لجريدة عمان:
2025-03-29@11:48:07 GMT

حصاد حرب غزة ومآلها

تاريخ النشر: 21st, January 2025 GMT

لا تزال حرب غزة تثير النقاش والجدال حتى بعد توقفها من خلال توقيع الاتفاق الأخير بين إسرائيل وحماس على إيقاف إطلاق النار، وانسحاب الجيش الإسرائيلي خارج الحدود الفلسطينية الكائنة قبل العدوان، وتبادل الأسرى لدى الطرفين؛ على أن يتم ذلك على مراحل زمنية محددة. يدور الجدال حول حصاد هذه الحرب، ويشمل ذلك الخلاف حول الانتصار والهزيمة (أي: مَن المنتصر ومَن المهزوم)، وما آلت إليه الحرب، وما يمكن أن تؤول إليه (أي: نتائجها المتوقعة مستقبليًّا).

هذا الجدال يدور يوميًّا بين الخبراء السياسيين والمثقفين في أجهزة الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، بل حتى بين الناس العاديين الذين يشغلهم الشأن السياسي: يؤكد البعض أن المقاومة الفلسطينية التي تتزعمها حماس هي التي انتصرت في هذه الحرب، بينما يرى آخرون أن إسرائيل خرجت من الحرب منتصرة بعد أن سحقت غزة وهدمت بنيتها التحتية تمامًا وتركتها مجرد خرائب، كما أنها قتلت وجرحت ما يزيد كثيرًا على المائة ألف. ولكن هذا الجدال لا يمكن حسمه إلا من خلال التأويل الذي يستند إلى الوقائع ونتائجها المتحققة، وهذا ما سأحاول رصده في النقاط التالية:

* من الخطأ النظر إلى مسألة الانتصار والهزيمة من الناحية العسكرية فقط؛ لأن الانتصار العسكري قد يقترن بخسائر عديدة، سوف أشير إليها بعد قليل. وحتى على المستوى العسكري البحت، لا يمكن القول بأن إسرائيل قد حققت انتصارًا بلا خسائر؛ إذ تكبدت خسارة عدد هائل من الدبابات والمعدات الحربية المتطورة، كما تم قتل وجرح المئات العديدة من أفراد جيشها. حقًّا إن السلاح الإسرائيلي/ الأمريكي بالغ التطور قد جعل ميزان القوة العسكرية يميل بوضوح وبشكل فائق إلى جانب إسرائيل في مقابل سلاح حماس والمقاومة عمومًا في فلسطين وغيرها؛ ولكن هذا السلاح لم يحقق نصرًا عسكريًّا لإسرائيل؛ لأن هذا السلاح ذاته لم يحقق الغاية من الحرب على غزة كما حددها نتنياهو وحكومته، وهي القضاء على حماس وتحرير الأسرى الإسرائيليين على مدى سنة وأربعة أشهر: فلا حماس قد انتهت، ولا الأسرى قد عادوا، إلا بعد التوقيع على اتفاقية مع حماس.

* كشفت هذه الحرب عن زيف أسطورة الجيش الإسرائيلي التي تزعم أنه «الجيش الذي لا يُقهر»: تبين ذلك عندما استطاعت المقاومة الفلسطينية بأدوات بدائية تخطي الجدار العازل وأسر الكثير من المجندين والمجندات الإسرائيليين؛ وتبين أيضًا من خلال بسالة رجال المقاومة في تصديهم لآليات الجيش الإسرائيلي وتدميرها، وفي قدرتهم على إصابة أهداف ومنشآت عسكرية وغير عسكرية، وفي القدرة على قنص الجنود الإسرائيليين (وهذا كله على الرغم من التفوق العسكري الإسرائيلي الواضح).

