يبدو أن هذا العام عام مسرح أوروبا الشرقية بالنسبة لي، فبعد تجربة المسرح التشيكي المدهشة ها أنا ذا أتصدى لتجربة أخرى لا تقل إثارة ألا وهي المسرح في لتوانيا، وكما هو المسرح في لتوانيا جديد عليّ، أحاول أن أسبر أغواره عبر (الشو كيس، Showcase) من خلال نافذة المهرجان، كذلك لتوانيا البلد هي ثقافة جديدة تملك من المقومات ما هو جدير بالتأمل.
قبل أن أصل إلى لتوانيا عرفت معلومة مهمة، المهرجان لا يقام في العاصمة فيلينوس، بل في مدينة نائية عن العاصمة، تبعد حوالي أربع ساعات عنها بالسيارة، تدعى كلايبيدا، وأن المهرجان كله سيقام على مسرح الدراما في كلايبيدا، فما حكاية كلايبيدا هذه وما حكاية مسرح الدراما في كلايبيدا، أسئلة أولية بدأت تشغل البال.
كلايبيدا
تعد كلايبيدا ثالث مدينة على مستوى لتوانيا، والميناء الأهم فيها المطل على البحر البلطيقي، وأنا ألج شوارع المدينة ودروبها صرت أشخص البصر شمالا ويمينا أبحث عن معالمها، المدينة شبه خالية وهي غارقة في بحر من الخضرة الوارفة، الهدوء والصمت سمتان غالبتان على المدينة رغم سلاسل العمارات ذات الطرز المحددة والبعد الاجتماعي المحدد الذي تدرك العين مرجعيته من أول وهلة، هل هي مدينة بكل معنى الكلمة؟ بدت لي هي أقرب إلى القرية الريفية، وفي أحسن الأحوال يمكن أن نطلق عليها مدينة القرية، أو قرية المدينة، أما مركز المدينة فهو يتمحور حول الميناء ومصب نهر «نيمان» في البحر، أروع ما في المدينة ضفاف النهر، رغم محدودية المساحة، هي العامرة بالمقاهي والمطاعم والحدائق والإبداعات الفنية، حيث تشكل المركز الحيوي للمدينة.
عدد سكان المدينة في أعلى تقدير لا يزيد عن 400 ألف نسمة، وقد عللت كرستينا زيوجيت -رئيسة المهرجان- فراغ المدينة ومحدودية عدد السكان بأن المدينة في تاريخها الحديث كلما عُمرت يأتي احتلال خارجي يُعيدها إلى نقطة الصفر، ويُهجر السكان منها، مثلما فعل الاحتلال الألماني والروسي، وإنّ جُل من هم هنا اليوم هم من الوافدين الجُدد عليها، وتعد كرستينا أن المدينة الآن في طور إعادة التأسيس واستقطاب السكان لها من جديد، ولعل هذا النشاط المسرحي عنصر من عناصر إعادة الألق لها.
إذا هل مدينة بتلك المعطيات جديرة بمهرجان مسرحي يدعى له النقاد من دول العالم؟ فأقصى ما توقعته أن يكون لديهم مسرح بسيط الإمكانيات بالكاد يفي بالغرض، حتى كانت المفاجأة الكبرى عندما وجدت نفسي أمام صرح شامخ كتب عليه «مسرح الدراما في كلايبيدا»، نصفه الأساسي مبني على الطرز القديمة في غاية الأبهة الكلاسيكية ونصفه الآخر على أحدث طراز معماري زجاجي الجدران.
عندما قابلت مدير المهرجان الفنان المخرج «توماس جوكايس» وهو أيضا مدير المسرح -رجل في غاية اللطف والكياسة- أخبرني أن رحلته مع هذا المسرح بدأت منذ سبع سنوات مع إعادة ترميمه وبناء الجزء الحديث منه، وأن هذا الصرح يضم ثلاثة مسارح بالإضافة إلى القاعات وصالات المعارض الفنية، المسرح الكبير يستوعب 400 متفرج، والمتوسط 150 متفرجا، والصغير 80 متفرجا، يوفر المسرح المكان المناسب للعروض حسب نوعها ومتطلباتها الفنية، فعدد الفرق الفنية في لتوانيا يزيد عن المائة فرقة، العديد منها يأتي للعرض في كلايبيدا سواء في المهرجان أو المواسم المسرحية الأخرى. بدا تومس فخورا بإنجازه على مستوى المهرجان والصرح المسرحي، مشيرا إلى أن الدعم المادي يأتي جزئيا من قبل الدولة، وجزء آخر يأتي من الرعاة المهتمين بالإضافة إلى شباك التذاكر، وعن نوعية العروض التي يتبناها المسرح في كلايبيدا أكد أن المسرح مفتوح لمختلف التجارب والنتاجات المسرحية دون تدخل في توجهات ما يُقدم عليه.
