لجريدة عمان:
2025-04-26@10:24:58 GMT

حِجاج النماذج

تاريخ النشر: 20th, August 2023 GMT

نشرت مؤخرا دراسة تقترح إعادة النظر في عمر الكون، وقد حظت الدراسة التي نشرت في دورية تصدرها الجمعية الفلكية الملكية بلندن بتغطية إعلامية واسعة، إذ افترضت أن عمر الكون قد يصل إلى قرابة 26.7 مليار سنة، وهو رقم مهول يقارب ضعف العمر الذي يفترضه النموذج السائد في الأوساط البحثية لعلم الكون، أي 13.8 مليار سنة تقريبا، وإذ تقترح الدراسة حل ما يبدو أنه تعارض بين الأدلة الجديدة التي زودتنا بها أحدث تكنولوجيا الرصد الفضائي وبين النموذج السائد، فإنه تجدر الإشارة إلى أن العلماء يبحثون هذا النموذج الرياضي المقترح وأن هناك من قدم بالفعل حججا علمية معارضة لنتائج تلك الدراسة، وكعادة كل نموذج فإنه يخضع لاختبار الثبات من خلال النقد والتجربة، إلا أن نشر الدراسة والتغطية الإعلامية التي حظيت بها أثار أسئلة حول موثوقية النماذج العلمية، وإلى أي مدى يمكن أن تتسم المعرفة العلمية بالثبات؟ ولكن كيف نقرأ الأمر من زاوية التفكير العلمي؟ وعلى أي أساس بنيت فرضية الدراسة؟

لنتتبع الأمر بالعودة إلى اكتشاف توسع الكون من قبل العالم ادوين هابل، وهو أحد أهم مؤسسي علم فلك ما وراء المجرة، اعتمد في اكتشافه على ما يعرف بظاهرة الانزياح نحو الأحمر، أي أن الأشعة الكهرومغناطيسية للجسم يزداد طولها الموجي في طريق ابتعادها عن الناظر ما يظهر للراصد على شكل لون أحمر، وذلك إثباتا للعمل النظري لذات الفكرة والذي نتج عن بحوث عالم الفلك جورج لومتر، وضع هابل قانونا حول العلاقة بين بعد الأجرام السماوية وسرعتها وتم تقدير المسافات التي تبتعد بها المجرات من خلال نجوم متغيرة السطوع، إلا أن ذلك التغير في سطوعها منتظم ما يجعل حساب بعدها أسهل، فكان ثابت هابل، وهو مقياس لمعدل التوسع الحالي للكون يحسب المدة الزمنية التي يحتاجها الكون ليصل إلى ما هو عليه حاليا، تغير هذا الثابت عدة مرات وفق تطور التقنيات المستخدمة، سواء وفق تحليل الأشعة الخلفية المايكرويفية للكون والتي تعتبر أحد أهم الأدلة على الانفجار العظيم، أو وفق البيانات التي رصدها التلسكوب هابل في تسعينيات القرن الماضي، أضف إلى ذلك البحث المستمر في الطاقة المظلمة التي تشكل أكبر مكون من مكونات الكون وفق النموذج السائد، ودورها بالدفع تجاه توسع الكون المتسارع، ما قدم مزيدا من التنقيح لتقديرات عمر الكون.

يمكن القول إن هذه العملية المتواصلة من إعادة النظر في الاستنتاجات بلا كلل ولا ملل وتحديثها بناءً على معلومات جديدة هي السمة التي تجعل طبيعة العلم مميزة، من حيث كونه ذاتي التصحيح، لكن الكون بتعقيده واتساعه لا يزال يتكشف شيئا فشيئا تحت مرأى العلماء، وكلما وقعت في يد الإنسان تكنولوجيا أكثر قدرة كلما اختبرت افتراضاته السابقة حول الكون من خلال تحديات جديدة، وهذا ما حدث باكتشاف نجوم ومجرات بدت وكأنها أقدم من الكون لتشكل معضلة تستدعي صقل النموذج القائم.

