رولان لومباردى يكتب: الأزمة فى النيجر (2).. ازدواجية السياسة الأمريكية تضع غرب أفريقيا فى أتون صراع دولى كارثى
تاريخ النشر: 20th, August 2023 GMT
بعد مناقشة المسئوليات الفرنسية فى الأزمة الحالية فى النيجر الأسبوع الماضى نتوسع هذا المقال على التحليل الجيوسياسى ودور الأمريكيين فى هذه القضية.
ضغطت واشنطن وباريس، تحت غطاء الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، من أجل فرض أقسى عقوبات على النيجر منذ عام ٢٠١٠ فى كوت ديفوار، ولكن فى وقت كتابة هذا التقرير، كان هناك إنذار أخير مستمر يهدد الأخيرة بالتدخل المسلح مطول فى الواقع وكانت الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا قد منحت الانقلابيين أسبوعا لإعادة «الرئيس المنتخب ديمقراطيا» محمد بازوم إلى مهامه وأعلنت عن تدخلها إذا لم ينجح هذا الطلب.
ومع ذلك، فإننا نشعر جيدًا أن الدول الأفريقية الأعضاء فى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا منقسمة، وتماطل وتحاول بحذر (لحسن الحظ!) تمديد المفاوضات، وبالتالى فإن الإنذار النهائى المقرر مبدئيًا لمدة أسبوع وبالفعل، كما تذكرنا الكاتبة ليزلى فارين، فإن حربًا أخرى فى إفريقيا هى آخر شيء تحتاجه القارة.. وتحدد مديرة مركز IVERIS فى تحليلها أن «الإيكواس وحلفاءها سيفتحون النار على بلد فى حالة حرب بالفعل على جبهتين، بوكو حرام فى الجنوب الشرقى وداعش فى الحدود الثلاثة؛ لذلك سيخوضون الحرب على إخوانهم الذين يدعمونهم فى الحرب ضد الإرهاب. إضافة إلى كل ذلك، النيجيريون يقاتلون معًا ضد بوكو حرام «.. وتضيف فارين: «سيصبح الصراع دوليًا. الجزائر وروسيا على نفس المواقف، والدولتان استنكرتا الانقلاب لكنهما تعارضان بشدة التدخل العسكرى. وإثباتًا لأخذ القضية على محمل الجد، ذهب رئيس الأركان الجزائرى سعيد شانيجرينا فى ٢ أغسطس إلى روسيا وأكدت موسكو على دور الجزائر فى الأمن الإقليمى. وإذا رأى التدخل العسكرى النور حقًا فإن الانفجار سيكون كبيرًا. ولن يقبل الرأى العام الأفريقى حربًا جديدة يشنها الغربيون، حتى من وراء ستار الإيكواس.
وللتذكير، كانت أحداث عام ٢٠١١ فى كوت ديفوار وليبيا بمثابة بداية لرفض واسع النطاق للسياسة الفرنسية. وهذا التطور الجديد سيطرد باريس من القارة لعقود. بالإضافة إلى ذلك، فى السياق الحالى لغرب إفريقيا، سيكون زلزالًا، وحريقًا هائلًا للمنطقة الفرعية بأكملها مع عواقب وخيمة على المدنيين فى هذه المنطقة. ولا ننسى أيضا خطر عدم الاستقرار الذى سيستفيد منه الجهاديين أو حتى.. استدعاء روسيا لتعزيز الأمن والاستقرار! ستكتمل الحلقة بعد ذلك »
فى غضون ذلك، تعلن واشنطن، التى لديها ما يقرب من ١٠٠٠ جندى فى البلاد، بطائرات بدون طيار وقاعدة سرية لوكالة المخابرات المركزية، عن حق أن النيجر هى رأس حربتها فى الحرب ضد الإرهاب؛ لكن البلاد هى أيضًا مكان رئيسى فى غرب إفريقيا ضد تواجد بكين وخاصة موسكو.. هذا الوجود الأمريكى، كما يؤكد المؤرخ والمستشار العسكرى لوران توشارد ويتحدث بأسلوب بسيط عن التوتر الخفى فى العلاقات بين نيامى وباريس: ملف أريفا.. ذكرى غير سعيدة للتدخل الفرنسى فى ليبيا.. قائلا:"فى الواقع، يتزايد الاستياء من فرنسا بسبب تزايد تواجدها العسكرى الضخم وبالتالى «يصرف» ذلك انتباه الأمريكيين».
