سيتوجه المهتمون بشأن المناخ في نوفمبر 2025 إلى مدينة «بيليم» في البرازيل، وهي مدينة استوائية، وتعد بوابة غابات الأمازون المطيرة، ليخوضوا جولة جديدة من محادثات المناخ في «كوب 30» أو ما يعرف بمؤتمر الأطراف التابع للأمم المتحدة، ورغم غرابة الموقع الذي تم اختياره لاستضافة المؤتمر لعام 2025، فهو موقع متأثر بتغييرات المناخ في سبيل تجمع الأطراف فيه ليكونوا قريبين ومعايشين لآثر التغيير قدر الإمكان، فغابات الأمازون التي تعتبر رئة العالم مهددة جراء تغير المناخ، وهو ما قد يسهم في تحفيز الأطراف، إلا أنه من غير المتوقع أن تكون الأطراف بمعنويات عالية، خاصة بعد خيبة الأمل من نتائج «كوب 29» الذي تم في مدينة باكو بأذربيجان، حيث جاءت النتائج ضعيفة وغير ملبية للطموح فيما يتعلق بتمويل المناخ، وهو تمويل يهدف إلى مساندة الدول ذات الدخل المنخفض والمتأثرة من تغير المناخ بسبب الثورة الصناعية للدول المتقدمة والغنية، ما جعل تلك الدول الفقيرة تعيش بخيبة أمل إلى جانب ترك بعضها تعيش ثورة مفتوحة.

وتواجه البرازيل، الدولة المستضيفة لـ«كوب 30» تحديا كبيرا في استضافة مؤتمر الأطراف الثلاثين، حيث تتمثل المهمة الأساسية في تهدئة الأجواء المتوترة بعد الجدل الذي طغى على أجواء مؤتمر باكو «كوب 29».

إن المهمة ليست بالسهلة أبدا، خاصة مع التوتر المستمر بين الدول الغنية ونظيراتها الأقل دخلا.

لكن البرازيل تمتلك سجلا حافلا في هذا المجال، كما تشير «جوانا ديبليدج» من جامعة كامبريدج، ففي عام 1992، احتضنت البرازيل قمة الأرض في ريو، التي أرست الأساس لسلسلة مؤتمرات الأطراف «كوب» تحت إشراف الأمم المتحدة. وتؤكد «جوانا ديبليدج» أن للبرازيل تاريخا طويلا من الخبرة الدبلوماسية والمصداقية الكبيرة على الساحة الدولية، بشهادة مواقفها العديدة السابقة.

إن التعاون الوثيق في القمة المقبلة «كوب 30» سيكون ضروريا لتجنب تفاقم أزمة المناخ التي تتواصل رغم الجهود والحلول، وأمام الدول حتى فبراير المقبل لتقديم خطط مناخية محدثة توضح استراتيجياتها وخططتها وبرامجها في سبيل خفض الانبعاثات حتى عام 2035، والهدف من كل ذلك هو تقليل الفجوة بين تعهدات اتفاق باريس، التي تسعى للحد من الاحتباس الحراري عند 1.5 إلى 2 درجة مئوية، والسيناريو الحالي الذي يشير إلى ارتفاع يتراوح بين 2.6 و3.1 درجة مئوية بحلول نهاية القرن الحالي.

ومن جانبه يقول «ألدين ماير» من مؤسسة «إي ثري جي» البحثية إن التوقعات بشأن خطط الدول ليست مشجعة لتحقيق هدف 1.5 درجة مئوية، ومن المتوقع أن يكشف تقرير الأمم المتحدة المرتقب قبل القمة عن مدى ابتعاد العالم عن هذا الهدف، وهو أمر واضح بشكل جلي، ويرى «ألدين ماير» أن التحدي الذي تواجهه البرازيل يكمن في تحفيز الدول لتعزيز طموحاتها المناخية.

ويضيف «ألدين ماير»: «كلنا يعلم يقينا بأننا لن يمكننا تحقيق الهدف... نحن أمام أمرين، إما أن نستسلم، أو نختار المضي قدما بإصرار».

إن أحد المسارات التي يمكن من خلالها تحقيق تقدم ملموس وواضح يكمن في بناء شراكات دولية وثيقة لمعالجة قضايا عديدة، منها على سبيل المثال الحد من إزالة الغابات، وكذلك التوسع في استخدام المركبات الكهربائية، إلى جانب خفض انبعاثات الميثان، بالإضافة إلى ذلك، يمكننا جميعا التركيز على مبادرات محلية بقيادة منفردة من الحكومات والمدن لتسريع خفض الانبعاثات.

يرى «ألدين ماير» أن زيادة الجهود المحلية قد تشجع الدول على رفع سقف التزاماتها المناخية، ولكنه يشدد على أن التمويل سيبقى عنصرا حاسما لتحفيز الدول النامية على بذل المزيد من الجهود.

