لجريدة عمان:
2024-07-05@03:41:01 GMT

الجانب المشرق من العتمة

تاريخ النشر: 20th, August 2023 GMT

يبدو أن هذا العام عام مسرح أوروبا الشرقية بالنسبة لي، فبعد تجربة المسرح التشيكي المدهشة ها أنا ذا أتصدى لتجربة أخرى لا تقل إثارة ألا وهي المسرح في لتوانيا، وكما هو المسرح في لتوانيا جديد عليّ، أحاول أن أسبر أغواره عبر (الشو كيس، Showcase) من خلال نافذة المهرجان، كذلك لتوانيا البلد هي ثقافة جديدة تملك من المقومات ما هو جدير بالتأمل.

قبل أن أصل إلى لتوانيا عرفت معلومة مهمة، المهرجان لا يقام في العاصمة فيلينوس، بل في مدينة نائية عن العاصمة، تبعد حوالي أربع ساعات عنها بالسيارة، تدعى كلايبيدا، وأن المهرجان كله سيقام على مسرح الدراما في كلايبيدا، فما حكاية كلايبيدا هذه وما حكاية مسرح الدراما في كلايبيدا، أسئلة أولية بدأت تشغل البال.

كلايبيدا

تعد كلايبيدا ثالث مدينة على مستوى لتوانيا، والميناء الأهم فيها المطل على البحر البلطيقي، وأنا ألج شوارع المدينة ودروبها صرت أشخص البصر شمالا ويمينا أبحث عن معالمها، المدينة شبه خالية وهي غارقة في بحر من الخضرة الوارفة، الهدوء والصمت سمتان غالبتان على المدينة رغم سلاسل العمارات ذات الطرز المحددة والبعد الاجتماعي المحدد الذي تدرك العين مرجعيته من أول وهلة، هل هي مدينة بكل معنى الكلمة؟ بدت لي هي أقرب إلى القرية الريفية، وفي أحسن الأحوال يمكن أن نطلق عليها مدينة القرية، أو قرية المدينة، أما مركز المدينة فهو يتمحور حول الميناء ومصب نهر «نيمان» في البحر، أروع ما في المدينة ضفاف النهر، رغم محدودية المساحة، هي العامرة بالمقاهي والمطاعم والحدائق والإبداعات الفنية، حيث تشكل المركز الحيوي للمدينة.

عدد سكان المدينة في أعلى تقدير لا يزيد عن 400 ألف نسمة، وقد عللت كرستينا زيوجيت -رئيسة المهرجان- فراغ المدينة ومحدودية عدد السكان بأن المدينة في تاريخها الحديث كلما عُمرت يأتي احتلال خارجي يُعيدها إلى نقطة الصفر، ويُهجر السكان منها، مثلما فعل الاحتلال الألماني والروسي، وإنّ جُل من هم هنا اليوم هم من الوافدين الجُدد عليها، وتعد كرستينا أن المدينة الآن في طور إعادة التأسيس واستقطاب السكان لها من جديد، ولعل هذا النشاط المسرحي عنصر من عناصر إعادة الألق لها.

إذا هل مدينة بتلك المعطيات جديرة بمهرجان مسرحي يدعى له النقاد من دول العالم؟ فأقصى ما توقعته أن يكون لديهم مسرح بسيط الإمكانيات بالكاد يفي بالغرض، حتى كانت المفاجأة الكبرى عندما وجدت نفسي أمام صرح شامخ كتب عليه «مسرح الدراما في كلايبيدا»، نصفه الأساسي مبني على الطرز القديمة في غاية الأبهة الكلاسيكية ونصفه الآخر على أحدث طراز معماري زجاجي الجدران.

عندما قابلت مدير المهرجان الفنان المخرج «توماس جوكايس» وهو أيضا مدير المسرح -رجل في غاية اللطف والكياسة- أخبرني أن رحلته مع هذا المسرح بدأت منذ سبع سنوات مع إعادة ترميمه وبناء الجزء الحديث منه، وأن هذا الصرح يضم ثلاثة مسارح بالإضافة إلى القاعات وصالات المعارض الفنية، المسرح الكبير يستوعب 400 متفرج، والمتوسط 150 متفرجا، والصغير 80 متفرجا، يوفر المسرح المكان المناسب للعروض حسب نوعها ومتطلباتها الفنية، فعدد الفرق الفنية في لتوانيا يزيد عن المائة فرقة، العديد منها يأتي للعرض في كلايبيدا سواء في المهرجان أو المواسم المسرحية الأخرى. بدا تومس فخورا بإنجازه على مستوى المهرجان والصرح المسرحي، مشيرا إلى أن الدعم المادي يأتي جزئيا من قبل الدولة، وجزء آخر يأتي من الرعاة المهتمين بالإضافة إلى شباك التذاكر، وعن نوعية العروض التي يتبناها المسرح في كلايبيدا أكد أن المسرح مفتوح لمختلف التجارب والنتاجات المسرحية دون تدخل في توجهات ما يُقدم عليه.

