بعد مناقشة المسئوليات الفرنسية فى الأزمة الحالية فى النيجر الأسبوع الماضى نتوسع هذا المقال على التحليل الجيوسياسى ودور الأمريكيين فى هذه القضية.
ضغطت واشنطن وباريس، تحت غطاء الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، من أجل فرض أقسى عقوبات على النيجر منذ عام ٢٠١٠ فى كوت ديفوار، ولكن فى وقت كتابة هذا التقرير، كان هناك إنذار أخير مستمر يهدد الأخيرة بالتدخل المسلح مطول فى الواقع وكانت الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا قد منحت الانقلابيين أسبوعا لإعادة «الرئيس المنتخب ديمقراطيا» محمد بازوم إلى مهامه وأعلنت عن تدخلها إذا لم ينجح هذا الطلب.


ومع ذلك، فإننا نشعر جيدًا أن الدول الأفريقية الأعضاء فى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا منقسمة، وتماطل وتحاول بحذر (لحسن الحظ!) تمديد المفاوضات، وبالتالى فإن الإنذار النهائى المقرر مبدئيًا لمدة أسبوع وبالفعل، كما تذكرنا الكاتبة ليزلى فارين، فإن حربًا أخرى فى إفريقيا هى آخر شيء تحتاجه القارة.. وتحدد مديرة مركز IVERIS فى تحليلها أن «الإيكواس وحلفاءها سيفتحون النار على بلد فى حالة حرب بالفعل على جبهتين، بوكو حرام فى الجنوب الشرقى وداعش فى الحدود الثلاثة؛ لذلك سيخوضون الحرب على إخوانهم الذين يدعمونهم فى الحرب ضد الإرهاب. إضافة إلى كل ذلك، النيجيريون يقاتلون معًا ضد بوكو حرام «.. وتضيف فارين: «سيصبح الصراع دوليًا. الجزائر وروسيا على نفس المواقف، والدولتان استنكرتا الانقلاب لكنهما تعارضان بشدة التدخل العسكرى. وإثباتًا لأخذ القضية على محمل الجد، ذهب رئيس الأركان الجزائرى سعيد شانيجرينا فى ٢ أغسطس إلى روسيا وأكدت موسكو على دور الجزائر فى الأمن الإقليمى. وإذا رأى التدخل العسكرى النور حقًا فإن الانفجار سيكون كبيرًا. ولن يقبل الرأى العام الأفريقى حربًا جديدة يشنها الغربيون، حتى من وراء ستار الإيكواس.
وللتذكير، كانت أحداث عام ٢٠١١ فى كوت ديفوار وليبيا بمثابة بداية لرفض واسع النطاق للسياسة الفرنسية. وهذا التطور الجديد سيطرد باريس من القارة لعقود. بالإضافة إلى ذلك، فى السياق الحالى لغرب إفريقيا، سيكون زلزالًا، وحريقًا هائلًا للمنطقة الفرعية بأكملها مع عواقب وخيمة على المدنيين فى هذه المنطقة. ولا ننسى أيضا خطر عدم الاستقرار الذى سيستفيد منه الجهاديين أو حتى.. استدعاء روسيا لتعزيز الأمن والاستقرار! ستكتمل الحلقة بعد ذلك »
فى غضون ذلك، تعلن واشنطن، التى لديها ما يقرب من ١٠٠٠ جندى فى البلاد، بطائرات بدون طيار وقاعدة سرية لوكالة المخابرات المركزية، عن حق أن النيجر هى رأس حربتها فى الحرب ضد الإرهاب؛ لكن البلاد هى أيضًا مكان رئيسى فى غرب إفريقيا ضد تواجد بكين وخاصة موسكو.. هذا الوجود الأمريكى، كما يؤكد المؤرخ والمستشار العسكرى لوران توشارد ويتحدث بأسلوب بسيط عن التوتر الخفى فى العلاقات بين نيامى وباريس: ملف أريفا.. ذكرى غير سعيدة للتدخل الفرنسى فى ليبيا.. قائلا:"فى الواقع، يتزايد الاستياء من فرنسا بسبب تزايد تواجدها العسكرى الضخم وبالتالى «يصرف» ذلك انتباه الأمريكيين».
فى الوقت الحالى، يبدو أن الولايات المتحدة تفضل المسار الدبلوماسي؛ بينما تؤكد وتكرر تهديدات الحرب من خلال تصريحات وزير خارجيتها، أنتونى بلينكين.. لعبة مزدوجة ؟ ربما. الزيارة الأخيرة إلى النيجر من قبل وكيلة وزارة الخارجية فيكتوريا نولاند قد تترك لنا بعض الشكوك حول الأهداف الحقيقية لهذه البعثة !
مما لا شك فيه أن نولاند حاولت قبل كل شيء وبصوت ديمقراطى الحصول على ضمانات من المجلس العسكرى فيما يتعلق بالحفاظ على الشراكة الاستراتيجية مع واشنطن (ضد الإرهاب)، وعدم المصالحة مع جميع الجيران ومع روسيا.. وقبل كل ذلك الوعود التى تتعلق بالطاقة والمصالح الأمريكية...
ربما يكون تعيين الجنرال موسى سلاو بارمو كرئيس للأركان من قبل السلطة الجديدة بادرة من هذه السلطة تجاه الولايات المتحدة وبالفعل، فإن هذا الجنرال النيجيرى، قائد القوات الخاصة، هو الآن القناة الدبلوماسية المميزة للأمريكيين خاصة أنه قام بعمل دراسات فى جامعة الدفاع الوطنى المرموقة.. فى واشنطن!.. لذا فهو حليف ثمين للأمريكيين فى محاربة الإرهاب والذى كان فى الأيام الأخيرة، المحاور الرئيسى للمسئولة رقم ٣ فى الدبلوماسية الأمريكية.