فى الوقت الحالى، يبدو أن الولايات المتحدة تفضل المسار الدبلوماسي؛ بينما تؤكد وتكرر تهديدات الحرب من خلال تصريحات وزير خارجيتها، أنتونى بلينكين.. لعبة مزدوجة ؟ ربما. الزيارة الأخيرة إلى النيجر من قبل وكيلة وزارة الخارجية فيكتوريا نولاند قد تترك لنا بعض الشكوك حول الأهداف الحقيقية لهذه البعثة !
مما لا شك فيه أن نولاند حاولت قبل كل شيء وبصوت ديمقراطى الحصول على ضمانات من المجلس العسكرى فيما يتعلق بالحفاظ على الشراكة الاستراتيجية مع واشنطن (ضد الإرهاب)، وعدم المصالحة مع جميع الجيران ومع روسيا.. وقبل كل ذلك الوعود التى تتعلق بالطاقة والمصالح الأمريكية...
ربما يكون تعيين الجنرال موسى سلاو بارمو كرئيس للأركان من قبل السلطة الجديدة بادرة من هذه السلطة تجاه الولايات المتحدة وبالفعل، فإن هذا الجنرال النيجيرى، قائد القوات الخاصة، هو الآن القناة الدبلوماسية المميزة للأمريكيين خاصة أنه قام بعمل دراسات فى جامعة الدفاع الوطنى المرموقة.. فى واشنطن!.. لذا فهو حليف ثمين للأمريكيين فى محاربة الإرهاب والذى كان فى الأيام الأخيرة، المحاور الرئيسى للمسئولة رقم ٣ فى الدبلوماسية الأمريكية.
«الحرب».. البديل لإدارة بايدن؟
ومع ذلك، فإن ميل الإدارة الديمقراطية الحالية للخيارات قصيرة المدى فى سياستها الخارجية، والحرب بدماء الآخرين، واستراتيجية الفوضى لصالح مصالحها الخاصة (كما فى أوكرانيا وحتى فى السودان، والتى بقيت منها؛ فأنا مقتنع تماما بالتورط الأمريكى فى الفوضى الحالية) لا يمكن إلا أن يسبب القلق.
من خلال التركيز على النفوذ الروسى فى أفريقيا، فإننا نجازف بخسارة حقائق أخرى تضر بالمصالح الفرنسية والأوروبية لأن صراعًا رئيسيًا جديدًا بين الأشقاء فى هذه المنطقة سيكون، كما قلنا، كارثيًا لأفريقيا وأوروبا، مع أزمة هجرة جديدة واسعة النطاق ولا يمكن السيطرة عليها.
ومع ذلك، إذا لم يستجب بارمو والجنرالات الآخرون فى السلطة فى نيامى بشكل إيجابى للمطالب الأمريكية المذكورة أعلاه، فإن الصراع سيكون وسيلة ساخرة لإدارة بايدن (كما هو الحال فى السودان!) لإحباط النفوذ الروسى فى إفريقيا والأقارب ولكن الاستقرار الحقيقى حدث بالفعل بسبب «الصداقة الجديدة للديكتاتوريين الأفارقة الموالين لروسيا».
أيضًا، كما تشير ليزلى فارين، «لم يُذكر أبدًا عنصر حاسم آخر: النفط النيجيري؛ ويمثل خط الأنابيب بين النيجر وبنين، والذى من المفترض أن يبدأ العمل فى الأسابيع المقبلة، نقطة تحول رئيسية لاقتصاد البلاد؛ فنيامى على وشك أن تصبح أكبر مصدر للذهب الأسود من مالابو. (...) إنها قضية رئيسية أهم بكثير من اليورانيوم، الذى يتسبب فى تدفق الكثير المقالات والتقارير والذى لا يعتبر فى الفترة الحالية أمرا استراتيجيا لفرنسا أو للاتحاد الأوروبى. وفى الحقيقة، النيجر هى المورد الخامس، بعد كازاخستان وكندا بفارق كبير؛ لكن هذه النقطة لديها ما يكفى لإثارة بعض الحسد؛ وتحديدا تلك الخاصة بواشنطن التى لا تبعد كثيرًا عندما يتعلق الأمر بالنفط.