المهرجان يقام هذا العام في دورته السابعة، وواضح نضج اللجنة المنظمة في إدارته بسلاسة وكفاءة، ولعل أروع ما في التنظيم تلك العفوية التي توارت خلفها الدقة والصرامة، حرص المنظمون على بث روح الصداقة والألفة رغم أن موضوع الحرب الروسية الأوكرانية ألقى بظلاله على المهرجان، إذ حضر عدد من الفنانين الأوكرانيين ومن الدول المجاورة لأوكرانيا والمناصرة لها بشدة، على أي حال يمكن للمرء منا أن يفسر حتى عنوان هذه الدورة في هذا السياق، THE BRIGHT SIDE OF DARKNESS، واجتهدت في ترجمته على النحو الآتي: الجانب المشرق من العتمة.

في كلمته الافتتاحية بدا مدير المهرجان معتزا بما تم إنجازه وبتغلبه -مع زملائه- على العديد من العقبات والتحديات التي واجهتهم خلال السنوات السبع الماضية، خاصة أنهم في مراحل معينة كانوا يجدون أنفسهم أحيانا بلا ميزانية ولا مؤازرة من أحد، اليوم هم ينظرون بثقة إلى المستقبل، وقد حقق المهرجان نجاحات باهرة أثلجت صدر محبي المسرح وعززت مكانة المدينة ومسرحها الذي أصبح يعرف بأنه مسرح محرض محرك للأحداث متقدم حداثي يمضي بخطى ثابتة نحو المستقبل. مضيفا: اليوم، عندما تحيط العتمة العالم كله نحن لا نبصر إلا طريقا واحدا للخلاص: أن نمضي قدما نحو النور. إن تغيير العالم أمر صعب جدا ولكن هذا لا يجعلنا نتقاعس، نحن نبث الإيمان في انتصار الخير دائما. اعتدت في المهرجانات في الدول الغربية أن أمثل اختلافا عرقيا وعقائديا، بما يعنيه ذلك من اختلاف الثقافات والمرجعيات، إلا أن في هذا المهرجان كان لدي زميل ضيف من باكستان، ممثل ومخرج سينمائي ومسرحي، سهيل مالك، رغم أنه في أواسط السبعينيات من العمر إلا أنه رياضي في منتهى الرشاقة والطاقة وخفة الحركة ناهيك عن خفة الروح، رجل أقل ما يقال عنه إنه اجتماعي من الطراز الأول، منفتح على الجميع، مرن بالتداخل معهم متجاوزا كل ما يمكن أن يكون صادا أو مانعا، فكان هو الأقرب لي تآلفا وتنسيقا في حضور مشترك للفاعليات ومناقشة العروض وتداعياتها على المستوى الفكري والجمالي، وكنا عادة ما نشكل فريقا واحدا في محاورة الآخرين، ولـسهيل تجربة تقديم عروض أزياء مميزة في الثمانينيات قدمها في فندق قصر البستان في مسقط، وما زال يتذكرها بكل اشتياق لمعاودة التجربة.رجل المقصف

