تعيش السودان حالة متدنيه على المستوى الإنساني، فطلقات الرصاص تفرق بين الأخ وأخيه، فأحدهما ميت والآخر يموت، تنزف الدماء ويتناقص الغذاء وتشح الأدوية وكل على أمره مغلوب، شعوب مقهورة منذ سنين، تترنح بين الاغتصاب والحرق والسلب والنهب والضياع والقتل والتشريد، انتهاكات ترافقهم منذ الولادة إلى الكبر، وصوت الإنسانية غير مسموع.

 

واقع مؤلم يعيشه السودانيين

 

وفي السياق ذاته، تحولت الأحياء في السودان إلى مناطق شد وجذب بين طرفي الصراع، والتي تعد من أعنف عمليات القصف الجوي والبري، مما نتج عنه فرار الأهالي خوفًا الرصاص، مما يعكس أن الخرطوم ستصبح مدينة خالية من السكان تمامًا وستكون ساحة قتال حقيقية.

واتسعت رقعة المناطق الخطرة بشكل كبير، لا سيما بعد دخول المعارك شهرها الخامس دون انتفاضة حقيقية توقف الحرب، فمن ناحية القتلى والأخرى الجرحى، ولا صوت يعلو على صوت الرصاص بعد ذلك.

ترتفع وتيرة النزوح من أحياء أم درمان وبقية مناطق العاصمة، في واقع صعب ومؤلم يدفع ثمنه مواطنون يريدون العيش بسلام وجيش السودان الذي يكافح ببسالة لإنقاذ أراضيه من أي عدوان.

ويروى أحد سكان الأحياء الشمالية حجم المعاناة التي عاشها المواطنين قائلًا: الناس فقدت القدرة على الصمود، وما زاده هو الضغوط الأمنية والصحية والمعيشية، وليس أمامنا خيار آخر سوى النزوح عن بلادنا فلم يعد هناك أحمد آمن في العاصمة.

وأجبر القتال العنيف والقصف الجوي المستمر ملايين الأشخاص أي يعادلون 70 بالمئة أو أكثر على الفرار وترك منازله، الأمر الذي حول أحياء العاصمة إلى مدن أشباح من كثرة هجرها سكانها، والذين بقوا في بيوتهم تعرضوا لمآس إنسانية غير مسبوقة، فالبعض مان والآخر تحت الأنقاض، والآخر لم يدفن بعد.

وعلى الصعيد الآخر، يعاني العالقون في مناطق القتال، خاصة أحياء أم درمان القديمة وشرق الخرطوم من نقص كبير في المواد الغذائية، بسبب إغلاق الأسواق، إضافة إلى  تدهور وضع المستشفيات بسبب تزايد عدد الضحايا المدنيين.

ويخشى أصحاب الأمراض المزمنة أن يداهم الموت أجسادهم بسبب نقص الأدوية، كأدوية السكر والضغط وجرعات السرطان وغسيل الكلى، في الوقت الذي يواجه القطاع الصحي صعوبات جامة بسبب خروج أكثر من 70% من المستشفيات عن الخدمة، إلى جانب النقص الكبير في المعونات الطبية والأدوية المنقذة للحياة والانقطاع المستمر من التيار الكهربائي.

وعلى إثر ذلك تحللت جثامين المتوفيين المحفوظة في ثلاجات مشارح المستشفيات الرئيسية والتي يقدر عددها بأكثر من 3 آلاف جثمان، إلى جانب ارتفاع معدلات الوفيات بسبب نقص التيار الكهربي.

 

جرائم ضد الإنسانية

 

وشهدت مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، اشتباكات عنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع مثلما حدث في معظم المدن الكبرى في دارفور والعاصمة الخرطوم، غير أن أحداث العنف في الجنينة اتخذت طابعا همجيًا، وشهدت قتلا على الهوية كما أكدت الأمم المتحدة التي يقول مبعوثها إلى السودان، فولكر بيرتس، إنه تلقى تقارير موثوقة تشير إلى أن القبائل العربية وقوات الدعم السريع التي يقودها الفريق محمد حمدان دقلو قد ارتكبت انتهاكات خطيرة تشمل القتل على الهوية والعنف الجنسي، قائلا إن هذه الأفعال ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية.

