صنعاء تحيي الذكرى السنوية للشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي
تاريخ النشر: 22nd, January 2025 GMT
وقال عضو المجلس السياسي الأعلى د. عبدالعزيز بن حبتور: ننقل عزاءنا الكبير باستشهاد مؤسس المسيرة القرآنية لقائد الثورة ولكل محبيه وأنصاره في كل البقاع، مؤكدا أن هذه المسيرة ربانية قادت شعبنا اليمني للانتصار في معركة إسناد غزة.
وأضاف: الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي أتى من القرآن واهتم بالقران في منطقه وفكره وكانت كل تحركاته قرآنية، لافتا إلى أن قضايا الأمة والمستضعفين كانت في صلب اهتمامات الشهيد القائد واليوم السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي يكمل الدرب.
وشدد بن حبتور على أن ذكرى الشهيد القائد مناسبة هامة نظهر فيها أحد أعلام أمتنا الإسلامية ويجب أن نهتم بها ونعظمها.
وفي كلمة له خلال الفعالية، قال رئيس الوزراء أحمد غالب الرهوي: اليوم نحيي ذكرى استشهاد الشهيد القائد الذي باع نفسه من الله في سبيل إعادة الأمة إلى طريق الإسلام الحقيقي، مبينا أن الشهيد القائد وضع البذرة الأولى للمشروع القرآني حتى أصبح بهذا الشكل على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي.
وأضاف الرهوي: وفقنا الله لهزيمة دول الاستكبار، ونؤكد للجميع أننا قادرون بعون الله على صنع كل شيء هو في نظر الآخرين من المستحيلات.
وأكد أننا أثبتنا للعالم أننا قادرون على الفعل العسكري كما أكد السيد القائد أننا سنراقب أي تصعيد في غزة وفلسطين وسنكون جاهزين للتحرك ضده، مجددا التأكيد أن جاهزيتنا عالية للتصدي لأي عدوان يتعرض له بلدنا.
بدوره اعتبر رئيس الدائرة الاجتماعية بالتعبئة العامة علي المتميز المواقف العظيمة والمشرفة التي وقفها أبناء شعبنا اليمني ما هي إلا ثمرة من ثمار المشروع القرآني للشهيد القائد.
وقال: نقول للشهيد القائد إن جهودك المباركة ودماءك الطاهرة صارت بركانا عاتيا يقذف الحمم اللاهبة في وجه أمريكا و"إسرائيل"
وفي مشاركته بالفعالية قال عضو المكتب السياسي لأنصار الله ضيف الله الشامي: الشهيد القائد رضوان الله عليه أعاد روحية القرآن في واقع الأمة، مشيرا إلى أن الشهيد القائد عرّف الأمة كيف تتحرك وتنهض من غفلتها وتدفع عن نفسها الأخطار.
وأكد أن الشهيد القائد أول من تنبأ بمؤامرات الأعداء في أحداث الحادي عشر من سبتمبر وأوضح لنا طرق النجاة من هذه المؤامرات من خلال القرآن الكريم.
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: الشهید القائد
إقرأ أيضاً:
نص المحاضرة الرمضانية الـ23 للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 25 رمضان 1446هـ
الثورة نت/..
نص المحاضرة الرمضانية الـ23 للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 25 رمضان 1446هـ:
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
في سياق دعوة نبي الله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَامُ” لقومه إلى عبادة الله وحده، وتبليغهم رسالة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وصلنا إلى قوله، وهو يعرض عليهم البراهين المهمة، والواضحة، والبسيطة، والتي ليست معقدة، لكنها تتضمن الحُجَّة البالغة، الكافية، في أن العبادة لا تكون إلَّا لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هو وحده من يستحق أن نعبده؛ أمَّا غيره ممن يتخذهم الناس إمَّا شركاء، أو أندادا، فليسوا جديرين بالعبادة أبداً، يقول: {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ}[الشعراء:79].
نجد أنه عرض لهم براهين– كما قلنا- واضحة، ليست من البراهين الفلسفية، المعقدة، الغامضة، التي يحتاج الإنسان إلى عناء حتى يستوعبها ويفهمها، هذه براهين واضحة، وفي نفس الوقت هي حُجَّةٌ تامة، حُجَّةٌ دامغة، حُجَّةٌ بالغة، وكذلك من واقع الإنسان، من واقع حياته، من ضروريات حياته، ومن البديهيات التي لا جدال فيها: {وَالَّذِي هُوَ} “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، الله “جَلَّ شَأنُهُ”، {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ}[الشعراء:79].
