قبل أن نتحدث عن مشتل التغيير وأبرز أشكاله وأنواعه وتجلياته في الماضي فيما عُرف بثورات الربيع العربي وما نفضله من تعبير عن تلك الحقبة بالثورات العربية؛ من المهم أن ندرس مناهج التغيير ونفحصها فحصا متأنيا وبحثا حصيفا ودرسا رصينا من خلال عمليات أخرى تتعلق بمناهج التفكير والتدبير والتسيير، بما يحفظ لعمليات التغيير والتجديد قدراتها وتقدير إمكاناتها حتى تنتقل الى البحث في أشكال ومسالك الفاعلية والتأثير؛ حيث أن منهجية التغيير عمليات مركبة ليست مفردة منبتة الصلة، ولكنها ترتبط بمنظومات أخرى تضمن لها الإسناد والدعم وتحرك مساراتها، ضمن تراكم يضمن الجدية والنجاعة والفاعلية لهذه المنهجية التي تقوم على ثلاث مستويات: استراتيجية التغيير، شبكية التغيير (العلاقات بين الفاعلين والواقع والمرشحين للقيام بعملية التغيير)، ومعوقات ومسهلات التغيير، ويتوج كل ذلك ببناء استراتيجية مصاحبة تتعلق بخطاب التغيير.



وضمن الحديث عن استراتيجيات التغيير ومنهجيته ربما نحتاج للاهتمام بمعالجة موضوعات مهمة، منها على سبيل المثال ما يشير إلى الضرورات التي تتعلق بفهم الواقع والقدرة على تحريك عملية التغيير والخروج بها من حال الكمون إلى حال الفعل، من حال الممكن والإمكان الى حالة التأمين والتمكين، كما نحتاج حينما نتحدث عن استراتيجية التغيير والفعل التغييري أن نهتم بعدة مستويات على قمتها تقع مسألة الوعي، ثم البحث على مستوى الهياكل والأبنية والمؤسسات، ثم تبصر العلاقات والسياسات، وترتيب الغايات والأولويات، وذلك حتى لا تتكرر الأخطاء السابقة التي مرت بها الثورات العربية، وأن نستفيد من الخبرات والتجارب، خاصة وأن المضادين للثورة تمكنوا -في الخبرات السابقة- من وضع المتاريس في طريق عمليات التغيير الحقيقية، ومن ثم يجب أن يكون في المشتل مساحة لتجنب ذلك، وأن تتم تنمية حالة من الفطنة بشأن وسائل الالتفاف ومحاصرة كل أشكال ومسالك الثورة الحقيقية.

إرادة الاستثمار للحظات الزخم الثوري في البلدان العربية وخاصة بعد طوفان الأقصى، وانتصار الإرادة الفلسطينية على الكيان الصهيوني المدعوم من معظم دول العالم وخاصة الدول الغربية، وكذلك الثورة السورية وانتصارها المدوي في معركة الطغيان رغم وجود القوى الدولية والإقليمية التي كانت تناصر وتدعم وتساند النظام البائد؛ صارت أمرا جوهريا حتى بعد أن نجح المضادون للثورات في تشويه ومحاصرة تلك الثورات من كل طريق وبكل الأساليب
إن إرادة الاستثمار للحظات الزخم الثوري في البلدان العربية وخاصة بعد طوفان الأقصى، وانتصار الإرادة الفلسطينية على الكيان الصهيوني المدعوم من معظم دول العالم وخاصة الدول الغربية، وكذلك الثورة السورية وانتصارها المدوي في معركة الطغيان رغم وجود القوى الدولية والإقليمية التي كانت تناصر وتدعم وتساند النظام البائد؛ صارت أمرا جوهريا حتى بعد أن نجح المضادون للثورات في تشويه ومحاصرة تلك الثورات من كل طريق وبكل الأساليب.

