ليوناردو دينى يكتب: التخلص من «الدولرة» (2).. كيفية إضفاء الطابع الديمقراطى على الاقتصاد العالمى
تاريخ النشر: 20th, August 2023 GMT
فى ٢٤ أبريل ٢٠٢٣، حذر جوزيف سوليفان فى مقال نشر فى مجلة فورين بوليسى من أن «عملة بريكس يمكن أن تهز هيمنة الدولار ومن وجهة نظره فإن الأمريكى بول كروجمان أحد أشهر الاقتصاديين العالميين غير محايد بشأن هذا الموضوع إذ أنه يقول إنه ضد فكرة إزالة الدولار التى يراها غير واقعية وغير قابلة للتحقيق على المدى القصير.
ولذلك فهو يعلن على حسابه على Twitter أن إرادة بعض الدول لاستبدال الدولار تبدو مستحيلة لأن الأسواق الدولية تعمل للمعاملات الخاصة وبالتالى لا تستطيع الدول تغيير إرادة رواد الأعمال والمشتغلين فى القطاع الخاص وأيضًا لأنه لا توجد عملة اليوم قادرة على أن تحل محل الدولار وبالتالى إذا فشل الدولار فسيخلق هذا فراغا فى القوة المالية يصعب شغله.
ويرى كروجمان أن الرنمينبى الصينى ليس فقط عاجزا عن أن يحل محل الدولار ذلك أنها عملة خاضعة لسيطرة الدولة وليس اقتصاد سوق وأخيرًا لا يرى كروجمان اقتصادًا عالميًا بدون دولار من الناحية العملية فهذا من شأنه أن يخلق فوضى من اقتصادات محلية صغيرة بدلًا من اقتصاد عالمى من التبادلات والأسواق.
وعلى وجه الخصوص؛ يقول كروجمان: «إن الخطر الناجم عن العجز فى السداد لا يتمثل إلا فى وجود عملة جديدة يكون لها الدور الرئيسى الذى يلعبه الدولار فى عالم الأوراق المالية»، ولكن «ليس هناك عملة تقوم بهذا الدور» وبالتالى فإن «النظام المالى والأسواق سوف تضطرب بسبب الافتقار إلى الأصول الآمنة والسيولة النقدية».
ومن المفارقات أن هذا الوضع لن يؤدى فقط إلى تفضيل عملة تقدم نفسها كبديل للدولار بل إلى ولادة سوق عالمية حرة اعترفت بها الولايات المتحدة أخيرا ولكن مع ولادة عملة مشفرة، ولم يكن بإمكان الانقلاب على المسرح النقدى العالمى إنشاء عملة عالمية تقليدية فقط بل عملة بريكس أو عملة افتراضية غير منحازة ومناهضة للدولار.
فى هذا الصدد، نتذكر عملة جنوب أفريقيا الراند التى تتوافق مع اقتصاد ناشئ مدعم باحتياطيات كبيرة من الذهب والماس وأيضا نتذكر عملة البرازيل الريال التى تعتبر عملة اقتصاد المستقبل، فى بلد يتمتع بموارد طبيعية كبيرة ويمكنه استخدام عملته بدلًا من الدولار كعملة للمعاملات فى قارة أمريكا الجنوبية.
وعلى الجانب الآخر نجد الهند فى تطور اقتصادى كامل مما يعزز عملتها الروبية فهى تلعب دورًا محوريا فى شبه القارة الهندية. كما تمكنت روسيا أيضًا من تحمل العقوبات فلم تنخفض قيمة الروبل كما تزامن الرنمينبى الصينى مع تمويل متطور وتصنيع متطور على الطراز الشرقى «صنع فى شنغهاي».
وهناك أيضا احتمال آخر غير مسبوق ألا وهو أن البريكس لا يمكنها استخدام عملة واحدة ولكن استخدام العملات البريكس الخاصة بها كبديل للدولار ولكن فقط فى مناطق نفوذها الاقتصادى: منطقة أفريقيا وجنوب أفريقيا ومنطقة شرق آسيا للصين؛ منطقة أوراسيا لروسيا ومنطقة غرب آسيا ومنطقة الشرق الأوسط للهند ومنطقة أمريكا الجنوبية والبرازيل.
لهذه الاستراتيجية يمكننا أيضا إضافة ثلاثة لاعبين آخرين مرشحين ليكونوا جزءًا من مجموعة البريكس: تركيا والإمارات والأرجنتين. بهذه الطريقة وبدرجة من المرونة المالية والاقتصادية ستوزع دول البريكس قوتها فى جميع أنحاء العالم مع تجنب المواجهة المباشرة على المستويين الاقتصادى والسياسى مع الغرب وأوروبا والولايات المتحدة.
