عودة أخرى الى محاولات تجريم لجنة التفكيك (2)
تاريخ النشر: 22nd, January 2025 GMT
جاء في الأخبار: (أصدرت نيابة الجرائم الاقتصادية في السودان إعلانًا بالنشر بحق (24) عضوًا من أعضاء "لجنة إزالة التفكيك" خلال فترة الحكومة الانتقالية، برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك، من بينهم عضو المجلس السيادي السابق محمد الفكي سليمان، ومقرر اللجنة وجدي صالح، وصف بيان النيابة، بتاريخ 13 كانون الثاني/يناير، المطلوبين بـ “المتهمين الهاربين" في مواد تتعلق بقانون إزالة التمكين، وطالب الأشخاص المذكورين تسليم أنفسهم لقسم شرطة الجرائم الاقتصادية في مدة لا تتجاوز أسبوعًا من تاريخ النشر)
وقد سبق اعتقال أعضاء اللجنة بعد انقلاب البرهان حميدتي، ثم إعادة كل الأموال التي استرجعتها اللجنة من اللصوص، ولم تجد السلطة الانقلابية آنذاك ما تدين به أعضاء اللجنة فاضطرت في النهاية لإطلاق سراحهم.
بعض منتقدي عمل اللجنة يتحدثون عن (تشهير وانتقام) شاب عمل اللجنة، والحقيقة ان الإعلان عن تلك الجرائم كان مهما ليس فقط لفضح طبيعة النظام الذي تسلط على هذه البلاد طوال عقود، ولكن لأنّ جرائم المال العام تكون نتائجها وبالا على أجيال كاملة وعلى المجتمع كله. سلاح التشهير برعت السلطة الكيزانية في استخدامه طوال عقود للإزراء بمعارضيها وإرهاب المواطنين، من الذي بدأ التشهير والانتقام في اهل هذه البلاد؟ ما الذي كانت تقوم به شرطة ما عرف باسم النظام العام؟ ألم يكن عملها فعليا هو التشهير وارهاب المواطنين؟ في فيديو شهير جُلدت فيه احدى النساء ارتفع صوت أحد شرطة الكيزان مستعيرا الآية الكريمة (وليشهد عذابهم طائفة من المؤمنين) لتبرير جلد المرأة أمام جمهور غفير من المتفرجين.
لقد أدت الممارسات الفاسدة لذلك العهد الاجرامي الى انتهاكات مريعة مورست بحق هذا الشعب، بدءا من جرائم التعذيب في بيوت الأشباح واغتيال المعارضين بالرصاص في الشوارع، بث الفتن، ومن أجل اضعاف جذوة الثورة ضد الاستبداد في النفوس، سعوا لتفكيك المجتمع نفسه بإيقاظ النعرات العنصرية بدلا من محاربتها لصالح الانتماء للدولة والمجتمع الواحد، وقاموا بحل الأحزاب السياسية والنقابات ومطاردة واضعاف التنظيمات المدنية، لدفع الناس للعودة الى حضن القبيلة، وكان نتاج افعالهم الحرب التي يدفع ثمنها الأبرياء من دمهم واموالهم ومستقبل أطفالهم.
طرح الكيزان أنفسهم في البداية (قبل انكشاف أمرهم وانهم مجرد لصوص يختبئون وراء ستار الدين) كحماة للفضيلة، لكن أفعالهم على الأرض كانت ضد كل القيم والفضائل، روّعوا الآمنين بالقفز في البيوت للبحث عن الخمور، وأحيانا يحملون الخمور معهم! فالغرض ليس هو نشر الفضيلة وقيم الدين (الذي يحرّم الدخول الى بيوت الناس بدون اذنهم والتجسس عليهم) الغرض هو إرهاب الناس وقتل جذوة الثورة في النفوس! وحض الناس على الخنوع والاستسلام لسلطة القمع والفساد، ثم يأتي أحدهم حين دارت عليهم الدوائر وفضحت لجنة التفكيك جرائمهم ليتحدث عن ان عمل اللجنة مخالف للقوانين! كأنهم يعرفون عهدا او قانونا! وهم من لم يكن له من عمل طوال أكثر من 3 عقود سوى خرق القوانين وتدمير القيم والأخلاق!
اذكر قصة محام كان ناشطا في صفوف حزب معارض في احدى مدن الشمال في التسعينات، قفزوا الى بيته ليلا وعثروا على بعض الخمور، أحضروه في اليوم التالي وجلدوه في السوق على رؤوس الاشهاد! وبالطبع لو لم يكن الرجل معروفا بمعارضته للنظام الاجرامي، لما استهدفوه، فقد انتهي أمرهم في أواخر العهد الانقاذي باستيراد المخدرات في حاويات لبيعها لكل راغب!
