هذا المقال بقلم بارعة الأحمر، صحافية وكاتبة سياسية لبنانية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأيها ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN. 

منذ تكليف القاضي الدولي نواف سلام بمهمة تشكيل الحكومة اللبنانية الأولى في عهد الرئيس جوزاف عون، يقف لبنان أمام عقبات التمثيل الحزبي في الحكم في وجه استعادة سيادة الدولة وإنهاء سيطرة حزب الله على مفاصل الحكم وآلية اتخاذ القرارات.

تكليف سلام حمل دلالات سياسية واضحة لما يعنيه من  تعديل لموازين القوى الداخلية، فهو شخصية معروفة بخبراتها القانونية والأكاديمية والدبلوماسية، ونفس تغييري وإصلاحي، إلى شعبيته في أوساط النخب والشباب.

إن أصابت التوقعات بإعلان الحكومة العتيدة نهاية الأسبوع الحالي، فإن هذا سيعني النجاح في تخطي العقبات بسلام، وستكون سابقة في تاريخ لبنان الحديث: انتخاب رئيس وتكليف شخصية لتشكيل الحكومة وإعلان تشكيل الحكومة في غضون أسبوعين فقط. أمر لا يصدق في لبنان! وهو مسار كان انطلق منذ لحظة إعلان ثوابت الحكم وحين رفع سلام الدستور اللبناني "الكتاب" في باحة القصر الجمهوري وأمام الصحفيين فوضع بذلك الحدود والضوابط في خطاب قبول التكليف بتشكيل الحكومة. 

لم يتوصل سلام بعد إلى اتفاق مع قيادات الأحزاب حول صيغة للبيان الوزاري تجمع اللبنانيين ولا تتسبب بمواجهات قد تخرب انطلاقه العهد. ولم يتوصل بعد إلى اتفاق مع الثنائي الشيعي حول تطبيق القرار 1701 على الرغم من جلسات التفاوض التي استمرت ساعات. وذلك أنه يحرص على تطبيق الدستور وخصوصا ما ينص عليه في مجال حق الدفاع عن النفس والمقاومة. إلا أن حزب الله يطالب بتضمين البيان الوزاري ما يراه من "عناصر القوة" للبنان وهو ما لا يجمع عليه اللبنانيون. وحتى الساعة لا حلول لهذه العقدة أيضا. وقد يكون الحل الوحيد في تعليق هذا النقاش وترحيله لحين تشكيل لجنة صياغة البيان الوزاري، بما أن الأولوية اليوم هي لتشكيل الحكومة.

لدى الرئيس المكلف أيضا تصور واضح ودقيق لحكومته، وهو حرص على التأكيد منذ بدء استشارات التشكيل أن "ليس هناك من عراقيل" لكنه في الوقت عينه حرص أيضا على عدم تسريب الأخبار أو المعلومات وهذا أمر لم يعتد عليه اللبنانيون وخصوصا الإعلام في لبنان.

ومرد هذا التكتم حول التركيبة والأسماء، غير المعهود، إلى أن الـ"عقبات" هذه المرة لا تقتصر على حزب الله بل هي أيضا من تلك الـ "غير معهود"، لأنها تأتي من الجهات التي انتخبت الرئيس الجديد وقبلت تكليف سلام. وهي اليوم تفاوض على حصتها في الحكومة لأنها ترى فيها فرصة حقيقة لتغيير المشهد السياسي برمته، وهو تغيير يطالب به اللبنانيون منذ ثورة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019 ومن قبلها.  إلا أن تحديد الحصص والأسماء، لا يزال مرهونا بلقاء حول المسودة الحكومية بين الرئيس المكلَّف ورئيس الجمهورية الذي لم يحد بعد حصته من الوزارات، كما جرت العادة. 

اللافت في القليل مما يرشح من معلومات، هو البعد الإقليمي للحكومة التي يفترض أن تعكس التوازنات السياسية المستجدة في الشرق الأوسط ما بعد الطوفان والزلازل وما بعد إقصاء المشروع الإيراني عن لبنان وسوريا. وأن تقدم مشهدا إصلاحيا سياسيا وإداريا لطالما كان شرطا دوليا وإقليميا لدعم لبنان، وخصوصا من جانب المملكة العربية السعودية راعية التغيير الرئاسي والحكومي في آن. 