وفوق كل شيء، لا يُقال الكثير عن ذلك، فإن حريق المنطقة من شأنه أن يثير التساؤلات حول مشروع خط أنابيب الغاز بين نيجيريا والجزائر (عبر النيجر) الذى كان من المفترض أن يزود أوروبا وبالتالى ينافس الغاز الطبيعى المسال الأمريكي؛ ماذا ستفعل فرنسا بعد ذلك؟ بالفعل، تبدو الخطوط الجانبية فى ساحة ما قبل ساحة فرنسا مروعة، لكن القوات الفرنسية وضعت فى حالة تأهب فى كوت ديفوار وتشاد وجيبوتى وكانت وزيرة الخارجية الفرنسية، كاثرين كولونا، قد أكدت بالفعل «تطابق وجهات النظر مع أنتونى بلينكين».
ومن المرجح أن يكلفنا هذا التوجه الأمريكى الجديد المبتهج ثمنًا باهظًا.. كما هو الحال مع جميع الأفارقة! لإعادة صياغة ما قاله بيير إيف روجيرون، فى إفريقيا كما فى أى مكان آخر، يمكن للشيطان أن يرتدى الزى الروسى الرائع مثل «السارافان أو قبعة «التشابكا» الروسية الشهيرة ولكن يمكنه أيضًا ارتداء قبعة السيستون الأمريكية!.
معلومات عن الكاتب:
رولان لومباردى رئيس تحرير موقع «لو ديالوج»، حاصل على درجة الدكتوراه فى التاريخ، وتتركز اهتماماته فى قضايا الجغرافيا السياسية والشرق األوسط والعلاقات الدولية وأحدث مؤلفاته «بوتين العرب» و«هل نحن فى نهاية العالم» وكتاب «عبدالفتاح السيسى.. بونابرت مصر».. يستكمل، هنا، تحليله حول الأزمة فى النيجر، وكان قد تعرض الأسبوع الماضى للدور الفرنسى، ويتناول اليوم الدور الأمريكى فى الأزمة.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: النيجر غرب أفریقیا
إقرأ أيضاً:
السيد بدر: الحوار نهج دبلوماسي تقوم عليه السياسة الخارجية العمانية
العمانية: أكد معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية على أن الحوار نهج دبلوماسي وهو الأساس الراسخ الذي تقوم عليه السياسة الخارجية العمانية، والمتجذر في التاريخ العماني وقيمه.
جاء ذلك في كلمة معاليه خلال الجلسة الافتتاحية لملتقى منظمة الرؤساء الشباب 2025 في المتحف الوطني بمسقط بمشاركة وفد من الرؤساء التنفيذيين الشباب بالمنظمة في إطار زيارتهم الحالية لسلطنة عُمان ضمن جولة تستهدف تعزيز الحوار وتبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية.
وقال معاليه: إن سلطنة عمان تؤمن بمساحات للحوار، حيث يمكن حل النزاعات بواقعية، وتعمل المصالح المشتركة على توحيد وجهات النظر المختلفة، بدلا من أن تُستخدم كأداة للفرقة والعداء.
واستعرض معاليه الرؤية والمبادئ التي تقوم عليها السياسة الخارجية العُمانية المرتكزة على الانفتاح، والحياد، والاحترام المتبادل، مبيّنا أن هذه القيم أساسية لضمان تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
وأكد معاليه أن الدبلوماسية العمانية ليست مجرد أداة للسياسة الخارجية، بل هي انعكاس لهُوية سلطنة عمان ونهجها الراسخ في التعامل مع العالم، وعلى مر التاريخ، كانت ولا تزال حلقة وصل بين القارات والثقافات والأفكار، حيث استقبلت شواطئها المستكشفين والتجار والمفكرين من مختلف أنحاء العالم، مما أسهم في تشكيل هُويتها الوطنية ونهجها القائم على الحوار والانفتاح.