ولم تكن هذه المرة الأولى التي توجه فيها أصابع الاتهام لقوات الدعم السريع بالضلوع في ارتكاب جرائم الاغتصاب. فقد اتهمت تلك القوات بارتكاب هذه الجرائم خلال مشاركتها في الحرب في إقليم دارفور في عهد الرئيس المعزول عمر البشير. كما لاحقت الاتهامات عناصر من هذه القوة بالقيام باغتصاب فتيات خلال فض اعتصام المحتجين أمام قيادة الجيش  عام 2019، سلطة سياسية ينطلقون منها لهتك الأعراض.

 

التعليم في خبر كان 

 

وذكرت رنا عبد الغفار المحامية والناشطة الحقوقية أن القصف العشوائي هو الذي أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني، وأن الاستجابة للأوضاع الأنسانية غائبة عن الساحة.

دمار هائل تترك الحرب أثره على وجوه البشر، وتزداد المخاوف من انهيار النظام الصحي في الخرطوم في ظل تفشي الأمراض تزامنا مع نقص الأدوية، حيث فقد 80 بالمئة من السكان مصدر دخلهم حيث توقفت معظم الانشطة التجارية وتعرضت 300 مؤسسة انتاجية وصناعية للدمار الكامل.

واقع مؤسف وتعليم على المحك، فهناك ملايين الطلاب خارج مقاعد الدراسة والعديد من الجامعات والمدارس والمراكز البحثية تعرضت لدمار كلي أو جزئي.

 

سيناريو الحرب الشاملة

 

وفي سياق متصل، اتسعت رقعة القتال الذي يشهده السودان، فبالإضافة إلى الخرطوم وما حولها من ولايات دارفور الخمس، دخلت مناطق جديدة في كردفان والنيل الأزرق والجزيرة دائرة المعارك خلال اليومين الماضيين، مما أثار مخاوف من سيناريو الحرب الشاملة التي من شأنها أن تدمر العالم.

وخلفت هذه الحرب المستمرة أكثر من 4 آلاف قتيل، وتشريد 4 ملايين، منهم ما يقرب من 700 ألف عبروا الحدود إلى دول مجاورة، وأوقعت الحرب خسائر اقتصادية باهظة قدرت بأكثر من 50 مليار دولار، إضافة إلى تدمير البنية التحتية والممتلكات العامة والخاصة.

وتعرض إقليم كردفان إلى دمار كبير، فمنذ اندلاع الصراع ظلت مدينة الأبيض أكبر مدن الإقليم تشهد معارك عنيفة، إضافة إلى أنها تشهد كرًا وفرًا بين طرفي الصراع.

ومع تردي الأوضاع الأمنية في شمال الإقليم، أعلنت السلطات حظر التجوال الليلي في النهود، إحدى أكبر مدن كردفان، أما في غرب الإقليم فقد استمر القصف المدفعي من قبل الحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، على مدينة كادقلي، مما إحداث موجة هلع ونزوح وسط المواطنين.

وتزداد الأوضاع الأمنية في الإقليم سوءا مع استمرار الاقتتال وعمليات الاغتصاب والسلب والنهب والحرق، التي طالت أكثر من 50 منطقة سكنية.

وتهدف استراتيجية توسع القتال في مختلف البلاد، إلى تخفيف الضغط على قواتها في الخرطوم، وإشغال قوات الجيش من خلال فتح جبهات جديدة للقتال، ولكن ذلك ربما محاولة لشد أطراف أخرى إلى الحرب. وأن محاولة فتح جبهات جديدة للقتال من قبل قوات الدعم السريع، سيكلفها ثمن باهظ للغاية ويهدد قواتها في الخرطوم، حسب أمين مجذوب الخبير الاستراتيجي العسكري لسكاي نيوز عربية.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: إغتصاب السلطات الخرطوم رصاص انتهاكات المواطنين كهرباء الممتلكات العامة والخاصة صفيح ساخن الجامعات والمدارس الدعم السریع أکثر من

إقرأ أيضاً:

السودان: الجيش يستعيد السيطرة على القصر الجمهوري في الخرطوم

استعادة القصر الجمهوري.. الجيش يسترجع "الصندوق الأسود" للحكم في السودان

 

على مدى أربعة أيام، شهدت محاور القتال حول القصر الجمهوري اشتباكات عنيفة، قبل أن تتمكن وحدات الجيش من اختراق الدفاعات عبر البوابة الشرقية.

