سودانايل:
2025-03-14@02:23:39 GMT

هل يرث دواعش البراء بن مالك السودان؟

تاريخ النشر: 21st, January 2025 GMT

كل ما يجري في السودان اليوم هو من صنيع قادة الحركة الإسلامية الذين تقع عليهم مسؤولية كبرى في تحمل الانتهاكات المنسوبة لطرفي القتال. أي تحليل خلاف هذا لا يحقق توصيفاً دقيقاً للأزمة السودانية التي تفاقمت منذ عام 1989. البلد الآن تدفع الثمن الباهظ لمغامرات الإسلاميين البراغماتية للاستيلاء على السلطة منذ استهلال تنظيمهم العمل السياسي في الخمسينات.

وتمثل حادثة استغلال معهد المعلمين في الستينات البذرة الأولى لعدم التعافي السياسي، وهي المرجعية التي من خلالها وطن الإسلام السياسي نفسه بدعم من جهات حزبية مدنية استجاب قادتها للمزايدة، والابتزاز، والإرهاب. وكان تبني الدستور الإسلامي بوصفه هادياً لمسار الدولة قد شكل البذرة الأولى التي عمقت الصراع مع الجنوبيين، وقسم من التيارات السياسية الشمالية.
تلك الفتنة هي التي ضيعت إمكانية نهوض السودان، وأفرزت تفاصيل سياسية استهلكت طاقة النخبة السياسية من بداية الاستقلال حتى يوم الناس هذا. ومن الناحية الثانية عمقت التشظي في نسيج المجتمع فانتهينا إلى أمة يصبح فيها ذبح الإنسان مدخلاً لعودة الإسلاميين للحكم مرة أخرى.
إن الحرب الحالية لم تكن وليدة اللحظة، فقد سبقتها
أسباب عديدة قبل حكم الحركة الإسلاموية عبر ما سمته الإنقاذ الوطني. ولكن بظهورها في المشهد السياسي عمقت الصراعات السياسية، وأوصلتها إلى قمة تعقيداتها البالغة في السوء. وبرغم سقوط حكم الإنقاذ إلا أن سدنته استداروا على الواقع السياسي بمكر كبير، ووظفوا وجودهم داخل القوات النظامية، والخدمة المدنية ليحاصروا المسعي الثوري الذي ترافق مع ثورة ديسمبر.
غالب النخبة المناوئة للإسلام السياسي لم يحسنوا الموقف ضد خطورة الإسلاميين أثناء حكمهم، وفي واقع ما بعد الثورة. ذلك بوصف أن الإسلام السياسي يعد مهدداً أساسياً لوحدة السودان، ولا وجود له متى ما سيطر مرة ثانية على الحكم. فتارة كانت تستجيب هذه النخبة للترهيب الذي بلغ مداه أثناء سيطرة الإسلاميين على مقاليد الحكم لثلاثة عقود، وتارة أخرى تستجيب للترغيب عبر عطايا سلطوية. وحتى بعد نجاح ثورة ديسمبر تساهلت حكومة الفترة الانتقالية في التعامل الجاد مع التركة المثقلة التي خلفتها تجربة المشروع الحضاري في إفساد الأوضاع السياسية. فهي كانت قبل مجيء الإسلاميين تتمحور حول قضايا محدودة ليس من بينها أي نوايا مؤسسة لانفصال الجنوب الذي مورس ضده الجهاد. كما ان الأوضاع السائدة انذاك لم تشهد حروب مناطق النزاع، ووجود مليشيات موازية للقوات المسلحة، وافتقاد البلاد للملايين من الكوادر المؤهلة في هجرتها للخارج، وتسييس الخدمة الوطنية المدنية والعسكرية، وتصاعد معدلات الفساد، وارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد المواطنين، والعزلة عن المجتمع الدولي، وتصعب فرص الإصلاح الحكومي.
الآن خلق الإسلاميون هذه الحرب لتعيد سيطرتهم على الدولة، والقضاء على أحلام ثورة ديسمبر، والانتقام ضد الشعب السوداني الذي أزاحهم عن السلطة. وما استثمار الإسلامويين للغش السياسي، وتوظيف مال الدولة المسروق غير المحدود، في هذا الحرب، سوى المفاضلة بين نهاية تامة لحقبتهم السياسية في أرض السودان وبين مقاومة أي مسعى ثوري لإعادة الأمور إلى نصابها، ومن ثم يمكن البناء على زخم الحلم التاريخي للسودانيين ببناء دولة مدنية تتأسس على الديمقراطية، والعدالة، والسلام.
وقد أدرك الإسلاميون أن الخطوات المبذولة إبان الفترة الانتقالية ستجردهم من الكسب غير المشروع الذي حققوه في دولتهم الاستبدادية، ولذلك فضلوا استثمار طاقاتهم الشريرة لقطع الطريق أمام ذلك الحلم السوداني حتى لو قضت الحرب التي اشعلوها على وحدة البلاد.
إننا نخشى، في ظل بروز التيارات الداعشية المساندة للجيش في حربه ضد الدعم السريع، أن ينتهي السودان إلى بؤرة جديدة لنسخ متطرفة من الإسلام السياسي. وقد شاهدنا أثناء هذه الحرب كيف أن تنظيم البراء بن مالك قد أعادنا إلى تذكر سنوات قليلة كانت فيها داعش قد أقلقت إقليم الشرق الأوسط، وهددت مستقبل الدول التي ازدهرت فيها حتى تم دحرها.
لا اعتقد أن هناك فرقاً جوهرياً بين الممارسة الداعشية للإسلام السياسي أثناء سيطرة المؤتمر الوطني على الدولة وممارسات البراء بن مالك طوال زمن هذه الحرب. ففي فترة حكم الترابي والبشير كان قتل المعارضين، وتعذيبهم، واغتصاب الرجال والنساء، وجلدهم، وقمع الحريات، عوامل مفتاحية استندوا عليها لتجذير الاستبداد الإسلاموي. والآن يبني البراءوون على ذلك التطرف الدموي كخطوة لترهيب السودانيين حتى يتسنى لهم الخضوع لشروطهم في إقامة دولة دينية جديدة أكثر بطشاً من السابقة إذا ما انتصروا في هذه الحرب.
النخبة السودانية المستنيرة الآن أمام تحدٍ حقيقي لبقاء السودان حراً، وموحداً، أو أن تسهم الحركة الإسلامية بأجنحتها الداعشية للسيطرة عليه، وذبح كل من قال "تسقط بس". وتلك خطوة مؤجلة لا تستثني هؤلاء الذين يدعمون استمرار الحرب بتلك الافتراضات الموهومة. ولذلك فإن وحدة المدنيين الديمقراطيين لتشكيل رأي عام صلب لإيقاف الحرب تمثل الهزيمة المؤكدة لتحول السودان إلى مرتع خصب للدواعش، ومتطرفي الإسلام السياسي.

