مآلات "حرب أبريل".. بين الصدمة والمقاومة
تاريخ النشر: 20th, August 2023 GMT
د. هبة بت عريض **
يبدو أنَّ السؤال عن أثر حرب 15 أبريل 2023 على الشعب السوداني في هذه الأيام مُثير للشفقة وغير ذي صلة بموروثات وثقافة الشعب السوداني الأصيل؛ اذ إنَّ المآلات الدموية والوحشية للحروب والانتكاسات المتتالية للسلوكيات في كل من مدن العاصمة الثلاثة، والأحداث التي صاحبتها في كل من الجنينة، ونيالا، وزالنجي، والفولة، والأبيض، على التوالي، لا تدع مجالًا للشك بأن الأحلام الكبيرة التي رفعها ملايين المتظاهرين في الخرطوم في ديسمبر 2019 عبر شعار "حرية.
لا يقتصر الأثر السلبي على القتل والسرقة والنهب والتهجير؛ بل امتد لاغتصاب النساء واختطافهن والمتاجرة بهن في الأسواق، في انتكاسة غير مسبوقة في حالات الحروب المشابهة التي أعقبت ثورات الربيع العربي في كل من العراق وسوريا واليمن حتى الجارة ليبيا؛ فجرائم الدعم السريع تجاه المُواطنين العزّل لم تفرق بين المستهدفين على أساس الجنس أو العمر أو الانتماء؛ فالجميع أمامهم (كيزان وفلول) أو (عسكر أو أساتذة جامعات)، وهؤلاء الأخيرين نصيبهم الاعتقال والتعذيب وربما التصفية الجسدية.
كذلك الحال بالنسبة للتدهور الاقتصادي الذي صاحب الحرب كنتيجة حتمية؛ فالجميع موظفو دولة، والدولة في حالة دفاع عن الشعب وسيادتها، وبطبيعة الحال فإنَّ المجتمع الدولي يساوي بين قوات الشعب المسلحة وقوات الدعم السريع باعتبار أنهما "طرفي نزاع"، متجاهلًا سبب الأزمة وفارق الممارسة بين الجيش السوداني والدعم السريع الذي كان ينتمي له قبل أحداث الحرب، وأن عمر الأخير لا يتعدى العشرة أعوام من بين 100 عام خاض فيها الجيش السوداني حروبًا خارجية وداخلية آخرها حرب الجنوب.
وبالعودة لجرائم قوات الدعم السريع والقصف العشوائي الذي تمارسه على الأحياء التي ما زال يسكنها المواطنون العزّل، لإرهابهم وإخراجهم منها بالقوة، ليسهل لهم نهب مقتنيات المواطنين من سيارات وغيرها والتي تجري بقصد مُمنهج، تظلل تلك المُمارسات حياة الجميع في المناطق المشتعلة ولم تسلم منها منطقة؛ إذ إنه ما زالت قوات الدعم السريع تُرهب وتروِّع الآمنين في حدود الولايات المتاخمة للخرطوم وتمارس هوايتها المفضلة في السرقة والنهب والاغتصاب، دون تمييز، على أساس طبقة أو جنس، ويبدو أن المساواة الوحيدة التي تحققت اليوم في السودان باستثناء الولايات الآمنة هي مساواة الجميع أمام فوهة البندقية!
تحوّل حلم الثورة السودانية من حلم "الحرية والسلام والعدالة" إلى كابوس القتل والسلب والنهب والاغتصاب، يذهب يدًا بيد مع تدهور وضع النساء فعليًا ورمزيًا، ويتوازى مع نكوص في الخطاب السياسي العام تجاه قضايا النساء وحقوقهن، بعد أن صدح عاليًا إبان عهد الثورة أجسام تناهض الحريات وتدعو لحرية المرأة وإعطائها حق القوامة؛ ومنها تنظيم "لا لقهر النساء" الذي لم نسمع له صدى عندما اغتُصِبت النساء وتم سبيهن، خاصة وأن قوات الدعم السريع تدّعي أن هدفها من الحرب "جلب الديمقراطية".
وقبل أن يفيق الشعب من صدمة الحرب ونزوحه خارج الخرطوم، ضاربًا في الأرض باحثًا عن الأمان، تاركًا ماله وأرضه؛ ليواجه صدمة أخرى، وهي غلاء الإيجارات السكنية في الأقاليم وغلق بعض المعابر؛ لتزداد معاناته بالأيام والشهور، طلبًا لتأشيرات دخول دول الجوار خاصة مصر. وتفاقمت الأزمة وبلغت حدتها عند المصابين بالأمراض المزمنة؛ حيث انعدمت الأدوية المنقذة للحياة لدى مرضى السرطان والفشل الكلوي، وأمراض السكري والضغط؛ إذ توقفت المستشفيات بسبب اتخاذ قوات الدعم السريع لها للسكن.
وما زالت الحرب مستمرة والشعب السوداني يُساند قواته المسلحة ويستجيب لنداء القائد العام، والجيش يتقدم على أرض الواقع بفضل جنوده البواسل وبفضل دعوات الشعب المكلوم، ثقةً في الله وإيمانًا بقدرات قوات الشعب المسلحة، وكل الأكف ترفع "اللهم انصر القوات المسلحة، اللهم سدد رميهم، الله نصرك الذي وعدت". إننا الشعب السوداني الذي ظُلم، وإن الله على نصرنا لقدير.
** كاتبة سودانية
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
وزير الصحة السوداني: خسائر القطاع بلغت 11 مليار دولار منذ بدء الحرب
أوضح هيثم محمد إبراهيم، وزير الصحة السوداني، إن السودان يواجه نقصا حادا في الأدوية بعد نهب مخازن تحتوي على أدوية ومستلزمات طبية بقيمة 600 مليون دولار.
قائد القوات الأوغندية يهدد السودان بعد اعتذار بلاده ماكرون يدعو طرفي النزاع في السودان إلى إلقاء السلاح
ووفقًا لوكالة أنباء "الأناضول التركية"، قال إبراهيم، إن خسائر القطاع الصحي في السودان منذ بدء الحرب بلغت 11 مليار دولار.
وتابع، "تسببت الحرب في فقدان أكثر من 60 فردا من الكوادر الطبية، التي أنقذت النظام الصحي في السودان من الانهيار الكامل"، مضيفا: "الوضع استقر نسبيا بعد ما يقرب من عامين من الحرب".
ولفت إلى أن "الأزمة الإنسانية والصحية التي يمر بها السودان غير مسبوقة وصعوبة الوصول إلى جميع مناطق السودان بسبب الأوضاع الأمنية يمثل أكبر التحديات التي نواجهها، إضافة إلى أن نقص التمويل"
وأوضح الوزير السوداني أن الدعم الذي يحصل عليه القطاع الصحي في البلاد لا يتجاوز 20 في المئة من الاحتياجات التي تقدر قيمتها بنحو 4.7 مليار دولار.
ومنذ اندلاع الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023 تم طرح العديد من المبادرات لاحتواء الأزمة وإنهاء المواجهات، لكن جميعها باءت بالفشل".
وتسببت الحرب في مقتل نحو 20 ألف شخص ونزوح نحو 3 ملايين شخص خارج البلاد إضافة إلى 9 ملايين نازح في الداخل، بينما يقدر عدد من يعيشون على المساعدات الإنسانية من الدول الأخرى بنحو 25 مليون شخص.