أساسيات حياة الإنسان من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والإنسان مفتقرٌ إلى الله في كل شيء، فلماذا يتَّجه بالعبادة إلى غير الله، وهو يسعى للحصول على تلك النعم التي هي من الله؟! لأن أكبر الأسباب التي تدفع بالكثير من الناس إلى الانحراف عن عبادة الله، ونهجه، وصراطه المستقيم، هي: سعيهم للحصول على متطلبات حياتهم، ويغفلون وينسون أنَّها من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وإن كانوا مُقِرِّين في أصل ذلك، لكن هذه غفلة الإنسان وضلاله، حينما يتَّجه إلى غير الله فيما أصله من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
من تلك المتطلبات الأساسية لحياة الإنسان: الطعام:
الطعام هو من الضروريات؛ لكي يبقى الإنسان على قيد الحياة، وكذلك بَقِيَّة الكائنات الحيَّة على الأرض من الحيوانات الأخرى، لابدّ لها من الطعام؛ لتبقى على قيد الحياة، وإلا يموت الإنسان ويموت الحيوان بدون أن يحصل على الطعام.
والله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو الذي:
خلق لنا هذا الطعام أولاً.
ورزقنا إياه ثانياً، حينما وصل إلينا.
فهو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” الخالق، الرازق، الذي أنعم علينا بطعامنا؛ ولـذلك يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ}[الأنعام:14]، الكل من الكائنات الحيَّة مفتقرٌ إلى الله، محتاجٌ إلى الله؛ لأنه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو الذي يطعمنا، يُوَفِّر لنا هذا الطعام، يخلقه لنا، ويوجده لنا، ويرزقنا به؛ أما هو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” فهو الغني عن ذلك؛ فنحن بكلنا- كمخلوقات- في حالة افتقار إلى الله، واحتياج تام إلى الله، واستمرار حياتنا متوقفٌ على الحصول على هذه النعمة، من دونها نفنى.
ولـذلك كان فيما رَدَّ الله به على الدعوى الباطلة للنصارى، في قصة عيسى “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، وفي تأليههم له: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ}[المائدة:75]، فهو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” يقول لنا عن نبيه عيسى “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، وأمه مريم “عَلَيْها السَّلَامُ”: {كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ}، فهما من البشر، وهما في إطار ما عليه بَقِيَّة الخلق، من الافتقار إلى الطعام في البقاء على قيد الحياة، في الاحتياج إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في توقف بقاء حياتهما على ذلك.
فهو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” يبيِّن لنا نعمته علينا، حينما يقول: {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ}[الأنعام:14]، وضعفنا، وافتقارنا إليه، وأنه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو الغني، القدير، الذي لا يحتاج إلى ما نحتاج إليه وتحتاج إليه مخلوقاته.
في طعام الإنسان آياتٌ كثيرة، يتجلَّى فيها من مظاهر قدرة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وعلمه، وحكمته، ورحمته، وكرمه، ما يبهر الإنسان المتأمل في ذلك، وما يساعد الإنسان- في نفس الوقت- على الارتقاء الإيماني، على تَرَسُّخ المبادئ العظيمة والمهمة، التي تَشُدُّه إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
الإنسان يعتمد في غذائه وطعامه على مصدرين أساسيين:
المصدر النباتي: وهو يأخذ مساحةً كبيرةً من غذاء الإنسان، النباتات، مثل: أنواع الحبوب، الحبوب تشمل: البر، الشعير، الذرة… وغير ذلك، أنواع كثيرة جدًّا، وكذلك الخضروات، الفواكه، البقوليات… وأنواع كثيرة جدًّا، مساحة واسعة من غذاء الإنسان هي من النباتات.
والمصدر الآخر هو: المصدر الحيواني: الأنعام، والطيور، مثلاً: الدجاج… ونحو ذلك، وما يحصل عليه الإنسان منها، مثلاً: الحليب، البيض… وما أشبه ذلك.
المصدر الحيواني، الذي هو: الأنعام، الأبقار، الأغنام، الماعز، الإبل… هي تعتمد على النباتات؛ لكي تبقى على قيد الحياة، وكذلك بَقِيَّة الأشياء منها، مما يستفيد منه الإنسان في غذائه، الدجاج- مثلاً- يحتاج كذلك إلى الغذاء؛ فيعتبر المصدر النباتي هو المصدر الأساسي؛ لأنه حتى المصدر الحيواني يحتاج إليه، فهو يصل إلى الإنسان (المصدر النباتي) حتى بواسطة الحيوان، الذي هو مما أحلَّه الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” كالأنعام.