 

لم تهدأ معارك الخرطوم، وظلت أنظار السودانيين مشدودة نحو القصر الجمهوري ترقبا لمصيره، بعد أن تحوّل إلى ساحة لأعنف المواجهات منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023. وبعد قرابة عامين من القتال، أعلن الجيش السوداني استعادته في خطوة وُصفت بـ"التاريخية"، لكن ما الذي دار خلف أسواره؟ وكيف حُسمت المواجهة؟

 

كيف استعاد الجيش القصر الجمهوري؟

 

على مدى أربعة أيام، شهدت محاور القتال حول القصر الجمهوري اشتباكات عنيفة، قبل أن تتمكن وحدات الجيش من اختراق الدفاعات عبر البوابة الشرقية. ووفق مصادر عسكرية لـ"العربية.نت"، نُفِّذ الهجوم وفق خطة محكمة شملت قصفا مدفعيا مكثفا وإنزالات برية عبر محورين رئيسيين: الأول من الشوارع الخلفية التي كانت تحت نيران القناصة، والثاني عبر نفق قديم يُعتقد أنه يعود إلى الحقبة الاستعمارية البريطانية.

 

وفي الليلة الأخيرة للهجوم، تسلّلت وحدات من القوات الخاصة عبر هذين المحورين، وسط مقاومة شرسة من قوات الدعم السريع التي زرعت متفجرات في الممرات لإبطاء التقدم. لكن مع اشتداد الضغط العسكري، انسحبت القوات المتمردة باتجاه السوق العربي وسط الخرطوم، حيث لاحقتها وحدات الجيش، معلنة السيطرة الكاملة على القصر والمنشآت المجاورة.

 

وفي بيان رسمي، أكّد الجيش أنه دمّر القوة المتبقية داخل القصر، واستولى على أسلحة وعتاد، واصفا العملية بأنها "ملحمة بطولية خالدة"، مع استمرار العمليات العسكرية في مختلف الجبهات.

 

تفاعل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي

 

فور إعلان استعادة القصر، اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي موجة من التفاعلات، حيث تصدّر وسم #القصر_الجمهوري قائمة الأكثر تداولًا في السودان. وبينما اعتبر البعض الحدث نصرا استراتيجيا يعزّز موقف الجيش، رأى آخرون أنه مجرد مرحلة في صراع لا يزال مفتوحا على احتمالات عديدة.

 

على الصفحات الداعمة للجيش، انتشرت صور ومقاطع فيديو تُظهر جنودًا يحتفلون داخل القصر، وسط هتافات التكبير وعبارات مثل "القصر عاد إلى أصحابه" و"النصر قادم". كما أُعيد نشر الأناشيد الوطنية، بينما قارن البعض بين القصر في حقبته الذهبية وحاله اليوم بعد الدمار الذي لحق به.

 

في المقابل، حذر محللون من تصعيد محتمل في المعارك، خاصة مع انسحاب قوات الدعم السريع إلى مواقع استراتيجية أخرى داخل العاصمة.

 

القصر الجمهوري.. صندوق أسرار السلطة في السودان

 

لم يكن القصر الجمهوري مجرد مقر للحكم، بل كان شاهدا على لحظات مفصلية في تاريخ السودان، حيث تعاقبت عليه الحكومات، وسقطت بين جدرانه أنظمة، ما جعله أشبه بـ"الصندوق الأسود" لأسرار السلطة في السودان.