استثمار هذا الزخم يؤكد سنة ماضية؛ أن التغيير قادم لا محالة، إما أن تكون فاعلا فيه أو مجرد موضوع للتغيير تبدو في حالة كسل في التفكير وهزال في العمل والتأثير، ومن ثم فإن السبيل هو طوفان الوعي الذي يمثل التشكيلات الوسيطة التي ستبني هذا الطوفان الجارف الذي سيقود عمليات التغيير، خاصة وأن العالم في حالة تغير عميق وشامل. وهناك حالة من التدافع الحاد المركب المكثف وانعكاساته غير المنكورة على كافة المستويات والساحات والمساحات والمجالات.

وتأسيسا على ذلك ضرورة ولزوما، من المهم أن نشير الى فكرة جوهرية تتعلق بما يمكن تسميته "جغرافيا التغيير" والتي تؤصل معنى اعتبار جهات الاختلاف الأربع الإنسانَ في المكان والزمان وما يطرأ عليه من أحدات ومتغيرات وتحولات، وهو ما يؤكد معنى قاعدة مالك بن نبي التي تشير إلى مسألتي الصحة والصلاحية؛ تأكيدا منا أن مشاتل التغيير تتنوع في بيئاتها وسياقاتها، كل تلك الأمور لا بد أن تؤخذ في الحسبان ضمن عمليات التغيير ضمن قواعد الفاعلية والتأثير. التغيير إذن عملية مركبة تحرك كل أصول ومكامن التغيير وآلياته وتراتب مستوياته.

من المهم ونحن نحدد مسارات العمل التي يمكن أن نفكر فيها وبرامج التغيير الممكنة أن نستبطن بمعرفة بصيرة وقديرة هذا التدافع بمستوياته وتجلياته المختلفة، وبالتالي فإن النظر بصفة مستمرة في مسارات التغيير وحالة التدافع في حركته العامة خاصة عند تحويلها لبرامج عمل؛ هو من ضرورة الانتباه والتنبه إلى سلوك الأطراف الأخرى وخياراتهم وإمكانياتهم التي يمكن أن توجه لإجهاض المشروع ومحاربته، مثلما حدث في الثورات التي طالت بلدانا عربية، وأخافت دولا عدة، فلاذت بعضها بسعيٍ حثيث في العمل على مستويات إقليمية ودولية بتخريب تلك الثورات ومحاولة الإجهاز عليها بطرق مختلفة؛ أهمها ترسيخ حالة من الشعور في الرأي العام "ليتنا نعود إلى ما قبل الثورات".

وعليه، تأتي أهمية طوفان الوعي الذي نؤكد عليه، فالتصورات بخصوص التغيير الهادف إلى عمليات تغيير جذري مقترنة بالوعي وحفز التغيير بوجه عام؛ هي ما تحتاجه أمتنا العربية، ودول الطوفان أو دول الثورات، ولذلك علينا أن نستثمر في مشتل التغيير ببناء هيكل لعمليات التغيير واستراتيجياته، بالتعرف على خريطة الإمكانات، وما نستطيع أن نفعّله من خريطة الأهداف التي سيتم الوقوف عليها باعتبارها أولويات في العمل والنشاط والحركة، بما في ذلك الاتفاق على تحديد مقاييس لعملية التغيير، سواء في جانبها السلبي أو الإيجابي.

هذا الأمر يتطلب منا العمل بمنهجية محددة لها أطر ومستويات وفواعل ومجالات وسياقات وسنن وهو ما تتضمنه الآية الكريمة "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ" (الرعد: 11)، وقد أكد سبحانه وتعالى على هذا المعنى في سورة الأنفال بقوله: "ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرا نِّعْمَة أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (الأنفال: 53). ولذلك نرى أن القرآن الكريم يتحدث عن أربعة أنواع من التغيير؛ التغيير الإلهي، وتغيير النفس الفردي والجماعي، وتغيير القوم. أي أن مسألة التغيير متسعة وذات دلالات عميقة ومتصلة، ترتكز على ضرورة إعادة النظر في معظم المقولات السائدة ومراجعتها على أساس من نسق قياسي لمفهوم إسلامي أساسي مثل مفهوم التغيير، وهو ما يحقق الضبط في النظر، وعدم الارتكان إلى مقولات الاستثناء، أو أن هيمنة الاستبداد وسيطرة المستبدين لعدم لياقة مجتمعاتنا للتغيير، الأمر الذي يدفعنا إلى التأكيد على أن التغيير عملية يحتاج إلى رعاية وعناية.

