الجزيرة:
2025-01-22@02:06:58 GMT

سوريا الجديدة: كيف تعيد ترتيب أوراق المغرب العربي؟

تاريخ النشر: 21st, January 2025 GMT

سوريا الجديدة: كيف تعيد ترتيب أوراق المغرب العربي؟

يبدو الوضع السوري الجديد، بعد سقوط نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، حمّال خيارات، ليس للسوريين فحسب، فهذا من تحصيل حاصل، إنما لمكونات المنطقة العربية برمتها، التي بدأت تتهافت على دمشق، سواء من باب الاستعداد للمستقبل، أم في سياق تقدير سياسي إستراتيجي، أو لجهة أخذ الحيطة، وتبيّن "الخيط الأبيض من الخيط الأسود"، في علاقة بالرجل الأول في سوريا، القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، واتجاهات الأمور لديه.

ويهمنا في هذه الورقة، الإطلالة على تعاطي دول المغرب العربي مع التطورات الجديدة والمتسارعة في سوريا. كيف تمت قراءتها؟ وكيف وقع التعامل معها؟ وبأي سيناريو ستتم مواجهة تداعيات هذا "الثائر السوري" الجديد، بعد أن ظنّت دول المنطقة، أنّ الثورة السورية قبرت إلى الأبد، كما قبرت ثورات الربيع العربي؟

ففي الجزائر، بدأت مؤسسات "بلد المليون شهيد"، في التأقلم مع التطورات الجديدة في المشهد السوري، رغم ما ظهر في بيان وزارة الخارجية من هدوء، يخفي – في رأي المراقبين – بعض التوجس، بالنظر إلى أنّ سوريا كانت تمثل، دائمًا وأبدًا، حليفًا تاريخيًا للجزائر منذ سبعينيات القرن الماضي.. وهي لا تقبل اليوم، بأن تكون "خارج السياق السوري الجديد"، على الرغم من كل المياه التي جرت في الوادي الدمشقي، إبان نجاح الثورة الجديدة في نهاية العام المنقضي.

إعلان

حرصت الجزائر على امتداد العقود الماضية – ولعلها ما تزال تراهن على ذلك إلى الآن – على أن تكون سوريا، في قلب "الملعب العربي"، لاعبًا مهمًا، وقادرًا على إحداث التوازن، التكتيكي والإستراتيجي، سواء مع القاهرة، أو مع الكتلة الخليجية، أو في علاقة بقضايا ومشكلات المغرب العربي.

ومن ثمّ لن تكون لديها خيارات كثيرة، في احتضان التطورات السورية الأخيرة، ربما السؤال الجزائري الأكثر إلحاحًا في هذه المرحلة، هو: أي المداخل التي يمكن أن تتيح للجزائر، أن تكون ضمن السياق السوري القادم، خصوصًا مع "الإشارات الإيجابية" التي ما فتئ يبعث بها "الجولاني" إلى مختلف دول العالم.

ولذلك، عجّلت الجزائر لحظة سقوط نظام بشار الأسد، بالإعراب عن "وقوفها مع الشعب السوري الشقيق، الذي تربطه بالشعب الجزائري صفحات نيرة من التاريخ المشترك، القائم على التضامن والتآزر".. ودعت "الأطراف السورية كافة، إلى الوحدة والسلم والعمل من أجل الحفاظ على أمن الوطن واستقراره ووحدة وسلامة أراضيه"، كما شدّدت على ضرورة "الحوار بين أبناء الشعب السوري بأطيافه ومكوناته كافة، وتغليب المصالح العليا لسوريا الشقيقة.. بعيدًا عن التدخلات الأجنبية".

ولا شكّ أنّ موقف الجزائر، مرتبط، بالإقليم، في محورَيه: المغاربي والعربي، ومن هذه الزاوية، لا ترى الجزائر لسياساتها فكاكًا من الموضوع السوري، فالعلاقات البينية العربية، مهمة لسوريا، كما للجزائر على حدّ السواء.

