لجريدة عمان:
2025-01-22@04:15:42 GMT

اكتشاف اللذة

تاريخ النشر: 21st, January 2025 GMT

"من دون اللذة لا معنى للحياة،

الكفاح في سبيل اللذة هو الكفاح في سبيل الحياة".

نيتشه ("إنسان مفرط في إنسانيته")

من دون أدنى شك، لو عدنا إلى تاريخ الأفكار، وإلى سياقه التاريخاني، لوجدنا أن الإغريق "اخترعوا" كلّ شيء فيما يتعلق بهذا التاريخ. ومن بين اختراعاتهم "المنسية" (فيما لو جاز القول)، هناك "تيّار اللذة" (الذي يطرح فكرة تحقيق اللذة كهدف أساسي للحكمة، وقد عرفت بأنها أول "مدرسة في المتعة").

وقد أطلق عليه اسم التيّار القوريني، لأنه نشأ في قورينا، أي في برقة التي كانت مستعمرة يونانية تقع في شمال أفريقيا، وهي ما تُعرف بــ(ليبيا) اليوم.

لو عدنا إلى تلك الفترة، لوجدنا أن الفلاسفة القورينيين قد تحلّقوا حول أريستيبوس القوريني (الذي كان معاصراً جداً لأفلاطون، في القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد، بل كان أيضا واحدا من تلاميذ سقراط)، وهو رجل "خيالي" لم يتردد في ارتداء ملابس النساء واللجوء إلى النكات ليقود جمهوره إلى التفكير والفلسفة بشكل أفضل. في تلك الحقبة عرف أريستيبوس انتقادات كبيرة وكثيرة، إذ على الأقل، لم يؤخذ على محمل الجدّ، بسبب "تنكره" المستمر بثياب النساء، ومع ذلك، فقد سمح "فكره" لبعض الفلاسفة المعاصرين واللاحقين بتطوير عقيدتهم الخاصة، قبل أن يُصار إلى تشويه سمعته من قبل جميع "الفلاسفة الرسميين"، من البداية إلى يومنا هذا... كان فكر أريستيبوس ينادي بأن "اللذة الحسيّة هي الخير الأسمى والهدف الوحيد الجدير بالاهتمام في الحياة". من هنا، لو حاولنا أن نختصر هذه الفلسفة بشذرة من شذرات أريستيبوس لوجدنا جملته الشهيرة هذه: "أنا أمتلك، أنا لست مملوكا". بمعنى آخر، إن على البحث عن هذه المتعة أن لا يستعبدنا. فما الأمر في النهاية سوى "تشجيع الحرية الشخصية بقدر ما لم يكن المرء مرتبطا بمهام الآخرين الفلسفية والثقافية وتأسيس وجهة نظره الخاصة عن معنى الحياة" (وفق ما يقول مترجم الكتاب في مقدمته).

حول فلسفة اللذة هذه، القورينية، يأتي كتاب الفيلسوف الفرنسي المعاصر ميشيل أونفري، "اكتشاف اللذة" الذي صدر مؤخرا بترجمة عربية (نقله كامل العامري) عن منشورات "نينوى"، ويتضمن أيضا نصوصا ومقاطع (ما تبقى منها على مرّ العصور) والتي تسمح لنا باكتشاف نظريات هؤلاء الفلاسفة حول المال والحب والسلطة والعلاقات مع الآخرين، كما تسمح لنا باكتشاف الآلهة (التي كانوا يدورون في فلكها)، وعلاقاتهم بالنساء، وما إلى ذلك. من هنا، تسمح لنا المقدمة الطويلة التي كتبها ميشيل أونفري، بوضع هؤلاء المفكرين وأطروحاتهم في السياق الفلسفي والتاريخي والأيديولوجي لذلك العصر. باختصار، يعيد هذا العمل إحياء قارة الفلسفة اليونانية المغمورة حقاً، وبخاصة عبر الجانب المتعلق بهذه الفلسفة، لكن بعيدا عن المفاهيم اللامعة والخطابات "الدخانية" التي تندثر في الهواء، لذا نجد أن ما يقترحه أونفري علينا، هو وبالدرجة الأولى، إعادة تركيب هذا السياق التاريخي أولا، ومن ثم هذه المحاولة الجدية والمهمة، لإعادة اكتشاف نصوص، لعبت دورا كبيرا في بناء مفهوم اللذة على مرّ الأجيال الفلسفية. إذًا نحن أمام فكرة مغرية: تركيز كلّ الجهود الفلسفية على مسألة الحكمة العملية والأخلاق القادرة على توفير قواعد الحياة، والمؤشرات الوجودية، والأسباب الواضحة للسلوك المناسب. ليحدد، لاحقا، معنى فلسفة اللذة هذه التي يقدرها لدى أريستيبوس: إنها متعة مقاسة، محسوبة، مبنية. إنها هذا التوتر والزهد، وليست استرخاءً ولا ترهلًا بمعنى آخر، هي إرادة وليس ضعفا: بل هي إخضاع الواقع لعقل المرء، ولإرادته، ولقراره.

أمام ذلك كله، يأتي الحديث عن "كنز قورينا"، إذ هناك خطوة صعبة يجب اتخاذها. في الواقع، تظل الأجزاء التي تم جمعها... مجزأة، لا بسبب عمل الكاتب (الفرنسي)، بل لأن ما وصلنا منها هو قليل جدا. من المؤكد أنها يمكن أن تكون بمثابة نقطة انطلاق للدفاع عن "دافع الحياة المرحة والمبهجة"، ولكنها تترك القارئ متعطشًا بعض الشيء فيما يتعلق بالحجج، وإن كانت هذه الشذرات تصف القورينيين ومعلمهم وتنقل فكرهم بالتفصيل، لكن "المتعة" الفعلية، تكمن في النصوص الموازية وأقصد بذلك نصوص منتقدي هذه الفلسفة التي لم تكن خالية من الأخلاق، بل على العكس من ذلك، إذ نجدها قريبة جدا من "متعة الأخلاق".