ولـذلك في هذه المسألة: في مصادر الغذاء للإنسان، الإنسان عليه من خلال التأمل أن يدرك أن هذه نعمة كبيرة من الله؛ لأن الإنسان قد يتجاهل كل المراحل ما قبل وصول غذائه إليه.
لكي يصل إليك القرص من الخبز على مائدة طعامك، أو طبق الأرز، أو طبق الإدام من البقوليات… أو غيرها، ما قبل ذلك هناك عمليات متعددة، ومراحل متنوعة، وهناك حركة للكون من حولك (الأرض، الشمس، القمر… وغير ذلك)؛ ولهـذا يلفت الله نظرنا في القرآن الكريم إلى ذلك، فيقول “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ}[عبس:24-32]، (الأَبّ): المرعى للأنعام.
فنجد في هذه الآيات المباركة، كم كان هناك من عمليات في إطار تدبير الله وَنِعَمِه، وكم كانت هذه العمليات أساسيةً في أن يتوفر لك هذا الطعام وهذا الغذاء:
في مقدمة ذلك: قوله تعالى: {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا}[عبس:24]:
كما قلنا: المصدر الأساسي لغذاء الإنسان هو النباتات، النباتات في مقدمة ما تحتاج إليه هو الماء، إذا أردنا أن نَتَحَرَّك- مثلاً- في النشاط الزراعي، أو أردنا أن نحصل على النباتات، لابدّ من الماء، الماء شيءٌ ضروريٌ للزراعة، ولحياة الأشجار والنباتات، ويأتي هنا نعمة الماء، نعمة المطر، نعمة الغيث، وهي نعمة عظيمة وأساسية، هذه النعمة من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”:
عند المطر نفسه، عند الغيث نفسه.
وما بعد ذلك حينما يسلكه ينابيع في الأرض، فنحصل عليه من آبار، أو من أنَّهار… أو غير ذلك.
كله من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هو نعمة كبيرة، ونعمة عظيمة، نفتقر فيها كل الافتقار إلى الله، وإلى رحمته وفضله.
التربة والأرض، التي جعل الله فيها خاصية الإنبات:
حينما تكون خِصْبَة للإنبات، كذلك من الذي جعل هذه التربة بذلك الشكل، على ذلك النحو، وأودعها تلك العناصر، التي تجعل منها خِصْبَةً وصالحةً للزراعة، ومناسبةً للزراعة والإنبات؟ هذا هو الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ومن نعمته، ومن فضله، ونفتقر في ذلك إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
ثم النباتات بنفسها، بأنواعها المختلفة:
الحبوب، الخضروات، الفواكه، البقوليات… وغيرها، النباتات التي هي ذات رائحة عطرية… وغيرها، كل أنواع النباتات، من هو الذي أنبتها، وهبها الحياة، خلقها وأوجدها؟ هو الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”. من هو الذي فلق الحب، فأخرج منه تلك النباتات؛ فلق النوى، وأخرج منه النخل؟ الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”… وهكذا. فهذه الأمور، بما فيها من عناصر ومصادر، نجد أن الاعتماد فيها كليّاً هو على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أنَّها من الله، من خلقه، من تدبيره، من رحمته، من نعمته.
كذلك بالنسبة للنباتات، هي تنقل لنا فيها من التربة العناصر اللازمة، التي يحتاج إليها جسمنا، يحتاج إليها جسم الإنسان: في نموه، وفي ترميمه، وفي طاقته؛ لأن الله أودع في التربة- نفسها- العناصر التي يحتاج إليها الجسم؛ لأن الإنسان أصله من التراب، فهو من خلاصة العناصر الموجودة في التربة نفسها؛ فلـذلك يتغذَّى منها، فتصل إليه عبر النباتات، وهناك في خلق الله وتدبيره ما هيأ ذلك: أن تنتقل العناصر من التربة والماء، إلى النباتات، من النباتات تصل إلينا من خلال الفواكه، من خلال البقوليات، من خلال الخضروات… وغير ذلك، فتصل إلى الجسم، ويستخلصها الجسم، ويتغذى منها:
منها ما يساعده على نموِّه.
منها ما يفيده في ترميمه.
منها ما يحتاج إليه طاقة، طاقة لنشاطه، لقدرته، لحركته، لقوته.
وهذه نعمةٌ عجيبةٌ من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فهناك دور للماء، دور للأرض.
