ما الذي تحقق من أهداف نتنياهو بعد 15 شهرا من الحرب؟
تاريخ النشر: 22nd, January 2025 GMT
على مدار 15 شهرا، لم يتوقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن تكرار أهدافه من الحرب على قطاع غزة، التي كان في مقدمتها إنهاء الوجود العسكري والسياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وإلى جانب القضاء على حماس، وضع نتنياهو هدفين رئيسيين آخرين، هما استعادة الأسرى بالقوة ومنع أي تهديد مستقبلي لإسرائيل يمكن أن يخرج من غزة.
ووفقا لتقرير أعده صهيب العصا للجزيرة، فقد كان القضاء على حماس عسكريا وسلطويا يعني أن الحركة لن تكون موجودة في اللحظة التي سيتم فيها الإعلان عن وقف إطلاق النار، في حين كان الهدف الإستراتيجي ألا يصبح القطاع مصدر تهديد للأبد.
وبين هذين الهدفين، كان هدف استعادة الأسرى حاضرا دائما، خاصة أن هؤلاء هم الذين يفترض أن الحرب قد اندلعت من أجلهم بالدرجة الأولى.
تجويع وتدمير واعتقال
ولتحقيق هذه الأهداف، حاصرت إسرائيل القطاع تماما ومنعت دخول الدواء والغذاء والوقود إليه، وألقت على سكانه أطنانا من المتفجرات حتى أحالته جحيما.
وخلال عمليات التدمير الممنهجة، اعتقلت قوات الاحتلال آلاف الفلسطينيين من داخل المؤسسات التعليمية أو الطبية أو الخدمية التي دخلتها، ودفعت مليوني إنسان للنزوح مرات عديدة.
إعلانوقتلت إسرائيل -بقرار سياسي- أكثر من 46 ألف إنسان وأخفت ما يصل إلى 10 آلاف آخرين، أملا في تحقيق أهداف نتنياهو وحكومته المتطرفة ومن انضم لمجلس حربه من الساسة الإسرائيليين.
لكن دولة الاحتلال بدأت تستفيق من الصدمة والغضب بعد مرور 8 أشهر من أطول حروبها، فانسحب رئيس الأركان السابق بيني غانتس والقائد السابق في الجيش غادي آيزنكوت من مجلس الحرب بعد أسابيع من الخلافات والتهديدات المتبادلة.
واتهم الرجلان نتنياهو بعدم امتلاك إستراتيجية عسكرية وسياسية لمسار الحرب، وقد نزلا إلى جوار المعارضة في الشارع يطالبونه بالتوصل إلى اتفاق يعيد الأسرى.
كما توترت علاقات نتنياهو مع حلفائه الغربيين على وقع إيغاله غير المبرر في الدم الفلسطيني دون الوصول إلى أي من أهداف الحرب. وتأزمت علاقته مع واشنطن بعد مراوغته أكثر من مرة في المفاوضات بوضع شروط جديدة.
وقبل ذلك وبعده، لم يستمع نتنياهو لتحذيرات الرئيس الأميركي السابق جو بايدن من احتلال مدينة رفح جنوب القطاع والتوغل في محور فيلادلفيا على الحدود الفلسطينية المصرية.
وقد تجاوز نتنياهو كل ذلك، ولم يترك صورة تشير إلى استمراره في الحرب إلا التقطها، فدخل قطاع غزة مع جنوده وأعلن أنه لن يتراجع عن القتال حتى يحقق أهدافه الثلاثة التي وضعها.
ومع كل توغل في غزة، كانت إسرائيل تخسر مزيدا من الجنود، ومع كل محاولة لتحرير الأسرى كان يقتل عددا منهم.
ولم تنجح إسرائيل في استعادة أي من أسراها إلا مرة واحدة عندما استعادت 4 من بين 250 أسيرا، وقتلت وأصابت في سبيل ذلك مئات المدنيين الفلسطينيين في مخيم النصيرات بعد 8 أشهر من القتال، ووقفت العملية كلها على حافة الفشل.
