محمد بن علي العريمي

mahaluraimi@gmail.com

 

في عالم اليوم، يتغير المشهد السياسي باستمرار، إلّا أن بعض الدول التي تأسست على أيديولوجيات محددة لا تزال تشكل حالات فريدة تستحق التعمق في دراستها.

هذه الدول، التي نهضت على أسس فكرية وعقائدية صلبة، تواجه تحديات كبرى تتراوح بين التغيرات الداخلية والصراعات الخارجية.

من الاتحاد السوفييتي إلى كوريا الشمالية، ومن ألمانيا النازية إلى كوبا الاشتراكية، يتضح أن مصير هذه الدول يعتمد إلى حد كبير على قدرتها على التعامل مع المتغيرات، فيما تبقى الأسئلة قائمة حول مستقبلها.

نبدأ بالاتحاد السوفييتي، الذي يُعد أحد أبرز الأمثلة على دولة قامت على أيديولوجيا شيوعية صارمة. في عام 1922، أعلن الاتحاد السوفييتي عن نفسه كقوة عالمية تهدف إلى إزالة الفوارق الطبقية وبناء مجتمع اشتراكي دولي. ورغم النجاحات الأولية التي حققها، مثل التصنيع السريع والقدرة على المنافسة في الحرب الباردة، إلّا أن الأيديولوجيا المتصلبة والمركزية المفرطة أدت في النهاية إلى انهياره. فقد واجه النظام السوفييتي معضلات اقتصادية مستمرة، وانتهت الأزمة بانهيار الدولة في عام 1991 بعد سنوات من الركود والتدهور الداخلي. هذا الانهيار يعد مثالًا صارخًا على ما يحدث عندما لا تستطيع الدول الأيديولوجية التكيف مع الواقع المتغير.

وفي السياق ذاته، يمكننا الانتقال إلى كوريا الشمالية، التي تأسست على أسس أيديولوجية صارمة تمزج بين الماركسية-اللينينية والمبادئ الفريدة لـ"الجوتشي"، التي تعني الاعتماد على الذات. ومنذ تأسيسها في عام 1948، وُجهت كوريا الشمالية نحو سياسة عزلتها عن العالم الخارجي؛ مما جعلها واحدة من أكثر الدول استبدادًا وانغلاقًا في التاريخ الحديث. وتحت قيادة كيم إيل سونغ، ثم خلفاؤه كيم جونغ إيل وكيم جونغ أون، حافظت كوريا الشمالية على نظامها الأيديولوجي رغم العقوبات الدولية والتحديات الاقتصادية الهائلة.

ورغم حفاظها على استقرار داخلي نسبي من خلال القمع السياسي والدعاية المكثفة، تواجه كوريا الشمالية أزمات كبيرة مثل المجاعات، ضعف البنية التحتية، والاعتماد المفرط على الدعم الخارجي، لا سيما من الصين. علاوة على ذلك، تُعد برامجها النووية والصاروخية مصدرًا دائمًا للتوترات الدولية، مما يزيد من عزلة الدولة. على الرغم من هذه التحديات، يستمر النظام في البقاء، معتمدًا على السيطرة الصارمة والقدرة على تعزيز أيديولوجيته في وعي الشعب.

بالانتقال إلى ألمانيا النازية التي تأسست على الفاشية والنازية في ثلاثينيات القرن الماضي، نجد حالة دراماتيكية أخرى. أدولف هتلر صعد إلى السلطة في عام 1933 بناءً على شعارات قومية متطرفة تدعو إلى التفوق العرقي والتوسع العسكري. هذا النظام الأيديولوجي جلب معه حربًا عالمية كبرى انتهت في 1945 بتدمير النظام نفسه وترك ألمانيا في حالة من الدمار والعار. هذا المثال التاريخي يوضح كيف أن الأيديولوجيا المتطرفة التي تعتمد على القوة والتوسع العسكري قد تؤدي في النهاية إلى دمار شامل، ليس فقط للدولة؛ بل للعالم بأسره.

وفي كوبا الاشتراكية، التي انطلقت تحت قيادة فيدل كاسترو منذ عام 1959، نجد نموذجًا لدولة حافظت على أيديولوجيتها الشيوعية بالرغم من الحصار الاقتصادي الطويل الذي فرضته الولايات المتحدة. لقد أثبتت كوبا قدرتها على الصمود، لكن انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991 ألقى بظلاله على كوبا، التي كانت تعتمد بشكل كبير على الدعم السوفييتي. ورغم كل الصعاب، أظهرت الحكومة الكوبية مرونة عندما بدأت في إجراء بعض الإصلاحات الاقتصادية الضرورية؛ مما يشير إلى أن بعض الدول الأيديولوجية قد تكون قادرة على التكيف، وإن كان ذلك ببطء.