في «كوب 29» في باكو، وافقت الدول الأعضاء على حزمةٍ تمويلية بقيمة 1.3 تريليون دولار سنويا، مع وعود بوضع خريطة طريق واضحة في مؤتمر الأطراف الثلاثين «كوب 30» لتحقيق هذا الهدف من خلال مصادر تمويل عامة وأخرى خاصة، وتشمل المقترحات إصلاح البنوك التنموية، وفرض ضرائب على الطيران والشحن، وفرض رسوم على الوقود الأحفوري.

إن أمر تحقيق التقدم الملموس في هذا المجال من الممكن أن يكون واقعا متاحا، وحينها ستكون البرازيل قد حققت نجاحا في توحيد صفوف الأعضاء.

وأخيرا، يبقى الأمل معلقا على مؤتمر الأطراف الثلاثين «كوب 30» في سبيل إحداث تغيير حقيقي، لكن كما يقول «ألدين ماير»: «إن القرار الحقيقي لا يمكن أن يُتَّخذ في قاعات المؤتمرات، بل يتم اتخاذه في عواصم الدول، حيث تتجلى الإرادة السياسية الحقيقية، وحيث تصطدم القرارات بمصالح صناعة الوقود الأحفوري، ويجب علينا أن نزيد من طموحاتنا السياسية إذا أردنا تحقيق أي تقدم واقعي».

خدمة تربيون عن مجلة «New Scientist»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مؤتمر الأطراف

إقرأ أيضاً:

التوجهات والتحديات الصينية بملفي الطاقة والمناخ في 2025

تظهر بيانات موقع "كلايمت أكشن تراكر" -وهو مجموعة بحثية مستقلة- أن مجمل انبعاثات الغازات الدفيئة حول العالم خلال عام 2022 بلغ 50 مليار طن متري، بينها 14 ألفا و400 طن متري مصدرها الصين.

وتأتي الولايات المتحدة في المرتبة الثانية بانبعاثات تصل إلى 6390 طنا متريا، ثم الهند بمقدار 3520 طنا، فالاتحاد الأوروبي بنحو 3430 طنا، ويظهر ذلك أهمية الصين في سياسات المناخ العالمية.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2باريس تصوت لبرنامج بيئي يحظر المركبات بمئات الشوارعlist 2 of 2توسع حرائق الغابات بكوريا الجنوبية وأوامر إخلاءend of list

وكان عام 2024 مهما لتطورات الطاقة والمناخ في الصين، فقد تراوح نمو انبعاثات ثاني أكسيد الكربون (سي أو 2) حول مستويات عام 2023 طوال العام، مما يزيد احتمالية بلوغ انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الصين ذروتها قبل عام 2030.

ودفع التوسع في استخدام الطاقة المتجددة في الصين الفحم إلى حصة منخفضة قياسية في توليد الكهرباء، في حين تم اتخاذ خطوات لتوسيع عدد الصناعات التي تغطيها سوق الكربون الوطنية.

الصين تعد أكبر مستثمر في العالم في مجال الطاقة الشمسية والطاقة النظيفة عموما (غيتي إيميجز) تعهدات وتحديات

وعلى الصعيد العالمي لعبت الصين دورا مهما في محادثات المناخ التابعة للأمم المتحدة "كوب 29" في باكو عاصمة أذربيجان.

لكن التحالف الأميركي الصيني -الذي عزز سابقا طموحات إيجابية بشأن سياسة المناخ العالمية- أصبح مهددا بسبب التوترات المتزايدة بشأن التجارة وعودة الرئيس دونالد ترامب.

ومع انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ وتوقع تراجع نفوذها في مفاوضات المناخ في ظل إدارة ترامب فإن تصريحات الصين بشأن طموحاتها المناخية -مثل التعهد الدولي بالمناخ الذي من المقرر أن تنشره في عام 2025- سوف تشكل عاملا حاسما مهما في تحديد وتيرة إزالة الكربون، سواء على المستوى المحلي أو الدولي بداية من العام الجاري.

وترى تشي ياوتشي ياو مستشارة السياسة العالمية في منظمة السلام الأخضر بشرق آسيا أن عام 2025 سيمثل علامة فارقة بصفته العام الأخير من الخطة الخمسية الصينية رقم 14، إذ سيتضح ما إذا كانت الصين قادرة على العودة إلى المسار الصحيح لتحقيق أهدافها الحالية المتعلقة بالطاقة وكثافة الكربون.

إعلان

وأضافت في تقرير لموقع "كربون بريف" أن الاختبار الأصعب سيكون في مدى قدرة الضرورات المناخية على الصمود في وجه التحديات الجيوسياسية، إذ سيتعين سيتعين على الصين التعامل مع سياسات الرئيس ترامب، ومنافسة متزايدة من الاتحاد الأوروبي في الصناعات النظيفة، لذا سيتعين أن تتخذ العلاقة بين الصين وشركائها التقليديين في مجال المناخ شكلا جديدا.