«الحرب».. البديل لإدارة بايدن؟
ومع ذلك، فإن ميل الإدارة الديمقراطية الحالية للخيارات قصيرة المدى فى سياستها الخارجية، والحرب بدماء الآخرين، واستراتيجية الفوضى لصالح مصالحها الخاصة (كما فى أوكرانيا وحتى فى السودان، والتى بقيت منها؛ فأنا مقتنع تماما بالتورط الأمريكى فى الفوضى الحالية) لا يمكن إلا أن يسبب القلق.
من خلال التركيز على النفوذ الروسى فى أفريقيا، فإننا نجازف بخسارة حقائق أخرى تضر بالمصالح الفرنسية والأوروبية لأن صراعًا رئيسيًا جديدًا بين الأشقاء فى هذه المنطقة سيكون، كما قلنا، كارثيًا لأفريقيا وأوروبا، مع أزمة هجرة جديدة واسعة النطاق ولا يمكن السيطرة عليها.
ومع ذلك، إذا لم يستجب بارمو والجنرالات الآخرون فى السلطة فى نيامى بشكل إيجابى للمطالب الأمريكية المذكورة أعلاه، فإن الصراع سيكون وسيلة ساخرة لإدارة بايدن (كما هو الحال فى السودان!) لإحباط النفوذ الروسى فى إفريقيا والأقارب ولكن الاستقرار الحقيقى حدث بالفعل بسبب «الصداقة الجديدة للديكتاتوريين الأفارقة الموالين لروسيا».
أيضًا، كما تشير ليزلى فارين، «لم يُذكر أبدًا عنصر حاسم آخر: النفط النيجيري؛ ويمثل خط الأنابيب بين النيجر وبنين، والذى من المفترض أن يبدأ العمل فى الأسابيع المقبلة، نقطة تحول رئيسية لاقتصاد البلاد؛ فنيامى على وشك أن تصبح أكبر مصدر للذهب الأسود من مالابو. (...) إنها قضية رئيسية أهم بكثير من اليورانيوم، الذى يتسبب فى تدفق الكثير المقالات والتقارير والذى لا يعتبر فى الفترة الحالية أمرا استراتيجيا لفرنسا أو للاتحاد الأوروبى. وفى الحقيقة، النيجر هى المورد الخامس، بعد كازاخستان وكندا بفارق كبير؛ لكن هذه النقطة لديها ما يكفى لإثارة بعض الحسد؛ وتحديدا تلك الخاصة بواشنطن التى لا تبعد كثيرًا عندما يتعلق الأمر بالنفط.
وفوق كل شيء، لا يُقال الكثير عن ذلك، فإن حريق المنطقة من شأنه أن يثير التساؤلات حول مشروع خط أنابيب الغاز بين نيجيريا والجزائر (عبر النيجر) الذى كان من المفترض أن يزود أوروبا وبالتالى ينافس الغاز الطبيعى المسال الأمريكي؛ ماذا ستفعل فرنسا بعد ذلك؟ بالفعل، تبدو الخطوط الجانبية فى ساحة ما قبل ساحة فرنسا مروعة، لكن القوات الفرنسية وضعت فى حالة تأهب فى كوت ديفوار وتشاد وجيبوتى وكانت وزيرة الخارجية الفرنسية، كاثرين كولونا، قد أكدت بالفعل «تطابق وجهات النظر مع أنتونى بلينكين».
ومن المرجح أن يكلفنا هذا التوجه الأمريكى الجديد المبتهج ثمنًا باهظًا.. كما هو الحال مع جميع الأفارقة! لإعادة صياغة ما قاله بيير إيف روجيرون، فى إفريقيا كما فى أى مكان آخر، يمكن للشيطان أن يرتدى الزى الروسى الرائع مثل «السارافان أو قبعة «التشابكا» الروسية الشهيرة ولكن يمكنه أيضًا ارتداء قبعة السيستون الأمريكية!.
معلومات عن الكاتب: 
رولان لومباردى رئيس تحرير موقع «لو ديالوج»، حاصل على درجة الدكتوراه فى التاريخ، وتتركز اهتماماته فى قضايا الجغرافيا السياسية والشرق األوسط والعلاقات الدولية وأحدث مؤلفاته «بوتين العرب» و«هل نحن فى نهاية العالم» وكتاب «عبدالفتاح السيسى.. بونابرت مصر».. يستكمل، هنا، تحليله حول الأزمة فى النيجر، وكان قد تعرض الأسبوع الماضى للدور الفرنسى، ويتناول اليوم الدور الأمريكى فى الأزمة.