دورٌ للشمس:
وهو دورٌ أساسي، وهذه مسألة معروفة في واقع الناس: أنه من الضروري أن تستفيد هذه النباتات من الشمس، وهناك عملية التمثيل الضوئي، التي أيضاً تحمل من هذه الطاقة الشمسية إلى داخل النباتات، وتصل من خلالها وعبرها إلى الإنسان.
هناك دورٌ للهواء.
وهناك دورٌ لدرجة الحرارة.
هناك دورٌ لحركة الأرض بكلها، فيما يتعلق بالمواسم عليها:
كيف تتنوع هذه المواسم على الأرض، على مستوى الفصول، وداخل الفصول مواسم تناسب بذرة مُعَيَّنة، تناسب نباتاً مُعَيَّناً: موسم- مثلاً- للقمح، موسم للشعير، موسم للذرة، موسم يناسب زراعة الطماطم، وموسم يناسب زراعة أشجار أخرى، الفواكه… إلى غير ذلك، مواسم- كذلك- لنضج الثمرة، لبزوغ الثمرة… لغير ذلك.
هذه المواسم تأتي في إطار حركة الأرض حول نفسها، وحول الشمس، فالأرض بكلها قد تَحَرَّكت في إطار موقعها من الشمس، ومقابلتها للشمس، وهناك أيضاً حركة لغير الأرض، في إطار حركة هذا الكون بكله، وأتى الوقت المناسب في منطقة مُعَيَّنة لزراعة مزروعٍ مُعَيَّن، أو لبذر بذور مُعَيَّنة؛ من أجل زراعتها، أو للعناية بأشجار فواكه مُعَيَّنة؛ لتثمر من جديد بالفاكهة… وهكذا، حركة لهذا الكون بكله.
هناك أيضاً حتى فيما جعله الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” للناس من علامات، للمواسم الزراعية بنفسها، من خلال النجوم:
علامات في حركة النجوم، النجوم على كثرتها، على بعدها عن الأرض، ولكن هناك نجوم مُعَيَّنة: نجوم -مثلاً- مُعَيَّنة تدل على موسم زراعي لنبات مُعَيَّن، ولها اسم متعارف عليه بين المزارعين، وفي علم الفلك، ونجوم أخرى هي علامات لموسم لنبات آخر… وهكذا، هذا بتدبير الله، يعني: في إطار الكون بكله، في إطار تدبير الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، علامات من خلال الشمس، علامات من خلال القمر مع نجوم في مواسم مُعَيَّنة، (القِرَان) اقتران القمر بنجم مُعَيَّن، أو بنجوم مُعَيَّنة، هذا كله في إطار حركة الكون، ثم تأتي مسألة المواسم المتنوعة في البلدان، في بلد هو موسم لنبات مُعَيَّن، وفي بلد آخر هو موسم لنبات آخر… وهكذا، تدبير واسع، وتدبير عجيب ومُحْكَم، ومتقن، وبتدبيرٍ من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”. هذا جانب.
فيما يتعلق بالطعام نفسه في مكوناتـــه:
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أحَلَّ لنا الطَّيِّبَات، والطَّيِّبَات قائمة واسعة، قائمة واسعة جدًّا، نسبة المُحَرَّمَات هي نسبة محدودة، في مقابل نسبة ما أحلَّه الله، من أنواع الأطعمة التي هي طيِّبَات، وهذا من التكريم للإنسان؛ لأن الله أراد له ما هو طَيِّبٌ، ينفعه، يُغَذِّيه، سليمٌ من المضار في أصله؛ إلَّا إذا لَوَّثَهُ الإنسان، وأودع فيه ما يسبب الضرر، أو لعلةٍ أخرى من جهة الإنسان، وأيضاً ما لا يتناسب مع الإنسان في تأثيره، في شكله، في مذاقه؛ حُرِّم عليه، من جانب أنه خبيثٌ في إطار التحريم والتحليل الذي أحلَّه الله في شرعه، وحرَّمه في شرعه، وليس وفق مزاج الإنسان.
الله أحلَّ لنا الطَّيِّبَات، الطَّيِّبَات- كما قلنا- قائمة واسعة جدًّا، ومتميزة، كل الأغذية التي أحلَّها الله للإنسان من أنواع طعامه:
ذات منظر جميل في شكلها، ليست بشعة المنظر، بشعة الشكل، بحيث يتقزز الإنسان وينفر عندما يشاهدها.
في مذاقها– في الأغلب- مذاق متنوع، ومذاق يناسب الإنسان، ويتنوع هذا الجانب: في ما هو حالٍ، في ما هو حامض، في ما هو… بأنواع المذاقات، ويتناسب مع الناس بحسب اختلاف طبائعهم أيضاً، ورغباتهم، ولكن على نحوٍ واسع.