وأشار معاليه إلى أن الضيافة في سلطنة عُمان ليست مجرد عمل من أعمال الكرم، بل هي أسلوب حياة يعكس رؤيتنا للعلاقات الدولية، فأن نرحّب بشخص ما في منازلنا ومجتمعاتنا ووطننا يعني أننا نؤمن بقدرتنا على إثراء حياة بعضنا البعض وبهذا المعنى، فإن الضيافة هي دبلوماسية عملية، وهي الخطوة الأولى نحو بناء علاقات قائمة على التفاهم والانفتاح.
وقال معاليه: إن الدبلوماسية، في جوهرها، هي "فن التوازن"، مشيرا إلى أن سلطنة عُمان لطالما قامت بدور محوري في تعزيز الحوار والتفاهم بين الأطراف المختلفة، كما أن الدبلوماسية في سلطنة عُمان ليست مجرد ممارسة سياسية، بل هي انعكاس لقيمها المتجذرة في تاريخها وثقافتها، وهي بالنسبة لنا ليست مجرد أداة للسياسة الخارجية، بل هي جزء من نسيج هويتنا.
وأكد معالي السيد وزير الخارجية، أن الخطط الدولية المتعلقة بمستقبل فلسطين غالبا ما تُبنى على أسس غير عادلة وغير مستدامة، مشيرا إلى أن هذه الخطط تستند في كثير من الأحيان إلى سياسات قائمة على العداء، مما يحرم الشعب الفلسطيني من حقه في اختيار قيادته وتقرير مصيره.
وأعرب معاليه عن قلقه المتزايد إزاء تصاعد العداء في المشهد العالمي، مؤكدا أن هذه الظاهرة لا تشكّل مصدر قلق فحسب، بل إنها أيضا غير مجدية، وتسهم في إطالة أمد النزاعات وتعقيد مسارات الحلول السّلمية.
وقال معاليه: إن الخطط الخارجية الخاصة بمستقبل الحكم في فلسطين غالبا ما تستند إلى العداء، وهذا ما يجعلها غير مستدامة وغير عادلة، لأنها تُحرم الفلسطينيين من حقّهم الأساسي في اختيار قياداتهم وتقرير مستقبلهم.
وعن تأثير السياسات القائمة على العداء في حل النزاعات، أشار معاليه إلى أن العديد من الجهات الدولية ترفض الانخراط في الحوار مع خصومها، مما يؤدي إلى تعميق الخلافات وتأجيج النزاعات بدلا من حلها.
وقال معاليه: الكثيرون يصرّون على عدم التحدث إلى خصومهم كمسألة مبدأ، ويرون في الحوار مكافأة يجب حجبُها عن الأطراف التي يختلفون معها، لكن في الواقع، هذا النهج لا يؤدي إلا إلى تفاقم المشكلات ويجعل الحلول السلمية أكثر صعوبة.
وفي سياق حديثه عن القضية الفلسطينية، أوضح معاليه أن العديد من الحكومات ترى أن تحقيق السلام في فلسطين يجب أن يتم عبر حل الدولتين، لكنها في الوقت ذاته تمتنع عن الاعتراف بدولة فلسطين بسبب موقفها من بعض الفصائل السياسية، مثل حركة حماس، وأكد معاليه أن هذا الموقف يعمي هذه الجهات عن إدراك المطالب المشروعة لتلك الفصائل التي تتقاطع في كثير من الأحيان مع تطلعات الشعب الفلسطيني في تحقيق الأمن والاستقلال، وهي حقوق مكفولة بموجب القانون الدولي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وأضاف معاليه: إذا كنا نسعى لإيجاد حلول دائمة، فعلينا أن نكون مستعدين للحوار مع من نختلف معهم، والأهم من ذلك، أن نصغي إليهم ونحاول فهم وجهات نظرهم.
يُذكر أن منظمة الرؤساء الشباب (YPO) هي مجتمع عالمي يضم أكثر من 35 ألفا من كبار الرؤساء التنفيذيين في مختلف القطاعات من 142 دولة.