لجريدة عمان:
2024-09-18@06:03:02 GMT

لا أحد ينتبه للهندباء البريّة !

تاريخ النشر: 20th, August 2023 GMT

«هل يمكن للطبيعة أن تمارس أدوارها بينما نُغلقُ أعيننا؟» كان هذا أحد أسئلتي المُعذبة في طفولة بعيدة، «فما الذي يحملُ الطبيعة على ذلك إن لم تكن مرئية أصلا؟» لكن ما زاد شقائي هو أن تتبرعم حياة ما أو تموت في أكثر الأماكن قسوة دون أن تثير انتباه أحد لنضالها في شقوق مُظلمة ومعزولة.

استيقظت هذه الأسئلة مجددا وأنا أعيد قراءة واحدة من أعذب روايات ياسوناري كاواباتا «هندباء برّية»، ترجمة: جولان ناجي.

فعَبْر قصّة جذابة، تتبعُ الرواية تاريخ الندم، لنكتشف أنّ أكثر ما ينقذنا يكمنُ في وجود وجهة نظر أخرى للقصّة الواحدة، لاسيما عندما نمرُّ بفجيعة قاسية، فلا يعود بإمكاننا تغيير الطريق الذي بدأناه.

رواية تكتنفها الغرابة منذ اللحظة التي نعرف فيها أنّ الكاتب تركها غير منتهية،؛ لأنّه قرر إنهاء حياته عام 1972، وحتى الولوج إلى تلك المحاورة الفلسفية العميقة.

يحاول «هيسانو» أن يُخرج خطيبته وأمّها من فكرة مُوجعة تكمن في أنّهما كانتا السبب في موت الأب، فالأمّ دفعت الابنة لمرافقة والدها لركوب الأحصنة والابنة شاهدت سقوط والدها وحصانه من أعلى الجرف، ولأنّ الأمر فوق تحملها فقد كابدت نوبة «عمى الجسد»، وهو مرض نادر يعني تعطل وظيفة عصب بصري بشكل مؤقت. ترغبُ الأمّ في أن تُبعد الخطيب عن ابنتها، فترسلها إلى مصحة المجانين؛ الأمر الذي يثيرُ تعجبنا بوصفنا قرّاء كما يثير تعجب «هيسانو».. فلماذا تخلطُ الأمّ بين العمى وبين مستشفى المجانين!

ثمّة ارتداد إلى زهرة الهندباء الأكثر تصميما على الحياة والتبرعم، تلك التي لا يتم فحصها بانتباه في طوكيو. النبتة البرية التي لا تزرع في حديقة أو في إصيص، على نقيض زهرة الكاميليا التي تنمو في الحدائق، وتُدرك أنّها مرئية من محبيها. هكذا يظن البعض أنّنا غير موجودين قياسا بعدم معرفة الآخر بنا، لكن في الحقيقة جهل أحدنا بالآخر لا ينفي وجوده. ولذا فعندما تُزهر الهندباء، فتلك علامة فارقة، تُخفف شعور الزوار بالذنب تجاه ذويهم وأحبتهم الذين احتُجزوا في مكان بالغ القسوة مثل تلك المصحة.

يُلاحظ الخطيب والأمّ طوال طريق العودة أشياء كثيرة، لكنهما يختلفان حولها. فهي لا تمثلُ ذات الشيء لكليهما ابتداء من زهرة الهندباء، وليس انتهاء إلى الصبي الجني الذي مرّ بينهما.

لم تكن الأشياء وحدها التي يختلفان حولها، وإنّما الأفكار التي يضمرانها للقصص التي رافقت ليلتهما العصيبة عندما تركا الابنة لأول مرّة في مصحة المجانين! تصعد بين الأمّ وخطيب الابنة محاورة طويلة، يربطُ هذه المحاورة العميقة «الابنة» التي رغم غيابها بوصفها فاعلا أصيلا في الأحداث، إلا أنّها مُستعادة من خلال الأحاديث.. هكذا تبدو الغائبة وغير المرئية كثيفة الحضور؛ ولذا تُقلب حكاية الابنة على أكثر من وجه، وفي كل مرّة تظهر حقيقة غائبة كمن يجمع قطع «البازل» المتفرقة.