دعونا نعود إلى منطق كروجمان السخيف: إذ نجده يجادل أيضا فى مقالته بتاريخ ٢ مايو ٢٠٢٣، بعنوان: «ما الذى يدفع الدولار إلى الهلاك؟» أن «القوة العالمية للدولار ليست فى خطر»، وأن «اليوان الصينى ليس بديلًا صالحًا ومنافسًا للدولار"؛ وأن «أنباء انهيار دولار مبالغ فيها إلى حد كبير» (فى أوقات الأزمات المشتركة للدولار والروبل واليورو الهش سيبقى الجنيه الإسترلينى والرينمينبى فقط يتنافسان على الأسواق العالمية، فى سيناريو أزمة عالمية غير متوقعة.
لذلك، وحسبما يرى كروجمان فإن إلغاء الدولرة حتى ولو جزئيًا أمرا محكوما عليه بالفشل، لكن أفكار كروجمان قوبلت بالرفض من جانب الاقتصادى مايكل هدسون الذى اتهمه بالجهل.
وجهة نظر مايكل هدسون البديلة لإلغاء الدولار
تحدث خبير اقتصادى أمريكى آخر أهل للثقة وهو مايكل هدسون وضع كتاب فى عام ١٩٧٢ يتحدث فيه عن الاستراتيجية الاقتصادية للإمبراطورية الأمريكية فهو على عكس كروجمان، الذى اتهمه باللامبالاة وضعف الرؤية تجاه العمليات الاقتصادية والمالية الجارية على المستوى العالمى.
دعونا نضيف أن العاملين فى الأسواق الدولية وأقوى الفاعلين الأشد تأثيرا غالبًا ما يكونوا من الشرق: العرب والأتراك والصينيون والآسيويون والكوريون الجنوبيون والهنود والإماراتيون... وجميعهم مستقلون فى قراراتهم المالية، وهم ليسوا بالضرورة داعمين لهيمنة الدولار أو الجنيه أو اليورو، أى أنهم ليسوا موالين للغرب.
من وجهة نظر مايكل هدسون الأستاذ بمعهد دراسات الاتجاهات الاقتصادية طويلة المدى، فإن أطروحات كروجمان لا أساس لها من الصحة، بل إنها عين الجهل، إذ تتجاهل الديناميكيات المتطورة للأسواق المالية الدولية.
كما أن عالمة الاقتصاد السياسى راديكا ديساى الأستاذ بجامعة مانيتوبا بكندا ومؤلفة كتاب «الاقتصاد الجيوسياسي». تقول ديساى «إن نزع الدولار آخذ فى الانتشار وليس من الصعب رؤيته». ولذلك يدافع كل من هدسون وديساى عن إمكانية نزع الدولار.
آراء علماء الاقتصاد
يرى ماسيمو جينتيلى، الرئيس التنفيذى السابق لشركة Erikkson Europe والمدير العام لشركة Erikkson Italy أن «أمريكا لن تتخلى أبدًا عن امتيازها الباهظ الذى يمنحه أياها استخدام العالم للدولار». ويقول جينتيلى، «يمكن لوزارة الخزانة الأمريكية طباعة كل الدولارات التى تريدها، وبالتالى لن تتخلى الولايات المتحدة أبدًا عن ميزة الدولار باعتباره العملة الاحتياطية العالمية الوحيدة فى المعاملات».
ويضيف جينتيلى أن «الصين اشترت كمية ضخمة من الدولارات التى هى موجودة حاليًا فى خزائن الحكومة الصينية»، لذلك «فليس لدى الصين أى نية لاستبدال استخدام الدولار باليوان رينمبي». وحسبما يرى الاقتصادى البارز الإيطالى،» احتمال إيجاد بديل للدولار من عملة عالمية واحدة مرتبطة بصندوق النقد الدولى والبنك الدولى والأمم المتحدة ستظل فكرة أقرب لليوتوبيا».
وجهة نظر روسية
صرح أندريه كوستين رئيس بنك VTB فى موسكو عام ٢٠١٩ لإحدى الصحف المالية الأوروبية: «بدأت روسيا فى إزالة الدولار. إذ تتزايد التجارة مع الدول الأجنبية مع أوروبا والصين ودول البريكس بالروبل والرنمينبى واليورو بنسبة أكثر من ٥٠٪».