كذلك فيما يتعلق بالانتفاع بالغذاء، فيما يتوفَّر للإنسان- كما قلنا- مما يساعده على نموه، على طاقته، على قدرته، فيما يَسُدُّ جوعه… إلى غير ذلك.
ثم في أغلبها كذلك على مستوى الرائحة، أغلب هذه الأطعمة التي يتناولها الإنسان روائحها أيضاً، كالفواكه، نسبة من الخضار، البعض لا بأس- يعني- رائحته قد تكون مزعجة، لكن إلى حدٍ مقبول يعني لدى الناس.
فيما يتعلق أيضاً بالمذاق الذي يرتاح له الإنسان، مثلاً: مذاق الفواكه، مذاق يتلذذ به الإنسان، ويرتاح به الإنسان… إلى غير ذلك.
ثم فيما هيأه الله فيها من سلامتها من المضار؛ لأن هذا من ميزة الطَّيِّبَات: أنَّها في أصلها سليمة من المضار؛ إلَّا إذا لَوَّثَهَا الإنسان كما قلنا، أو هناك عامل آخر لدى الإنسان أعاقه عن الاستفادة منها، في وضعه الصحي أحياناً.
فيما يتعلق بها (أنواع الأغذية للإنسان ومجال الطعام) هناك أيضاً مجال واسع جدًّا فيها للأرزاق، والحركة الاقتصادية:
يعني: جزء كبير جدًّا من حركة الناس في معيشتهم، وأسباب رزقهم، وما يتعلق باقتصادهم، الوضع الاقتصادي: التجارة والحركة الاقتصادية؛ هو مُتَّجِهٌ في هذا المجال: في مجال الطعام، كم هناك من أنشطة، من مصانع، من مجالات متعددة واسعة، لإنتاج الطعام؛ لأن حركة الإنسان مع الطعام هي فقط حركة إنتاجية، الله هو الذي يخلق لك الطعام، والناس يشتغلون في إطار ما خلقه الله لهم، وما يخلقه لهم في أسباب معيشتهم.
ففي مراحل الإنتاج مجالات واسعة جدًّا من الحركة الاقتصادية والتجارية، وكذلك في التصنيع، كذلك في التعليب، في التقديم، في الطباخة، في المطاعم… في أشياء كثيرة جدًّا، التصنيع من الطعام نفسه مُشْتَقَّات متنوعة، بأنواع هائلة جدًّا، فهو يأخذ مساحة كبيرة في حياة الناس، فيما يتعلق بالجانب المعيشي، بالجانب الاقتصادي، بالحركة التجارية والصناعية، بالاهتمام فيما يتعلق أيضاً بجوانب أخرى عملية، يُشَغِّل اليد العاملة، كم يشتغل من البشر؟ مليارات في هذا المجال: مجال إنتاج الطعام، يأخذ مساحة واسعة في حياة الناس.
ثم- في نهاية المطاف- يأتي هذا الغذاء إلى مائدتك، بعد مراحل طويلة، وأعمال كثيرة، وعمليات متنوعة، شملت حركة الأرض والكون من حولك. فهي آية، وهي نعمة عجيبة.
ولهـذا هناك تذكيرٌ واسعٌ في القرآن الكريم، بنعمة الله علينا، في غذائنا، وفي رزقنا، وفي طعامنا، وما أنبته لنا، ويأتي التذكير في القرآن الكريم بهذه النعمة في سياقات متعددة، نشير إلى بعضٍ منها باختصار:
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[الأنعام:99].
وفعـــلاً آيـــات كثــيرة جدًّا:
آيات في معرفة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ترى مظاهر قدرته، مظاهر علمه، مظاهر رحمته، وكرمه، وفضله، وإبداعه… وغير ذلك.
آيات في أن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” كما رعانا بهذه الرعاية، في جوانب أساسية في حياتنا: طعامنا وغذائنا، فهو لن يتركنا فيما يتعلق بالهداية التشريعية، بالهداية لنا في نظم مسيرة حياتنا؛ لأنه جانب إذا لم يَصْلُح، يُخَرِّب علينا بَقِيَّة حياتنا، وبَقِيَّة شؤون وأحوال حياتنا.
في جوانب كثيرة، آيات كثيرة جدًّا في هداية الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، الكلام يطول عن هذا الموضوع؛ فنحن عندما نتأمل حتى في الجانب الجمالي- كما قلنا- مظاهر المزارع، مزارع الفواكه، في أي مرحلة:
مرحلة وهي خضراء، قبل أن تطلع منها أزهارها، أو وهي مزهرة، أو وهي مثمرة.