أقول ذلك لأشير إلى فكرة جوهرية ما بين التيار القوريني والتيار الأبيقوري. فنحن لو عدنا، مرة جديدة، إلى مقارنة هاتين المدرستين، لرأينا أن مدرسة أبيقور قد طغت على مدرسة أريستيبوس التي كانت ترى بدورها أن "اللذة هي هدف الحياة الرئيس". بيد أن الأبيقورية كانت أكثر اعتدالا، لأنها لم تتوقف عن المناداة "بضبط النفس والسيطرة على الذات والقبول بالملذات البسيطة"، بينما مدرسة أريستيبوس، من جهتها، كانت تطالب الإنسان وتحثه أكثر على البحث عن اللذة قدر الإمكان "طالما أنها لم تكن تعتمد على هذا البحث، وعلى فلسفة القورينيين اللاحقين الأكثر تطرفا، مثل هيجيسياس" على سبيل المثال.

في الخلاصة، نحن أمام كتاب جيد، يمنحنا أوضح صورة ممكنة عن بدايات فلسفة اللذة، فتاريخ أهل اللذة والمتعة (القورينيين أو حتى الابيقوريين) يسمح لنا أن نفهم بسهولة متى تتحول طريقة الحياة القائمة على عبادة الموت والهوس الفاحش بالدوافع إلى حد الرغبة في توبيخها، والحياء الفاحش إلى رؤية الجانب الإنساني من الحياة، وذلك من أجل الاحتفال بفرحة الحياة.

كاتب وصحفي من لبنان

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

اكتشاف نظام كوكبي فريد بما يحتويه!

#سواليف

اكتشف العلماء نظاما كوكبيا فريدا، يتضمن ما يسمى بـ” #المشتري_الساخن ” بالإضافة إلى #كواكب أخرى، بما في ذلك ” #الأرض_الكبرى “.

أفادت بذلك مجلة Space.com، وفقا لاكتشاف حققه الباحثون من جامعات جنيف وبرن وزيورخ والمركز الوطني لدراسات الكواكب في سويسرا.

والمقصود بالأمر هو نظام النجم WASP-132 في #كوكبة_الذئب والذي يقع على بعد 403 سنوات ضوئية من الأرض. وحسب المجلة، فإن هذا النظام فريد من نوعه لأنه يحتوي في الوقت نفسه على المشتري الساخن وكواكب أخرى، وهو ما يتعارض مع البيانات المعروفة سابقا.

مقالات ذات صلة “جيمس ويب” يكتشف في الكون الفتي “مجرات غامضة” 2025/01/18

يذكر أن “المشتري الساخن” هو عملاق غازي يشبه في حجمه كوكب المشتري في النظام الشمسي، ولكنه يقع قريبا جدا من نجمه. وكان يُعتقد سابقا أن الأنظمة الكوكبية التي تحتوي على كواكب “المشتري الساخن” لا تحتوي على كواكب أخرى. ويرتبط ذلك بنظريات تشكل هذه الكواكب حيث يُفترض أن كواكب “المشتري الساخن” لم تظهر بالقرب من نجمها مباشرة، بل اقتربت منها تدريجيا، كما كان من المفترض أنها تبتلع المادة أو تدمر أجراما سماوية كبيرة أخرى في طريقها.

ومع ذلك، لم يكتشف في نظام WASP-132 وجود “المشتري الساخن” فحسب، بل واكتشفت “الأرض الكبرى”، وهي كوكب يشبه الأرض، ولكنه أكبر وزنا منها، ويقع، حسب العلماء، أقرب إلى النجم، مقارنة بالعملاق الغازي. وبالإضافة إلى ذلك، يوجد في نظام النجم المذكور عملاق جليدي يقع على مسافة كبيرة من النجم.

ونقلت المجلة عن عالم الفلك من جامعة “زيورخ” رافيت هيلد قوله: “إن هذا الأمر يدل على أن الأنظمة الكوكبية متنوعة للغاية، وهناك العديد من الجوانب المتعلقة بتشكل الكواكب والتطور المبكر للأنظمة النجمية التي لا نفهمها”.

وأكدت المجلة أن نتائج هذا البحث قد تؤدي إلى مراجعة النماذج الحالية لتشكل الأنظمة الكوكبية.

مقالات مشابهة

  • اكتشاف بقايا من خبز اشتهر في تركيا منذ 8 آلاف عام
  • اكتشاف نفطي جديد في حقل «الجليعة» البحري!
  • نفط الكويت تعلن عن اكتشاف كبير في حقل الجليعة البحري
  • شركة نفط الوسط تعلن اكتشاف أكبر خزين نفطي وسط العراق
  • العراق.. اكتشاف أكبر خزين نفطي في وسط البلاد بملياري برميل
  • الكويت..اكتشاف نفطي كبير جديد
  • اكتشاف نوع جديد من العناكب العملاقة لأول مرة في إستراليا
  • اكتشاف جين جديد قد يغير طرق علاج مرض الزهايمر.. تفاصيل
  • اكتشاف نظام كوكبي فريد بما يحتويه!