فهل هو الهلع الذي جعل الابنة تصابُ بعمى الجسد عقب مشاهدتها سقوط والدها، وهل يمكن أن نبقى محبوسين في لحظة تلاشي أحبتنا من أمام أعيننا!

لكن الفكرة المُرعبة هي رغبتنا المحمومة في أن نُرى، فعندما سُمح للمرضى بالقرع على الناقوس، فإن الصوت المدوي كان ارتداد آلامهم، كان يجعلهم يصدقون بحقيقة وجودهم في الحياة، رغم أنّ أهالي البلدة لا يعرفون من عساه يقرع الناقوس في تلك اللحظة!

كما أنّ الشجرة التي حفر المجانين أسماءهم عليها -فتركوا الندوب على جذعها- كانت محاولة أخرى لترك علامة تخصهم كي يثبتوا أنّهم كانوا موجودين هنا يوما ما، وفي الحقيقة «لا نعرف على وجه اليقين إن كانت الشجرة وهي تنزُ دمع جراحها تبكي على المجانين أو بسببهم! لكن المؤكد فيما لو قطعت الشجرة لن يعود هنالك ما يدل على أنّ المجانين كانوا أحياء!»، الأمر الذي يجعلنا نتعجب لأنّ «الجنون في تجلياته أوضح من العقل».

تدفعنا الرواية لأن نُقدر تلك الحيوات التي عُزلت أو عَزلت نفسها عن الضوء بالمعنى الواقعي والمجازي، تلك التي تنمو في الخفاء غير مُنشغلة بترك علامة أو أثر لكي تُرى، تلك التي تُرينا الوجه الآخر من قصّتها.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

أحمد رزق يخطف الأنظار بعد تعافيه من أزمة صحية

خطف الفنان المصري أحمد رزق، الأنظار في أحدث ظهور، أثناء تكريمه بجائزة التميز في مهرجان الفضائيات العربية، بعد تعافيه من الأزمة الصحية التي مرّ بها مؤخراً.

وخسر رزق، الكثير من وزنه، الأمر الذي فتح باب التكهنات حول تطورات حالته الصحية، وقيامه باتباع نظام غذائي قاسٍ. وتعرض أحمد رزق مؤخراً لأزمات صحية متتالية، حيث خضع لعملية جراحية في 29 يوليو (تموز) الماضي، لاستئصال ورم زائد في القولون، وظل في المستشفى تحت الملاحظة. وكان رزق قد خضع لجراحة أخرى في الفك في مايو (أيار) الماضي، وخرج بعدها بـ 24 ساعة من المستشفى، الأمر الذى تسبب في منعه من الكلام لعدة أيام.

مقالات مشابهة

  • مقتل أول جندية إسرائيلية منذ الهجوم البري على غزة
  • مقتل أول جندية إسرائيلية في غزة منذ بدء الهجوم البري
  • مصادر لصحيفة يديعوت أحرونوت العبرية: الحكومة تخطط لاتخاذ خطوات متهورة في لبنان بينها العمل البري
  • مخاوف لبنانية من تمادي اسرائيل بحرب الاستنزاف رغم استبعاد الغزو البري
  • لواء في جيش الاحتلال: لايمكننا هزيمة حزب الله.. الهجوم البري بمثابة ضربة قاتلة ونهائية لـ”إسرائيل”
  • لواء احتياط: لايمكننا هزيمة حزب الله .. الهجوم البري بمثابة ضربة قاتلة ونهائية لـإسرائيل
  • حزب الله.. لا تهدئة في ظل الحرب على غزة ولو انتُخب رئيس
  • بعد حريق مكب برج حمود.. هل من أزمة نفايات في المتن؟
  • أحمد رزق يخطف الأنظار بعد تعافيه من أزمة صحية
  • بطول 167 كيلو متراً.. الأنبار توضح تفاصيل مشروع طريق الحج البري