ولم يكن كل ذلك كافيا لوقف التظاهر في الشارع الاسرائيلي، حيث أكد المحتشدون مرارا قناعتهم بعدم قدرة نتنياهو على تحقيق أهداف الحرب وتحديدا إعادة الأسرى أحياء دون صفقة مع حماس.
إعلانومع استمرار الحرب، بدأ خصوم نتنياهو السياسيون يتهمونه بالتهرب من عقد صفقة تبادل أسرى، حفاظا على مستقبله السياسي. وقال غانتس وآيزنكوت إن الحرب فشلت في تحقيق أهدافها.
وقال زعيم المعارضة يائير لبيد إن النجاح الوحيد الذي يمكن للحرب تحقيقه هو التوصل لصفقة تعيد الأسرى أحياء. بينما واصل وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير (استقال احتجاجا على وقف القتال) ووزير المالية بتسلئيل سموترتيش تمسكهما بأن الحرب حققت إنجازات هامة، وأن مواصلتها مهمة جدا لتحقيق بقية الأهداف.
وظل الانقسام السياسي سيد المشهد في إسرائيل حتى منتصف الشهر الجاري عندما تم الإعلان عن التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار، بعد مفاوضات مضنية تعثرت شهورا بسبب تعنت نتنياهو.
ومنح الاتفاق أملا في توقف للحرب وانسحاب للقوات الإسرائيلية من القطاع والدفع بمزيد من المساعدات للسكان الذين سمح للنازحين منهم بالعودة إلى ديارهم.
لكن الاتفاق الذي تم إعلانه كان مع حركة حماس التي تعهد نتنياهو باجتثاثها تماما، وقد نص على استعادة من تبقى من الأسرى الإسرائيليين الأحياء مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين قدامى في سجون الاحتلال.
وتمثل بنود الاتفاق كل ما تمسكت به المقاومة طوال شهور الحرب، وقالت إنه سيكون السبيل الوحيد لوقف الحرب وإعادة الأسرى.
ويوضح الاتفاق دون لبس أن إسرائيل عقدت صفقة مع حماس في النهاية ولم تسترجع أسراها دون الثمن الذي طلبته الحركة في أول الحرب. وقبل هذا وذاك، لم تسلم المقاومة سلاحها كما كان نتنياهو يريد رغم ما لحق بها من خسارة في العدد والعتاد.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
ارتدادات جحيم ترامب وإجرام نتنياهو المستمر
صدق ترامب وعده بأن جعل قطاع غزة يعيش جحيماً صباحاً ومساءً ليلاً ونهاراً، صدق ترامب ما خططه مع شريك الإبادة والإجرام نتنياهو؛ لكنه لم يصدق وعده في تحقيق السلام، فكان ما أراده جحيماً حقيقياً طال الأطفال والنساء والمشافي ومراكز الأمم المتحدة لإيواء النازحين وخيمهم، ومحو مدينة رفح بالكامل والشجاعية وجباليا. صدق وعد التاجر المستثمر بالدم الفلسطيني بالتزامن مع شن حربه التجارية على دول العالم، وبقيت وعود الوسطاء مجرد فقاعات بالهواء، وبقيت قرارات القمة العربية والإسلامية الأخيرتين رهن التأجيل والتجميد؛ وكأنه اتفاق مع أركان إدارة ترامب الصهاينة لحفظ ما تبقى من ماء الوجه بأنهم أرجأوا التهجير القسري لسكان غزة لموعدٍ آخر حتى تُستكمل شروط نجاحه بمزيد من الضحايا والقتل والتدمير والإبادة، وتشاطرهم بذلك المنظمات والهيئات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية ومجلس حقوق الإنسان؛ من خلال الاكتفاء بالإدانات والاستنكارات الخجولة لاحتضار غزة وموتها على يد جلادي القرن الحادي والعشرين.