مراحل الثمر، من حين تبدأ الثمرة، إلى حين نُضْجِها وصلاحيتها للاقتطاف والتناول…
كل هذه المراحل آيات عجيبة جدًّا، ومناظر جميلة، ومبهجة للإنسان، مبهجة حتى للمشاهدة، وهكذا عندما يشاهد الإنسان أنواع الزروع، أنواع الفواكه، أنواع الخضروات، وهي مزروعة، يرى فيها هذا المنظر الجميل والمبهج، وفي نفس الوقت آيات في كل مراحلها.
{وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ}[الأنعام:99]، العذق الذي فيه التمر حينما يخرج.
الأعناب، أنواع العنب كثيرة جدًّا جدًّا، كان في محيط صنعاء، ما قبل مائة عام، أكثر من خمسةٍ وثلاثين نوعاً من أنواع العنب، في محيط صنعاء فقط، ما بالك على المستوى العالمي.
{انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ}[الأنعام:99]، في تلك المرحلة كيف هو، ترون الآيات العجيبة، {وَيَنْعِهِ}[الأنعام:99]، عندما يطيب، عندما ينضج.
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى}[الأنعام:95]، البذور عندما يأتي الإنسان ليزرعها في الأرض، ويضعها في باطن التربة، ليس لديه سوى هذا العمل: أنه حرث التربة، ووضع البذرة، لكن من الذي يَفْلُق هذه الحبة، وينبت منها هذا الزرع؟ الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”. النوى كذلك (نوى التمر) من الذي يفلقه، ويُطَلِّع منه ويخلق منه نخلةً، تتحول إلى شجرة كبيرة، طويلة، قوية، من نواة صغيرة؟ الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”. {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}[الأنعام:95].
فدور الإنسان مع هذه النعم الكبرى، هو دور الانتفاع فيها، بالاستغلال لها، والعملية الإنتاجية، التي فتح الله له فيها أبواب رزق واسعة، يعني: ليست فقط عبء على الإنسان، نفس الدور الذي يقوم به الإنسان من عمل إنتاجي، ليس المطلوب منه أن يكون عبئاً على الإنسان، أن الله أراد أن يتعبه فقط هكذا، هو لم يُرِد أن يتعبك، ليس هو الهدف إتعابك، لكن هذا مجال واسع، فيه حركة في الحياة واسعة، فيه فتحٌ لأبواب الرزق واسع، فيه مجال للإنتاج والإبداع واسع، فيه جوانب كثيرة جدًّا؛ لأن الجزئيات والتفاصيل المتعلقة بهذا المجال، لو يتحدث الإنسان عنها في مئات المحاضرات، لما استوعبها وأحصاها؛ لأنَّها مجالات كبيرة في حياة البشر.
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}[الواقعة:63-64]، سؤال: هل أنت الذي خلق تلك الزروع، ذلك الزرع، تلك النباتات؛ أم هو الله؟ الكل يقول: هو الله، من الذي يستطيع أن يَدَّعي ذلك لنفسه، أنت فقط- كما قلنا- تحرث الأرض، تضع البذرة أو الشتلة فقط، لكنَّ الذي يهبها الحياة، يُنَمِّيها، يُكَبِّرها، يجعلها تثمر، هو الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
{لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ}[الواقعة:65-66]، لو أراد الله أن يحوِّله إلى حُطام، ييبس ويتحطم، لا تبقى فيه الحياة: إمَّا بانعدام الماء، يُمسك عنك الماء؛ أو بأي آفةٍ تصيبه؛ فيتحول إلى حُطام يابس، مُحَطَّم، لم يبقَ فيه حياة، ولم يبقَ بالإمكان أن تستفيد منه في الثمار أيضاً، ولم يبقَ لك إلا الكلام: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ}[الواقعة:65-66]، ما عاد معك إلَّا مجابر فقط، ما عاد معك قدرة، ليس لديك قدرة لمعالجة المشكلة، سوى أن تشرح بأسف وحسرة عن خسارتك تلك، وأنك خسرته، {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ}[الواقعة:65-66]، غرامة كبيرة، وخسارة، تَحَطَّم عليك… وغير ذلك، فأنت تشكي؛ فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو ولي هذه النعم، وهي منه وحده “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
يقول أيضاً: {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ}[الشعراء:79]، كذلك هذه النعمة: نعمة الماء للشرب:
وواحدٌ من الأساسيات في حياة الإنسان هو شرب المياه، جانبٌ أساسي، الإنسان يحتاج إلى الماء في استخدامات واسعة، في مقدمتها، وأولها، وعلى رأسها: للشرب منه، ليشرب هو (الإنسان)، حياته متوقفة على ذلك أيضاً، والله هو الذي يسقينا، هو كما قال: {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا}[المرسلات:27]، ماءً عذباً، تستسيغونه، يَرْوِيكُم من الظمأ.
