أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً حول التحديات والآفاق المستقبلية للتحول الأخضر في قطاع البناء والتشييد، بالإضافة إلى دوافع التحول الأخضر في القطاع، والفوائد المرتبطة بهذا التحول، إلى جانب دور وتأثير ذلك على مستقبل الاقتصاد العالمي.

وأشار التحليل إلى أن التحول الأخضر في قطاع البناء والتشييد يُعد إحدى القضايا الرئيسة التي تواجهها الصناعات في العصر الحديث؛ فمع تزايُد الوعي البيئي والاتجاه العالمي المتزايد الذي يصاحبه سياسات وإجراءات دولية وإقليمية ووطنية للحد من تأثيرات الأنشطة البشرية على البيئة لضمان استدامتها للأجيال القادمة؛ أصبح قطاع البناء والتشييد يتجه بشكل متزايد نحو تبني ممارسات وأساليب خضراء وأكثر استدامة.

ويتمثل هذا التحول في تحسين كفاءة استخدام الطاقة، وتقليل انبعاثات الكربون، وتعزيز استخدام المواد الصديقة للبيئة، وتطبيق تكنولوجيات مبتكرة تدعم الاستدامة.

وأوضح التحليل أن قطاع البناء والتشييد يُشكل أحد أكبر المساهمين في انبعاثات الكربون على مستوى العالم؛ إذ يتسبب في حوالي 37% من إجمالي الانبعاثات الكربونية العالمية، ويشمل القطاع الصناعات الثقيلة المرتبطة به كالفولاذ والأسمنت، وتلك الصناعات تُعد من أبرز المصادر التي يصعب تقليل انبعاثاتها، ونتيجة لهذا التأثير الكبير للقطاع في تفاقُم مشكلة تغير المناخ؛ أصبحت الحاجة إلى التحول الأخضر في البناء أمرًا ملحًّا.

وأضاف التحليل أنه في السنوات الأخيرة، تزايدت الأولويات العالمية لمكافحة تغير المناخ، وهو ما دفع قطاع البناء إلى تبني تقنيات وأساليب مبتكرة للحد من أثره البيئي، كما أن الجهود الدولية المبذولة لمكافحة تغير المناخ، مثل اتفاقية باريس للمناخ التي تهدف إلى تقليل انبعاثات الكربون، قد زادت من الضغط على القطاعات المختلفة، بما في ذلك قطاع البناء، من أجل التحول إلى ممارسات أكثر استدامة.

علاوة على ذلك، فإن التحول الأخضر في هذا القطاع لا يقتصر على تقليل الانبعاثات فقط، بل يشمل أيضًا تحسين الكفاءة في استخدام الموارد مثل الطاقة والمياه، وتقليل النفايات الناتجة عن العمليات الإنشائية، ويترتب على ذلك فوائد اقتصادية واجتماعية كبيرة، أبرزها: توفير تكاليف تشغيل المباني، وتحسين جودة حياة السكان، وتعزيز الاستدامة بشكل عام.

وأشار التحليل إلى وجود العديد من الفوائد للتحول الأخضر في قطاع البناء والتشييد، بداية من الفوائد الاقتصادية، مرورًا بتعزيز القدرة التنافسية، ووصولًا إلى المكاسب البيئة.

وقد استعرض التحليل تلك الفوائد على النحو التالي:
-تحسين الكفاءة الاقتصادية: وهي من أبرز الفوائد التي يقدمها التحول الأخضر في قطاع البناء؛ حيث تشير الدراسات إلى أن المباني التي تمتاز بالاستدامة وتحمل شهادات مثل LEED (الريادة في تصميم الطاقة والبيئة) تحقق قيمًا عُليا بفضل كفاءتها في استهلاك الطاقة؛ مما يؤدي إلى زيادة في قيمتها الإيجارية وارتفاع قيمتها السوقية.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن لتصاميم المباني وأنظمة الطاقة الفعالة أن تقلل بشكل كبير من التكاليف التشغيلية على المدى الطويل؛ مما يعزز القدرة التنافسية لأصحاب المشروعات والمطورين.

كما كشف تحليل أجرته مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG) أن الشركات التي تتميز بتطبيق أفضل الممارسات في مجال مؤشرات الاستدامة تحقق انخفاضًا ملحوظًا في مخاطر الحوكمة البيئية والاجتماعية (ESG)؛ مما ينعكس إيجابًا على تقييماتها السوقية؛ حيث تسجل زيادة تتراوح بين 10% و15%.

