يمانيون../
كان ذلك في صباح الـ 7 من أكتوبر 2023م، اليوم الأصعب والأطول على كيان الاحتلال الإسرائيلي، بدايته كانت من قطاع غزة، حيث أعلن رئيس أركان كتائب القسام؛ المجاهد “محمد الضيف” عن بدء معركة “طوفان الأقصى” البطولية، وقتها دق الفلسطينيون جدران الخزان السميك الذي حوصروا فيه أكثر من 17 عامًا.

اقتحم مجاهدو المقاومة القطع العسكرية الإسرائيلية والمستوطنات في غلاف غزة، تزامنًا مع رشقاتٍ صاروخية وتحليق أسطوري بالطائرات الشراعية، نحو مناطق مختلفة من الأرض الفلسطينية المغتصبة، عندها انهار جيش الاحتلال الإسرائيلي في محيط القطاع، وكان جنوده ومواقعهم العسكرية صيدًا سهلًا للمجاهدين الذين قتلوا واسروا المئات منهم، في مشهدٍ حفر عميقًا في الذاكرة الجمعية للإسرائيليين وللعالم أجمع.

بعد أربعٍ وعشرين ساعة من الاغماء الصهيوني لهول الصدمة والفاجعة، أعلنت حكومة المجرم “نتنياهو” حالة الحرب على حركة حماس وقطاع غزة، وأطلقت عملية أسمتها “السيوف الحديدية” وكان الرد الإسرائيلي الأولي شن هجمات جوية وضربات مدفعية على مختلف مناطق القطاع.

وعلى الرغم من أن تلك الهجمات خلفت مئات الشهداء وآلاف المصابين، ولم تميز بين مقاتلين أو مدنيين، نساءً كانوا أو أطفالًا أو شيوخًا، وفرضت “إسرائيل” حصارًا على قطاع غزة، وقطعت الكهرباء والمياه والوقود وأعلنت إغلاق المعابر، وفي الـ 8 من أكتوبر، بدأ جيش الكيان هجومًا بريًا بغطاءٍ جوي ومدفعي كثيف، غير أنهُ ومع نهاية شهر نوفمبر 2023م، نجحت الوساطات في تحقيق هدنة فصيرة تبادل فيها الطرفان الأسرى، قبل أن تنتهي أيامها الهادئة، ويعود القتال مرةً أخرى، لتبدأ المعارك البرية في محافظتي غزة وشمالها.

هذه المعارك التي استمرت لأكثر من ثلاثة أشهر، مارس فيها جيش الاحتلال القتل وليس القتال، ولم يتمكن خلالها من الدخول إلى كثيرٍ من المناطق كمخيم “جباليا” وأحياء من مدينة غزة، عقب ذلك بدأ جيش الاحتلال هجومًا في المحافظات الوسطى من القطاع وشهدت “البريج والمغازي” معارك ضارية وقصفاً رفع حصيلة الشهداء والمصابين من المدنيين، وفي هذه المرحلة وبعد مرور أشهر على الحرب لم تتمكن حكومة الاحتلال من استعادة أي أسيرٍ بالقوة، وفقًا لما كان يريده ويصرح به القادة الإسرائيليون السياسيون منهم والعسكريون.

ومع اشتداد الحصار وبدء تخييم شبح المجاعة على مناطق في قطاع غزة بدأت المساعدات الانسانية الدولية تلقى من الجو إلى القطاع، ومع ذلك ارتكب الاحتلال مجازر بحق الفلسطينيين الجياع المحاصرين “كمجزرة الطحين” وغيرها، وفي إبريل 2024م، اقتحم جيش الاحتلال مستشفى “الشفاء” بعد اسبوعين من حصاره، واسفرت تلك العملية وقتها عن مئات الشهداء وعن دمارٍ واسع.

هذا النهج في استهداف مستشفيات غزة وحصارها وقطع الامدادات عنها لم يتغير منذ بدء العدوان وحتى توقفها، ففي الـ 6 من مايو 2024م، هاجم جيش الاحتلال مدينة “رفح” التي تحولت إلى ملجأ للنازحين، وكان فيها أكثر من مليون مدني فلسطيني، وسيطرت قواته على “معبر رفح” البوابة الوحيدة للقطاع، نحو العالم الخارجي في يوليو 2024م.