suanajok@gmail.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الإسلام السیاسی هذه الحرب

إقرأ أيضاً:

دراما رمضان في السودان تحاول رصد واقع الحرب

وسط استمرار الصراع في السودان منذ قرابة عامين ونزوح كثيرين داخلياً ولجوء غيرهم لدول أخرى، حاول فنانون سودانيون تقديم أعمال درامية في شهر رمضان هذا العام ترصد واقع الأوضاع بينما يئن أبناء بلدهم تحت وطأة القتل والنهب والتشريد.
شهدت الدراما السودانية انتعاشة، تمثلت في زيادة الإنتاج، بعد أن تحررت من قيود الرقابة والسيطرة الأمنية، عقب سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير في أبريل 2019، لكنها تراجعت مرة أخرى بفعل الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، كما أدت الاشتباكات إلى تدمير أجزاء كبيرة من المسرح القومي، وتعرضت معظم دور السينما للنهب وتشتت صناع الدراما بين نازحين يقيمون بمراكز الإيواء في الداخل ولاجئين بدول الجوار.
وبجهود شخصية وإمكانات محدودة، حاول قائمون على هذه الصناعة تقديم أعمال فنية، رغم ما ينطوي عليه ذلك من صعوبات، سعياً لتجسيد واقع مرير يعيشه السودانيون، فلقيت انتقادات لاذعة من قطاع من الجمهور والنقاد، لضعف جوانبها الفنية بينما أشاد بها قطاع آخر؛ لأنها أنتجت في ظل ظروف قاسية.
وتقترب الحرب في السودان من إكمال عامها الثاني في أبريل المقبل، دون بوادر على حدوث أي تقدم نحو حل الصراع.