علاوة على ذلك، فإن تطبيق تقنيات البناء المستدامة، مثل استخدام المواد المسبقة التصنيع وتقنيات البناء المعياري، يؤدي إلى تسريع عمليات البناء وتقليل التكاليف المرتبطة بها، وتُسهم هذه التقنيات أيضًا في تقليل الفاقد وتحسين استخدام الموارد؛ مما يجعل العمليات الإنشائية أكثر فعالية.

-فتح أسواق جديدة وتعزيز القدرة التنافسية: إذ أن التحول الأخضر في البناء والتشييد يفتح أيضًا آفاقًا جديدة للأسواق؛ فمع تزايُد الاهتمام بتقنيات البناء المستدامة، أصبحت المواد الخضراء والتصاميم الصديقة للبيئة أكثر جاذبية، وهو ما يُعزز القدرة التنافسية للشركات في هذا القطاع.

على سبيل المثال، باتت تقنيات كالبناء المعياري واستخدام المواد مسبقة التصنيع، أكثر جاذبية بالنسبة للمستثمرين والمطورين الذين يسعون لتحقيق وفرة في التكاليف وزيادة فعالية الإنتاج.

-مكاسب بيئية واجتماعية: عندما يتم تطبيق ممارسات البناء الأخضر، فإن الفوائد البيئية والاجتماعية تكون بارزة، فعلى المستوى البيئي يعمل التحول الأخضر في البناء على تقليل انبعاثات الكربون وتحسين جودة الهواء داخل المباني، فضلًا عن الحد من استهلاك المياه والطاقة.

أما على المستوى الاجتماعي، فتُسهم المباني الخضراء في تحسين جودة الحياة من خلال توفير بيئات عمل وسكن صحية وآمنة للمستخدمين. كما يمكن أن يؤدي التحول إلى تحسين التفاعل المجتمعي وتعزيز التنمية المستدامة.

وأوضح التحليل أنه على الرغم من الفوائد الكبيرة للتحول الأخضر في قطاع البناء، فإن هناك عدة تحديات تواجه تنفيذ هذا التحول، وقد استعرض التحليل أبرز هذه التحديات:

-التكاليف الأولية المرتفعة: إذ تُعَد التكاليف الأولية المرتفعة من أبرز العوائق التي تعترض تطبيق تقنيات البناء الأخضر؛ حيث يتطلب بناء المباني الخضراء استخدام مواد وتقنيات مبتكرة أغلى من تلك التي يتم استخدامها في البناء التقليدي. على سبيل المثال، قد تتطلب إضافة أنظمة الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية أو توربينات الرياح تكاليف أولية مرتفعة، فضلًا عن تكاليف تصميم المباني التي تتطلب تخطيطًا متقدمًا لتحسين كفاءة الطاقة.

-تعقيد التصميم والتخطيط: أحد التحديات الأخرى يكمن في تعقيد تصميم المباني الخضراء؛ فلتحقيق أقصى استفادة من كفاءة الطاقة، يتطلب تصميم المباني الخضراء معرفة متخصصة حول كيفية تحسين الإضاءة الطبيعية، والتهوية، واستخدام الطاقة بشكل فعال. هذه العمليات قد تتطلب وقتًا وجهدًا إضافيين من المهندسين المعماريين والمصممين؛ مما يزيد من التكاليف.

-قلة الخبرات والعمالة الماهرة: يتطلب تنفيذ مشروعات البناء المستدام معرفة فنية عالية، وهو ما قد يتسبب في صعوبة العثور على العمالة المدربة التي تتمتع بالكفاءات اللازمة لبناء المباني الخضراء. في بعض المناطق، قد يتطلب الأمر استثمارًا كبيرًا في تدريب العاملين في هذا المجال.

أشار التحليل إلى أن الحوافز المالية والسياسات الحكومية تلعب دورًا كبيرًا في دعم التحول الأخضر؛ ففي بعض الأسواق قد تكون اللوائح المتعلقة بالبناء الأخضر غير كافية أو متناقضة؛ مما يؤدي إلى تقليل الحوافز لتطبيق ممارسات الاستدامة؛ لذلك من المهم تطوير بيئة تنظيمية تدعم الاستثمار في البناء الأخضر من خلال توفير الحوافز المالية والإعفاءات الضريبية.