وفي خضم هذه الأمثلة، لا يمكن تجاهل إسرائيل، دولة الاحتلال التي تأسست عام 1948 بناءً على الأيديولوجيا الصهيونية، والتي كانت تسعى إلى إقامة وطن قومي لليهود، وهو ما تحقق بشكل فعلي في ظل الدعم الدولي الكبير لها. لكن هذا التأسيس جاء على حساب الفلسطينيين، مما خلق نزاعًا طويل الأمد لا يزال مستمرًا حتى يومنا هذا. ومنذ تأسيسها، واجهت إسرائيل سلسلة من الانتفاضات الفلسطينية، كان أبرزها الانتفاضة الأولى عام 1987 والثانية عام 2000. وهذه النزاعات جعلت من الصعب على إسرائيل تحقيق الاستقرار الداخلي والإقليمي، حيث تبقى قضية التعايش مع الفلسطينيين وأهمية إيجاد حل دائم من أكبر التحديات التي تواجهها الدولة.

أما الولايات المتحدة الأمريكية، التي تأسست عام 1776 على أساس الحرية وحقوق الإنسان، فقد قدمت نموذجًا مختلفًا في كيفية تعامل الدول الأيديولوجية مع التحديات. الدستور الأمريكي الذي وُضع في عام 1787 كان وثيقة ثورية في زمانه، وضع أسسًا لنظام ديمقراطي حر. ومع أن الولايات المتحدة مرت بصراعات داخلية، مثل الحرب الأهلية (1861-1865)، إلا أنها نجحت في تجاوز تلك المحن بفضل قدرتها على التكيف وتطوير نظامها بما يتماشى مع المتغيرات.

إذا ما حاولنا تحليل هذه الأمثلة جميعها، نجد أن القدرة على التكيف مع التغيرات هي العنصر الحاسم في بقاء الدول الأيديولوجية. الاتحاد السوفييتي لم يستطع التكيف مع متطلبات الاقتصاد العالمي في الثمانينيات، بينما تمكنت الولايات المتحدة من تحديث نفسها باستمرار. أما كوريا الشمالية وإسرائيل، فكلاهما يواجه تحديات داخلية نابعة من ضرورة تحقيق التوازن بين الأيديولوجيا وواقع العصر. التعايش مع التنوع الثقافي والديني، كما يظهر في الحالة الإسرائيلية، يشكل عاملاً مهمًا في استقرار الدول، بينما يبقى الحفاظ على استقرار كوريا الشمالية رهينًا بمدى قدرتها على تقديم إصلاحات داخلية دون تهديد أيديولوجيتها.

في نهاية المطاف، يبقى التعليم والتطوير حجر الزاوية في بقاء الدول على الساحة العالمية. والدول التي تستثمر في تطوير مواردها البشرية وتدعم الابتكار هي الدول الأكثر قدرة على التكيف مع المستقبل. كوريا الشمالية، رغم عزلتها، تحتاج إلى استثمار جاد في تحسين ظروف المعيشة والبنية التحتية لشعبها إذا أرادت الصمود في وجه التحديات.

ختامًا.. من الواضح أن الدول التي تأسست على أيديولوجيات محددة تواجه تحديات كبيرة، إلّا أن القدرة على التكيف والمرونة هي المفتاح لبقاء هذه الدول. ولا شك أن التعايش السلمي، وتعزيز التعليم، وتنفيذ إصلاحات سياسية جريئة هي توصيات قد تساعد هذه الدول في مواجهة التحديات الكبيرة. وإلّا، فإن الفشل في التعامل مع المتغيرات سيضع تلك الدول أمام مستقبل غامض، قد يؤدي في بعض الحالات إلى انهيار أنظمتها بالكامل.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