وقد انخفضت حصة الأصول الدولارية فى الاحتياطيات الروسية. ولتسهيل المدفوعات دون استخدام عملة أمريكا الشمالية، طورت روسيا منذ سنوات نظام الرسائل المالية SPFS وهو ما يعادل CIPS الصينية كبديل لنظام Swift الأوروبى. هذا الفكر الروسى يتعارض مع النظام العالمى الذى يعمل بالدولار على مستوى التبادل التجارى بين الدول وليس على مستوى الأفراد.
الخلاصة
إن النظام الاقتصادى العالمى لديه أيضًا بديل آخر: يمكن أن نتحدث عن نظام مالى دولى لا توجد فيه أى عملة تُستخدم كعملة احتياطية عالمية. وهكذا ما بين القدرة الصينية وواقعية السياسة العالمية الصينية، يمكن تلخيص الواقعية الصينية البراجماتية بأنها «قيصرية» أى امبريالية تلك الواقعية البراجماتية الصينية التى ينهض بها الرينمينبى والتى أوشكت أن تعمل جنبًا إلى جنب مع عملة الضمان العالمية لبريكس وهى عملة من الدرجة الثانية للعملة الافتراضية الناشئة الجديدة لبريكس.
يمكن لدول البريكس نفسها أيضًا استخدام تقنية سلة العملات كبديل لها بهذه الطريقة: المتوسط المرجح لقيمة عملات دول البريكس، والذى سيصبح مكافئًا لقيمة الوحدة المشتركة للعملة الافتراضية الجديدة، التى تستخدمها دول البريكس نفسها. ولكن لا الدول ولا دول البريكس هى التى تقرر كل شيء.
فالمفاجأة الحقيقية والتى تنبأ بها كروجمان الحائز على جائزة نوبل هى أن البنوك المركزية ليست هى صاحبة القرار الحاسم، بل شركات الاستثمارات الخاصة الدولية: إنه العبور من عالم البنوك والشركات متعددة الجنسيات إلى عالم الاستثمارات الشخصية الخاصة فى الأسواق المعولمة.
لذلك، ربما من يقوم بتقرير مصير الدولار هم المستثمرون الجدد من القطاعين الخاص والعام (الهنود، أمريكا الجنوبية، العرب، الأفارقة، الآسيويين) الذين هم الأبطال الجدد فى الأسواق الدولية والتى وبشكل غير مفاجئ تزامنت مع دول البريكس وحلفائهم.
باستقراء التاريخ نجد أنه لا يوجد عملة استطاعت أن تكتب لنفسها البقاء والاستمرار إلى مدى غير مسمى ٠ دراخما اليونان القديمة، سيسترسس روما القديمة، عملات بيزنطة، فلورنسا فلورين، العملة الهولندية فى ١٦٠٠، الفرنك فى ١٧٠٠، الجنيه الإسترلينى فى ١٨٠٠، أخيرًا الدولار، كلهم كان لديهم بداية وذروة وانحدار.
لا يزال الجنيه الإسترلينى موجودًا، لكن الإمبراطورية البريطانية التى انتشرت وكانت قوية فى العالم لم تعد موجودة. لذا فإن الدولار سيوجد غدًا ولكن النظام الدولى بقيادة الولايات المتحدة لن يكون موجودًا كما أن واشنطن المستوحاة من الإمبراطورية الرومانية القديمة لن تكون موجودة.
سيشهد المستقبل أبعاد جديدة للاقتصاد المالى وكذلك أبطال جدد، مثل العملات المشفرة والعملات الافتراضية. وبالتالى، فإن ظهور فرضية جديدة غير مسبوقة أمر ممكن: عملة عالمية واحدة ربما تكون مرتبطة بالأمم المتحدة أو صندوق النقد الدولى أو البنك الدولى، ولكن وللمفارقة لن تكون مرتبطة بالدولار، ولا بالولايات المتحدة.
ولكن سيتم إنشاؤها على أساس التوازنات الاقتصادية الجيوسياسية الجديدة، وبالتالى ستكون مرتبطة بالعملة الافتراضية التى سيتم إنشاؤها من قبل البريكس والعالم متعدد الأقطاب الذى تحرك فى توازن تجاه الجنوب والشرق: العالم الناشئ جيوسياسيًا.