أعلن وزير حرب الكيان آنذاك الصهيوني “غالانت”، عن الانتقال إلى المرحلة الثالثة والاخيرة من الحرب، ووصفت تلك المرحلة بأنها انتقال من القصف الكثيف إلى عمليات عسكرية دقيقة ومحددة وكان جيش الاحتلال يبسط سيطرته وقتها على محور “نتساريم” الفاصل بين شمال القطاع وجنوبه، وعلى محور “فلاديلفيا”، وهو الشريط الحدودي لغزة مع مصر والبالغ طوله نحو 14 كيلومترًا.

لم تتوقف عمليات المقاومة البطولية سواءً بالتصدي لمحاولات التوغل أو بالكمائن، واستهداف المغتصبات الصهيونية في غلاف غزة، وأبعد منها نفذ الاحتلال أكثر من مرة وفي أكثر من منطقة توغلًا ثم ينسحب ثم يعود لينفذ توغلًا آخر، مقسمًا القطاع إلى مناطق لا يخرج من أكثرها إلا وقد تحولت إلى خراب لا يصلح للعيش البشري.

وفي مسار المفاوضات بين الجانبين كان متعثرًا خلال هذه المراحل في حين كان عداد الشهداء يتسارع ويرتفع كل ساعة، وخلال العدوان نفذ الكيان الإسرائيلي اغتيالات لقادة من حركة حماس: “صالح العاروري واسماعيل هنية”، واستشهد رئيس الحركة “يحيى السنوار” وهو يقاتل حتى الرمق الاخير في رفح.

حربٌ هي الأطول التي خاضتها فصائل الجهاد والمقاومة ضد كيان الاحتلال، والأطول أيضًا التي خاضها الكيان في تاريخه، اثخنته المقاومة في ضباط جيشه وجنوده وآلياته قتلًا واصابةً وأسرًا وتدميرًا، بالتزامن مع استهداف الاحتلال للحياة ودمر في قطاع غزة البشر والشجر والحجر.

وفي سياق طي صفحة الحرب الإسرائيلية الأكثر دموية على قطاع غزة، لتفتح صفحات حساب التقييم والمقارنات، إذ واجهت “إسرائيل” وجيشها وحلفائها في هذه الحرب فصائل مقاومة محاصرة وحاضنة شعبية من المدنيين لا جيوشًا نظامية، كالتي واجهتها مرارًا على مدار العقود الماضية.

في هذه الجولة خسر الكيان المؤقت في هذه الحرب نحو “900” مقاتل، وفق أرقامه الرسمية، التي تلقى تشكيكًا واسعًا منذ بدء الحرب، وبينما تحدثت نفس الاحصائية لوزارة الحرب الإسرائيلية عن “5643” مصابًا، قالت إذاعة جيش الكيان في الثاني من يناير الجاري، أن “28” جنديًا إسرائيليًا انتحروا منذ بدء الحرب على قطاع غزة، وأوردت مصادر عبرية أن 60% من جنودها ممن استقبلتهم مراكز التأهيل يعانون اضطرابات ما بعد الصدمة.

ورأت تقديرات في جيش الاحتلال أن حوالي 15% من المقاتلين النظاميين الذين غادروا غزة وعولجوا عقليًا لم يتمكنوا من العودة إلى القتال، وتؤكد تقارير عبرية أن “الجيش الإسرائيلي” استقدم الآلاف من المرتزقة ومزدوجي الجنسية للقتال، ولم تدرجهم احصاءات وزارة الحرب الصهيونية ضمن الخسائر، فضلًا عما تتكتم عنه وتكشفه بالمقابل تقديرات عديدة رفعت أرقام الضحايا الحقيقية إلى الآلاف بأضعاف ما نشر رسميًا.