في حُب وإحترام أهل الشمالية

أثناء الحرب وفي عز مطاردة مليشيا الجنجويد للسودانيين كانوا لنا أهل من الدرجة التانية والتالتة أبناء عمومة وبنات خيلان ومجموعة من الاقارب الذين تربطنا بهم أمشاج دم ومحنة في الخرطوم والجزيرة أرسلناهم بلا مشهاد ولا قرش ولا ملابس ولا أي شئ من سبل الاستعداد للنزوح من الجنجويد قُلت لهم في مكالمة جماعية لبعض كُبارنا أدخلوني فيها لمعرفة رأيي في الأمر على أعتبار أني قريبة ومراقبة للوضع العام الحكومي والأهلي وأعرف ع ماذا تسيير البلاد واعرف أصول أهل الولايات جيداً قلت لهم أحب الديار حالياً سوف أوجهكم إليها هي الولاية الشمالية أذهبوا هناك تحت بند ( ماشين لأهلكم لا نازحين ) لأن من ينزل في ديار الشمال فبالتأكيد سوف يلاقي أنه وسط أهله ودياره واخوانه واخواته

امشوا وانتوا مغمضين فهناك رجال الشمال لا يحتاجون لا تزكية مني او اتصال لأحد منهم أن اقول لهم أن بعض من أقربائي سوف يحلوا ضيوف عندكم ! أبدًا لم أعمل ذلك ولا تذكروا إسمي حتي …
ذهبوا أهلنا إلى هناك حيث الشمال الكرم والجود والصندندة وقبول الأخر من غير فرز ..
الشمالية حيث العافية من مرض العنصرية والتهكم ..

اهل الشمال الذين وفروا لأهلنا سُبل الراحة وأشهد الله طول من أرسلتهم إلى الشمال في الحرب لم يستأجروا لهم الشمال بيوت بل جهزوا لهم بيوت بالمجان حتي أنا حاولت اساعد بالقليل قلت لهم إيجار رمزي رفضوا ..
وفروا لهم سبل المعيشة وفتحوا لهم الاسواق بل بعض الذين نزحوا دخلوا السوق وفتحوا بقالات وبقوا أهل بلد ..

في واحدة من زيارتي للسودان من غربتي القسرية من الجنجويد أثناء الحرب عبرت من بورتسودان إلى الشمالية بهدوء من غير ازعاج و من غير أن يعرف حتي صديقاتي زرت من أوفدتهم من خيلاني هناك وصلت في شتاء شمالية بارد جداً أشهد الله وجدت أهل البيت بهم نساء الحي على صينية فطور وكل زول بالعندوا بفهم عيب الزاد ولا عيب سيدو فرحت جداً بالتماسك والمجتمع القوي المترابط في الشمالية …

والبعض الأخر من اهل الشمالية فتحوا لأهلهم الفارين من الحرب مجموعة من القُري بالبيوت الجاهزة وتركوا لهم كل توفير مقومات الحياة من غير مضايقة …
لذلك أجد نفسي حفية وممتنة لأهلنا في كل الشمال شكراً لرجال الشمالية الرجال الرجال المتحزميين الكريمين والله كملتوا الرجالة ست زي ما بتقولوا ..
شكراً لأمهاتنا في الشمالية على أستقبالكم وصبركم على عادات وتقاليد وثقافة نسوان الخرطوم وتحملكم ..
وح أظل انا شاكرة بشكل خاص ك عائشة الماجدي لكل أهل الشمال ..
وهذا قليل من بعض عندي وقادم الأيام سوف أكتب عن
الشمال الوريف الكبير ….

وإن شاء الله اجي الشمالية زيارة واطايبكم وازوركم بيت بيت وأقدم لكم شكراً يُليق بمقامكم الغالي …
حيّا الله الشمال وأهله …
عائشة الماجدي

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • معالجة المدفوعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.. الفرص والتحديات
  • في حُب وإحترام أهل الشمالية
  • تعرف على الدول التي تضم أكبر عدد من الأغنياء (إنفوغراف)
  • «منها مصر والأردن».. قائمة الدول التي أعلنت الإثنين موعد عيد الفطر 2025
  • اربع دول عربية تعلن أن غداً الأحد هو المتمم لشهر رمضان.. تعرف على الدول التي اعلنت ان غدا هو اول أيام العيد
  • الدول العربية التي أعلنت غدًا الأحد أول أيام عيد الفطر 2025
  • ما هي الدول العربية التي أعلنت الأحد أول أيام عيد الفطر المبارك؟
  • الدول التي اعلنت غدا رمضان
  • قائمة الدول التي أعلنت أول أيام عيد الفطر 2025 غدا
  • سوريا والتحديات الداخلية والخارجية