لقد بات الشغل الشاغل للإدارة الأمريكية والقادة الصهاينة، هو إطلاق سراح الرهائن، ولهذا اتخذ التصعيد شكلاً خطيراً، حتى أن كاتس وزير الدفاع الإسرائيلي هدد قائلاً «سنوسع الحرب في كل أنحاء قطاع غزة» في إشارة منه لتوسيع العملية البرية لتشمل كل أنحاء القطاع، كما أفاد أنه ستكون هناك خطط وهيئة لتمكين الغزاويين من الهجرة الطوعية، ولم يتطرقوا إلى أي ثمن مقابل إطلاق سراح أسراهم؛ وكأنهم لا يريدون صفقة تبادل، بل العمل على تحقيق ذلك بالقوة العسكرية، كما لم يتحدثوا أبدا بأي موضوع يخص الحل السياسي، حتى أن العالم كله بات منهمكاً بإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين وحرب ترامب التجارية، ولم يأتِ على ذكر الأسرى الفلسطينيين ولا عن مليوني غزاوي محاصر في ظروف تفتقد إلى كل جوانب الحياة من غذاء ودواء وماء ومأوى وأمان، بل على العكس الاستمرار في إغلاق المعابر، وتعطيل البروتوكول الإنساني الذي تضمنته المرحلة الأولى من الاتفاق الهدنة، والاستمرار بسياسة التجويع والتعطيش، واستهداف الطواقم الطبية والمسعفين والمشافي، والتي كان آخرها استهداف مشفى المعمداني.
والأكثر من ذلك توسيع المنطقة العازلة بنحو 3 كلـم على طول حدود القطاع مع مصر ومع غلاف غزة، ومحاولة فرض واقع جديد على الأرض؛ من خلال تقطيع أوصال القطاع إلى خمسة أو ستة أجزاء، وإنشاء محاور جديدة غير نتساريم وفيلادلفيا، وزيادة الضغط الميداني العملياتي لفرض شروط جديدة على المقاومة، خاصةً ما رشح منها فرض نزع سلاح المقاومة شرطاً لأي اتفاق. كل ذلك يتم والعالم لا يحرك ساكناً، في الوقت الذي تدهم فيه القوات الإسرائيلية المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية وتعيد هندستها بهدم البيوت وتجريف الشوارع والأراضي الزراعية وتغيير معالمها، وتعتقل وتقتل المواطنين؛ إنه التشارك مع عمليات وسياسة المحتل.
يدير قادة الاحتلال ظهرهم لما يجري في جبهتهم الداخلية تحت شعار مواجهة «القاسم المشترك الأعظم لهم؛ العدو الفلسطيني»
في الوقت ذاته يدير قادة الاحتلال ظهرهم لما يجري في جبهتهم الداخلية تحت شعار مواجهة «القاسم المشترك الأعظم لهم؛ العدو الفلسطيني»، فلا يأبهون بمطالبة الشارع الإسرائيلي باستقالة نتنياهو ولا بتراجعه عن الإجراءات التي اتخذها لتقويض السلطة القضائية وإقالة رئيس الشاباك رونين بار والمستشارة القضائية للحكومة، ولا إنهاء الحرب والعودة إلى إبرام صفقة تبادل الأسرى.
وكان لابد لكل هذه المواقف من ارتدادات على الداخل الإسرائيلي، هذا ما بدا من خلال اتساع احتجاجات المعارضين للحرب على غزة، فبعد تجاهل العريضة التي وقّعها نحو1000من الطيارين الاحتياط والعاملين في سلاح الجو الإسرائيلي، هناك أيضا رسالة وقّعها نحو 150 ضابطا من سلاح البحرية، يضاف إليهم أعداد كبيرة من جنود الاحتياط في وحدة 8200 للاستخبارات، والذين انضموا إلى الاحتجاجات المناهضة للحرب برسالة تحدٍ ضد نتنياهو والوزراء اليمينيين الذين أبدوا ارتياحهم لفصل كل من يحتج ويرفض الخدمة العسكرية.