* كشفت هذه الحرب عن زيف الادعاءات التي روجتها إسرائيل عن نفسها، من قبيل: أنها ضحية «معاداة السامية» وضحية للأعمال الإرهابية التي يقوم بها رجال المقاومة الذين تسميهم الإرهابيين والأشرار؛ فضلًا عن ترويجها لمقولة أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. ولكن هذه الصورة الذهنية التي طالما رسمتها إسرائيل لنفسها عبر العالم قد تبدلت الآن: فمشاهد الفيديو التي روجتها عن اغتصاب النساء وحرق الإسرائيليين في أثناء السابع من أكتوبر، قد تبين فيما بعد أنها مزيفة، وراجت بدلًا منها المَشاهد الحقيقية لوحشية العدوان الإسرائيلي في إبادة الشعب الفلسطيني نفسه بأسلحة تحرق البشر وتقطِّع أجسادهم إلى أشلاء، بل يذيب بعضها الجسد نفسه. وهذا نفسه يدحض مقولة «الديمقراطية الإسرائيلية» في الوقت ذاته؛ لأن الديمقراطية لا يمكن اختزالها في مجرد صناديق الانتخاب لحكومة ما، خاصةً إذا كانت هذه الحكومة تعتمد سياسة القتل والإبادة للآخر. وقد أدى كل هذا إلى اندلاع تظاهرات الشعوب عبر العالم ضد إسرائيل بدافع من الضمير الإنساني والتنديد بوحشية العدوان الإسرائيلي والمطالبة بوقف هذا العدوان وعدم دعمه بالمال والسلاح. وكل هذا قد أفضى إلى إدانة نتنياهو بجرائم حرب وإبادة من قِبل محكمة العدل الدولية، بعد أن تقدمت جنوب إفريقيا ودول أخرى بهذه الدعوى القضائية.

* أما بخصوص مآلات هذه الحرب، فأولها أنها ستؤدي إلى تفكيك الكيان الصهيوني من الداخل، وإلى تفكيك الحكومة الإسرائيلية أيضًا، وهو ما بدأت إرهاصاته تلوح في الأفق منذ شهور، وأصبح أكثر احتمالًا بعد توقيع الاتفاقية مع حماس. وأما بخصوص مصير الحرب نفسها بعد توقفها بفعل الاتفاقية، وإمكانية تجدد الحرب بخرق الاتفاقية، فهو أمر لا يمكن توقع أي سيناريو له بشكل مؤكد: حقًّا أن التجربة تشهد بأن بني إسرائيل لا يحفظون عهدًا أو اتفاقًا. ومع ذلك، فإن السيناريو الأكثر احتمالًا في ضوء الوقائع الراهنة هو أن إسرائيل قد تقوم بخرق الهدنة أحيانًا، ولكنها لن تستطيع مواصلة الحرب إلى ما لا نهاية؛ لأنها قد تعلمت درسًا قاسيًا وهو أنه لا يمكن القضاء على حماس أو على روح المقاومة ذاتها لدى شعب فلسطين؛ ولأنها قد أدركت أن الدعم الأمريكي لحربها لا يمكن أن يستمر بنفس القوة والوتيرة، خاصة بعد تزايد اعتراض دافعي الضرائب الأمريكيين.

* كشفت هذه الحرب في النهاية عن تفرد الشعب الفلسطيني في القدرة على المقاومة والصمود، وأنا هنا لا أقصد حماس وغيرها من جماعات المقاومة الفلسطينية، وإنما أقصد فعليًّا الشعب الفلسطيني الذي صمد إلى جانب المقاومة، رغم كل ما عاناه يوميًّا من إبادة ودمار بشكل يفوق الوصف؛ ولقد ضربت نساء فلسطين بوجه خاص أروع الأمثلة في الصمود والصبر والإيمان بشكل مُذهل. وهذا يعني أو يثبت أنه ما ضاع حق وراءه مطالب أو مقاوم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذه الحرب لا یمکن

إقرأ أيضاً:

“حرب نفسية ضد غزة: من “هربوا وتركوكم” إلى “أخرجوا حماس”

#سواليف

بين شعارين متناقضين، “قادة #حماس هربوا وتركوكم” في بداية العدوان على #غزة إلى “أخرجوا حماس من غزة” بعد نحو 17 شهرا من العدوان، تتكشف خيوط حملات إعلامية منظمة تشنها وحدات متخصصة في #جيش_الاحتلال الإسرائيلي. فالقادة الذين تنعتهم تلك الحملات بالهاربين، استشهد معظمهم في ميادين المعركة، ومحاولات النيل من الحركة عبر تأليب الشارع الغزي ضدها لا يبدو أنها ستجد صدىً واسعاً.