إضافة إلى وقف الفساد المالي والإداري وإصلاح القضاء يتم بناء التركيبة الحكومية على أساس التحضير للانتخابات النيابية المقبلة التي ستنتج برلمانا جديدا، وذلك من خلال إعداد قانون انتخابي يُصلح ما أفسدته القوانين السابقة التي كانت تصاغ على مقاس القوى السياسية ويضمن بقائها في السلطة. قانون انتخابي جديد يغير الوجه التشريعي ويعكس التوازنات الجديدة في السلطة اللبنانية وفي الإقليم.

وعلى الرغم من هذه العقبات، يعيش لبنان اليوم لحظة نادرة وجوا من التفاؤل، فتشكيل هذه الحكومة ليس مجرد تعديل تجميلي أو ترقيعي لدولة منهارة، بل هو فرصة لإقصاء حراس النظام القديم، شعاع أمل يُضاء في وجه الفساد. 

لبناننشر الثلاثاء، 21 يناير / كانون الثاني 2025تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2025 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.

المصدر: CNN Arabic

إقرأ أيضاً:

الشيعة التي نعرفها

كتب الوزير السابق جوزف الهاشم في" الجمهورية": يحقُّ لي، أنْ أتوجّه بصرخةِ رفضٍ وشجبٍ لأيِّ انحراف عن المسلكيّات الشيعيّة الراقية، وليس لأحدٍ أن يتّهمني بالخصومة أو بالتجنّي.مثلما اعتبرَ أنّ المسيحي الذي يعيش الإسلام حضارة وروحاً وحركة يحقّ له أنْ يبحث القضايا الإسلامية التي يمتلك عناصرها المعرفية... .»

الشيعة التي رفعنا لواءَها على حدِّ اللسان والقلم، هي الشيعة التي تغنّى بها: جبران خليل جبران، وأمين نخله، ومخايل نعيمه، وأمين الريحاني، وجرجي زيدان، وبولس سلامه، وسعيد عقل، وفؤاد إفرام البستاني إلى سائر الأدباء والشعراء المحدثين من المسيحيّين اللبنانيّين؟
 
الشيعة التي نعرفها وتعرفنا ويعرفها العالم الحرّ، هي شيعة الفضائل والمفاخر والعفّة والورع والعدالة والصفح والتسامح. هي شيعة التسامي الروحاني والإنساني... هي شيعة المقاومة الصارمة في وجه الظلم. هي شيعة القي مالأخلاقية والوطنية والوحدة اللبنانية. هي شيعة المنائر الفكرية والعلمية وأصحاب المقامات الجلائل في جبل عامل...
تأكيداً لما أعلنته حركة أمل  فإنّ تهديد السلم الأهلي وزعزعة الوحدة اللبنانية،وعرقلة نهوض الدولة - عدا عن كونها تعرّض مرحلة المعافاة للخطر - فهي العْجلُ الذهبي الذي يطمح إليه العدو الإسرائيلي للإنقضاض على لبنان.
الطائفة الشيعية الكريمة غنّية بتاريخ عريق وتراثٍ إنساني مجيد، وهي اليوم تمتلك من الطاقات والقدرات والحوافز ما يجعلها بارزة في نشاطها الوطني للمساهمة في إعلاء شأنها وشأن لبنان.
من هنا، وفي مناسبة تشييع السيدَين الشهيدَين، ومن خلال استلهامهما، يتعيّنُ على المرجعيات الشيعية وقيادة «حزب الله » تحديد المنطلقات المتوافقة مع التطوّرات الداخلية المرتبكة والتحوّلات الجذرية في المنطقة.
ولنكن كلّنا مقاومة، ولتكُنْ قراراتنا الوطنية من وحي سماء لبنان.

مقالات مشابهة

  • المجتمع الدرزي في سوريا يطالب بضمان دور فاعل للأقليات في الحكم الجديد
  • سلسلة لقاءات في السراي... هذا ما أكده سلام أمام وفد من الكونغرس الأميركي
  • سلام: للضغط الأميركيّ على اسرائيل كي تنسحب بشكل كامل من النقاط التي لا تزال تحتلها
  • الشيعة التي نعرفها
  • العراق يعلن مواصلة تزويد لبنان بالوقود وفق ترتيبات خاصة
  • السوداني ونواف يبحثان هاتفياً تطورات المنطقة ودعم لبنان بالوقود
  • سفير بريطانيا بعد لقائه سلام: الحكومة الجديدة فرصة للتغيير والإصلاح
  • رئيس الحكومة استقبل رجي والبيسري وروداكوف
  • سلام استقبل دياب وروداكوف والبيسري... واجتمع مع وزير الخارجية
  • ترويكا الحكم تجتمع استثنائيا: هذا احتلال ومن حق لبنان اعتماد كل الوسائل لانسحاب العدو