أما أكثر المواقف التي هزتني من الأعماق، وأود أن أسجلها هنا هو رجل خدمة المرطبات في المسرح، حرصت إدارة المهرجان كبادرة طيبة منها أن تخصص لنا قاعة استقبال متسعة تجمعنا مع الفنانين الذين يقدمون العروض المسرحية، وكانت عادة ما تمتد المناقشات والسهرات في تلك القاعة إلى ساعات متأخرة من الليل، كانت تلك اللقاءات مساحة أخرى للتواصل العفوي بين الضيوف مع بعضهم وبينهم وبين الفنانين المقدمين للعروض، في ركن من تلك القاعة وضعت أرفف وثلاجة بوصفها مقصفا لتقديم المرطبات والمشروبات للضيوف، في قلب هذا المقصف وقف رجل مربوع القامة مبتسما دائما يخدم الزبائن بهمة، اقتربت منه في اليوم الأول طلبت منه قنينة ماء سألت إن كان عليّ أن أدفع ثمن القنينة، أجاب إن الثمن مدفوع من قبل إدارة المهرجان، في المرة التالية طلبت عصيرا، وقد أحرجت من تواضع الرجل وحرصه على تقديم الخدمة بإتقان يشوبه بعض التردد والوجل، قلت في نفسي إن الرجل يستحق أن أقدم له مبلغا بسيطا مقابل خدماته تحيةً مني وتقديرا، ولكن الأمر الذي استوقفني هو تساؤلي إن كان تصرفي هذا سيكون مقبولا في العرف الاجتماعي اللتواني، أم سيكون له تفسير آخر غير محمود؟ خاصةً وأنني لم أر أيًّا من الضيوف يقوم بذلك، وأن الرجل نفسه لم يتوقع من أحد ذلك، فقلت ليس أقل من أن أجامله بالتحية والتحدث معه، ومن خلال حديثي معه فوجئت أن الرجل أحد مديري شركة كبرى في أعمال المقاولات الإنشائية، وأنه تطوع بهذا العمل خدمة للمسرح والمسرحيين، وعندما أخبرته أني من سلطنة عمان وحاولت أن أشرح له أين تقع، أجابني: نعم أعرف سلطنة عمان وقد نفذنا -من خلال شركتنا- بعض المشروعات هناك، وأن أخي قد زار سلطنة عمان مرات عدة وحدثني عنها كثيرا، فرح بي الرجل عندما عرف أنني من سلطنة عمان، وفرحت برجل بهذا التواضع يؤدي عملا بسيطا عشقا في المسرح، وبرجل يعرف بلادي جيدا.

تلك هي الأجواء التي انطلقت فيها عروض المهرجان التي سأتحدث عن نخبة منها في مقال لاحق، لا سيما تلك العروض التي استقطبتني بما قدمته من أطروحات وتجليات فنية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: سلطنة عمان

إقرأ أيضاً:

في دورته الـ 17.. مهرجان المسرح المصري يكرم الدكتور عاطف عوض

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

يكرم المهرجان القومي للمسرح المصري، برئاسة الفنان محمد رياض خلال دورته السابعة عشرة الفنان الدكتور عاطف عوض العميد السابق للمعهد العالي للباليه؛ وذلك تقديرًا لمسيرته الزاخرة بالأعمال المسرحية بشكل خاص، والفنية بشكل عام كمصمم استعراضات وأستاذ بأكاديمية الفنون.

الفنان الدكتور عاطف عوض مواليد 8 مارس عام 1963 م، وهو نجل الفنان الراحل محمد عوض، وحصل علي بكالوريوس المعهد العالي للبالية عام 1985 بتقدير امتياز، وحصل علي درجة الدكتوراه في الفنون عام 2004 بدرجة امتياز ، ويعمل حاليا أستاذا متفرغا بقسم تصميم وإخراج الباليه بالمعهد العالي للباليه بأكاديمية الفنون، والعميد السابق للمعهد منذ عام 2018، وحتي 2021 م .

يعد الدكتور عاطف عوض من أهم مصممي الاستعراض في مصر والوطن العربي، وله العديد من الأعمال الفنية التي قام بتصميم استعراضاتها  سواء كانت مسرحية أو سينمائية أو مسلسلات،  كما صمم استعراضات فوازير رمضان، وصمم أيضا استعراضات الاحتفالات الوطنية وافتتاح وختام 12 مهرجانا دوليا .

وصلت أعماله التي قام بتصميم استعراضاتها في المسرح إلى ( 36) مسرحية، ومنها: ثرثرة فوق النيل، كعب عالي، كرنب زبادي، ألباندا،  شارع محمد علي ، الزعيم، حزمني يا، بودي جارد، الملك لير، عفرتو، قصة الحي الغربي، يوليوس قيصر، بلقيس، الكنز، مراتي زعيم عصابة، ياطالع الشجرة، كازينو بديعة.