وبالتالى لن تكون نقطة الوصول هى عملة ما بعد الدولار ولكن فى ولادة واحتمال وجود فرضية لعملة عالمية واحدة. حتى «العملة» الحقيقية التى لها قيمة مماثلة لهذه العملة العالمية الموحدة كانت موجودة بالفعل فى العصور القديمة وكانت تساوى قيمة الذهب أى أن قيمة العملات كانت تعادل القيمة النقدية للذهب.
لذلك يبدو أن الطريق محدد ويتجه نحو التوحيد التدريجى للأسواق والأنظمة المالية الدولية. ومع ذلك، فإن الخلاف العالمى الحالى بين اقتصاديى الصين وأمريكا والذى يسبق التوحيد النقدى المستقبلى المحتمل، يؤدى إلى حتمية نهائية: إذا كان الأمريكيون على حق فى الدفاع عن اقتصاد السوق المرتبط بـعالم الديمقراطيات الليبرالية.
وبالتالى للحرية الجماعية والفردية والحرية الاقتصادية والديمقراطية السياسية الليبرالية، فإن الصينيين ودول البريكس محقون أيضا فى الدفاع عن الطبيعة الديمقراطية للتوازنات الاقتصادية والتبادلات بين الدول ثم بين التكتلات المالية بين الدول وبين الشرق والغرب وبين نصف الكرة الشمالى والجنوبى من العالم.
كذلك فإن دول البريكس محقة فى الدفاع عن تعددية الأقطاب الدولية لا سيما من خلال إنشاء عملة البريكس.. لذلك من الضرورى الترويج لعالم لا تكون فيه الديمقراطية السياسية والديمقراطية المالية منفصلين بل متحدين فى خدمة الكوكب الذى ينتمى إليه الجميع.
معلومات عن الكاتب:
ليوناردو دينى مفكر وفيلسوف من أصل إيطالى.. كانت أطروحته للدكتوراة حول نظرية السياسة وفلسفة القانون، له العديد من الكتب والدراسات، كما كتب الرواية إلى جانب القصائد الفلسفية.. يستكمل وجهة نظره التى عرضها الأسبوع الماضى حول ما أطلق عليه «التخلص من الدولرة».
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: دول البریکس اقتصاد ا
إقرأ أيضاً:
رئيس الرقابة المالية: ثورة تشريعية وتنظيمية شاملة لتعزيز دور التأمين في الاقتصاد القومي
عقد الدكتور محمد فريد رئيس هيئة الرقابة المالية، حوار موسع مع لجنة التأمين بغرفة التجارة الأمريكية، خلال حفل الإفطار الجماعي الذي نظمته الغرفة، وذلك لاستعراض استراتيجية الهيئة وسياساتها الشاملة لتعزيز دور قطاع التأمين في الاقتصاد القومي، وما يتم من إجراءات وينفذ من خطط وبرامج لتطوير وتنمية القدرات التنافسية للقطاع، وذلك كله لتعزيز مستويات الاستقرار الكلي للقطاع والمؤسسات العاملة به وسد كافة الفجوات التنموية، وتسليط الضوء على قانون التأمين الموحد الصادر خلال العام الماضي والذي يعد بمثابة إطار قانوني موحد ومتكامل ينظم قطاع التأمين ويراعي كافة الممارسات والتطورات العالمية ويتكامل مع الأوليات الوطنية الإنمائية للحكومة المصرية.
شهد اللقاء مشاركة كبيرة وحضور مكثف من قبل كافة الشركات العاملة في أنشطة وأفرع التأمين المختلفة العاملة في السوق المصرية، والذي تضمن إلقاء الدكتور فريد كلمة رئيسية استعرض خلالها كافة التطورات وأحدث مؤشرات الأداء والمستهدفات التي تعطيها الهيئة أولوية خلال المرحلة المقبلة، فضلا عن تسليط الضوء على قانون التأمين الموحد، ثم جلسة نقاشية مصغرة وحوار أداره علاء الزهيري رئيس الاتحاد المصري للتأمين وكذلك هيثم طاهر نائب رئيس الاتحاد، ومن الهيئة محمد عياد مدير المركز الإعلامي والدكتور طارق سيف المدير التنفيذي لمعهد الخدمات المالية الذراع التدريبي للهيئة.