يمكن القول، إنّ التعجيل الجزائري بذلك الموقف، يأتي ضمن محاولة السلطة استباق أي إمكانية لحراك اجتماعي أو سياسي، يستثمر الوضع السوري الجديد، لاستئناف ما سمي بـ"الحراك الشعبي"، الذي عرفته الجزائر، خلال العام 2019، بما يعيد الدولة إلى مربع الاحتجاجات، وهو ما جعل الرئيس عبدالمجيد تبون، يسارع إلى فتح حوار مع مكونات المنتظم السياسي الجزائري، لغلق الباب أمام "المجهول" الذي حذّرت منه أطراف سياسية ونقابية عديدة في الجزائر، الأمر الذي تلقفته السلطة وشرعت في التأسيس لحوار وطني مرتقب.

إعلان

هل تتأثر الجزائر مستقبلًا، بتفتت المحور السوري، الروسي، الإيراني، الصيني إلى حدّ ما، أم تراها قادرة على الاستمرار ضمن هذا المحور، من بوابة العلاقات الثنائية بهذه الدول، بعيدًا عن حسابات المحاور، التي لم تراهن عليها كثيرًا، بدليل علاقتها التي توصف بـ "الإستراتيجية" بالولايات المتحدة الأميركية، ودول الخليج، وبعض دول الجوار الإقليمي، خصوصًا تونس وليبيا.

في المقابل، تبدو الجارة، المغرب، في موقف مريح إلى حدّ بعيد.. فقد "استثمر" الملك محمد السادس بذكاء، في الثورة السورية، وكانت لنظامه قراءة بدت مع الأيام دقيقة، حيث كان يرى في استمرار النظام السوري، أمرًا عسيرًا، لذلك استقبلت الرباط، قادة المعارضة السورية، واحتضنت في سنة 2012 اجتماعات مؤتمر "أصدقاء الشعب السوري"، الذي اعترف في مراكش، بائتلاف المعارضة السورية "كممثل شرعي للشعب السوري".

وكان ذلك إيذانًا بوجود حاضنة مغربية للمعارضة السورية، بل إنّ ملك المغرب، كان أول شخصية عربية في السلطة، تؤدي سنة 2012 زيارة لمخيم "الزعتري" للاجئين السوريين في الأردن، كما استقبلت الرباط الآلاف من هؤلاء.

لقد كان احتضان مؤتمر "أصدقاء سوريا" في المغرب، بمثابة "المسمار" الذي دقّه ملك المغرب في نعش العلاقات المغربية مع نظام الأسد في سوريا، الباردة بطبيعتها منذ حقبة الستينيات، بحكم الخلاف الجوهري بين النظامين، على خلفية انقلاب وزير الدفاع آنذاك، حافظ الأسد، على الرئيس نور الدين الأتاسي، وهو أمر لا تستسيغه الرباط، الرافضة لأي انقلابات في تفكيرها السياسي، وهو ذات الموقف الذي اتخذته من الرئيس التونسي، الراحل زين العابدين بن علي، عندما قام بانقلاب على الرئيس بورقيبة، وظلت العلاقات التونسية لنحو 4 سنوات في شبه قطيعة، بل حتى عندما استؤنفت قبيل وفاة الملك الحسن الثاني، لم تتجاوز إطار البرود، إلى حين حدوث تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول2001، حيث كانت الدوافع الأمنية، أحد أهم أسباب طي صفحة الماضي، ولو جزئيًا.

إعلان

ومثلما استوعب المغرب معارضين للرئيس بن علي، أقاموا هناك لسنوات طويلة، فعل الشيء نفسه مع رجال أعمال وسياسيين، فروا من بطش نظام حافظ الأسد، في ستينيات وسبعينيات القرن المنقضي، ما أثار حفيظة النظام السوري، قبل أن ينتهي الأمر إلى شبه قطيعة بين الطرفين.