من جهته، يقول الدكتور مويي يانغ الخبير والمحلل الأول لسياسة الكهرباء في الصين إن بكين ستحتاج في عام 2025 إلى تحقيق توازن دقيق بين استدامة النمو الاقتصادي ودفع أجندتها نحو إزالة الكربون، وهوما يتطلب توازنا أكثر من مجرد توسيع نطاق مصادر الطاقة المتجددة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية وتخزين الطاقة، كما أن طاقة الفحم التي لطالما كانت محورية في أمن الطاقة والنشاط الاقتصادي في الصين تتطلب أيضا تحولا جذريا.

وبحسب يانغ، لا يقتصر الأمر على إغلاق عدد قليل من محطات الطاقة العاملة بالفحم، بل يشمل أيضا إدارة التوترات والصراعات الأوسع نطاقا الناجمة عن تراجع منظومة توليد الكهرباء من الفحم.

وستمتد هذه التأثيرات -بحسبه- إلى مولدات الطاقة وشركات الخدمات اللوجستية وشركات التعدين ومصنّعي المعدات وصناعة الفحم الكيميائية، بالإضافة إلى النظم الاجتماعية والاقتصادية المحيطة به.

رغم استثماراتها الضخمة في الطاقة النظيفة فإن الصين ما زالت تعتمد بشكل واسع على الفحم (رويترز) التخلص من الفحم

وتعد الصين أكبر منتج ومستهلك للفحم في العالم، واستحوذت في عام 2023 على 95% من محطات الفحم الجديدة حسب بيانات المكتب الوطني للإحصاء في الصين، كما تعتمد عليه بنسبة 60% في توليد الكهرباء لتلبية احتياجات 1.4 مليار نسمة.

ووصل إنتاج الفحم إلى مستوى قياسي في 2023 عند 4.7 مليارات طن، وفق تقديرات شركة الأبحاث "غلوبال إنرجي مونيتور" (جي إي إم)، وهو ما يمثل نصف الإنتاج العالمي تقريبا.

إعلان

وفي هذا السياق، يرى عميد معهد الصين لدراسات سياسة الطاقة البروفيسور بو تشيانغ لين أن نجاح الصين في إدارة التخفيضات الكبرى في استهلاك الفحم خلال الخطة الخمسية المقبلة ابتداء من عام 2026 مع الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي وضمان أمن الطاقة والوفاء بالتزاماتها المناخية سيكون مفتاح نجاحها في العام الجاري وما بعده.

والتزمت الصين بهدف "الكربون المزدوج" والمتمثل في الوصول إلى ذروة انبعاثات الكربون بحلول عام 2030 وتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060.

وينظر إلى خفض انبعاثات الكربون في الصين باعتباره علامة فارقة في التحول العالمي وبقدر عالٍ من الاهتمام البيئي على المستوى الدولي بالنظر إلى تعدادها السكاني، وكونها من أكبر مستهلكي الوقود الأحفوري في العالم.

ويؤكد البروفيسور بو تشيانغ لين أن نشر الطاقات الجديدة سيتسارع في الصين عام 2025 وما بعده، خصوصا في طاقة الرياح البحرية والطاقة الشمسية والانتقال إلى الطاقة النووية بشكل مطرد، كما ستتعزز جهود الاستخدام النظيف والفعال للفحم، مع استمرار أنظمة طاقة الفحم الأنظف.

واستثمرت الصين أيضا ما يقارب 680 مليار دولار في تصنيع التكنولوجيا النظيفة بحلول عام 2024 وفقا لوكالة الطاقة الدولية، وهذا يعادل تقريبا إجمالي استثمارات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مجتمعين.

ويشير ذلك إلى توجه متدرج ومتزايد إلى الطاقة النظيفة، في محاولة للمواءمة بين التحديات الاقتصادية والالتزامات البيئية والمناخية.

* اعتمد التقرير على معطيات ومقابلات وردت في موقع "كربون بريف" بتصرف.

مقالات مشابهة

  • ما الأمراض التي تصيب الأثرياء؟
  • التوجهات والتحديات الصينية بملفي الطاقة والمناخ في 2025
  • رئيس جامعة أسيوط يفتتح نموذج محاكاة مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد
  • ما هي الدول التي ستنضم إلى اتفاقيات «التطبيع» مع إسرائيل؟
  • وزير خارجية العراق وأبو الغيط يبحثان الأوضاع في المنطقة والتحديات التي تواجه الدول العربية
  • البرازيل: المحكمة العليا تحسم مصير بولسونارو اليوم في قضية الانقلاب
  • ترامب يهدد الدول التي تشتري النفط الفنزويلي
  • كسوف الشمس يوم 29 مارس وما الدول العربية التي تراه
  • مسؤولة أممية: السودان من الدول الأولى على مستوى العالم التي تعاني أعلى معدلات انتشار سوء التغذية الحاد والملايين يواجهون الجوع
  • الصين تؤكد التزامها مواصلة المسار الصحيح للعولمة الاقتصادية