الصفقة اليوسفية بعد أن حصحص الحق
تاريخ النشر: 21st, January 2025 GMT
نجّى الله سبحانه يوسف من الأسر مرّتين بصفقتين، الأولى عندما كان تحريره من الجبّ مع تحويله في سوق النخاسة من حرّ ابن نبيّ إلى عبد لعزيز مصر، أمّا الصفقة الثانية فقد اختلفت تماما عن الأولى إذ كانت ذات بعد معرفي وكان مقابل حريّته تأويله لرؤيا فرعون مصر ذاك الزمان. رفض الأسير هذه المرّة حريّته مقابل ما قدّم من معرفة وعلم، وطلب أن تشمل الصفقة إثبات براءته، وكان له ما طلب، وكان من نتائج هذه الصفقة أن يتبوأ خزائن البلد وزيرا ولينقذها بعد ذلك من الجدب والمجاعة، وليقيم فيها العدل والرفاه على أساس دين يحرّر الناس من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد ومن ظلم وفساد الحكم إلى صلاحه وعدله.
صفقة اليوم بين طرفين، طرف معتد آثم برع في حرب إبادة بشريّة غير مسبوقة على مدار 471 يوما، وفي ذات الوقت فتح عدوانا غير مسبوق في السجون على أسرى طال عليم أمد السجون، أسرى أكل الحديد من أجسادهم وزرعت جدران السجن الأمراض في روحهم، أراد هذا العدوّ اللئيم أن يتجاوز أسرانا ويتركهم غارقين في مؤبداتهم إلى أن يحوّلهم موتى في ثلاجاته أسوة بمن حوّلهم من قبل، وأراد لهم الموت البطيء وتركهم وسيلة ردع لشعبهم ولكلّ من يفكّر بمقاومته ورفض ظلمه.. أراد العدو أن يحرّر أسراه بما توهّمه وصرّح به: بالضغط العسكري، والذي ترجمه على أرض الواقع مجازر وقتل للأطفال والنساء وتدمير لكل مقوّمات الحياة، وقد تجرأ كثيرا على كلّ ما ترفضه حضارة البشر؛ فقصف المستشفيات والمساجد والكنائس والمدارس والجامعات وخيام النازحين، دمّر وقتل وحرق، ولم يتمكّن في نهاية المطاف من تحرير أسراه إلا بصفقة.
أما الطرف الآخر فهو يوسف.. يوسف اليوم يعقد الصفقة، عليكم أن تعترفوا بحريّته وسيادته وشرعيّة نضاله، وأنه معتقل من أجل قضية عادلة ومن أجل تحرير شعبه من احتلال طال ليله وعظم توحّشه.
يوسف اليوم رفضته ثلاثون سنة من المفاوضات ورفض أن يمنّ عليه الاحتلال بحرية ذليلة وأن يكون الإفراج عنه على حساب قضيّته، اليوم يفرج عنه عزيزا كريما سيدا مرفوع الرأس، ممتشق القامة بروح عالية وأنَفة وكبرياء وتحت شروط مقاومة عزيزة سطّرت أعظم بطولاتها من أجل تحرير أسراها.
يوسف اليوم يخرج من غياهب الجبّ؛ لا ليكون عبدا يباع في سوق النخاسة وإنما ليكون رائد حرية شعبه وليسهم في نهضة أمّته وليكون عزيز بلده، يرفع من شان عزّته ويعلي من راية قوّته ووحدته وليكون قائدا يأخذ دوره ويتابع المسير للتحرير الكامل والشامل.
يوسف اليوم يقف أمام العالم الحر شامخا بعد أن هتف له كلّ أحرار العالم: "الآن حصحص حق القضيّة الفلسطينية، الآن حُقّ لك أن يطلق سراحك من سجونهم وحقّ لك أن تسود حريّتك العزيزة بإطلاق سراحها للانعتاق الأعظم لشعبك وشعوب أمّة عربيّة طال عليها ليل الظالمين، ولتصل هذه الحريّة بمذاقها العظيم لكلّ أرجاء المعمورة. لقد شهد العالم اليوم الحريّة على أصولها: عظيمة زاهية جميلة بهيّة لا تشوبها شائبة من شوائب عالم طالما زيّفها وتغنّى بها ظلما وزورا.
يوسف اليوم بعد أن حصحص الحق حُقّ له أن يكون على خزائن الأرض حفيظا عليما أمينا مكينا قويّا، وأهم خزائن الأرض اليوم ما فيها من قيم ترفع من شأن الإنسان وتجعله عزيزا كريما، يحق للأسرى المحرّرين اليوم أن يكونوا الأمناء على خزائن شعبهم فيحفظوا له قيمه من موازين الظلم والفساد والفرقة والشتات. يوسف اليوم تنتظره مهمات جليلة عظيمة يكون فيها صمّام أمان وحافظ وحدة وحامي مسيرة لشعب يجمعه برنامج مقاومة وتحرير من شرّ هذا الاحتلال المستطير.
أخيرا أرغمت المقاومة هذا الوحش المفترس بالرضوخ والتحدّث بلغة البشر، المقاومة الفلسطينية الآن تحرّر أسراها عنوة وبالضغط العسكري والأمني والاستخباراتي بعد أن فشل عدوّها بضغطه العسكري، إضافة للضغط القيمي والأخلاقي والإنساني الذي يشهده العالم اليوم.