بسبب كل ذلك وبنفس منطقهم في التشهير بالناس، يصبح حرص اللجنة على اعلان تلك الجرائم بصورة علنية مبررا ومقبولا، ليس فقط لعقاب الفاسدين بل ولتحصين المجتمع من اية ممارسات مستقبلية، واستعادة الثقة في الدولة الحارسة للمال العام، للدولة العادلة التي توجه المال العام لمصارفه الحقيقية.
ان من يسرق المال العام يقتل الجميع، في بلد يشيع فيه الفقر نتيجة الفساد والسياسات الخاطئة وانعدام الرؤى الاستراتيجية، الفساد يقتل المواهب ويحرم أجيالا كاملة من حقوقها في مجانية العلاج والتعليم الذي تكفله كل الدول التي تراعي في مواطنيها الحق والقانون.
يحاول البعض بسذاجة او مكر القول بثبات الاتهامات ضد أعضاء اللجنة، كون ان صدرت عنهم تلك الاتهامات ليسوا كيزان! والاجابة ببساطة هم مرتشون او واقعون تحت التهديد! يعيدنا ذلك الى ذكرى المقال الشهير الذي نُشر في صحيفة القوات المسلحة بعد فترة من انقلاب الإنقاذ وبعد انكشاف أمر الانقلاب الذي دبرته الجبهة القومية الإسلامية، تحت عنوان: (هل هؤلاء الرجال جبهة)؟ ربما لم يكن بعض أولئك الرجال جبهة، لكن ذلك لا ينفي ضلوعهم في المؤامرة. فالكوزنة داء ورداء، رداء واسع يرتديه كل راغب في منصب او مال حرام، والحزب الاجرامي لديه من الذكاء ما يكفي لضم الكثيرين تحت عباءته حتى لو لم يدخلوا التنظيم من الباب القديم المنسي (باب الدعوة الى الدين) فالجميع ينزلقون في النهاية الى الفساد. المحللون الاستراتيجيون الذين يزحمون الفضائيات ليسوا بالضرورة كيزان، لكن المصالح التي تربطهم بالتنظيم الاجرامي تجعلهم كيزان أكثر من مؤسسي التنظيم الأوائل أنفسهم!
لجنة التفكيك هي احدى أدوات ثورة ديسمبر لاستعادة الحقوق وكشف الظالمين، فطبيعي ان يستهدفها المستبدون والمستنفعون وسرّاق المال العام.
أحمد الملك
ortoot@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: المال العام لم یکن
إقرأ أيضاً:
عودة 1.4 مليون سوري إلى ديارهم منذ ديسمبر 2024 ومخاوف من مغادرتهم مجددا
سوريا – عاد نحو 400 ألف سوري من دول الجوار إلى بلادهم منذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر الماضي، وأكثر من مليون نازح داخلي عادوا إلى مناطقهم، وسط تحذيرات من احتمال مغادرتهم مجددا.
وكشف تقرير صادر عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن “إجمالي عدد السوريين العائدين إلى ديارهم تجاوز 1.4 مليون شخص”.
وأوضح التقرير أن اقتراب نهاية العام الدراسي يجعل فصل الصيف فترة حاسمة للعودة الطوعية، مشيرا إلى أنها “فرصة لا ينبغي إضاعتها”.
ولفت إلى أن “ضمان نجاح هذه العودة واستمرارها يتطلب توفير الدعم للسوريين في مجالات المأوى وسبل العيش والحماية والمساعدة القانونية”، مؤكدا أن المفوضية تمتلك خبرة واسعة في هذه المجالات.
وحذرت المفوضية من أن نقص التمويل قد يحول دون تحقيق الهدف المتمثل في عودة 1.5 مليون شخص هذا العام، مما قد يدفع العائدين إلى مغادرة بلادهم مرة أخرى.
وأكد البيان أن “دعم المفوضية والجهات الإنسانية الأخرى يُعد عاملاً أساسيا لتحقيق الاستقرار”، محذرا من أن “التخفيض الكبير في التمويل الذي تواجهه المفوضية يعرّض حياة الملايين للخطر”.
وأشار إلى أن “نحو 16.7 مليون شخص داخل سوريا – أي ما يقارب 90% من السكان – يحتاجون إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية، بينما لا يزال أكثر من 7.4 مليون سوري نازحين داخليا”.
ولمساعدة السوريين في اتخاذ قرار العودة، أطلقت المفوضية “منصة سوريا هي الوطن”، وهي منصة رقمية تقدم معلومات عن إجراءات العودة، تشمل الجوانب القانونية، واستخراج الوثائق، وإيجاد السكن، والخدمات الصحية والتعليمية، وغيرها.
المصدر: RT