أما في السينما فقام بتصميم استعراضات حوالي ( 30) فيلما سينمائيا منها : الناظر، صاحب صاحبه، ميدو مشاكل ،على اسبابسي، جالا جالا، جعلتني مجرما، مفيش غير كده، مرجان احمد مرجان، بوشکاش، زهايمر، الكنز ، الإنس والنمس، رشة جريئة ، طيور الظلام، صعيدي في الجامعة الأمريكية، في عز الضهر، وغيرها، كما قام بتصميم أكثر من ( 30) استعراضا للفيديو كليب لبعض للفنانين منهم : أصالة - شيماء سعيد -مصطفي قمر - مدحت صالح - جنات - انوشكا - خالد عجاج.

صمم الدكتور عادل عوض أيضا أكثر من موسم لفوازير رمضان ومن أشهرها: فوازير "حاجات ومحتاجات " بطولة شريهان ، وفوازير "أبيض وأسود " بطولة محمد هنيدي وأشرف عبد الباقي ودينا ، وفوازير "قيمة وسيما" بطولة لوسي ، وفوازير " ما نستغناش " بطولة  نادين.

حاز عادل عوض علي العديد من الجوائز العالمية والمحلية أهمها: الجائزة الفضية للمهرجان الدولي لعيد الربيع "بكوريا "عام 2000، وجائزة المهرجان الدولي العاشر لمسرح الطفل بدولة تونس عام 2009م ، وشهادة تقدير غيام الشارقة المسرحية الدورة العشرين من دولة الإمارات عام 2010 ، وجائزة المهرجان القومي للمسرح المصري الدورة الأولى في تصميم الاستعراضات عام 2006 عن مسرحية" لص بغداد" .

وخلال إدارته للمسرح القومي للطفل أنتج حوالي ( 12) مسرحية للأطفال منها ( أول عمل لمسرحة المناهج الدراسية باللغة الإنجليزية) ومن الأعمال التي أنتجها: مسرحية ( حلم بكرة ) عام 2006، للمخرج أحمد عبد الحليم ، ومسرحية (كوخ الطيبين) عام 2006، من إخراج زين نصار، ومسرحية (سندريلا) عام 2007، إخراج بتول عرفة ، ومسرحية (عالم الأقزام) عام 2008، إخراج عزة لبيب، ومسرحية (الأم الخشبية) عام 2010، للمخرج ناصر عبد المنعم ، ومسرحية (مقالب علي بابا ومرجانه) عام 2011، من إخراج عصام السيد .

يقام مهرجان المسرح المصري برعاية ودعم من  وزارة الثقافة، وتحمل دورة هذا العام من عمر المهرجان اسم سيدة المسرح العربي الفنانة سميحة أيوب.

وتتكون اللجنة لهذا المهرجان من الفنان محمد رياض (رئيسا) والفنان ياسر صادق (مديرا للمهرجان) وأعضاء اللجنة هم: الناقدتان علا الشافعي وعبلة الرويني، الكاتب مدحت العدل ، الكاتب وليد يوسف، الفنان نضال الشافعي، المخرج اسلام امام ، بالإضافة لعضوية 6 أعضاء آخرين بمناصبهم، وهم المخرج خالد جلال رئيس قطاع الإنتاج الثقافي والدكتور وليد قانوش رئيس قطاع صندوق التنمية الثقافية، والدكتور أحمد بهي الدين رئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للكتاب، والمحاسب عمرو البسيوني رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لقصور الثقافة، والفنان إيهاب فهمي رئيس الإدارة المركزية للمركز القومي للمسرح، ومنسق عام المهرجان ماجدة عبد العليم، وينطلق المهرجان خلال الفترة من 15 حتى 30 يوليو الجاري.

مقالات مشابهة

  • الأردن.. إليكم تفاصيل فعاليات الدورة 38 من مهرجان جرش للثقافة والفنون
  • تركت المكرونة البشاميل بصعوبة.. شيماء سيف تستعرض رشاقتها على المسرح «صور»
  • توقيع مذكرة تفاهم بين بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس
  • رقص فاضح لفتيات بحفلة راغب علامة ضمن مهرجان داعم لغزة يحرك الرئيس التونسي قيس سعيد
  • الوزير والمثقفون
  • مهرجان قرطاج 2024| استعراض استثنائي لمسيرة الكبير لطفي بوشناق
  • المهرجان القومي للمسرح يكرم عاطف عوض في افتتاح دورته الـ 17
  • في دورته الـ 17.. مهرجان المسرح المصري يكرم الدكتور عاطف عوض
  • الخميس.. "الحلم حلاوة" يستأنف ليالي عرضه على مسرح السلام
  • في دورته الـ 17.. مهرجان المسرح المصري يكرم الفنان عزت زين