المهرجان يقام هذا العام في دورته السابعة، وواضح نضج اللجنة المنظمة في إدارته بسلاسة وكفاءة، ولعل أروع ما في التنظيم تلك العفوية التي توارت خلفها الدقة والصرامة، حرص المنظمون على بث روح الصداقة والألفة رغم أن موضوع الحرب الروسية الأوكرانية ألقى بظلاله على المهرجان، إذ حضر عدد من الفنانين الأوكرانيين ومن الدول المجاورة لأوكرانيا والمناصرة لها بشدة، على أي حال يمكن للمرء منا أن يفسر حتى عنوان هذه الدورة في هذا السياق، THE BRIGHT SIDE OF DARKNESS، واجتهدت في ترجمته على النحو الآتي: الجانب المشرق من العتمة.
في كلمته الافتتاحية بدا مدير المهرجان معتزا بما تم إنجازه وبتغلبه -مع زملائه- على العديد من العقبات والتحديات التي واجهتهم خلال السنوات السبع الماضية، خاصة أنهم في مراحل معينة كانوا يجدون أنفسهم أحيانا بلا ميزانية ولا مؤازرة من أحد، اليوم هم ينظرون بثقة إلى المستقبل، وقد حقق المهرجان نجاحات باهرة أثلجت صدر محبي المسرح وعززت مكانة المدينة ومسرحها الذي أصبح يعرف بأنه مسرح محرض محرك للأحداث متقدم حداثي يمضي بخطى ثابتة نحو المستقبل. مضيفا: اليوم، عندما تحيط العتمة العالم كله نحن لا نبصر إلا طريقا واحدا للخلاص: أن نمضي قدما نحو النور. إن تغيير العالم أمر صعب جدا ولكن هذا لا يجعلنا نتقاعس، نحن نبث الإيمان في انتصار الخير دائما. اعتدت في المهرجانات في الدول الغربية أن أمثل اختلافا عرقيا وعقائديا، بما يعنيه ذلك من اختلاف الثقافات والمرجعيات، إلا أن في هذا المهرجان كان لدي زميل ضيف من باكستان، ممثل ومخرج سينمائي ومسرحي، سهيل مالك، رغم أنه في أواسط السبعينيات من العمر إلا أنه رياضي في منتهى الرشاقة والطاقة وخفة الحركة ناهيك عن خفة الروح، رجل أقل ما يقال عنه إنه اجتماعي من الطراز الأول، منفتح على الجميع، مرن بالتداخل معهم متجاوزا كل ما يمكن أن يكون صادا أو مانعا، فكان هو الأقرب لي تآلفا وتنسيقا في حضور مشترك للفاعليات ومناقشة العروض وتداعياتها على المستوى الفكري والجمالي، وكنا عادة ما نشكل فريقا واحدا في محاورة الآخرين، ولـسهيل تجربة تقديم عروض أزياء مميزة في الثمانينيات قدمها في فندق قصر البستان في مسقط، وما زال يتذكرها بكل اشتياق لمعاودة التجربة.رجل المقصف
أما أكثر المواقف التي هزتني من الأعماق، وأود أن أسجلها هنا هو رجل خدمة المرطبات في المسرح، حرصت إدارة المهرجان كبادرة طيبة منها أن تخصص لنا قاعة استقبال متسعة تجمعنا مع الفنانين الذين يقدمون العروض المسرحية، وكانت عادة ما تمتد المناقشات والسهرات في تلك القاعة إلى ساعات متأخرة من الليل، كانت تلك اللقاءات مساحة أخرى للتواصل العفوي بين الضيوف مع بعضهم وبينهم وبين الفنانين المقدمين للعروض، في ركن من تلك القاعة وضعت أرفف وثلاجة بوصفها مقصفا لتقديم المرطبات والمشروبات للضيوف، في قلب هذا المقصف وقف رجل مربوع القامة مبتسما دائما يخدم الزبائن بهمة، اقتربت منه في اليوم الأول طلبت منه قنينة ماء سألت إن كان عليّ أن أدفع ثمن القنينة، أجاب إن الثمن مدفوع من قبل إدارة المهرجان، في المرة التالية طلبت عصيرا، وقد أحرجت من تواضع الرجل وحرصه على تقديم الخدمة بإتقان يشوبه بعض التردد والوجل، قلت في نفسي إن الرجل يستحق أن أقدم له مبلغا بسيطا مقابل خدماته تحيةً مني وتقديرا، ولكن الأمر الذي استوقفني هو تساؤلي إن كان تصرفي هذا سيكون مقبولا في العرف الاجتماعي اللتواني، أم سيكون له تفسير آخر غير محمود؟ خاصةً وأنني لم أر أيًّا من الضيوف يقوم بذلك، وأن الرجل نفسه لم يتوقع من أحد ذلك، فقلت ليس أقل من أن أجامله بالتحية والتحدث معه، ومن خلال حديثي معه فوجئت أن الرجل أحد مديري شركة كبرى في أعمال المقاولات الإنشائية، وأنه تطوع بهذا العمل خدمة للمسرح والمسرحيين، وعندما أخبرته أني من سلطنة عمان وحاولت أن أشرح له أين تقع، أجابني: نعم أعرف سلطنة عمان وقد نفذنا -من خلال شركتنا- بعض المشروعات هناك، وأن أخي قد زار سلطنة عمان مرات عدة وحدثني عنها كثيرا، فرح بي الرجل عندما عرف أنني من سلطنة عمان، وفرحت برجل بهذا التواضع يؤدي عملا بسيطا عشقا في المسرح، وبرجل يعرف بلادي جيدا.
تلك هي الأجواء التي انطلقت فيها عروض المهرجان التي سأتحدث عن نخبة منها في مقال لاحق، لا سيما تلك العروض التي استقطبتني بما قدمته من أطروحات وتجليات فنية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: سلطنة عمان
إقرأ أيضاً:
ملحوظات تمهيدية حول «مقعد على الرَّصيف»
عنوان الكتاب الكامل هو (مقعد على الرصيف: مسرح الشارع فـي دول مجلس التعاون الخليجي واليمن)، تأليف علاء الجابر. صدرت الطبعة الأولى فـي القاهرة عام 2023م، والحقوق جميعها محفوظة للمؤلف. على غلاف الكتاب الأمامي والخلفـي صورتان مأخوذتان من عروض مهرجان سندان لمسرح الشارع بالتعاون مع فرقة مسرح الدن للثقافة والفن الذي أقيم على أرض سلطنة عمان فـي عام 2022م
تنبع أهمية الكتاب من منطلقين: الأول عنايته بتناول ظاهرة مسرح الشارع كإشكالية مجتمعية ومؤسساتية ومَدنيّة ثقافـيّة فـي دول مجلس التعاون الخليجي. فالقارئ للعنوان سيسأل نفسه: هل هناك مسرح للشارع حقيقي له حضوره وتأثيره ومنطلقاته الفكرية وفرقه وممثلوه ومهرجانه فـي مجتمعات الخليج؟ أما المنطلق الثاني فهو اعتناؤه باليمن تحديدا للقرب الجغرافـي، بسبب الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي يمر بها اليمن لم تترعرع ظاهرة مسرح الشارع وتستمر. عدد صفحات الكتاب مائة صفحة تشمل (المصادر، المراجع، البحوث والمقالات، والحوارات)، وتضمنت الصفحات أيضًا الإهداء، والشكر والتقدير.
ينطلق الجابر لمناقشة (مسرح الشارع... إشكالية المصطلح) من جملة بعض الآراء المعرّفة لهذا الفعل، فـيقف عند تعريف كل من: (الويكيبيديا، والمعجم المسرحي مفاهيم ومصطلحات المسرح وفنون العرض لمؤلفتيه د. ماري إلياس و د. حنان قصاب حسن، الصادر عن مكتبة لبنان ناشرون 1997م، وتعريف د. بشار عليوي فـي كتابه أنطولوجيا مسرح الشارع، الصادر عن دار ابن النفـيس بالأردن، وتعريف الباحث حسام الدين مُسعد فـي بحث له منشور على موقع الأنطولوجيا، بعنوان «إشكالية الظواهر الدرامية والمسرح فـي التأصيل لقالب عربي لمسرح الشارع»، وبعد استقراء تعريفات المُشار إليهم يَخلص علاء الجابر إلى تقديم تعريف لمسرح الشارع ألزم نفسه به فـي تحليله للعروض التي شاهدها عن طريق تسجيلات مرئية على موقع الهيئة العربية للمسرح، وموقع د. سيد علي إسماعيل، وموقع اتحاد الحيل (يوتيوب)؛ عروض نسبت إلى نفسها إنها عروض مسرح شارع.