كما تقوم التكنولوجيا بدور بارز في القطاع؛ فقد شهد قطاع البناء تحولات كبيرة نتيجة لاستخدام التكنولوجيات الحديثة التي تدعم الاستدامة، ومن أبرز هذه التكنولوجيات: "التكنولوجيا العقارية" التي تشمل استخدام الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والبيانات الكبيرة لتحسين كفاءة استخدام الموارد في المباني.

أضاف التحليل أن هذه الحلول تُسهم في مراقبة استهلاك الطاقة، وتحسين استدامة المباني، من خلال ضبط الأنظمة التكنولوجية في الوقت الفعلي، كما أن تقنيات البناء التكنولوجي، كالبناء المسبق والطباعة ثلاثية الأبعاد، تُسهم بشكل كبير في تقليل الفاقد وتقليل التأثير البيئي للمشروعات الإنشائية، كما يساعد استخدام هذه التقنيات في تقليل استهلاك المواد وتقليص الحاجة إلى العمالة اليدوية؛ مما يؤدي إلى بناء مشروعات أكثر استدامة وأقل تكلفة

ومن المتوقع أن تُسهم المباني الخضراء في تعزيز النمو الاقتصادي العالمي بطرق متعددة، منها:

-التحول الأخضر سيؤدي إلى توفير فرص عمل جديدة في قطاعات البناء والهندسة والطاقة، كما ستفتح الأسواق الجديدة التي تركز على البناء المستدام أبوابًا جديدة للابتكار والنمو في هذه الصناعات.

-المباني الخضراء توفر بشكل كبير في التكاليف على المدى الطويل، فعلى سبيل المثال، تُصمَّم المباني الخضراء لتكون أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة والمياه؛ مما يُسهم في تقليل النفقات التشغيلية لمالكي المباني والمستأجرين، كما أن هذه المباني غالبًا ما تحقق قيمة عالية في السوق؛ ويؤدي إلى زيادة قيمتها العقارية.

-من المتوقع أن يؤدي التحول الأخضر في البناء إلى تقليل التأثيرات البيئية الناتجة عن الأنشطة الإنشائية، بما في ذلك الحد من انبعاثات الكربون والتقليل من النفايات؛ بشكل يُسهم في تعزيز الاستدامة البيئية على المستوى العالمي.

أوضح التحليل في ختامه أن التحول الأخضر في قطاع البناء والتشييد يُعد خطوة حاسمة نحو تحقيق التنمية المستدامة في العالم، ومن خلال تبني ممارسات وتقنيات البناء المستدامة يمكن الحد من الانبعاثات الكربونية، وتحسين كفاءة استخدام الموارد، وتوفير بيئات معيشية وصحية للمجتمعات.

هذا، وعلى الرغم من التحديات المرتبطة بالتحول، مثل: التكاليف الأولية المرتفعة، وتعقيد التصميم، فإن الفوائد الاقتصادية والاجتماعية التي يقدمها هذا التحول تجعل من الضروري الاستمرار في تطويره، من خلال التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص والقطاع الأكاديمي، بما يُمكِّن من بناء مستقبل أكثر استدامة في قطاع البناء والتشييد.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: مجلس الوزراء تغير المناخ الاقتصاد العالمي المزيد قطاع البناء والتشیید ی القدرة التنافسیة انبعاثات الکربون استخدام الموارد المبانی الخضراء تقلیل انبعاثات البناء الأخضر تقنیات البناء أکثر استدامة تحسین کفاءة التحلیل أن هذا التحول یؤدی إلى فی تقلیل البناء ا من أبرز من خلال

إقرأ أيضاً:

وزيرة البيئة: نجحنا في تحويل الاستثمار البيئي إلى واقع يعزز الاقتصاد والتنمية

زارت الدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، مدينة شرم الشيخ، لتتفقد عددًا من المشروعات البيئية المنفذة تحت مظلة مبادرة شرم الشيخ الخضراء، والتي أطلقت خلال مؤتمر الأطراف COP 27، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. 

 تحقيق نمو اقتصادي منخفض الكربون     

وأكدت وزيرة البيئة، بمناسبة الاحتفالات بيوم البيئة الوطني 2025، أن اليوم شاهد عيان علي نجاح جهود الوزارة في جعل الاستثمار البيئي واقع حقيقي يدعم الاقتصاد والتنمية بهدف تحقيق نمو اقتصادي منخفض الكربون من خلال إيجاد حلول مبتكرة لتشجيع القطاع الخاص ورواد الأعمال على الدخول في مجال الاستثمار البيئي والمناخي، والتواصل مع المؤسسات التمويلية لخلق فرص حقيقية لتنفيذ مشروعات خضراء في كل القطاعات وخاصة القطاع السياحي لتنمية المحميات، وتوفير خدمات متنوعة للزوار، ما يتيح تجربة سياحية بيئية مميزة تتوافق مع طبيعة المحميات وتراثها الثقافي والبيئي وتضع مصر في مكانة متميزة للسياحة البيئية.

