لجريدة عمان:
2025-04-27@00:52:54 GMT

لا أحد ينتبه للهندباء البريّة !

تاريخ النشر: 20th, August 2023 GMT

«هل يمكن للطبيعة أن تمارس أدوارها بينما نُغلقُ أعيننا؟» كان هذا أحد أسئلتي المُعذبة في طفولة بعيدة، «فما الذي يحملُ الطبيعة على ذلك إن لم تكن مرئية أصلا؟» لكن ما زاد شقائي هو أن تتبرعم حياة ما أو تموت في أكثر الأماكن قسوة دون أن تثير انتباه أحد لنضالها في شقوق مُظلمة ومعزولة.

استيقظت هذه الأسئلة مجددا وأنا أعيد قراءة واحدة من أعذب روايات ياسوناري كاواباتا «هندباء برّية»، ترجمة: جولان ناجي.

فعَبْر قصّة جذابة، تتبعُ الرواية تاريخ الندم، لنكتشف أنّ أكثر ما ينقذنا يكمنُ في وجود وجهة نظر أخرى للقصّة الواحدة، لاسيما عندما نمرُّ بفجيعة قاسية، فلا يعود بإمكاننا تغيير الطريق الذي بدأناه.

رواية تكتنفها الغرابة منذ اللحظة التي نعرف فيها أنّ الكاتب تركها غير منتهية،؛ لأنّه قرر إنهاء حياته عام 1972، وحتى الولوج إلى تلك المحاورة الفلسفية العميقة.

يحاول «هيسانو» أن يُخرج خطيبته وأمّها من فكرة مُوجعة تكمن في أنّهما كانتا السبب في موت الأب، فالأمّ دفعت الابنة لمرافقة والدها لركوب الأحصنة والابنة شاهدت سقوط والدها وحصانه من أعلى الجرف، ولأنّ الأمر فوق تحملها فقد كابدت نوبة «عمى الجسد»، وهو مرض نادر يعني تعطل وظيفة عصب بصري بشكل مؤقت. ترغبُ الأمّ في أن تُبعد الخطيب عن ابنتها، فترسلها إلى مصحة المجانين؛ الأمر الذي يثيرُ تعجبنا بوصفنا قرّاء كما يثير تعجب «هيسانو».. فلماذا تخلطُ الأمّ بين العمى وبين مستشفى المجانين!

ثمّة ارتداد إلى زهرة الهندباء الأكثر تصميما على الحياة والتبرعم، تلك التي لا يتم فحصها بانتباه في طوكيو. النبتة البرية التي لا تزرع في حديقة أو في إصيص، على نقيض زهرة الكاميليا التي تنمو في الحدائق، وتُدرك أنّها مرئية من محبيها. هكذا يظن البعض أنّنا غير موجودين قياسا بعدم معرفة الآخر بنا، لكن في الحقيقة جهل أحدنا بالآخر لا ينفي وجوده. ولذا فعندما تُزهر الهندباء، فتلك علامة فارقة، تُخفف شعور الزوار بالذنب تجاه ذويهم وأحبتهم الذين احتُجزوا في مكان بالغ القسوة مثل تلك المصحة.

يُلاحظ الخطيب والأمّ طوال طريق العودة أشياء كثيرة، لكنهما يختلفان حولها. فهي لا تمثلُ ذات الشيء لكليهما ابتداء من زهرة الهندباء، وليس انتهاء إلى الصبي الجني الذي مرّ بينهما.

لم تكن الأشياء وحدها التي يختلفان حولها، وإنّما الأفكار التي يضمرانها للقصص التي رافقت ليلتهما العصيبة عندما تركا الابنة لأول مرّة في مصحة المجانين! تصعد بين الأمّ وخطيب الابنة محاورة طويلة، يربطُ هذه المحاورة العميقة «الابنة» التي رغم غيابها بوصفها فاعلا أصيلا في الأحداث، إلا أنّها مُستعادة من خلال الأحاديث.. هكذا تبدو الغائبة وغير المرئية كثيفة الحضور؛ ولذا تُقلب حكاية الابنة على أكثر من وجه، وفي كل مرّة تظهر حقيقة غائبة كمن يجمع قطع «البازل» المتفرقة.

فهل هو الهلع الذي جعل الابنة تصابُ بعمى الجسد عقب مشاهدتها سقوط والدها، وهل يمكن أن نبقى محبوسين في لحظة تلاشي أحبتنا من أمام أعيننا!

لكن الفكرة المُرعبة هي رغبتنا المحمومة في أن نُرى، فعندما سُمح للمرضى بالقرع على الناقوس، فإن الصوت المدوي كان ارتداد آلامهم، كان يجعلهم يصدقون بحقيقة وجودهم في الحياة، رغم أنّ أهالي البلدة لا يعرفون من عساه يقرع الناقوس في تلك اللحظة!

