جريدة الرؤية العمانية:
2025-02-02@01:14:26 GMT

تواضعوا.. فالجنة لا يدخلها متكبرون

تاريخ النشر: 20th, August 2023 GMT

تواضعوا.. فالجنة لا يدخلها متكبرون

 

حمد الحضرمي **

الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي شرفه الله ومنحه الثقة ليكون خليفته في الأرض، وهذه منزلة عظيمة رفيعة تدل على عظم العمل الموكل إليه، وهو تعمير الأرض ببناء أعظم الحضارات عليها وهي الحضارة الإنسانية، وهذه الحضارة لن تُقام إلا بتفعيل مبادئ وقيم مكارم الأخلاق في السلوك الإنساني، والإنسان يُعتبر مركز الكون، حيث إن معظم النصوص الدينية موجهة للنهوض به وترقيته وتهيئة الأجواء المناسبة له، لكي ينتج وينجح في حياته، وبموجب ذلك أصبح الإنسان اليوم هو رأس المال الحقيقي لأي أمة، وتعتبر الأخلاق في حياة الشعوب والأمم هي الأساس في حياتهم، وتبقى آثارها الطيبة باقية خالدة حتى بعد وفاتهم وفنائهم، وصدق القائل:

قد مات قوم وما ماتت مكارمهم // وعاش قوم وهم في النَّاس أموات

إنَّ الإنسان أوله نطفة تافهة لا قيمة لها، وآخره جيفة يتم التخلص منها في قبر مُظلم وضيق، وبين نقطة البداية ونقطة النهاية يقضي الإنسان حياته مع النَّاس، ويكون بعضهم متكبرًا متعاليًا، وهذا الغرور يورث الكبر والعجب وغيرها من أمراض القلب، والغرور يهلك الأمم، ويصيب الأفراد بالأمراض النفسية الخطيرة، فكيف يُعمر الإنسان المتكبر الأرض التي تحتاج إلى أناس طيبين متواضعين أصحاب خلق ومبادئ وقيم وأسس إنسانية عظيمة.

فإلى متى يا أيها الإنسان هذا التكبر؟! وأنت مخلوق ضعيف، قليل الهمة، بالغ العجز، شديد الضعف كقطعة القماش البالية، أمام الأهواء والأمراض وصعوبات الحياة والأزمات النفسية والمادية، وهذه الأحوال التي تمر على الإنسان في حياته تجبره أن يكون متواضعًا وتبعده- رغم أنفه- عن الغرور والتكبر والخيلاء إن كان يفكر بعقله، وقد قال الله تعالى في سورة الإسراء الآية 13 "وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ"؛ وطائره هو ما طار عنه من عمله؛ سواءً كان خيرًا أم شرًا، والإنسان لا يقدر على الهروب من عمله، فهو ملزم به رغم أنفه، وسوف يجازى عليه، فخير الإنسان وشره ملتصقان به، لا يفارقانه حتى يحاسب، فالخير طريق السعادة وهي الجنة، والشر طريق الشقاء وهي النار.

إن الكبر آفة عظيمة، وسبب في عدم دخول الجنَّة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يدخلُ الجنة من في قلبه مثقالُ ذرةٍ من كبر"؛ فالأخلاق منبع السعادة وهي أبواب الجنة، والكبرُ منبع الشقاء وتغلق أبواب الجنة، فلا تنفتح لأي متكبر؛ لأن المتكبر قد أنزل نفسه فوق منزلتها، ويرى نفسه أكبر من غيره، ويستعظم ويستحسن ما فيه من الفضائل ويستهين بالنَّاس ويستصغرهم، ويترفَّع على من يجب التواضع له.

إن المتكبرين قد عميت قلوبهم بظلمة الجهالة، وأصبحت صدورهم ضيقة، فاتخذوا الهوى لهم قائدًا والشيطان دليلًا. ومن أسباب الكبر هو العُجْبُ والحقد والحسدُ والرياءُ، فأما العجب: فإنه يورث الكبر الباطن ثم يكون تكبرًا ظاهرًا في الأعمال والأقوال والأحوال، وأما الحقدُ: فإنه يحمل على التكبر من عجب، كالذي يتكبر على من يرى أنَّه مثله أو فوقه، فيغضب عليه ثم يحقد ويرسخ البغض في قلبه، ولا تطاوعه نفسه أن يتواضع له، وأما الحسدُ فيوجب البغض للمحسود وجحد الحق حتى يمنع من قبول النصيحة وتعلم العلم، وأما الرياء: فهو أيضًا من صفات المُتكبرين، لأنه يتعالى بريائه على من هو أفضل منه.