وبناء عليه، فإن قولنا بأنه مشتل هو أمر مقصود في ذاته وبنيانه وكيانه، خاصة وأن عملية ضبط النظر هذه تحتاج لاتخاذ مجموعة من المواقف الفكرية الواضحة التي تربط بين الحركة الحاضرة والمستقبلية.

إن استحضار مفهوم الحضاري هو من واجبات الوقت وليس رفاهية أو زينة مفاهيمية، وهو إذ يتعلق بالاستخلاف والتغيير فإنه يطمح أن يضبط عملية هداية الإنسان، وأن ينظمها منهجا واتجاها وغاية، وأن يحافظ بذلك على تفرده في الجماعة المهتدية، وبالتالي فهو يطمح أن يجعل أسس تربية الإنسان وأهدافها متفقة مع تكريمه واستخلافه في الأرض
هذه العمليات والمواقف حتى تحقق المراد منها تحتاج إلى تحديد وبناء سياقها المناسب والملائم الذي يجعل دول الثورات العربية مرتبطة بالطوفان، وتستلهم الخبرات والتجارب الناجحة وتتجنب الفشل والإفشال المتعمد. ومن هنا، فإن استحضار مفهوم الحضاري هو من واجبات الوقت وليس رفاهية أو زينة مفاهيمية، وهو إذ يتعلق بالاستخلاف والتغيير فإنه يطمح أن يضبط عملية هداية الإنسان، وأن ينظمها منهجا واتجاها وغاية، وأن يحافظ بذلك على تفرده في الجماعة المهتدية، وبالتالي فهو يطمح أن يجعل أسس تربية الإنسان وأهدافها متفقة مع تكريمه واستخلافه في الأرض.

ويتأسس المنظور الحضاري على النظرية الإسلامية من الناحية المنهاجية، ويعتمد طريقتها ويعتبر ضوابطها في معالجة الواقع وفقهه أهم عناصره، كمقدمة أساسية لتنزيل الحكم الشرعي بعد استنباطه من النصوص الدالة عليه، بما يحقق التكامل مع المنظور الأصولي القائم على منهاجية الاجتهاد، وما يرتبط بذلك من تنزيل الأحكام على الوقائع تنزيلا إسلاميا متكاملا يكون مطابقا لمفهوم الهداية؛ حيث ينبغي أن يؤدي إلى مستوى الإحسان في الأداء، ذلك المستوى الذي تبلغ به الشخصية الإنسانية مرضاة الله.

إلا أن منهاجية الاجتهاد لا تهمل أن الفرد والجماعة عرضة الانحراف في حاجة دائمة لبذل الجهد الواعي للمحافظة على الاتجاه الصحيح والعودة إليه لدى أي انحراف، وإذا بلغ الانحراف مداه فإن انهيارا شاملا سيتهدد الجماعة في كيانها الفكري والسياسي، ثم في وجودها وكيانها الاجتماعي الحضاري وفي مشاعرها وشعائرها، وليس لأية جماعة تزيد عن كونها جماعة إنسانية مسئولة ومستخلفة، فإذا التزمت بالهدى التزاما واعيا شاملا فإنها ستواجه متطلبات المسؤولية وتتقدم في معارج الهدى لا معارج التقدم التكنولوجي، أو المعرفي والاقتصادي فحسب، وأي تراجع عن هذا الالتزام يهدد بإزالتها مهما كان مستوى تقدمها المادي الشكلي.