كما أنّ الشجرة التي حفر المجانين أسماءهم عليها -فتركوا الندوب على جذعها- كانت محاولة أخرى لترك علامة تخصهم كي يثبتوا أنّهم كانوا موجودين هنا يوما ما، وفي الحقيقة «لا نعرف على وجه اليقين إن كانت الشجرة وهي تنزُ دمع جراحها تبكي على المجانين أو بسببهم! لكن المؤكد فيما لو قطعت الشجرة لن يعود هنالك ما يدل على أنّ المجانين كانوا أحياء!»، الأمر الذي يجعلنا نتعجب لأنّ «الجنون في تجلياته أوضح من العقل».

تدفعنا الرواية لأن نُقدر تلك الحيوات التي عُزلت أو عَزلت نفسها عن الضوء بالمعنى الواقعي والمجازي، تلك التي تنمو في الخفاء غير مُنشغلة بترك علامة أو أثر لكي تُرى، تلك التي تُرينا الوجه الآخر من قصّتها.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

شفيونتيك.. «التوقعات المرتفعة» في «الملاعب الترابية»!

مدريد (أ ف ب)

أخبار ذات صلة ألكاراز يكشف سر «الاحتفال الصاخب» أجاسي يعود في «الخامسة والخمسين» عبر بوابة «البيكلبول»!


قالت البولندية إيجا شفيونتيك إنها طورت قدرتها على تحمل الضغط الناتج عن التوقعات المرتفعة الملقاة على عاتقها مع انطلاق موسم الملاعب الترابية، مبدية «امتنانها للآمال العالية» التي يضعها الجمهور عليها.
وتُعد المصنفة ثانية عالمياً اللاعبة الأنجح على الملاعب الترابية في جيلها، بعد أن توجت بلقب بطولة فرنسا المفتوحة أربع مرات.
تُقدم شفيونتيك موسماً أقل من المعتاد مقارنة بمعاييرها العالية، لكنها تملك فرصة تصويب مسارها من خلال الفوز بدورة مدريد حيث تدافع عن لقبها.
وقالت شفيونتيك «إنه أمر جنوني، لكن الناس ليست مدركة عندما تفكر عن الأشخاص الآخرين، بأننا من البشر، بالتأكيد التوقعات مرتفعة، لكنها مرتفعة في كل عام بالنسبة لي منذ 2022».
وأضاف «أحاول فقط أن احتفظ بوظيفتي وألا أركّز على ما يقوله الناس، بصراحة، ليس لديهم أدنى فكرة عما يحصل في حياتنا، لذا إذا كان لديهم اعتقادات معينة، وليفكروا كما يحلو لهم، لكنها ليست بالضرورة الحقيقة، ولكنني بالتأكيد ممتنة لأنهم يضعون علي توقعات مرتفعة».
واستهلت ابنة الـ 23 عاماً موسمها على الملاعب الترابية ببلوغ الدور ربع النهائي في دورة شتوتجارت الألمانية الأسبوع الماضي، حيث خسرت أمام اللاتفية يلينا أوستابنكو التي توجت لاحقا باللقب، للمرة السادسة في ست مواجهات بينهما.
وأوضحت شفيونتيك أن نظام مكافحة المنشطات الذي أدى إلى إيقافها لمدة شهر في أواخر العام الماضي لاستخدامها مادة محظورة، جعلها تشعر بـ «الكثير من الضغط» و«القلق».
وشرحت «أفكر في الأمر طوال الوقت، يُشعرني ذلك بالقلق بعض الشيء، لا أتحدث عن نفسي فقط، لأنني، بطريقة ما، اعتدتُ على النظام ومررتُ بأسوأ مراحله».
وتابعت «تمكنت من العودة وتصحيح المسألة، مما يجعلني أشعر وكأن لا شيء يستطيع إيقافي».
وأضافت «أتحدث أيضاً عن اللاعبين الآخرين: الأمر ليس سهلاً، فالنظام بأكمله صعب للغاية»، مشيرة إلى شرط تحديد مكان الرياضيين بشكل دائم وقالت «كل يوم، أثناء سفرنا، علينا أن نحدد مكان تواجدنا، إذا نسينا، نخاطر بإعلاننا غائبين، وبعد ثلاثة غيابات، نتعرض لعقوبات، إنه ضغط كبير، وليس من السهل إدارته، ولكن هكذا هي الأمور».

مقالات مشابهة

  • الفرقة الثابتة
  • إعلام إيراني: مد "محادثات عمان" إذا اقتضى الأمر
  • المحادثات النووية الإيرانية الأميركية في عُمان قد “تُمدّد إذا اقتضى الأمر”
  • لولا كلمة..
  • استمرار فتح ميناء رفح البري لليوم الـ 39 على التوالي
  • حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع
  • حكم الذكر جماعة وجهرًا عقب صلاة العصر يوم الجمعة
  • ترامب: التعامل مع زيلينسكي أصعب مما توقعت
  • استمرار فتح ميناء رفح البري لليوم الـ 38 على التوالي
  • شفيونتيك.. «التوقعات المرتفعة» في «الملاعب الترابية»!