وشهد يوم أمس الثلاثاء خروج تظاهرات في غزة تطالب بوقف العدوان الإسرائيلي، بالتزامن مع احتجاجات طالبت حركة “حماس” بإنهاء إدارتها للقطاع. لكن خلف هذه التظاهرات، طُرحت تساؤلات عديدة حول احتمال تورط أجهزة أمن الاحتلال في تحريك حملة ممنهجة تستهدف المقاومة، عبر استغلال معاناة المدنيين لتأليب الحاضنة الشعبية عليها.

ورغم صدور بيانات عن عدد من مخاتير العشائر في وسط القطاع وشماله تؤكد دعمهم للمقاومة ورفضهم محاولات بث الفتنة، إلا أن الشعارات التي أُطلقت من بعض المشاركين ضد المقاومة و”حماس”، دفعت مراقبين إلى الاعتقاد بأن المشهد لم يكن عفويًا، بل ربما جرى التمهيد له مسبقًا.

مقالات ذات صلة شكوى في رومانيا ضد جندي إسرائيلي مشتبه بارتكاب جرائم حرب 2025/03/26

ويؤكد المختص في الشؤون الإسرائيلية، محمد بدر، وجود وحدة متخصصة في شعبة #الاستخبارات #العسكرية #الإسرائيلية “أمان”، تُعرف باسم “ملات” (مركز العمليات النفسية). ويقول بدر: “تأسست هذه الوحدة في العام 2005 وقد بدأت بالعمل كوحدة تابعة للاستخبارات العسكرية قبل أن تبدأ العمل كوحدة مختصة في جيش الاحتلال”.

ويضيف بدر : “إن أردنا الحديث عن مهام وحدة (ملات)، فكما تشير العديد من المصادر الإسرائيلية، فإنّ دورها يتمثل في التأثير على مواقف ومشاعر وسلوك الجمهور المستهدف، مستخدمةً في ذلك وسائل متعددة، من بينها منشورات التواصل الاجتماعي والحملات الإلكترونية”.

ولا يستبعد بدر أن تكون هذه الوحدة أو غيرها قد لعبت دورًا في إطلاق الحملات الإلكترونية الأخيرة ضد المقاومة في غزة، بل وربما سبق ذلك. ويُعتقد أن “ملات” قد أعدت حملة إعلامية بإشراف مستشارين نفسيين، تضمنت رسائل مثل “قادة حماس هربوا وتركوكم” و”حماس تستخدم المدنيين كدروع بشرية وتسرق المساعدات الإنسانية”.

وتحدث بدر عن نشاط “ملات” خلال الحرب الجارية على قطاع غزة، موضحًا: “نشطت (ملات) بإرسال رسائلها وإعادة نشر رسائل من الجمهور المستهدف، حيث ينخرط بعض الصحفيين والنشطاء الفلسطينيين، عن قصد أو بدونه، في هذه العمليات النفسية. ويظهر ذلك في انتقاداتهم لخيار المقاومة المسلحة، وتحميلهم الفصائل مسؤولية الدمار والمجازر التي يرتكبها الاحتلال”.

من جانبه، يشير الباحث في الشؤون الإسرائيلية، شادي الشرفا، إلى أن الاحتلال يعوّل على التجويع والحصار كأدوات ضغط على الحاضنة الشعبية للمقاومة في غزة.