التغيير كفعل حضاري واستراتيجي قد يجعلنا نؤصل المفهوم المرجعي باعتباره يؤكد على أهم معانيه ومغازيه الكبرى؛ التغيير بما يمثل من سنة ماضية؛ وعملية كلية جامعة؛ واستشراف لحالة مستقبلية؛ ووعي راشد وسعي سديد يتعلق بمشاتل التغيير الحضارية في الأمة؛ يتطلب منا هذا التأصيل في مقال آت بحول الله.

x.com/Saif_abdelfatah

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التغيير الثورة طوفان الحضاري الأمة ثورة تغيير أمة طوفان حضاري مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة عملیات التغییر

إقرأ أيضاً:

الثورات في مواجهة إرث الديكتاتوريات.. إدماج ومصالحة أم إقصاء ومحاكمات عادلة؟

بعد تمكن الثورات من إسقاط رأس النظام، غالبا ما تتباين الآراء والاجتهادات في كيفية التعامل مع إرث أنظمة الاستبداد، وبقايا الديكتاتوريات، ويشمل ذلك جحافل من السياسيين والأمنيين وكبار رجالات الدولة وموظفيها في مختلف تخصصاتهم ومواقعهم الذين خدموا النظام، وساهموا في حمايته واستمراريته لسنوات وعقود.

ففي الثورة التونسية، أو ما اصطلح على تسميتها بالثورة، كان اجتهاد قوى الثورة هو احتواء رجالات العهد البائد عبر المصالحة والإدماج، وهو ما أصاب الثورة في مقتلها وأفضى إلى إجهاضها، وفي مصر اتجه الرأي إلى الاعتصام بالجيش بصفته الحامي والحافظ لمكتسبات الثورة، وهو ما أفضى في نهاية المطاف إلى إجهاض الثورة وإهدار كل مكتسباتها وفق مراقبين.

كيفية التعامل مع إرث الديكتاتوريات، ومعالجة بقايا أنظمة الاستبداد مسألة مربكة وشائكة، غالبا ما تثير الجدل بين قوى الثورة والانتفاضات الشعبية، بين من يرجح خيار الإدماج والمصالحة، وبين من يدفع باتجاه الإقصاء والاجتثاث والمحاكمات العادلة، وباستحضار الأنماط السائدة والمعروفة كيف يمكن للثورات إدارة ذلك الملف الخطير وبالغ الحساسية بحنكة ودراية؟ وهل ثمة تصورات ورؤى غير تلك المعهودة يمكن أن تكون أكثر نجاعة؟

وعلى وقع ما جرى في سوريا بعد عملية "ردع العدوان" التي أفضت إلى إسقاط نظام آل الأسد، ظهرت أصوات وكتابات تقارن بين ما حدث في تونس ومصر وبين ما حدث في سورية مؤخرا، إضافة إلى مراجعة توصيف ما جرى في دول "الربيع العربي" كمصر وتونس.. إن كان بالفعل يندرج تحت مسمى "الثورات" أم أنه حراكات وانتفاضات شعبية لا ترقى إلى مستوى الفعل الثوري الناضج والمكتمل؟

وفي هذا الإطار وصف الكاتب والناشط السياسي السوري، أحمد دعدوش "المقارنات الشائعة حاليا بين سورية ودول أخرى" أنها "تُغفل فارقا جوهريا، فالإسلاميون الذين وصلوا للحكم في تونس ومصر بعد الثورات كانوا ساسة مدنيين مجردين من القوة، وكل ما في الأمر أن الشارع الثوري انتخبهم، لكن لم يستطع أحد أن يغير شيئا في الجيش والمخابرات، فكانت فترة حكم أولئك القادة مليئة بالمتاعب، وسرعان ما انتهت بخلعهم وزجّهم في السجون".

وأضاف: "وفي سورية كان الثمن غاليا جدا لكنه الخيار الوحيد لاجتثاث النظام من جذوره، وحكّام دمشق اليوم هم قادة الفصائل المسلحة، وعناصرهم هم الذين يمثلون الآن الجيش والقوى الأمنية، أما عناصر النظام فأقصى ما يرجونه هو (تسوية أوضاعهم)، وتسليم أسلحتهم، ومن هنا فلا خوف على الثورة من ثورة مضادة مسلحة يقودها النظام المخلوع بالقوة".