قال هؤلاء برسالتهم الاحتجاجية إن الحرب تخدم مآرب شخصية وسياسية للبعض، ولا تخدم الأمن القومي الإسرائيلي. هذا ما أشار إليه دان حالوتس رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي السابق بقوله «إن نتنياهو مصدر تهديد مباشر لأمن إسرائيل، وهو عدو يجب اعتقاله « حسب القناة 14 الإسرائيلية. من جهة أخرى، كان عشرات الأطباء العسكريين، ونحو 250 عضوا سابقا في الموساد قد احتجوا على استمرار الحرب متهمين نتنياهو بأن استمرارها لا يحقق الأهداف ويعرّض الأسرى إلى الخطر، ويعرّض الجنود إلى الموت، ويجب التوقف فورا عن العمليات العسكرية والإسراع في إبرام صفقة تبادل، ولعل ما قاله رئيس وزراء إسرائيل السابق ايهود أولمرت «نحن أقرب إلى الحرب الأهلية من أي وقت مضى»؛ إنما هو إشارة إلى خطورة الوضع.
وهناك أيضا، حالة من التململ والاحتجاج العام والعارم تسود صفوف الاستخبارات وقطعات الجيش المختلفة والهيئات المجتمعية الأخرى وانضمام حوالي ألفي عضو من أساتذة الجامعات والعاملين فيها إلى الاحتجاجات إضافة الى نحو1600 من قدامى المحاربين من سلاح المظلات والمشاة وكذلك مطالبة 1790 من خريجي التلبيوت لإعداد قادة الأمن بإبرام اتفاق لإطلاق الأسرى، حتى لو تطلب الأمر إنهاء الحرب، وهذا ما طالب به أيضاً خريجو الوحدة الإعلامية في الجيش الإسرائيلي؛ مما يعني أكبر وأسوأ حركة احتجاج تشهدها دولة الكيان في تاريخها، ومع ذلك مازال نتنياهو يختار إدارة الظهر لمطالبهم، بل التصعيد في مواجهتهم، وهذا ما يؤكد عدم شرعية الحرب؛ لأنها لا تحظى بأي إجماع سيما أنها باتت بلا أهداف ولا إنجازات.
وفي محاولة منه للتقليل من أهمية ونوعية واتساع هذه الاحتجاجات؛ اتهم نتنياهو المحتجين بأنهم يتصرفون وفق أجندات خارجية، قائلاً: «إن عريضة الاحتجاج بشأن غزة تبعث برسالة ضعفٍ لأعداء إسرائيل ولن نسمح بذلك مرة أخرى»، كما قال أيضا « لقد كتبها حفنة صغيرة ضارة تتحرك بتوجيهٍ مُموّل من الخارج».
إن من ارتدادات هذا الواقع تعميق الانقسام الداخلي وتباعد المسافة بين المستوى الشعبي والسياسي والعسكري؛ مما يهدد بإسقاط الحكومة، ومثول نتنياهو وقادة حربه أمام المحكمة لمسؤوليتهم عما حدث في السابع من أكتوبر وتداعياته اللاحقة، واستمرار هذه الحرب غير الشرعية، وكذلك سقوط الرهان على الأحزاب اليمينية، وافتضاح صورة الكيان عالمياً وظهوره بمظهر الإجرام والإبادة والتطهير العرقي الذي لم يسبق له مثيل؛ وبالتالي الذهاب قسراً إلى إبرام صفقة التبادل مع المقاومة.
ختاماً، إن من أهم ارتدادات هذه السياسة هو انتهاء صلاحية الضوء الأخضر الذي أعطاه ترامب لنتنياهو، وذلك من خلال خيبة الأمل التي حصدها هذا الأخير في زيارته لواشنطن، والذي بدا – كما رآه الكاتب الإسرائيلي في صحيفة هآرتس عاموس هرئيل في تعليقه على فشل زيارته القسرية الاستدعائية للبيت الأبيض – « نتنياهو كان نصف زيلنسكي».