استهل الدكتور محمد فريد كلمته في اللقاء الموسّع، باستعراض فلسفة وأهداف قانون التأمين الموحد رقم 155 لسنة 2024 الذي يمثّل إطاراً تشريعياً جامعاً لأربعة قوانين كانت تنظم قطاع التأمين، موضحاً أن القانون راعي كافة التطورات والممارسات العالمية وجاء متكاملاً مع رؤية الدولة المصرية وأهدافها التنموية وبالأخص تعزيز مستويات الشمول التأميني، مشددا على الأهمية القصوى لتطوير نماذج الأعمال التقليدية التي لم تعد ذات جدوي في تحقيق المستهدفات المطلوبة والعمل على احداث تحول حقيقي في هذه النماذج لتعتمد أكثر على التكنولوجيا لإحراز التقدم المطلوب في القطاع وتحقيق أقصى استفادة ممكنة من القطاع في دعم الاقتصاد القومي.
وأشار إلى أن فلسفة القانون ومستهدفاته تدور حول تعزيز مستويات الاستقرار المالي لكافة الجهات العاملة في أنشطة التأمين ودعم جهود تحقيق الشمول التأميني عبر تسريع وتيرة التحول الرقمي، حيث تولي الهيئة أهمية كبيرة لتطوير وتنمية قطاع التأمين لتوسيع قاعدة المستفيدين من الخدمات التأمينية وذلك من خلال العمل في مسارات متعددة للتنمية والتطوير، رامية لتحسين مستويات الحوكمة وحماية حقوق حملة الوثائق.
ولذلك قامت الهيئة بتشكيل لجان متخصصة ومجموعات عمل من أجل إعداد وصياغة الضوابط والقرارات التنفيذية بما يتناسب مع متطلبات السوق واحتياجات القطاع، بالتوازي مع النهج المستمر بإجراء حوار مفتوح مع كافة الأطراف ذات الصلة للاستماع إلى آرائهم ومقترحاتهم لتعزيز الأثر التنموي للتشريع وتيسير وتسريع إنفاذ القرارات، بهدف تطوير وتنمية الأسواق المالية غير المصرفية وحماية حقوق كافة المتعاملين فيها.
وأوضح أن قانون التأمين الموحد يسهم في تعزيز جهود الشمول التأميني وتوسيع قاعدة المستفيدين من الخدمات التأمينية، بما يعود بالنفع على الاقتصاد القومي والناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
وفي هذا الصدد، شدد على استهداف القانون لتعزيز مساهمة التأمين في الناتج المحلي الإجمالي وزيادة قاعدة المستفيدين من خلال التأمينات الإجبارية، حيث استحدث القانون الجديد العديد من التأمينات الإجبارية، وسمح لمجلس إدارة الهيئة اقتراح مجموعة من التأمينات الإلزامية المناسبة للسوق المصرية وفقاً لدراسات فنية متخصصة ويصدر بها قرار من مجلس الوزراء وقد أفرد القانون أنواع من تلك التغطيات منها التأمين على الأصول الحكومية، والتأمين ضد مخاطر الطلاق، والتأمين ضد المخاطر الإلكترونية السيبرانية، وكذلك بعض وثائق المسئوليات المهنية، وجاري حالياً دراسة تلك التأمينات الإجبارية من أجل العمل على تطبيقها تدريجيا في المستقبل بالشكل الذي يخدم كافة الأطراف المعنية.
وأضاف أن إصدار القانون وتنفيذه يدعم جهود تحقيق نمو مُستدام ويعزز قدرة صناعة التأمين على اجتذاب مزيد من الاستثمارات ويوفر تغطيات تأمينية جديدة لمختلف أفراد المجتمع، مؤكداً عمل الهيئة دوماً على التأكد من أن قراراتها تسهم في تحقيق أثر وإضافة قيمة للقطاع وللاقتصاد المصري والمجتمع بشكل عام، وأنها تمكّن الأفراد من الاستفادة من الخدمات المالية غير المصرفية بما يساعدهم على تحقيق مستهدفاتهم وتحسين أحوالهم، من خلال الاستثمار في فئات أصول متنوعة.
أشار رئيس هيئة الرقابة المالية إلى وجود 39 شركة تأمين تخضع لرقابة وإشراف الهيئة بنهاية 2024، وتشمل 17 شركة للتأمين على الحياة، و22 شركة للتأمين على الممتلكات، بالإضافة إلى وجود 96 شركة وساطة تأمين و31 شركة لكشف وتقدير الأضرار، علاوة على 9 شركات للاستشارات.
وسلّط الضوء على ارتفاع إجمالي الأقساط المُحصّلة بنسبة 34.1% على أساس سنوي إلى 82.3 مليار جنيه مصري في السنة المالية المنتهية بيونيو 2024، مقابل 61.4 مليار جنيه في السنة المالية السابقة. وبالنسبة للتعويضات المُسددة، فقد بيّن أن إجمالي المطالبات المُسددة ارتفع بمقدار 34.2% على أساس سنوي إلى 36.7 مليار جنيه في السنة المالية المنتهية بيونيو 2024 بزيادة من 27.3% في العام المالي 2022/2023. وسجل إجمالي الاستثمارات 298.2 مليار جنيه في يونيو من العام الماضي مقابل 208.8 مليار جنيه في يونيو 2023.