سيرى العالم اليوم كم هو وزن الإنسان الفلسطيني الذي يستحق من شعبه ومقاومته كلّ هذا العمل العظيم والثمن الباهظ وخوض غمار المستحيل لتحويله إلى ممكن بغية تحرير هذا الإنسان.
سيرى العالم كم يزن الأسير الفلسطيني عند شعبه الحرّ وكم تعادل حريّته وكم هي عظيمة ومقدّسة؛ أكثر بكثير ممّا يتشدّق به دعاة الحرية في هذا العالم المزيّف الذي انكشفت قيمه الإنسانية وظهرت على حقيقتها وانزوت بعيدا عن الحق الفلسطيني والإنسان الفلسطيني الذي لا يزن عند هذا العالم جناح بعوضة، وإذا به يخرج منه ما ينصف هذا الإنسان، لم يعد الأسير الفلسطيني بعد اليوم إنسانا إرهابيا أو مخربا أو لا قيمة له ولا وزن، لقد ظهر للعيان أنه إنسان عظيم وقد جاءه من ينتصر له ويعطيه وزنه الذي يليق به.
سيرى العالم اليوم كيف ينتزع الفلسطيني حريّته، لم يعد مستجديا ومستغيثا بمؤسسات حقوق الإنسان الغربيّة ولم يعد راكعا على عتبات الأمم المتحدة، ولم يعد حزينا باكيا مستعطفا علّه ينال حريّته من كلّ هذا العالم الوقح الذي يظهر دموع التماسيح بينما هو وغد أفّاك أشر، لقد علّم العالم اليوم كيف يصل إلى حقّه وحريّته من فوّهة بندقيّته.
سنشهد ويشهد معنا كلّ أحرار العالم تحريرا عظيما للأسرى الفلسطينيين من خلف ستائر العتمة وولادة جديدة لهم من بطن الحوت، بعد أن طال عليهم أمد هذا السجن الأسود وكاد أن يكون مقبرة حقيقّة لهم وليس مجازا، وقد رحل من بين هذه المؤبدات إلى الرفيق الأعلى قبل أن يصل إلى لحظة التحرير المنشودة العديد منهم، مما جعل الباقي ينتظر هذا الرحيل المرّ ما لم تسعفهم صفقة تنجّيهم من هذا العذاب الأليم وهذا المصير اللئيم.
هذه صفقة يوسفية بامتياز ولها تداعيات عظيمة، هؤلاء الأحرار ليسوا مجرّد أرقام، سنجد من يحمل الإرادة الحرّة والعزائم النبيلة والثقافة الواسعة والرؤية الاستراتيجية الثاقبة، سيشكّلون رافعة هامة وعظيمة للقضيّة الفلسطينية وسيكون لهم دور عظيم، فكما رأينا ما فعل المحررون سابقا سنرى فعل المحرّرين في هذه الصفقة وانعكاسات ذلك على القضيّة الفلسطينية ومستقبلها المشرق بهم بإذن الله.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطينية اسرى فلسطين غزة مدونات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ة الفلسطینیة العالم الیوم یوسف الیوم أن یکون بعد أن
إقرأ أيضاً:
أحمد عمر هاشم: النبي نهى عن تحقير الإنسان لنفسه وكتمان الحق «فيديو»
أكد الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن النبي محمد ﷺ نهى عن تحقير الإنسان لنفسه، موضحًا أن ذلك يعني كتمان الحق وعدم الدفاع عن العدل، وهو أمر يحاسب عليه العبد يوم القيامة.
وقال خلال تقديم برنامج «كأنك تراه» على قناة «صدى البلد»، إن النبي ﷺ قال: «لا يحقر أحدكم نفسه»، فتعجب الصحابة وسألوه: وكيف يحقر الإنسان نفسه؟، فبين لهم أن العبد سيقف يوم القيامة بين يدي الله عز وجل، فيسأله ربه: «ما منعك أن تقول في كذا وكذا؟»، فيكون هذا السؤال توبيخًا وتذكيرًا لما بدر منه في الدنيا، حيث كان بإمكانه قول كلمة الحق والدفاع عن العدل، لكنه سكت خشية الناس، ولم يراعِ أن الله أحق أن يُخشى.
وأشار الدكتور أحمد عمر هاشم إلى أن النبي ﷺ حذر من انتهاك الحرمات، سواء كانت حرمة النفس أو المال أو العرض، مؤكدًا أن الدفاع عنها واجب شرعي وأخلاقي، ولا يجوز للإنسان أن يسكت عن الظلم خوفًا من البشر.
واختتم حديثه قائلًا: «يقف العبد يوم القيامة مبهوتًا وحائرًا أمام ربه عندما يسأله: ما منعك أن تقول الحق؟، فلا يجد إجابة سوى أنه كان يخشى الناس أكثر من خشيته لله، فيرد عليه رب العزة: «إياي كنت أحق أن تخشى»، ليكون ذلك درسًا لكل إنسان بعدم كتمان الحق مهما كانت الظروف».
اقرأ أيضاًالدكتور أحمد عمر هاشم خطيبًا لصلاة الجمعة في افتتاح مسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم
وزير الأوقاف ينعي شقيقة الدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء
الرئيس السيسي يقبل رأس أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف