع تدوين أحاديثه، ولام من وجده يكتبها، ولهذا صار علم الحديث معتمدا على الثقة بالروايات الشفوية، إذ لا نصوص مدونة.
لذا وإزاء حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم الشديد هذا، ولو كان هنالك حقيقة آيات منسوخة، هل كان ليترك المسلمين حيارى بعده، لا يعرفون الحكم المثبت من المنسوخ!؟.
لنفهم معنى النسخ الوارد في الآية الكريمة، لنستعرض السياق التي وردت فيه، سنجده في معظمه يتحدث عن بني اسرائيل.
منذ الآية 67 الى الآية 75 يبين الله للمسلمين أن من كان طبعهم مع الله المراوغة فلا تطمعوا أن يؤمنوا لكم، ثم يكمل كشف سوء عملهم فيتوعد الذين زادوا على التوراة من عندهم بالعذاب الشديد، ثم يواصل تبيان كفرهم وتكذيبهم لكل الأنبياء وانتهاء بعيسى عليه السلام حتى الآية 90، ثم عبادتهم العجل 92، ثم آية رفع الطور فوقهم 93 ، ثم تتابع الآيات بيان كفرهم وتكذيبهم بالرسل حتى الآية 100، وتكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم 101، ثم الآيات التي أنزلت على سليمان والملكين هاروت وماروت 104، وحسدهم للمسلمين أن أنزل الله عليهم أعظم معجزة وهو القرآن 105.
هنا نصل الى الأية 106 (الآية التي قالوا بأنها سندهم للنسخ).
ثم نتابع الآية 107 وما بعدها، فيسأل الله تعالى في الآية 108 المسلمين “أمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ”، لنجد أننا ما زلنا في سياق الحديث عن بني إسرائيل، وفي الآية 109 عن حسدهم للمسلمين ورغبتهم في أن يردوهم كفارا، وفي الآية 110 يدعو المسلمين لما سينفعهم، وهو أن يقيموا الصلاة ويؤدوا الزكاة.
ويستمر السياق متعلقا ببني إسرائيل حتى الآية 124 فينتقل الى الحديث عن ابراهيم عليه السلام.
هكذا نلاحظ آية النسخ جاءت تقطع سياقا متصلا قبلها وبعدها، لا علاقة له بموضوع خطير وهام وهو إلغاء العمل بأحكام شرعية بنصوص قرآنية.
فهذا أمر غير معهود لمن يعرف الخطاب القرآني.
إذا فالتفسير الأقرب للسياق أن الآيات المقصودة بالنسخ ليست القرآنية، بل المعجزات المادية الخاصة ببني اسرائيل كالعصا والتابوت وإحياء الميت والمائدة، فلم يكن في الرسالة الإسلامية آيات مثلها خارقة للسنن الكونية، فتلك حدث كل منها مرة واحدة وانتهت، لكن ما جاء في الرسالة الخاتمة مثلها إبهارا للعقل كالإسراء والمعراج، وخيرا منها ديمومة وثباتا الى يوم الدين وهو القرآن.
والآيات المقصودة بالإنساء هي الكتب السابقة والشرائع الأولى، فلم يرد الله أن يتكفل بحفظها، فضاعت أصولها جميعا، لأن الله جاء بمثلها مصدرا، لكن خيرا منها شمولية واتساعا لكل البشروالأزمان وهو القرآن.
هذا اجتهادي والله من وراء القصد، وهو أعلم بمراداته.