ويقول الشرفا : “في ظل هذه الضغوط، من الطبيعي أن يطالب الناس بإنهاء الحرب، لكن استغلال هذا المطلب الإنساني لضرب الوحدة الوطنية واستهداف من يحمي الشعب الفلسطيني أمر يستوجب الحذر والمراجعة”.

ويتابع: “إذا راجعنا تغطية الصحافة العبرية لما جرى البارحة في غزة، نلاحظ أن المحللين الإسرائيليين يروجون لفكرة أن زيادة الضغط يؤدي إلى انقلاب الحاضنة الشعبية على المقاومة وحماس”.

ويضيف الشرفا: “القراءة الإسرائيلية للمشهد تؤكد أن الضغط ضرورة لتحقيق أهداف الاحتلال، ومن سيدفع الثمن في حال حدوث أي انقلاب على المقاومة، هي الحاضنة الشعبية ذاتها. فالشعب الفلسطيني هو المستهدف بالمقام الأول”.

ويختم بالقول: “حتى لو سلمت المقاومة سلاحها وتراجعت، فإن الاحتلال سيواصل عدوانه لتنفيذ مخططاته التهجيرية، كما يصرّح بها علنًا الائتلاف الحاكم”.

وفي السياق ذاته، يرى المختص في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، أحمد مولانا، أن “في ظل المجازر وحرب الإبادة والخذلان، يصبح من الطبيعي أن يشعر أهالي غزة بالإرهاق ويتمنوا وقف الحرب، لكن الاحتلال وأعوانه يسعون لتحويل هذا التطلع الإنساني إلى أداة لتجريم المقاومة”.

ويؤكد مولانا على ثلاث استراتيجيات لمواجهة محاولات استغلال مطالب إنهاء الحرب في ضرب المقاومة: “تفهم احتياجات الناس، عدم القسوة عليهم، وتوجيه الغضب نحو الاحتلال عبر نقاشات مباشرة وخطاب إعلامي، إلى جانب التصدي لأدوات الاحتلال التي تغذي الفتنة”.

من جهتها، أعلنت منصة “خليك واعي” المتخصصة في رصد الحملات الإلكترونية المعادية، أنها رصدت حملة تحريض ممنهجة ضد المقاومة في قطاع غزة، عقب خرق الاحتلال لاتفاق وقف إطلاق النار وشنه هجمات على منازل ومراكز إيواء، ما أسفر عن سقوط عدد كبير من الشهداء.

وأوضحت في بيان لها أن “من خلال تقنيات البحث والتحليل في الشبكات الاجتماعية، تبين أن حملة التحريض تُدار بشكل مركزي، حيث تصدر توجيهات عامة من جهة مركزية، ثم تُحوّل إلى محتوى تحريضي عبر وسائل إعلام وصحفيين ونشطاء، من خلال منشورات أو مقاطع فيديو أو تقارير في قنوات فضائية ومواقع إلكترونية”.

مقالات مشابهة

  • غزة بلا حماس.. حين تحل الكارثة
  • باحث: إسرائيل لديها أهداف فى لبنان تريد استكمالها بالحرب
  • أستاذ علوم سياسية: إسرائيل تستأنف الحرب حتى النهاية ولن تتوقف
  • أستاذ علوم سياسية: إسرائيل ستواصل الحرب حتى النهاية ولن تتوقف
  • كيف تناول سياسيون وكتّاب التحريض على التظاهر ضد حماس في غزة؟
  • حماس تهدد بمعاقبة المتظاهرين ضدها في غزة
  • إنفوغراف.. أبرز قادة حماس الذين اغتالتهم إسرائيل بعد استئناف الحرب على غزة
  • رعد: المقاومة ستظل درع لبنان ضد الاحتلال والطغيان
  • إعلام عبري: إسرائيل قد تنتقل للقتال المكثف في غزة خلال أسابيع قليلة
  • “حرب نفسية ضد غزة: من “هربوا وتركوكم” إلى “أخرجوا حماس”