وأياً كانت النتائج إلا أن غزة انتصرت لمظلوميتها، لهويتها، لشرفها، انتزعت نصرها من عدو أوغل فيها بدعمٍ عسكري وسياسي غير محدودٍ من قبل أقوى دول العالم، في مقابل تخلٍ رسمي عربي وإسلامي وعالمي شبه مطلق عن حق البقعة الجغرافية الضيقة المسماة قطاع غزة، في الحياة الحرة الكريمة بعد صيرت الأسلحة الفتاكة أرضها وفضائها وبحرها جحيمًا يحترق فيه مئات الآلاف من البشر دون ما رحمة.

انتصرت غزة لشهدائها الأبطال الذين ارتقوا في معركة “طوفان الأقصى”، فما كان على فصائل الجهاد والمقاومة الفلسطينية إلا أن تلحق هزيمة ساحقة ماحقة بتحالفٍ دولي يمتد من “تل أبيب إلى واشنطن” مرورًا بعواصم أوروبا، ليس ليقال إنها انتصرت، فحسب؛ بل يكفيها الخروج من رماد هذه الحرب شبه العالمية ورجالها يمتشقون بنادقهم ويواصلون القتال رافضين رفع الرايات البيض، ليقال أيضًا لأصحاب خطط القضاء عليها قد هزموا.

إذ جاء وقف إطلاق النار بين غزة وعالم الاستكبار، ليحاجج القائلون بخروج الفلسطينيين منتصرين من الحرب الأطول والأقدس في تاريخ الصراع العربي مع “إسرائيل”، ومن دون أن يغفلوا عن التنويه بالجروح عميقه الأثر التي خلفها هجوم السابع من أكتوبر في جبين نرجسية التفوق الإسرائيلي.

ليخلصوا إلى القول بحاجه الشعب الفلسطيني إلى تقييم التجربة التي تكبد فيها خسارة بشرية هي الأفظع منذ النكبة، ورغم ذلك كله يظل الثابت الأهم في الحرب التي دامت 471 يومًا؛ هو أن فلسطينيي قطاع غزة قدموا للعالم أمثلةً تاريخيةً مذهلةً في الإيمان والصمود على أرض وطنهم حتى بعدما حولها القصف الوحشي الصهيوني إلى خرابٍ عميم.

انتصرت غزة وسنعود أهلها إلى الشمال إلى الشجاعية وحي الزيتون وغزة، وغدًا بإذن الله سيعود المهجرون في الخارج إلى كل شبرٍ من أرض فلسطين، بعد أن قدمت غزة ومعها قادتها ومقاومتها دروس في شجاعةٍ لا تضاهي شجاعة فرسان الأساطير، وهذا المنهج قد لا يكون للعالم خيار ازاءه سوى الاقتناع، بأن هؤلاء قوم أصعب مراسًا من أن يقبلوا مصيرًا كمصير الهنود الحمر في أمريكا، وهم لن يتراجعوا عن حقهم المشروع في وطنٍ حر مستقل مهما تكالب عليهم الأعداء واستبدت بهم الخطوب.

عبد القوي السباعي| المسيرة

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: جیش الاحتلال قطاع غزة أکثر من فی هذه

إقرأ أيضاً:

مع قرب المهلة التي منحها السيد القائد.. حماس: العدو يواصل إغلاق معابر غزة بشكل كامل

أكدت حركة حماس، اليوم الثلاثاء، أن كيان العدو الصهيوني يواصل إغلاق معابر قطاع غزة بشكل كامل مانعا دخول المساعدات والمواد الأساسية لليوم العاشر على التوالي، محذرة من أن استمرار إغلاق معابر غزة يُنذر بمجاعة في القطاع.

وقالت “حماس” في بيان: إن الاحتلال الإسرائيلي يزيد من معاناة أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع، جراء إغلاقه المعابر بشكل كامل، ومنعه دخول المساعدات الإنسانية والمواد الأساسية.

وأكدت الحركة أن إغلاق المعابر يشكّل خرقًا لاتفاق وقف إطلاق النار، الذي ينص على تسهيل دخول المساعدات دون قيود، مضيفة أن هذا الإغلاق يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف، ويُعتبر جريمة حرب وعقابًا جماعيًا يهدد حياة المدنيين الأبرياء.