ولا شكّ، أنّ تنافر الأجندات والحسابات السورية والمغربية، تاريخيًا، حول العلاقة بالكيان الصهيوني§ خلال الصراع العربي الإسرائيلي، في فترة الستينيات، أو خلال المرحلة السابقة، منذ مفاوضات أوسلو، وصولًا إلى اتفاقيات "أبراهام"، وانتهاء عند الاتفاق الثلاثي بين المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، والذي أدى إلى فتح علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، ستكون لها تداعياتها على العلاقات المغربية مع "النظام السوري الجديد"، بما يوفر للمغرب، "أجنحة" جديدة، على مستوى التموضع الإقليمي.

حملت تونس على كتفيها، تراكمات موقف "نخبة عروبية"، استطاعت خلال عقود طويلة، أن تكتسح الموقف الرسمي، باتجاه استمالته لصالح العلاقة مع النظام السوري، مستفيدة من مئات الطلبة الذين درسوا بسوريا، وتأثروا بخطابها وسياساتها ورموزها، وشكلوا "قوة ضغط" على النظام التونسي، منذ مجيء بن علي إلى الحكم، أواخر الثمانينيات.

تميّزت العلاقات بين سوريا وتونس، خلال عهد الرئيسين الحبيب بورقيبة وحافظ الأسد، بنوع من الفتور، على خلفية مواقف سياسية وأيديولوجية متباينة بشأن إدارة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

ففيما كان بورقيبة، يدعو إلى "حل الدولتين"، من خلال ما يعرف بـ"خطاب أريحا" الشهير في مارس / آذار 1965، كان نظام حافظ الأسد، يطرح المواجهة مع إسرائيل، وهو ما لم تستسغه دمشق ولا "قاهرة جمال عبد الناصر" آنذاك، وكان أن اتخذ كل طرف موقفًا أشبه ما يكون بالقطيعة السياسية، وتم الاكتفاء بالتعاون الاقتصادي بين البلدين..

إعلان

لكنّ بورقيبة، والحق يقال، كان ينظر بعين التوجس إلى نظام حافظ الأسد، لذلك كان يتعامل مع حزب البعث بحذر شديد، وتغلب على تعاملات النظام التونسي، "المخاوف الأمنية"، والقلق من الصبغة الأيديولوجية لنظام الأسد، وهو ما كان أمرًا غير مهضوم من النظام البورقيبي.

ومع صعود الرئيس بن علي إلى الحكم، في العام 1987، إثر انقلاب على بورقيبة، تغيرت المعادلة، بتشجيع من "النخبة العروبية" واليسارية أيضًا، التي التحقت بالحزب الحاكم (التجمع الدستوري الديمقراطي)، وتغلغلت في مؤسسات الدولة، وخاصة على الصعيدين: الأمني والدبلوماسي، ما أدى إلى استمالة موقف نظام بن علي باتجاه العلاقة مع سوريا، وكانت البوابة الأمنية، أبرز المداخل لهذه العلاقة، في علاقة بكيفية التعاطي مع ملف الإسلاميين، الذي يعني بالأساس "ملف حركة النهضة". حيث حرص نظام بن علي على الاستفادة من أسلوب نظام الأسد في مقاومة التيار الإسلامي.

وسرعان ما قطعت العلاقات بين البلدين، إبان الثورة التونسية خلال العام 2011، واستضافت الرئاسة التونسية، على عهد الرئيس المنصف المرزوقي، "مؤتمر أصدقاء سوريا"، بل إنّ الرئيس المرزوقي اتخذ قرارًا في فبراير/ شباط 2012، بقطع العلاقات مع سوريا "احتجاجًا حينها على قمع النظام السوري للاحتجاجات في البلاد"، كما قال بيان لرئاسة الجمهورية.