رصد التلسكوب الفضائي جيمس وب مجرات غابرة ولكنها كبيرة رغم أنها تشكلت بعد فترة قصيرة من الانفجار العظيم، أي ما بين 500 إلى 700 مليون عام وحسب ما يشير إلى أنها يافعة، وهذا يعني أن الوقت، وفق ما يطرحه النموذج السائد، لم يكن كافيا لتصبح على ما هي عليه، كانت تلك المجرات بعيدة لدرجة أنها لم تظهر سوى وكأنها نقاط حمراء صغيرة أي أنها فعلا تعود إلى زمن غابر من بدايات الكون، ما جعل أمر تكوّن المجرات برمته موضع تساؤل، وحفز العلماء نحو توقعات بتعديلات أو ربما تحولات محورية قادمة في النماذج السائدة، بينما رأى آخرون أن الأمر يستوجب إعادة النظر في البيانات والصور ذاتها قبل الحديث عن تعديل النماذج.

حاولت الدراسة المشار إليها في بداية المقال حل معضلة هذه البيانات الجديدة من خلال افتراض أن الكون يتوسع بمعدل أبطأ مما توقعته النماذج السابقة، فوضع مؤلف الدراسة نموذجا هجينا يجمع بين نموذج هابل وبين فرضية غير عملية وهي فرضية الضوء «المرهَق» والتي ظهرت في العقد الثالث من القرن العشرين، وتتضمن فكرة مفادها أن الضوء يفقد بتنقله الواسع عبر الفضاء طاقة ما يجعله «مرهَقا» قبل وصوله لعيني المراقب، يستتبع هذا أن تظهر الأجسام البعيدة جدا ضبابية في عيني المراقب، إلا أن صور تلسكوب جيمس ويب تظهر الأجسام الأبعد أكثر احمرارا وفق النموذج السائد ولكنها لا تظهرها ضبابية مقارنة بالأجسام الأقرب منها، ما يدل على ثغرة في تلك الفرضية التي استندت إليها الدراسة المنشورة حديثا، إضافة إلى أن الفرضية التي اعتمد عليها الباحث تعتمد فكرة الاختلافات الترابطية بين الثوابت ذات العلاقة، وهو ما ينفيه الواقع ومخرجات العلم التجريبي كما يشير عالم الفيزياء النظرية إيثان سيجل.

تكمن أهمية هذه الدراسات، وبغض النظر عن ضعف ثباتها، في أنها تُظهر وجه العلم الصحيح، من حيث إنه لا يستند إلى مجموعة ثابتة من الحقائق، بل يتجلى جماله في ديمومة عملية الاستقصاء الديناميكية والمستمرة من الاكتشاف والمراجعة، هذا بالضبط ما رأيناه من خلال مسألة تقدير عمر الكون، إذ يستعين العلماء بمنهجيات ونماذج مختلفة لتفسير الملاحظات، وبعدها تختبر الفرضيات وتقارن النتائج مع ما يعارضها من الأدلة، وحين يظهر تناقض يتحدى مخرجات فرضيات معينة أو نماذج رياضية محددة، فإن دور العلماء يتمثل في العكوف على مراجعة ما لديهم من بيانات مبتكرين نماذج أكثر ثباتا عند تجربتها وفق ملاحظاتهم ما يؤدي إلى صقل لا يحده فتح علمي مهما علا شأنه، ولا توقفه نظرية بارعة مهما ترسخت، يتسع باتساع أفق فضول البشر، وبذا يطور العلم فهمنا لتاريخ الكون.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من خلال

إقرأ أيضاً:

يزيد خطره 14 ضعفا.. اكتشاف سبب جديد للتوحد!

#سواليف

يتزايد اهتمام الخبراء حول العالم بفهم الأسباب الجينية والعصبية الكامنة وراء #اضطراب #طيف_التوحد، أحد أكثر الاضطرابات تعقيدا وانتشارا في العصر الحديث.

ومع تطور أدوات البحث في مجالي الوراثة وعلم الأعصاب، بدأت الدراسات تركز على العلاقة بين التوحد وبعض الحالات #الوراثية النادرة، في محاولة لفك ألغاز هذا الاضطراب وتحديد العوامل التي قد تساهم في ظهوره خلال مراحل النمو المبكرة.

وبهذا الصدد، كشف فريق من العلماء من جامعة نيفادا لاس فيغاس (UNLV)، أن التوحد قد يرتبط بحالة وراثية نادرة، تعرف باسم #الضمور_العضلي التوتري من النوع الأول (DM1)، وهو اضطراب موروث يسبب ضعفا عضليا تدريجيا ومجموعة من المشكلات الإدراكية والسلوكية.