فحسب المراجع الإلكترونية التي اطلعنا عليها، يكون للكبر ثلاث درجات؛ الأولى: أن يكون الكبر مستقرًا في قلب الإنسان ويرى نفسه خيرًا من غيره، إلا أنه يجتهد ويتواضع، فهذا في قلبه شجرة الكبر مغروسة، إلا أنه قد قطع أغصانها، والدرجة الثانية: أن يُظهر لك بأفعاله من الترفع في المجالس والتقدم على الأقران، والإنكار على من يقصر في حقه، وأما الدرجة الثالثة: أن يظهر الكبر بلسانه كالمُفاخرة، وتزكية النفس والتكبر بالنسب، فالذي له نسب شريف يستحقر من ليس له ذلك النسب، وإن كان أرفع منهُ عملًا. ومن أصناف التكبر، التكبر بالمال وأكثر ما يجري بين أصحاب الأعمال والتجار ونحوهم، وأما التكبر بالجمال فأكثر ما يجري بين النساء، ويدعوهن إلى التنقص والغيبة وذكر العيوب. وللكبر أنواع ثلاثة: النوع الأول: الكبر على الله تعالى وهو أفحشُ أنواع الكبر، وذلك مثل تكبر فرعون والنمرود، حيث رفضا أن يكونا عبدين لله، والنوع الثاني: الكبر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يمتنع المتكبر من الانقياد له تكبرًا وجهلًا وعنادًا كما فعل كفار مكة، وأما النوع الثالث: الكبر على العباد بأن يستعظم نفسه ويحتقر غيره ويزدريه ويترفع عليه.

إن التكبر غطرسة وعجرفة بلغ تأثيرها على الفرد والمجتمع، والكبر حين يستشري في نفس المرء يستحكم قلبه، ويفتن عقله متغاضيًا على نقصه، مشهرًا سوءة غيره، وإن تكلم تبجح، وإن مشى اختال، وإن نصح تباهى، وأن ساعد تعاظم. إن الإنسان التقي من يقدر غيره، فالأخلاق الكريمة سند ومدد، والأخلاق السيئة تحطيم وتهديم، إن التواضع سمة أهل العلم والفهم، أودعها الله في نفوس الأنبياء، وورثها العقلاء والنبلاء، وأما الخيلاء والكبرياء فما هما إلا سقام وخيم، دب بين النَّاس كالنار في الهشيم، وما أن بث سمومه في المجتمع إلا وقد تصدع بنيانه، وتهشمت أركانه وتشققت عمدانه.

وأخيرًا.. إنَّ التبختر موجب للشقاء، والتجبر مسوغ للعناء، وسقم عليل وشر مستطير وخطيئة إبليس الرجيم، فمن تكبر ذله الله، لأن الكبر يسلب الفضيلة ويسكب الرذيلة، وأنه لمن المؤسف والمُحزن أن نرى بيننا ومعنا أناساً متكبرين على الوالدين وعلى الإخوة وعلى الأصدقاء والزملاء في العمل..

 

تواضعوا؛ فالجنة لا يدخلها متكبرون، وإياك أيها الإنسان والتكبر لأنه وجه من وجوه الظلام، وصفة من صفات وأخلاق اللئام، وعليك بالتواضع لأنه وجه من وجوه النور، وصفة من صفات وأخلاق الكرام.

** محامٍ ومستشار قانوني

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

وكيل الأزهر يشارك في حفل تخريج دفعتين لطب الأزهر بدمياط

قال وكيل الأزهر، إن التاريخ العريق لكليات الطب بجامعة الأزهر، بمستوى خريجيها وما حققوه من إنجازات وحصدوه من تكريمات على المستويين المحلي والعالمي؛ يثبت أن الأزهر مبدع في فهم رسالة الإسلام وتطبيقها؛ فلم يقف بها عند حد الدعوة النظرية، أو عند معالجة الروح والعقل فقط، بل تخطى ذلك كله حين نقلها إلى دعوة عملية تعالج القلب والروح والبدن في تكامل واضح يحقق مقاصد تلك الرسالة السامية.

وأوضح الدكتور الضويني، خلال كلمته اليوم بحفل تخريج دفعتين جدد من طلاب وطالبات كليات طب الأزهر بدمياط، أن المجتمع كما يحتاج إلى عالم بالشريعة ينطق بالأحكام حلالا وحراما، فإنه يحتاج كذلك إلى طبيب ماهر ينطق بأحوال الإنسان صحة ومرضا، مؤكدا أنه إذا تسنى لعالم أن يجمع بين هذين العلمين علم الأديان وعلم الأبدان فتلك غاية غالية، وهذا هو الأزهر، وهؤلاء هم أبناؤه الذين يملكون من الكفاءة والمهارة ما يسجلون به أسماءهم في تاريخ العلم الديني والدنيوي معا.