وواصل دعدوش حديثه لـ"عربي21" بالقول "بل ينبغي الحذر من أن يعمد فلول النظام لزعزعة الأمن بالفتن الطائفية وأحداث التمرد المتفرقة لتمرير مطالب انفصالية".


                                            أحمد دعدوش كاتب وناشط سياسي سوري

أما بشأن الحل الأنسب للوضع السوي في كيفية التعامل مع إرث نظام آل الأسد القمعي الاستبدادي، فطبقا للكاتب دعدوش "يمكن أن يكون خليطا من عدة تجارب سابقة لدول أخرى، فيشمل جانبا من (المصالحة) خلال مرحلة العدالة الانتقالية على غرار تجربة جنوب أفريقيا، والتي اقتبستها المملكة المغربية جزئيا لتجاوز انتهاكات مرحلة (سنوات الرصاص)".

وتابع "هذا بالتوازي مع استمرار الحملة الأمنية الحالية التي يُعتقل فيها عناصر الشبيحة، بشرط أن تلتزم بضوابط قانونية وشرعية تخلو من الانتقام، وإلى جانب مشروع طويل الأمد لتطهير ثقافة المجتمع السوري من مخلفات النظام البائد وما سبقه من أنظمة انقلابية فاشلة منذ جلاء الاستعمار".

وأوضح أنه يقصد بذلك "مشاريع تربوية وتثقيفية تعالج مشاكل الطائفية، وإرث الاستبداد والاستعباد، وتحكّم العسكر بكل مفاصل الحياة" لافتا إلى أنه "يصعب في هذا الوقت المبكر تقييم أداء الإدارة الحالية، فإذا كانت الأخطاء واردة لدى الإدارات السياسية العريقة فمن الإنصاف التساهل مع قدر معقول من أخطاء القادة الجدد، وأعتقد أن إنجازاتهم الحالية تسبق هفواتهم وتقصيرهم، وأتفاءل بقدرتهم على التعلم من أخطائهم لتجاوز هذه المرحلة الصعبة".

من جانبه رأى الكاتب والباحث المغربي، نور الدين لشهب أن "ما حدث عام 2011 فيما سُمي بالربيع العربي لا يتعلق بثورة حقيقية كما نطالع في تاريخ الثورات، بل يتعلق برجات سياسية متحكم فيها ضمن ترتيبات دولية، وهذا ما ظهر بشكل واضح في تقارير استخباراتية، وفي مذكرات الساسة في أمريكا وحتى في العالم العربي".

وأضاف "فما وقع في تونس ـ على سبيل المثال ـ فيما سمي بثورة الياسمين حصل وفق ترتيبات محددة بين مجموعة من الدول كما تحدثت عدة تقارير إعلامية واستخباراتية، كما أن الفشل الذي حاق بالتجربة كان منتظرا لأن الثورة هي عدوى تنتقل في محيطها كما حصل في أوروبا مثلا، ولا يمكن للثورة في تونس أن تنجح وهي محاطة بدولة ذات نظام سياسي عسكرتاري هو الجزائر، ودولة فاشلة هي ليبيا، هذا بالإضافة إلى التدخل الأجنبي من قبيل إسرائيل وفرنسا وإيران".

وتابع لشهب في حواره مع "عربي21": "أما ما وقع في سوريا مؤخرا فيختلف عما وقع في تونس ومصر، وإن كان الحدث مرتبطا بأحداث ما سمي بالربيع العربي، لأن عمليات ردع العدوان هي امتداد لأحداث ما سمي بالربيع العربي، غير أن هذا الامتداد عرف بانعراجات تتعلق بالعمق الاستراتيجي الذي يتجاوز بعض الترتيبات التي يراد لها أن تتحقق على واقع الأرض بالمنطقة".


                                                نور الدين لشهب كاتب وباحث مغربي

وأردف "وإذا ما اعتمدنا على نظرية مكر الله الخير كما تحدث عنها المفكر التونسي أبو يعرب المرزوقي يمكن أن نذهب إلى القول أن ما وقع في سوريا هو امتداد طبيعي للحدث المفصلي الذي وقع في فلسطين بتاريخ 7 أكتوبر 2023، وهو ما سمي بـ “طوفان الأقصى"، وهو حدث مفصلي بالفعل كما تحدثت عن ذلك الكثير من المقالات التي صدرت في مجلات تحظى بمتابعة النخبة في العالم".