الإنسان يُحِسّ بهذه النعم، ولاسيِّما في حالة الجوع، كيف يُقْبِل إذا كان جائعاً شديد المجاعة، وأقبل على الطعام، كيف يَتَذَوَّقه، كيف يُحِسُّ بنعمة الله فيه، كيف يستشعر القيمة الغذائية له بعد أن يشبع منه، وهكذا، يُحِسّ من جديد بالطاقة والقدرة؛ في حالة الظمأ الشديد، ثم حينما يشرب الإنسان الماء، كذلك يَتَذَوَّقه، يشعر بنعمة الله عليه فيه.
الماء هو نعمةٌ عظيمة، وهو ضرورةٌ محتومةٌ لحياة الإنسان، كذلك- يعني- يتوقف بقاؤك على قيد الحياة على شربك للماء، والحيوانات كذلك الأخرى؛ فهو نعمةٌ، وأساسٌ لنعمٍ كثيرة تتفرَّع عنه، واستخداماته- كما قلنا- واسعة.
الماء، جعله الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في خلقه له، في عنصره وشكله، بالشكل المستساغ جدًّا للإنسان، يعني: سائل مميَّز عن بَقِيَّة السوائل، وهذه مسألة واضحة للإنسان: أن الماء مُتَمَيِّز عن كل السوائل الأخرى، وهو مستساغٌ جدًّا للإنسان، ولجسمه، يشربه الإنسان بارتياح يعني، مذاقه، أصله، شكله، مقبولٌ لدى الإنسان، وينسجم معه؛ بل وحتى منظره، منظره والماء- مثلاً- ينزل بشكل مطر، أو أنَّهار، أو في آبار… أو غير ذلك، منظر رائع؛ إلَّا إذا لَوَّثَهُ الإنسان، تكون المشكلة من جهة الإنسان حينما يُلَوِّث الماء.
الله يقول: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا}[الفرقان:48]، حتى في خاصيته، له خاصية التطهير، وهو في أصله أيضاً نقيٌ نظيفٌ، ليس سائلاً قذراً، ليس سائلاً غير مستساغ، {لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا}[الفرقان:49]، الإنسان تتوقف حياته، كذلك الحيوانات التي يستفيد منها الإنسان، تتوقف حياتها على شرب الماء.
يقول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ}[الواقعة:69]، من السحاب الممطرة، أنتم الذين أنزلتموه؟ {أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ}[الواقعة:69-70]، لو أراد الله أن يجعله (أُجَاجاً) شديد الملوحة في أصله، فلا يرويكم من الظمأ، ولا تستسيغونه.
فمن نعمة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أن يخلق لنا الماء، أن يُوَفِّره إلينا، في هذه الحركة: حركة الأمطار، التي هي نعمة عجيبة، نعمة الغيث عن طريق السحاب، التي تحمل لنا الماء، وتُمْطِر به، وَيُنْزِلُه الله من خلالها علينا بطريقة مريحة مناسبة، وتترك أثرها الإيجابي في واقع الحياة بكلها: على الأرض، على التربة، على الإنسان… وغير ذلك، نعمة كبيرة.
الإنسان مُقَصِّرٌ في شكر هذه النعمة، لا يستشعرها، الماء كما يقولون عنه: (أرخص موجود، وأعزُّ مفقود)، عند توفُّره، لا يعطيه الإنسان قيمة؛ لكن إذا فُقِد، يُدْرِك الإنسان كم هو شيءٌ ضروري، كم هو شيءٌ عزيز، كيف يؤثِّر عليه نقصه بشكل كبير: في وضعه الاقتصادي، في وضعه المعيشي، في شؤونه المختلفة، حتى على مستوى واقعه النفسي؛ فهي نعمة كبيرة من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
يقول الله: {فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ}[الحجر:22]، فعلاً؛ إنما الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” الذي يهيئ لنا في الأرض، كما قال في آيةٍ أخرى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ}[الزمر:21]، بنعمته “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فيجري منه الأنَّهار، وتطلع منه العيون، وتخرج أيضاً في الآبار… وغير ذلك.