 

وكيل الأزهر: الكليات العلمية بالأزهر تعيش نهضة حقيقية

وأكد وكيل الأزهر، أن الناظر بعين الإنصاف يدرك أن الكليات العلمية بالأزهر تعيش نهضة حقيقية، وتواكب كل التطورات والمستجدات العلمية في المجالات كافة، ملاحقة المتغيرات الواقع المتسارع، الذي لم يعد فيه مكان للمؤسسات النمطية والكيانات المتكاسلة؛ تحقيقا لرؤية الدولة المصرية ۲۰۳۰، وتنفيذا للتوجيهات المستمرة من فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر - حفظه الله-بأهمية مواكبة التقدم العلمي والتكنولوجي، وتحقيق أفضل المكتسبات منه؛ لتكون كليات الجامعة قادرة على مواكبة هذا التقدم، والتفاعل مع ما يحمله العصر من تحديات في المجالات كافة، وعدم توانيها في تقديم أفضل خدمة تعليمية لطلابها بما يجعلهم مشاركين وفاعلين في صياغة مستقبل أمتهم ووطنهم.

وشدد الدكتور الضويني، على أن الأزهر وقياداته وعلمائه ماضون -بحول الله وقوته- في طريق التطوير والتجديد والتميز والريادة، وكلنا أمل وتفاؤل أن تتحقق الرؤية، وتصل كليات طب الأزهر إلى الريادة محليا وإقليميا بتحقيق التميز في التعليم الطبي والبحث العلمي وخدمة جميع أطياف المجتمع.

ووجه وكيل الأزهر تهنئته وتحيته للخريجين والخريجات، قائلا لهم: «إنكم تجمعون بين الحسنين: الانتساب للأزهر الشريف بما يمثله من قيمة دينية وروحية وأخلاقية، باعتباره الهيئة الإسلامية الكبرى المنوط بها ذلك، والانتساب لمهنة عظيمة ذات شرف، تشكلون فيها على اختلاف تخصصاتكم حجر أساس في المنظومة الصحية لوطننا الحبيب مصر» متابعا: «أنا على يقين أنكم قادرون - بوعيكم الديني وحسكم العلمي على إدراك التحديات والمخاطر التي تحيط بوطننا وتحاك لنا، وتقف حجر عثرة في طريق تقدم هذا الوطن، وهذه التحديات تفرض علينا جميعا أن نقوم بواجبنا، وأن نتحمل الأمانة، وأن نكون صورة مشرقة ومشرفة للإسلام والمسلمين بطريق عملي، ولا أفضل ولا أقدر على نقل تلك الصورة منكم أطباء وطبيبات الأزهر الشريف».

وبين وكيل الأزهر، أن تحضر الإنسان وتقدمه مرتبط بالأخلاق، ولذلك عنيت الأديان والحضارات بها عناية بالغة منذ فجر الحضارات الأولى، وكان عماد الإسلام هذه المنظومة الأخلاقية التي تنقل الإنسان من الفوضى والعبثية إلى النظام والترقي، مؤكدا أننا ما أحوجنا إلى تلك الأخلاق والآداب والحدود التي يعمل الطبيب في إطارها، وضوابط العلاقة بين الطبيب والمريض، وما يجوز فيها وما لا يجوز.

وفي ختام كلمته، قال وكيل الأزهر: «نحن أمام حفل نجني فيه ثمرة التعب والسهر والأمال، وأثق تماما أن أبنائي الخريجين والخريجات وآباءهم وأمهاتهم لتمتلى قلوبهم اليوم فرحا وسعادة، ولكني أدعوكم إلى مزيد من الطموح والعمل والجد، وأوصيكم ألا تتوقف أحلامكم عند شهادة التخرج، وإنما أريدكم جميعا أن ترفعوا راية الأزهر فتكونوا إضافة جديدة في عالم الطب الأزهري»، وأن تسعوا للحصول على شهادة من الله - تعالى - بخدمة الناس ونفعهم، فتكونوا من خير الناس، مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الناس أنفعهم للناس»، كما أريدكم أن تحرصوا إلى جانب ذلك على دعوة الناس إلى الله تعالى، وتبثوا في قلوبهم الأمل والرجاء والتعاون».

مقالات مشابهة

  • وكيل الأزهر: الكليات العلمية بالأزهر تعيش نهضة حقيقية
  • صعبت عليه نفسه .. حمزة العيلي ينعي موظف الأوبرا هانى عبد القادر
  • الإيمان بالقدر.. جوهر العقيدة وثمرة اليقين بالله
  • كيفية الإجابة على أسئلة الأطفال الوجودية.. أين الجنة وكيف يرانا الله؟
  • ضرب نفسه بطلقه في قلبه.. شاب ينتحر بسبب تراكم الديون عليه بأسيوط
  • وكيل الأزهر يشارك في حفل تخريج دفعتين لطب الأزهر بدمياط
  • 15 سبب لقراءة أذكار النوم كل ليلة؟
  • حكم العجز عن الوفاء بنذر الصيام لكبر السن
  • مي العيدان تنتقد إليسا: بعد السرطان المفروض تتقربي من الله مو تهزي .. فيديو
  • أيها الإنسان.. أنت في ذمة الله.. لا في ذمة البشر