إن مسرح الشارع هو «شكل من أشكال العرض المسرحي، يُقدم فـي الأماكن العامة خارج نطاق عمارة المسرح يعتمد على كسر الإيهام. وقد يكون مرتجلا أحيانا ينحو للمباشرة غالبا ليناسب المستويات جميعها، فلا يَحتمل التشفـير أو الترميز بسبب تباين فئات الجمهور من حيث السِّن والجنس والطبقة الاجتماعية والمستوى التعليمي والفكري. يُمكن لمسرح الشارع أن يَجمع بين عِدة فنون أدائية، لكنّه لا يَعتمد -غالبا- على التقنيات، ويُستبدل فـيه الديكور بالإكسسوار لسهولة التنقل، ويكون فـيه العرض مجانيا لجمهور عشوائي بمواضيع تُمثل الهَمّ اليومي المجتمعيّ العَام، ويتم فـيه التلقيّ بمشاركة تفاعلية مع العرض بما قد يَتفق أو يُغير مسار بنية العرض أحيانا- ص 17».
يكتب المؤلف على ظهر غلاف الكتاب التالي: «نحاول عبر هذه الدراسة أن نقوم بقراءة المشهد المسرحي لدول مجلس التعاون واليمن فـي ظل تجارب مسرحية لا تلقى الاهتمام الكافـي من قبل وسائل الإعلام والمؤسسات المسرحية، سعيا منا للوقوف على طبيعة العلاقة بين تلك الدول ومسرح الشارع. فهل هي تجارب محدودة المستوى والأثر؟ أم أنها تعاني التداخل بين المسرح فـي الشارع ومسرح الشارع؟ وما علاقة تلك التجارب بالمؤسسات المعنية فـي المسرح والعاملين فـي المجال المسرحي؟ وما طبيعة التفاعل بين الجمهور ومسرح الشارع فـي تلك الدول؟
إن سعي الجابر إلى إجابة الأسئلة الوجيهة التي طرحها تصب فـي الجدل الحاصل فـي وجود هذا الاصطلاح، فبين باحثين مسرحيين ونقادا عرب ينفون وجوده، يذهب غيرهم إلى إثبات العكس. وبعد انتشار المهرجانات الكثيرة فـي مجتمعات الخليج ووجود مهرجانات لها وزنها الكبير فـي المنطقة، مع ظهور مهرجان الدن لمسرح الشارع فـي مسقط، صار السؤال ضروريًا. وهذا ما حاول الجابر إجابته، وهل صمدت التجارب التي استقرأها أمام تعريفه المذكور آنفا؟
يرى الجابر أن مسرح الشارع فـي دول مجلس التعاون الخليجي بمفهومه الاصطلاحي والعلمي غُيّب فـي دول المنطقة، وعزوا ذلك إلى نقاط عدة تحتاج حسب تقديري إلى نقاش ومنها مثلا: -
إن النجوم من الفنّانين المسرحيين أو الصف الثاني أو الثالث لا يمكن مشاركتهم فـي هذا النوع؛ لأن مجانية مسرح الشارع لا تُشجع على التعامل معه. الطبيعة التفاعلية لمسرح الشارع تتطلّب وضعا خاصا لا يتوفر فـي دول المنطقة.
استقرار الحالة الاقتصادية والوضع السياسي فـي مجمل دول المجلس يجعل التعاطي مع الهموم العامة مختلفا عن التعاطي معه فـي الوطن العربي.
طبيعة الجمهور فـي دول الخليج لا يتفاعل مع معطيات ما يحدث فـي الشارع، فالتشابك أو التداخل مع الجمهور والبرامج التي تتطلّب لقاءات مباشرة ستكون شبه مستحيلة.
تباين الجمهور فـي أغلب دول مجلس التعاون بين جنسيات مختلفة يجعل وصول عرض مسرح الشارع صعبا؛ نظرا لاختلاف اللغة والتباين الثقافـي والطبقي واختلاف اهتمامات المغتربين عن قضايا المواطنين.