 

من سراي الحكمدارية إلى معقل الصراع

 

حين وضع الأتراك العثمانيون حجر الأساس للقصر عام 1826، كان إعلانا رمزيا لسيطرتهم على السودان. شُيّد أولا بالطوب الأخضر (اللبِن)، قبل أن يُعاد بناؤه لاحقا بالطوب الأحمر، مستخدما أنقاض مملكة سوبا المسيحية، في مشهد يجسّد تعاقب الحضارات وصراع القوى على هذه الأرض.

 

وبعد سقوط الدولة المهدية في 1899، أعاد البريطانيون بناء القصر على الطراز القديم ليكون مقرا لحكامهم حتى فجر الاستقلال عام 1956، عندما رفرف علم السودان الحر لأول مرة فوق ساريته.

عهد الانقلابات والمؤامرات

لكن القصر لم يكن شاهدا على الاستقلال فحسب، بل كان أيضا مسرحًا لانقلابات وأحداث دموية غيّرت مسار السودان. ففي يوليو 1971، تحوّل إلى سجن للرئيس الأسبق جعفر نميري خلال انقلاب قاده الرائد هاشم العطا، قبل أن يستعيد نميري السلطة وينفّذ إعدامات بحق قادة الانقلاب.

 

وعلى مر العقود، ظل القصر مركزا للمكائد السياسية، حيث سقطت حكومات، وتغيّرت أنظمة، في مشهد يعكس صراع السلطة المستمر في السودان.

 

الأهمية الإستراتيجية لاستعادة الجيش السوداني السيطرة على القصر الرئاسي بالخرطوم

 

القصر الجديد.. تحفة صينية وسط نيران الحرب

 

في عام 2015، افتُتح القصر الجمهوري الجديد بتصميم حديث بتمويل صيني، ليكون مقرا للرئاسة السودانية. لكنه بعد أقل من عقد، تحوّل إلى أنقاض بفعل الحرب، وأصبحت ردهاته ساحة للمعارك، حيث استُبدلت خرائط السياسة بخطط الاقتحام، وتحولت قاعات الاجتماعات إلى مواقع للاشتباكات المسلحة.

 

هل تغيّر هذه المعركة مسار الحرب؟

 

اليوم، وكأن التاريخ يعيد نفسه، لكن بصورة أشد مأساوية. لم تعد الجيوش الغازية تأتي من وراء البحار، ولم يعد الثوار يرفعون رايات التغيير، بل بات الصراع بين أبناء الوطن الواحد، في حرب لم تُبقِ إلا على الرماد والدمار.

 

ورغم أن استعادة القصر تمثل انتصارا استراتيجيا للجيش، تبقى الأسئلة الكبرى بلا إجابة: هل يُشكل هذا الحدث نقطة تحول حقيقية في الحرب أم أن السودان سيظل عالقا في دوامة الصراع دون أفق واضح للحل؟


مقالات مشابهة

  • السودان: الجيش يستعيد السيطرة على القصر الجمهوري في الخرطوم
  • إسرائيل على صفيح ساخن.. الشارع يغلي رفضًا لقرارات نتنياهو
  • غزة على صفيح ساخن| وزير الدفاع الإسرائيلي يعلن بدء إجلاء السكان قريبًا
  • الشرق الأوسط على صفيح ساخن والعالم يترقب: إيران ترفض التصعيد وواشنطن تتوعد- عاجل
  • الشرق الأوسط على صفيح ساخن والعالم يترقب: إيران ترفض التصعيد وواشنطن تتوعد
  • تركيا على صفيح ساخن بعد اعتقال إمام أوغلو .. هذا تفاصيل ما يحدث
  • تركيا على صفيح ساخن | اعتقال إمام أوغلو وهبوط الليرة وتعليق البورصة.. هذه تفاصيل ما يحدث
  • تركيا على صفيح ساخن | اعتقال إمام أوغلو وهبوط الليرة وتعليق البورصة.. هذا تفاصيل ما حدث
  • «إسرائيل على صفيح ساخن»| احتجاجات عارمة ضد قرار نتنياهو باستئناف الحرب.. ومطالبات بإبرام صفقة للإفراج عن الرهائن
  • خلافات الشركاء تشعل الموقف.. جنوب السودان يعود إلى شفا الحرب.. والتوترات المتصاعدة تهدد السلام الهش