وأشارت إلى أن منع دخول الغذاء والدواء والوقود والمواد الإغاثية الأساسية أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ونقص حاد في المستلزمات الطبية، ما فاقم الأزمة الإنسانية في القطاع.

وأضافت، أن إغلاق المعابر ومنع دخول الآليات الثقيلة يعرقل جهود انتشال الجثامين، وأعمال الترميم والإعمار، ويزيد من معاناة السكان الذين يعيشون في ظروف قاسية.

وأدانت “حماس” استخدام “إسرائيل” المساعدات كـ”ورقة ابتزاز سياسي”، مؤكدةً أن هذه السياسات العدوانية لن تكسر إرادة الشعب الفلسطيني، ولن تفلح في تحقيق أهداف الاحتلال.

وطالبت حركة “حماس” الوسطاء بالضغط على الاحتلال للالتزام بتعهداته وفتح المعابر بشكل فوري؛ لضمان تدفق المساعدات الإنسانية وإنهاء سياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها سلطات الاحتلال ضد قطاع غزة.

وفي تصريح سابق، قال الناطق باسم حركة “حماس” حازم قاسم، إن أهالي قطاع غزة يعيشون بوادر مجاعة حقيقية، مع استمرار إغلاق الاحتلال معابر قطاع غزة لليوم العاشر على التوالي.

وأوضح “قاسم” في تصريحات صحفية أن أهالي القطاع يعانون شُح الغذاء منذ بدء العدوان الإسرائيلي في السابع من أكتوبر 2023، مضيفاً “والاحتلال يمنع إدخال المواد الغذائية بإغلاقه المعابر”.

ودعا “قاسم” في تصريحاته الجامعة العربية لتفعيل قرارات القمة العربية الأخيرة بكسر الحصار عن قطاع غزة، ومنع الاحتلال من تجويع الفلسطينيين.

ويواصل كيان العدو الصهيوني منع دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى قطاع غزة لليوم العاشر توالياً، مشدداً الحصار على جميع الإمدادات، بما في ذلك الغذاء والوقود.

ويأتي ذلك بعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، وعرقلة سلطات العدو الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية.

وجاء هذا الإغلاق في وقت يعاني فيه سكان قطاع غزة، من أوضاع إنسانية كارثية، بسبب نقص الغذاء والدواء والاحتياجات الأساسية مع حلول شهر رمضان.

ويأتي إصرار العدو على مواصلة إغلاق معابر غزة وفرض الحصار الكامل عليها، مع قرب انتهاء مدة 4 أيام التي منحها السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي لكيان العدو الصهيوني لرفع الحصار عن غزة.

ولم يتبقى إلا ساعات على انتهاء المهلة، حيث توعد السيد القائد كيان العدو باستئناف العمليات البحرية اليمنية ومنع دخول السفن إلى الموانئ الصهيونية، ومنع مرور السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني عبر البحر الأحمر، فارضا معادلة الحصار بالحصار.

مقالات مشابهة

  • “القدس الدولية” تكشف انتهاكات الاحتلال في الأقصى خلال شهر رمضان
  • “جريمة خنق جماعي”.. تحذيرات من تفاقم الكارثة في غزة جراء وقف إدخال المساعدات
  • “حماس”: إعلان القوات المسلحة اليمنية يعكس الموقف الأصيل للشعب اليمني وقيادته
  • صحة غزة: وصول 12 شهيدا إلى مستشفيات القطاع آخر 24 ساعة
  • “تأملات تحليلية” حول حالة سوريا ما بعد الأسد
  • “حماس” تعلن بدء جولة جديدة من مفاوضات وقف إطلاق النار بغزة
  • 10 شهداء جراء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة خلال 24 ساعة
  • قطر تدين بشدة إقدام الاحتلال الإسرائيلي على قطع الكهرباء عن قطاع غزة
  • مع قرب المهلة التي منحها السيد القائد.. حماس: العدو يواصل إغلاق معابر غزة بشكل كامل
  • الخارجية الفلسطينية تدين استخدام الاحتلال الإسرائيلي “التجويع والتعطيش” أداة في حرب الإبادة بقطاع غزة