لكن لو أراد الله أن يُغَوِّر هذا الماء، كيف يصبح حال الناس؟ {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ}[الملك:30]، من؟ ليس هناك أحد إلَّا الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ فالماء هو من النعم العظيمة جدًّا، شربه من الأساسيات لحياة الإنسان، وهو من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
فالله هو الذي ينفعنا، ويدفع الضُّرّ عنَّا، ومنه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أساسيات حياتنا، وكل النعم علينا، {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}[النحل:53]، فلماذا يتَّجه الإنسان إلى غيره؛ ليتخذهم شركاء من دون الله، أو أنداداً مُضِلِّين له عن نهج الله، عن دين الله، عن صراط الله المستقيم؟!
فيما يتعلق بالماء، الله يقول: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا}[الجن:16]، الناس بحاجة، والعرب يَمُرُّون بأزمة في المياه، أزمة من جوانب متعدِّدة:
من قلة الأمطار:
وهذا يحتاج الناس فيه إلى الله، إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، لا غنى لهم عن رحمته وفضله، وهذا يتطلب ماذا؟ الاستقامة (عَلَى الطَّرِيقَةِ): على نهج الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وهدايته؛ ليحصل الناس منه على البركات الواسعة في حياتهم.
هناك أيضاً جانب آخر يتعلق بواقع العرب: في تقصيرهم في مسؤولياتهم الإيمانية والجهادية:
تَحَرَّك العدو الإسرائيلي نتيجةً لهذا التقصير، أصبح له كيانٌ احتل فيه أرض فلسطين، ويتَّجه لاستهداف بَقِيَّة البلدان العربية، ومن أهم ما يُرَكِّز عليه العدو الإسرائيلي: المحاربة للعرب- في الدرجة الأولى- على نعمة المياه:
معروفٌ ما يفعله في فلسطين: يُعَذِّب الفلسطينيين في مسألة المياه.
ومعروفٌ ما يسعى له أيضاً في محيط فلسطين:
كيف حرص على أن يسيطر على (نهر الأردن)، وأن يتحكم على الشعب الأردني في المياه، والآن الحكومة الأردنية تشتري الماء، الذي هو من (نهر الأردن)، من العدو الإسرائيلي، بالمال (بالدولار)، بالأموال الكثيرة، وفي نفس الوقت يمكن للعدو الإسرائيلي أن يمنع ذلك عنهم في أي مرحلة، أن يتوقف عن البيع لهم في أي مرحلة، ويكون لهم مشكلة بسبب ذلك.
يتوسع في سوريا، وركَّز بشكلٍ أساسي على (حوض اليرموك)، يعني: منطقة المياه، والسدود، والموارد المائية الضخمة.
ويحاول في لبنان أن يسيطر على (نهر الليطاني).
يحاول أن يركِّز على الأنَّهار، هذا ما هو بشكل مباشر، تركيزه فيما يقدِّمه تحت عنوان [إسرائيل الكبرى] على (النيل، والفرات)، وأن تكون تلك المساحة بكلها (من النيل، والفرات) تحت سيطرته، في نفس الوقت هو ماذا يعمل؟ هو يستهدف حتى البلدان البعيدة عنه، أو القريبة، لكن، مثلاً:
هو يستهدف العراق، بالرغم من الحاجز الجغرافي بينه وبين العراق، لكن عبر تركيا، من خلال السدود التي تؤثِّر على تَدَفُّق مياه الفرات، إلى العراق (نهر الفرات).
ويشتغل فيما يتعلق بمصر، من خلال إثيوبيا، بالحواجز الضخمة والعملاقة؛ من أجل التأثير على (نهر النيل).
يعني: يحارب حتى في هذه النعمة، يحارب العرب حتى على نعمة المياه، حتى البلدان البعيدة يحاول أن يتآمر عليها من هنا أو هناك، بأساليب أو أخرى؛ فهو عدوٌ شديد العداء، يحارب حتى على نعمة الطعام والشراب، الحظر الاقتصادي، الإفساد للوضع الاقتصادي للشعوب… يستهدف الناس في كل شؤون حياتهم.
هذا يعود إلى تقصير الناس في ماذا؟ في مسؤوليتهم الجهادية، حتى يَتَحَرَّك عدو بمثل ذلك المستوى من الحقد، والإجرام، والطغيان، وهو يستهدف الأمة في كل شيء، حتى في طعامها، وشرابها؛ الأمة بحاجة إلى الله، وبحاجة إلى نهجه وهديه.
نكتفي بهذا المقدار.
وَنَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