مقالات ذات صلة اختبار 4 أدوية للزهايمر لمعرفة أيها الأفضل 2025/04/25

ووجد الفريق أن الأطفال المصابين بـ DM1 أكثر عرضة للإصابة باضطراب طيف التوحد بمقدار 14 مرة مقارنة بغيرهم. ويُعتقد أن DM1 لا يؤثر فقط على العضلات، بل يمتد تأثيره إلى نمو الدماغ في المراحل المبكرة من الحياة، ما يغيّر من المسارات العصبية المسؤولة عن التواصل الاجتماعي والسلوك – وهي السمات الأساسية للتوحد.

ويحدث DM1 نتيجة خلل في جين يسمى DMPK، حيث تتكرر سلاسل من الحمض النووي بشكل غير طبيعي في عملية تسمى توسعات التكرار الترادفي (TREs)، ما يؤدي إلى إنتاج نوع من الحمض النووي الريبي السام (toxic RNA)، يعرقل الوظائف الجينية ويسبب اختلالا في البروتينات التي يحتاجها الجسم، خصوصا في الدماغ.

وأوضح العلماء أن هذه التغيرات تؤثر على التعبير الجيني في الدماغ، وقد تكون وراء ظهور سلوكيات نمطية مرتبطة بالتوحد، مثل الحركات التكرارية وضعف التواصل والمشاكل الحسية.

وقال الدكتور رايان يوين، كبير العلماء في الدراسة: “نتائجنا تمثل مسارا جديدا لفهم التطور الجيني للتوحد، وتمهّد الطريق نحو علاجات جينية دقيقة تستهدف الخلل من منبعه”.

وأشار فريق الدراسة إلى أن العلاقة بين التوحد وDM1 لا تعني أن كل مصاب بالمرض سيصاب بالتوحد، فـ DM1 نادر نسبيا ويشخّص لدى نحو 140 ألف شخص فقط في الولايات المتحدة، بينما يقدّر عدد المصابين بالتوحد بنحو 7 ملايين.

وأكد العلماء على الحاجة إلى المزيد من البحث لفهم الروابط الجينية المعقدة بين التوحد وDM1، واستكشاف ما إذا كانت الطفرات الجينية نفسها تحدث في حالات توحد أخرى غير مرتبطة بـ DM1.

وبالتوازي مع ذلك، كشفت دراسة صينية حديثة عن علاج غير جراحي يسمى تحفيز التيار النبضي عبر الجمجمة (tPCS)، حيث تُرسل نبضات كهربائية عبر فروة الرأس لتحفيز مناطق معينة في الدماغ، وقد أظهرت التجارب تحسّنا ملحوظا لدى الأطفال الذين يعانون من التوحد، خاصة في مشاكل النوم واللغة والتفاعل الاجتماعي.

وتلقى الأطفال، الذين تراوحت أعمارهم بين 3 و14 عاما، 20 جلسة علاجية على مدى 4 أسابيع، وحققوا نتائج إيجابية في مؤشرات التواصل والسلوك.

مقالات مشابهة

  • سارة كامل.. أول من جعلت النساء يدرن مع الكون
  • وحدة صنعاء.. النموذج الفريد والمبهر
  • برج السرطان حظك اليوم السبت 26 أبريل 2025.. كن حنونا
  • يزيد خطره 14 ضعفا.. اكتشاف سبب جديد للتوحد!
  • سفيرة الجامعة العربية أمام جثمان البابا فرانسيس: «تأثرت بشدة وذكرت اللحظة التي تحدثت فيها عن معاناة الفلسطينيين»
  • صحيفة عبرية: إدارة ترامب تقترح على إيران النموذج الإماراتي
  • خالد الجندي: «الكون متعدد ليه عاوزين الفقه يكون واحد؟»
  • الفلكيون يجدون “النصف المفقود” من مادة الكون
  • أوبن أيه آي.. إطلاق أول نموذج لغوي مفتوح يشعل السباق في عالم الذكاء الاصطناعي
  • وزارة العدل تدشن نموذجًا مركزيًّا للمحاكم لتعزيز الجودة الموضوعية