وتفقدت وزيرة البيئة، محطة الطاقة الشمسية واعلي مظلات انتظار السيارات والحافلات بمطار شرم الشيخ في إطار تعزيز استخدام الطاقة المتجددة وتحويل مدينة شرم الشيخ إلى مدينة خضراء، وتبلغ قدرة هذه المحطة 280 كيلووات من الطاقة الشمسية الكهروضوئية بتمويل من حكومة اليابان لتغطية احتياجات مناطق انتظار السيارات بالكهرباء، وتمتد على مساحة 2000 متر مربع ويأتي هذا المشروع ضمن استراتيجية الدولة المصرية ورؤية مصر 2030 لتحقيق التنمية المستدامة، ويهدف إلى تحويل مطار شرم الشيخ إلى مطار صديق للبيئة.

وشملت الجولة أيضا زيارة محطة الطاقة الشمسية أعلى مطلة انتظار الحافلات بمتحف شرم الشيخ بقدرة 280 كيلووات بتمويل من الاتحاد الاوروبي حيث تم تركيب نظم الخلايا الشمسية، بهدف تقليل استهلاك الكهرباء والاعتماد على مصادر طاقة نظيفة، بالإضافة إلى تفقد أعمدة الإنارة التي تعمل بكشافات الليد الموفرة للطاقة بشارع الواصل في إطار أعمال تطوير البنية التحتية، بما في ذلك تركيب أعمدة إنارة تعمل بالطاقة الشمسية في عدة مناطق، مثل طريق شرم الشيخ-دهب، حيث تم تركيب 891 عمود إنارة، و53 سطحًا شمسيًا في مناطق أخرى بالمدينة.

زيارة أول نموذج للمستشفيات الخضراء

كما تضمنت الجولة أيضا زيارة مستشفى شرم الشيخ الدولي كأول نموذج للمستشفيات الخضراء في مصر التابعة لهيئة الرعاية الصحية، حيث تم تركيب وحدة معالجة للنفايات الطبية بقدرها تغطي احتاجات المدينة بالكامل ومحطة شمسية بقدرة 50 كيلوواتت بدعم مالي من الاتحاد الاوروبي.

وقال أليساندرو فراكاسيتّي، الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مصر: «تُعد شرم الشيخ مثالًا بارزًا على التزام مصر بالعمل المناخي والانتقال إلى الطاقة المتجددة النظيفة، من اللافت رؤية محطات الطاقة الشمسية وإجراءات كفاءة الطاقة مُنفّذة في مواقع رئيسية بالمدينة، مقارنةً بما كان عليه الوضع قبل ثلاث سنوات فقط من مؤتمر COP27، وبفضل الدعم القوي من وزارة البيئة والمحافظة وشركاء التنمية، فإن الفرصة لتعزيز هذا التحول كبيرة».

 

مقالات مشابهة

  • ما مستقبل الشراكة بين أميركا والجزائر بعد عودة ترامب؟
  • خبير اقتصادي يوضح تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية على كندا والمكسيك والصين
  • استشراف مستقبل مؤسسات التعليم العالي في عصر الذكاء الاصطناعي
  • المربع الجديد يستعرض رؤيته لمستقبل الحياة الحضرية في منتدى مستقبل العقار
  • الطاقة الشمسية تهزم الفحم في دول الاتحاد الأوروبي
  • مصر وإسبانيا تعززان التعاون الأكاديمي والصناعي لتحقيق التحول الطاقي المستدام
  • وزيرة البيئة: نجحنا في تحويل الاستثمار البيئي إلى واقع يعزز الاقتصاد والتنمية
  • وزير التعليم العالي: تحويل الأبحاث العلمية إلى تطبيقات عملية تخدم أهداف التنمية المستدامة
  • «معلومات الوزراء»: قيمة الاقتصاد الإبداعي قُدرت بـ985 مليار دولار في 2023
  • سفير مصر في لاباز يبحث مع وزير الطاقة البوليفي التعاون في الهيدروجين الأخضر