 

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: النيجر غرب أفریقیا

إقرأ أيضاً:

«الأمة القومي» يعلن المشاركة في «مؤتمر القاهرة»

 الحزب أعلن مشاركة رئيسه المكلف، فضل الله برمة ناصر في المؤتمر المزمع عقده في السادس من يوليو الجاري

التغيير:الخرطوم

أعلن حزب الأمة القومي مشاركته في «مؤتمر القاهرة» الذي يهدف إلى وقف الحرب ومعالجة الأزمة السودانية.

وقال الحزب عبر تصريح صحفي، الأربعاء، إن الرئيس المكلف للحزب، فضل الله برمة ناصر، تلقى دعوة رئيس من وزارة الخارجية بجمهورية مصر العربية للمشاركة في “مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية”.

وينعقد المؤتمر الذي دعت له القاهرة في الفترة من 6 إلى 7 يوليو الجاري، بهدف وقف الحرب ومعالجة الأزمة الإنسانية، وتهيئة المناخ للمسار السلمي لحل الأزمة السودانية.

وعبر تصريحه الصحفي، عبر حزب الأمة القومي عن شكره العميق لجمهورية مصر العربية قيادةً وشعباً لدعمها الشعب السوداني في هذه المحنة.

وأعرب عن دعمه الصادق لهذه المبادرة المهمة التي قال إنه يأمل أن تكلل بالنجاح باتخاذ مواقف حازمة لوقف الاقتتال وتخفيف معاناة السودانيين.

وثمن الحزب حرص جمهورية مصر العربية وسعيها المتواصل للإسهام في وقف الحرب وإحلال السلام في السودان.

وأكد الحزب أنه سيعمل على إنجاح المؤتمر بما يحقق تطلعات الشعب السوداني في وقف الحرب ومواجهة الكارثة الإنسانية وحماية المدنيين وفتح آفاق لحل سياسي يخاطب جذور الأزمة، ويعيد الاستقرار والأمن والتحول الديمقراطي.

وأكد الحزب أنه يثمن كافة الجهود الإقليمية والدولية المبذولة لوقف وإنهاء الحرب. كما أكد في سبيل إيجاد مخرج آمن يوقف “حمامات الدم”، يحفظ وحدة السودان أرضاً وشعباً، ويؤسس لعقد اجتماعي جديد.

ويشهد السودان منذ 15 أبريل 2023 قتالاً عنيفاً بين الجيش وقوات الدعم السريع، بدأ في الخرطوم، وامتد إلى مناطق واسعة من دارفور وكردفان والجزيرة وسنار، وأدى إلى أزمات إنسانية معقدة

وبسبب الحرب،نزح نحو عشرة ملايين شخص داخل البلاد وخارجه منذ اندلاع المعارك، بحسب إحصاءات الأمم المتحدة. ودمرت المعارك إلى حد كبير البنية التحتية للبلاد التي بات سكانها مهددين بالمجاعة.

وتتوقع الأمم المتحدة أن يصل عدد النازحين إلى خارج البلاد قد يصل مع نهاية العام الجاري إلى 3.3 مليون شخص.

الوسومحرب السودان حزب الأمة القومي مؤتمر القاهرة

مقالات مشابهة

  • الرئيس النيجيري يتطلع للتمديد رغم قيادته المضطربة للإيكواس
  • تقارير تكشف وجود مقاتلين سوريين في النيجر.. ما علاقة تركيا؟
  • محمد يوسف يكتب: تغيير المجموعة الاقتصادية في الحكومة.. توجهات مرحلة جديدة
  • مساع اميركية ــ فرنسية لضبط التصعيد هوكشتين في باريس: الكل في انتظار غزة
  • باحث: موقف الشباب الأمريكي ضد السياسة المنحازة بشكل أعمى لإسرائيل
  • بالفيديو.. باحث: الولايات المتحدة ستدعم إسرائيل إذا دخلت في جبهة صراع جديدة
  • باحث: الولايات المتحدة ستدعم إسرائيل حال دخولها في جبهة صراع جديدة (فيديو)
  • باحث: الولايات المتحدة ستدعم إسرائيل إذا دخلت في جبهة صراع جديدة
  • ناشونال إنترست: هل تشعل واشنطن حربا ثالثة في الكونغو الديمقراطية؟
  • «الأمة القومي» يعلن المشاركة في «مؤتمر القاهرة»