لكنّ خروج "حكومة الترويكا" بقيادة حركة النهضة (الإسلامية) من الحكم، في العام 2013، عجل – تحت ضغط اللوبي العروبي واليساري – باستئناف العلاقات مع سوريا، مع رئيس الحكومة المؤقت، مهدي جمعة، سنة 2014، حيث تم الاتفاق مع السوريين على فتح مكتب للخدمات الإدارية والقنصلية لفائدة الجالية التونسية في سوريا، قبل أن تُعيّن وزارة الخارجية التونسية سنة 2015 قنصلًا عامًا (دون رتبة السفير) في دمشق، بقرار من الرئيس السابق الباجي قائد السبسي (2014-2019)، وظلت العلاقات بين البلدين دون مستوى السفراء إلى حين مبادرة الرئيس الحالي، قيس سعيّد، في فبراير/ شباط 2023 بالترفيع في مستوى التمثيل الدبلوماسي التونسي في دمشق، وهو نفس ما فعلته سوريا لاحقًا.

إعلان

ولئن بدا موقف الرئيس التونسي الحالي، منسجمًا مع اتجاهات التفكير لديه التي تقوم على المبادئ، وليس على الفعل السياسي التقليدي وإكراهاته، كما يقول دائمًا، فإنّ الدبلوماسية اليوم في العالم، تخضع لقراءات إستراتيجية، وسيناريوهات، وقراءة الوقائع والأحداث في أبعادها وأفقها وتقاطعاتها، واستشراف التوازنات والمصلحة القومية للدولة، وهو ما جعل الموقف التونسي من الأحداث السورية، مرتبكًا، وكلف النظام التونسي، إصدار بيانَين عبر الخارجية التونسية، التي يرسم الرئيس قيس سعيّد إطارها واتجاهها، حاول من خلالهما، تلافي "الخطأ" الذي وقعت فيه في الأيام الأولى.

هكذا شدّدت وزارة الخارجيّة التونسيّة في بيانها إثر السقوط الرسمي لنظام الأسد، وهروبه إلى خارج البلاد، "على ضرورة تأمين سلامة الشعب السوري"، داعيةً إلى "الحفاظ على الدولة السورية، دولة موحّدة كاملة السيادة، بما يحميها من خطر الفوضى والتفتيت والاحتلال، وعلى رفض أيّ تدخل أجنبي في شؤونها". كما ناشدت الخارجيّة التونسية، "كافة الأطراف السورية، التلاحم وتغليب المصلحة العليا للبلاد، من أجل الحفاظ على أمن الوطن واستقلاله وسلامته واستقراره، وتأمين انتقال سياسي سلمي".

هل يقدر النظام التونسي، على ركوب "السفينة السورية الجديدة"، بما يعني ذلك، التخلص من "الإرث الأسدي" في علاقات البلدين، الذي أضحى اليوم من الماضي، أم تنجح بعض النخب العروبية، في جرّ النظام التونسي، إلى الإبقاء على "مسافة" مع الوضع السوري الجديد، من خلال تخويف القيادة التونسية، من ملف التونسيين المقاتلين ضدّ النظام السوري السابق، والإبقاء على "الهاجس الأمني" في علاقة بسوريا الجديدة؟

المراقبون في تونس يرون، أنّ الدبلوماسية التونسية، وفي غالبها من التكنوقراط، لن تقبل بأن تبقى السياسة الخارجية التونسية، تتفرج على الوضع السوري الجديد، من أجل إرضاء "لفيف من القوميين"، الذين أظهرت الأحداث تهافت مقارباتهم في علاقة بالشأن السوري، حيث لم تستفد البلاد، لا سياسيًا، ولا اقتصاديًا، من سياسة "الارتماء في الحضن السوري" بلا أي حصاد، شعبي أو على مستوى النظام ذاته، وهو ما يرجح أن يتجه الرئيس التونسي في سياقه خلال الفترة المقبلة.