وردا على سؤال "عربي21" بشأن اختيار الطريق الأكثر نجاعة في التعامل مع إرث أنظمة الاستبداد، وبقايا الديكتاتوريات، قال لشهب "ما أراه في معالجة هذه القضية ضرورة التفريق بين رجالات النظام السابق، إذ ليس كل من اشتغل مع النظام يمكن اعتباره مجرما يجب إقصاؤه وتهميشه، بل منهم طاقات وكفاءات هي ملكية للدولة، يجب احتواؤها والاستفادة منها".

وأكمل فكرته بالقول "أما من ثبت إجرامه، وشارك في تعذيب المواطنين وقتلهم، وكان له دور في تشريد الملايين من السوريين وملاحقتهم في محاكم تفتقر إلى أبسط شروط المحاكمات العادلة، فهؤلاء ينبغي محاكمتهم في محاكم جنائية، لينالوا جزاءهم العادل جراء ما اقترفوه من جرائم بحق أبناء الشعب السوري".

وفي ذات الإطار رأى الكاتب والإعلامي المصري، أحمد عبد العزيز أن "الثورة لا يمكن أن تهادن النظام القائم المستبد، ولا تصالحه ولا تتفاوض معه على حل وسط، لأنها إن فعلت ذلك تكون أقرت بشرعية الفساد والاستبداد، وباتت جزءا منه، ومن ثم تكون هي والنظام المستبد في الخيانة للوطن والمواطنين سواء".


                                            أحمد عبد العزيز كاتب وإعلامي مصري

وواصل عبد العزيز، الذي شغل منصب المستشار الإعلامي للرئيس المصري الراحل محمد مرسي حديثه لـ"عربي21" بالقول "الحالة السورية تختلف جذريا عن الحالتين التونسية والمصرية، من حيث أن النظام المنهار فقد ذراعه الأمني والعسكري، وهو أهم أذرعه على الإطلاق، وحل محله قوات الثورة السورية التي تمرست على القتال لأكثر من عشر سنوات في بيئة مدنية، وتقوم حاليا بمطاردة فلول النظام البائد أينما ظهرت".

وختم كلامه بالإشارة إلى أن "ما يحدث من تفاهمات بين قيادة الثورة السورية وبعض أركان النظام الساقط (في إطار تسوية الأوضاع) هي تفاهمات تتم بصورة فردية، وليس باعتبارهم ووصفهم ممثلين لنظام الأسد الذي لم يعد له وجود".

مقالات مشابهة

  • عن عملية الاحتلال العسكرية في جنين.. ما الذي يحدث وما علاقة السلطة؟ 
  • 3 مارس القادم.. فتح كورنيش قنا الشرقي أمام الجمهور
  • ما الذي يعنيه تعهد «ترامب» بإعلان «حالة الطوارئ» في مجال الطاقة؟
  • الثورات في مواجهة إرث الديكتاتوريات.. إدماج ومصالحة أم إقصاء ومحاكمات عادلة؟
  • رئيس يشغل العالم.. "ترامب 2025" عاصفة التغيير ومستقبل أمريكا.. السياسة الخارجية الأمريكية تواجه تحديات المشروع النووي الإيراني.. وتعهدات بإنهاء الحرب في أوكرانيا وحل النزاعات الإقليمية
  • سأبدأ ثورة التغيير.. أبرز تصريحات ترامب بعد تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية
  • محافظ الإسكندرية يعلن ضبط 542 حالة إشغال في حملات مكثفة لتحسين المظهر الحضاري
  • النازحون يعودون إلى جباليا.. أكثر المدن التي ذاقت ويلات عدوان الاحتلال الإسرائيلي
  • استراتيجية اليوم التالي لطوفان الأقصى.. المشروع الحضاري للأمة