وأكد الدكتور محمد فريد، على أهمية التأمين متناهي الصغر باعتباره آلية للتنمية الاقتصادية خاصة في ظل ما شهدته السنوات السابقة من تحديات عديدة سواء تلك الناشئة عن انتشار الجائحة، مروراً بالآثار الاقتصادية الناشئة عن المخاطر الجيوسياسية والارتفاع غير المسبوق في معدلات التضخم والمخاطر الطبيعية الناشئة عن التغيرات المناخية، مما يزيد من المسؤولية المُلقاة على عاتق شركات التأمين في إيجاد التغطيات التأمينية المناسبة وحماية الاقتصاد القومي والأفراد من تبعيات تلك المخاطر.
ونوّه بأن التأمين متناهي الصغر يعمل على زيادة معدلات الشمول التأميني من خلال توفير التغطيات التأمينية ضد المخاطر التي تتعرض لها المشروعات المتوسطة والصغيرة وكذا المشروعات متناهية الصغر واستهدفت شركات التأمين الوصول إلى شرائح مجتمعية من أصحاب الدخول المنخفضة من خلال إبرام تعاقدات مع مؤسسات وجمعيات التمويل متناهية الصغر لتقديم الحماية التأمينية ضد أخطار الوفاة والعجز للحاصلين على تمويلات صغيرة ومتناهية الصغر.
وفي سياق الدور المنوط بالهيئة العامة للرقابة المالية المتمثل في الإشراف والرقابة على الأسواق والأدوات المالية غير المصرفية، وخاصة العمل على إصدار القواعد واللوائح اللازمة لتعزيز قدرات قطاع التأمين وزيادة مساهمته في الاقتصاد القومي؛ تنفيذاً واتساقاً مع أحكام مواد قانون التأمين الموحد، سلّط الدكتور فريد الضوء على إصدار مجلس إدارة الهيئة القرار رقم 196 لسنة 2024، الذي حدد الحد الأدنى لرأسمال شركات التأمين متناهي الصغر بقيمة 40 مليون جنيه.
وشدد رئيس هيئة الرقابة المالية على أهمية رقمنة شركات التأمين للمعاملات المالية، لأنه لا يمكن للشركات تحقيق الشمول التأميني والوصول إلى العملاء من دون التحول الرقمي والتطبيقات التكنولوجية، موضحاً أن التطور التكنولوجي يفرض تحديات ومسؤوليات على الجهات الرقابية لحماية حقوق المتعاملين واستقرار واستدامة النشاط، مؤكداً أنه في الوقت نفسه، هناك أهمية قصوى للتكنولوجيا المالية في تحقيق مستويات أكبر من الشمول المالي، مشدداً أنه بدون التكنولوجيا ستكون جهود الشمول التأميني ضرب من الخيال.
وأضاف أن الرقابة المالية ماضية في إصدار حزمة من القرارات واللوائح بما يسهم في تعزيز قدرات القطاع وتوسيع قاعدة المستفيدين، فضلاً عن استحداث منتجات وتغطيات جديدة متطورة؛ إنفاذاً للقانون وتلبية للاحتياجات المتطورة لقطاع الأعمال والأفراد المختلفة. وذكر أن الفترة المقبلة ستشهد أيضاً استحداث العديد من المنتجات التأمينية فيما يتعلق بصناديق التأمين الخاصة وخاصة في القطاع الخاص.
ولفت الدكتور فريد إلى حرص الهيئة على التواصل باستمرار مع السوق وأنها تتخذ إجراءاتها وقراراتها في سياق المناقشات التي تجريها مع كافة أطراف السوق، وبالتزامن مع الاطلاع على الممارسات الدولية في هذا الصدد.
وخلال اللقاء أعلنت سيلفيا منسى، الرئيس التنفيذي لغرفة التجارة الأمريكية بالقاهرة، عن قرب الانتهاء من المتطلبات الخاصة بعقد شراكة بين الغرفة ومعهد الخدمات المالية الذراع التدريبي للهيئة وذلك بشأن إعداد وتقديم برنامج تدريبي لتنمية قدرات المهنين في القطاع المالي غير المصرفي.