إعلان

ولن نضيف جديدًا بصدد الحديث عن الموقف الليبي من مجريات الأمور في سوريا، إذ تماهى مع بعض مواقف دول الإقليم، واعتبر المعارضة السورية المسلحة، "جماعات إرهابية"، ومعلنًا مساندته للنظام السوري، قبل أن تغير طرابلس موقفها، وتعرب خارجيتها، لاحقًا، "انحياز ليبيا التام إلى مطالب الشعب السوري وتطلعاته نحو الحرية والعدالة، ووقوفها المبدئي مع ثورته ضد الطغيان".

وأعربت وزارة الخارجية بحكومة الوحدة الوطنية، المعترف بها من الأمم المتحدة، عن "أمل ليبيا في أن تُشكّل هذه التطورات انطلاقة حقيقية نحو بناء دولة مدنية ديمقراطية، تُلبي آمال السوريين، وتُحقق العدالة لجميع أبناء الوطن". بل أكدت "دعمها الثابت لنضال السوريين المشروع ضد الاستبداد"، معتبرة أن "هذه المرحلة تعد تتويجًا لمسار كفاح طويل من أجل الكرامة والحرية".

وما إيفاد مسؤولين ليبيين إلى دمشق في الآونة الأخيرة، إلا دليل على أن العقل السياسي الليبي، يهدف إلى الخروج والقطع نهائيًا مع المقاربة القديمة مع الشأن السوري، بكل الثقل الذي تمثله تلك العلاقات.

لا شكّ أنّ المنطقة المغاربية، مقبلة على مرحلة معقدة، في علاقة بالملف السوري، بحكم التداعيات الجيوستراتيجية التي سيطرحها الوضع الجديد هناك، ومآلاته السياسية والأمنية، وعلى مستوى العلاقات العربية والإقليمية، كما سوف يلقي بظلاله على التحالفات والصراعات في الإقليم، بما يجعل منظقة شمال أفريقيا، على فوهة تغيرات حقيقية خلال المرحلة المقبلة، لا يعرف المرء اتجاهاتها أو الريح التي ستتجه نحوها.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الوضع السوری الجدید النظام التونسی النظام السوری الشعب السوری نظام الأسد حافظ الأسد فی سوریا فی علاقة سیاسی ا موقف ا بن علی وهو ما من أجل

إقرأ أيضاً:

كابوس يناير الذي لا ينتهي

رغم مرور 14 عاما على ثورة 25 يناير (كانون الثاني) المصرية إلا أن كابوسها بالنسبة لخصومها لا يزال قائما، يقض مضاجعهم، وينكد معيشتهم، ما يدفعهم لمحاولة محوها من الذاكرة الوطنية، وفي الطريق إلى هذا المحو يتم تشويهها، وإلصاق كل أزمات الشعب المصري بها على غير الحقيقة، وعلى خلاف الدستور الذي لا يزال يتحدث عنها بتقدير وإجلال، واعتبار ذكراها يوم عطلة رسمية.

وحتى هذه العطلة السنوية بمناسبة ذكرى ثورة يناير عادت أذرع النظام الإعلامية لاعتبارها عطلة بمناسبة عيد الشرطة، وليس ثورة يناير (بالمخالفة مجددا للدستور والقانون). وللتذكير هنا فقد كان يوم 25 يناير 1952 معركة بطولية للشرطة المصرية في الإسماعيلية في مواجهة الاحتلال الانجليزي الذي طالبها بتسليم سلاحها، لكنها رفضت وقدمت 50 شهيدا، وصار هذا اليوم هو العيد السنوي للشرطة، وقد انطلقت فيه أولى مظاهرات الثورة المصرية عام 2011 كاحتجاج على تجاوزات الشرطة، ثم صار هذا اليوم بعد ثورة يناير ذكرى لانطلاق الثورة.