ثم يستعرض الجابر تاريخيا مسارات المسرح فـي دول الخليج على نحو تاريخي، بداية مع المسرح فـي المدارس والأندية والمعاهد والكليات والجامعات، مشيرًا أيضا إلى معرفتها بأنواع المسارح المختلف الاتجاهات والتيارات. ويؤكد من خلاله قربه من الحركة المسرحية فـي دولة الكويت أن عروض مسرح الشارع غابت عن الخريطة المسرحية الكويتية بشكل تام. وفـي دولة الإمارات العربية المتحدة مسترشدا بمقابلات شخصية وحوارات مع مسرحيين (عمر غباش، ناجي الحاي) اللذَّين أكدا أن مسرح «الساحة» وليس مسرح «الشارع» كان الأكثر انتشارا فـيها. أما فـي مملكة البحرين فالحال فـيه لا يختلف كثيرا عن حال الكويت والإمارات. فالباحثان (يوسف الحمدان وخالد الرويعي) ينفـيان وجود مسرح الشارع بالمعنى الحقيقي والاصطلاحي، ويقف الجابر عند مسرح الشارع فـي المملكة العربية السعودية، فقُدمت فـي عام 2014م ثلاث مسرحيات سعودية هي: (حارة لبش، ومجلس الحارة، والأصحاب فـي حوسة)، وبالبحث عن كل ما كُتب عنها، والتي صنفت بأنها مسرح شارع، يجد الجابر أن الخبر ذاته يؤكد أنها مسرحيات لا علاقة لها بمسرح الشارع، وإنما هي مسرحيات أقيمت فـي الهواء الطلق.
ثم يتوقف عند مسرح الشارع فـي سلطنة عمان، وبعد الاستناد إلى آراء المسرحيين (هلال البادي، وآمنة الربيع) ومشاهدة العروض مرئيا، يستنتج أن «مسرحًا فـي الشارع»، وليس «مسرح الشارع» هو ما قدمته مهرجانات فرقة الدَّن المسرحية منذ انطلاق الدورة الأولى عام 2015م، وليس انتهاء بدورة عام 2022م. وتطرق الجابر كذلك إلى توصيات لجان تحكيم المسرحيات فـي عام 2016م- (6) عروض، وفـي عام 2018م (5) عروض، بينما شهد عام 2019م مسرحيتين، وفـي عام 2021م مسرحية، وفـي مطلع عام 2022م ضم معرض مسقط الدولي للكتاب عروضا لمسرح الشارع بلغ عددها (3) هي: (الليالي السوداء، وألوان الطيف، ولمن؟) وأُتيح لي شخصيًا مشاهدتها، ووجدتها تفتقر إلى المفهوم العلمي لمسرح الشارع. وبالنسبة إلى مسرح الشارع فـي قطر فـيؤكد د. حسن رشيد «لا وجود لمسرح الشارع فـيها». وحول مسرح الشارع فـي الجمهورية اليمنية، وهي إحدى ميزات هذا الكتاب، يشير علاء الجابر إلى أن أول مسرحية قام بها ممثلون يمنيون كانت مسرحية يوليوس قيصر لشكسبير، وعُرِضَت فـي عدن عام 1910م. ينقل الجابر المعلومة من كتاب (سبعون عاما من المسرح فـي اليمن) للمؤلف (بشير سعيد عولقي)، وقيمة المعلومة تنبع من ريادة وأسبقية ظهور المسرح فـي اليمن قبل معرفته فـي دول مجلس التعاون الخليجي. أمّا ما يتعلق بمسرح الشارع، فإن عام 2000م ظهرت فـيه أول تجربة لمسرح الشارع فـي مدينة (تعزّ) على يد مؤسسيها الرباعي؛ (فكري قاسم، وعبدالكريم مهدي، وعمر ذبيان، وعبدالكريم الشعاني)، وكان اسم العرض هو (مذيع فـي ورطة).
فـي الختام يعد الكتاب محاولة تأسيسية لاستقراء حال مسرح الشارع فـي دول مجلس التعاون الخليجي، وأن ما تناوله الجابر من أسباب تُغيّب مسرح الشارع فـي دول الخليج، فـي رأي ملحوظات تمهيدية وبنيوية تتطلب قراءة نقدية، وهو ما التفتَ إليه علاء فـي استنتاجات يصل عددها إلى عشر نقاط مهمة للغاية، ستفتح بلا شك النقاش حول الكتاب، وتحتاج كما يقول فـي الصفحة تسعين إلى «تكاتف ودعم علمي ولوجستي ومادي حقيقي من قبل المؤسسات العاملة فـي هذا المجال فـي منظومة تلك الدول لترسيخ هذه التجارب واستمرارها كنشاط تفاعلي...إلخ».