تشويه يناير التي يكرمها الدستور يجري من أعلى رأس في السلطة، وهو السيسي الذي كرر اتهاماته للثورة بالتسبب في الأزمات التي يعاني منها المصريون، كما تعهد أكثر من مرة بعدم سماحه بتكرار تلك الثورة مجددا، رغم أنه لولا هذه الثورة لبقي في الخفاء لا يعرفه أحد وفي أقصى تقدير كان يمكن أن يكون محافظا لمحافظة حدودية.

تشويه يناير التي يكرمها الدستور يجري من أعلى رأس في السلطة، وهو السيسي الذي كرر اتهاماته للثورة بالتسبب في الأزمات التي يعاني منها المصريون، كما تعهد أكثر من مرة بعدم سماحه بتكرار تلك الثورة مجددا، رغم أنه لولا هذه الثورة لبقي في الخفاء لا يعرفه أحد وفي أقصى تقدير كان يمكن أن يكون محافظا لمحافظة حدودية
تتزامن ذكرى يناير هذا العام مع عدة أحداث مهمة داخليا وخارجيا، تزيد من درجة مخاوف النظام، فهي تأتي عقب انتصار الثورة السورية بعد مخاض عسير، استمر 13 عاما، لكنها نجحت في نهاية المطاف في الإطاحة بنظام الأسد، وبجيشه وشرطته، وحزبه، ومليشياته، وداعميه الإقليميين، وفتحت أبواب الأمل أمام شقيقاتها المتعثرات من ثورات الربيع العربي التي تعرضت لضربات الثورة المضادة، وعلى رأسها الثورة المصرية. فسقوط نظام بشار وهو أعتى من نظام السيسي يعطي رسالة بأن سقوط النظام المصري أيضا ليس مستحيلا.

أما المتغير الثاني فهو انتهاء حرب غزة، مع فشل جيش الاحتلال الإسرائيلي وكل داعميه في القضاء على المقاومة، وخاصة حركة حماس التي تمثل امتدادا لجماعة الإخوان الخصم الأبرز لنظام السيسي، والتي مثل صمودها في المعركة رغم تكالب الجميع عليها إقليميا ودوليا إلهاما لكل المناضلين من أجل الحرية.

أما الأمر الثالث المهم فهو تصاعد الغضب الشعبي داخل مصر بسبب تزايد الأزمات المعيشية، مع ارتفاع الأسعار، وتراجع قيمة الجنيه، وتصاعد أزمة الديون المحلية والدولية إلخ.

وقبل أيام من حلول ذكرى يناير تصاعدت دعوات التغيير، وهي تتراوح بين 3 أشكال، منها دعوات إصلاح جزئي من أحزاب داخل مصر، ودعوات للتغيير السياسي السلمي تصدر أيضا من قوى داخل وخارج مصر، وأخيرا دعوة للتغيير المسلح أعلنها أحد المصريين من دمشق، الذي كان يضع سلاحه أمامه على الطاولة، وبجواره بعض الملثمين، ورغم أنني شخصيا ضد التغيير المسلح، والذي لا يصلح أساسا مع الوضع في مصر، ورغم أن السلطات السورية اعتقلت صاحب الدعوة (أحمد المنصور) ورفاقه، إلا أن حالة الهلع لا تزال قائمة لدى النظام المصري وأذرعه، وهو يستغل هذه الدعوة في الوقت نفسه لبث الرعب في نفوس المصريين، ولثنيهم عن مطلب التغيير أو حتى الإصلاح الجزئي.

لكن أصواتا أخرى أكثر تشددا وأكثر نفاذا ترى أن أي تنفيس مهما قلت درجته كفيل بفتح الباب للانفجار الشعبي، ويتبنى هذا الرأي تحديدا جهاز الأمن الوطني، الذي يحتفظ بثأر بايت مع ثورة يناير نظرا لما تعرض له بعدها. وهذا الرأي هو الأكثر قبولا لدى السيسي، لأنه يخاطب دوما مخاوفه، لكن هذا الرأي والذي يقود سياسات القمع والتشدد حاليا سيكون هو السبب في الانفجار الشعبي
في مواجهة مطالب التغيير أو حتى الإصلاح الجزئي، حرص النظام على تشديد قبضته القمعية كرسالة أنه لا يخشى هذه الدعوات، وأنه سيواجهها بكل حزم، وشنت الشرطة المصرية حملة اعتقالات جديدة في العديد من الأماكن، شملت أيضا الكثيرين ممن سبق اعتقالهم، كما ألقت الشرطة مؤخرا القبض على زوجة أحد الصحفيين المعتقلين، وعلى إعلامي أجرى معها حوارا صحفيا في موقع الكتروني، ورغم أنها أخلت بكفالة مالية كبيرة سبيل السيدة (ندى مغيث زوجة الصحفي أشرف عمر) إلا أنها أبقت الإعلامي أحمد سراج قيد الحبس الاحتياطي بسبب إجراء ذلك الحوار الصحفي، كما أحالت السلطات الناشر هشام قاسم مجددا للتحقيق في تهم سبق محاكمته وحبسه بسببها.

رغم محاولات القمع إلا أن دعوات التغيير لا تزال متصاعدة من داخل مصر، حيث طالبت عدة أحزاب وقوى سياسية بالتغيير السلمي تجنبا لفوضى متوقعة يدفع ثمنها الوطن كله، وتضمنت مطالب التغيير حتى الآن الدعوة إلى إجراء انتخابات تنافسية حقيقية رئاسية وبرلمانية نزيهة، تحت إشراف قضائي كامل وتحت رقابة حقوقية دولية، وتحرير الإعلام من قبضة الأجهزة الأمنية، والإفراج عن المعتقلين السياسيين.

داخل المنظومة الأمنية للنظام أصوات تدعو لقدر من التنفيس بهدف إطالة عمر النظام، وهي تستند إلى تجربة مبارك الذي سمح بقدر قليل من الإصلاحات مكنته من الحكم لمدة ثلاثين عاما، لكن أصواتا أخرى أكثر تشددا وأكثر نفاذا ترى أن أي تنفيس مهما قلت درجته كفيل بفتح الباب للانفجار الشعبي، ويتبنى هذا الرأي تحديدا جهاز الأمن الوطني، الذي يحتفظ بثأر بايت مع ثورة يناير نظرا لما تعرض له بعدها. وهذا الرأي هو الأكثر قبولا لدى السيسي، لأنه يخاطب دوما مخاوفه، لكن هذا الرأي والذي يقود سياسات القمع والتشدد حاليا سيكون هو السبب في الانفجار الشعبي، وهو ما سبق ثورة يناير أيضا، رغم أن القمع قبل يناير كان أقل كثيرا مما يجري حاليا، وبالتالي فإن الانفجار قادم طال الزمن أو قصر إذا استمرت هذه السياسات.

x.com/kotbelaraby

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية: يجب مد يد العون والمساعدة للإدارة السورية الجديدة .. فيديو
  • قيادي باتحاد الشغل التونسي: تسريب الطبوبي الذي وصف فيه الهياكل النقابية بـ''المافيا'' يوجب الاستقالة
  • السلطات السورية تبدأ حملة تمشيط جديدة ضد فلول النظام في ريف حمص
  • الحكومة السورية تعلن إصدار مناقصات علنية لاستجرار النفط ومشتقاته لندن- عربي21 21
  • وزير الاتصالات السوري: منع إعادة تشكيل شركات نظام الأسد
  • الحكومة السورية تعلن إصدار مناقصات علنية لاستجرار النفط ومشتقاته
  • فنانون يتطلعون للنهوض بالدراما السورية بعد سقوط الأسد
  • كابوس يناير الذي لا ينتهي
  • رحيل رجال أعمال النظام السوري.. هل ينهار الاقتصاد أم يبدأ التعافي؟