دراما رمضان وقضايا متنوعة
ومن بين الأعمال الأعلى مشاهدة هذا العام مسلسل “ديالا” الذي يعرض على موقع “يوتيوب”، وهو من بطولة أحمد الجقر، وإنتاج شركة “المزن” للإنتاج الفني. ويتناول المسلسل الذي تم تصويره بالكامل في مصر المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها معظم السودانيين في قالب كوميدي.
ويتناول مسلسل “هروب قسري” الانتهاكات التي يتعرض لها السودانيون، من قتل وهجمات إلى جانب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعانون منها جراء الحرب، وهو من إنتاج مصعب عمر وخديجة محمد، وهما من صناع المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي ومن تأليف وإخراج هيثم الأمين.

وقال عمر، المعروف على مواقع التواصل الاجتماعي باسم “زول سغيل” لـ”الشرق”، إن “المسلسل يوثق لحقبة زمنية مهمة من حياة الشعب السوداني، في إشارة إلى الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع”.
وأضاف: “نسلط الضوء على معاناة الناس من قتل ونزوح في ظل ظروف الحرب، فضلاً عن عكس الطريقة القاسية التي يهربون بها إلى دول الجوار بطرق غير شرعية”، مشيراً إلى أن إنتاج المسلسل جاء في ظل ظروف صعبة وضعف الإمكانيات ودون دعم من أي جهات، أنتجنا المسلسل بمجهود شخصي أنا وخديجة أمريكا من ترتيب اللوكيشن والمعدات وأجور الممثلين”.
وذكر أن تكاليف إنتاج المسلسل بلغت حوالي 20 ألف دولار أميركي.

تأثيرات الحرب
أما الممثل أبو بكر فيصل، فعاد خلال شهر رمضان بعد توقف سنتين بسبب الحرب عبر إنتاج “سلسلة جبريل”، وقال إن “هذا العمل كان من المفترض أن يكون مسلسلاً كاملاً، لكن للأسف وجودي خارج السودان وضيق الزمن منعني من ذلك”.
وأوضح فيصل لـ”الشرق”، أن السلسلة تشمل 15 حلقة تناقش تداعيات الحرب وآثارها وجرى تصويرها بين السودان ومدينة جدة السعودية، وتعرض على قناة “ويكاب” عبر اليوتيوب خلال رمضان.
وأكد أن للحرب تأثيرات مباشرة على الإنتاج الدرامي فهو عمل جماعي يتطلب وجود فريق متكامل في مكان واحد، لافتاً إلى أن هذا كان مستحيلاً؛ بسبب وجود صناع العمل في أماكن مختلفة جراء الحرب.
ويرى الناقد حسين علي، أن الدراما الرمضانية السودانية تحتاج إلى الكثير، مشيراً إلى أن الأفراد تطوروا كثيراً وبرز نجوم مثل محمود ميسرة السراج وإسلام المبارك ووضعوا بصمتهم في الوطن العربي، لكن المنظومة الدرامية الكاملة تحتاج إلى عمل كبير.
وقال علي لـ”الشرق”، إن أعمالاً مثل (ديالا وهروب قسري) تعاني من أخطاء فنية كبيرة، وشدد على ضرورة استفادة صناع الدراما الذين أجبرتهم الحرب إلى اللجوء خارج البلاد إلى الاستفادة من التجارب والخروج بأفكار واكتساب مهارات ومعارف جديدة لتقديم دراما حقيقية تعكس الواقع الاجتماعي خصوصاً في فترة ما بعد الحرب.
ضعف الإمكانات ونقص الأدوات
من جانبه قال الناقد هيثم الطيب، إن أغلبية الأعمال الدرامية “يمكن أن نصفها بأنها في دائرة اجتهاد ومحاولات إنتاج، هناك نقص حقيقي في أدوات العمل المختلفة، نحن نحاول فقط إنتاج دراما سودانية، وهي في الحقيقة مجرد صور مرئية متحركة هنا وهناك، الكتابة بها الخطايا الكثيرة من لغة وتناول القضايا والحوارات وفقرها الواضح في الأبعاد الأربعة في لغة السيناريو (توضيح، توصيف، تحليل، تفسير) وتكاد تكون كل الأعمال المنتجة خلال هذا الموسم متفقة في ضعفها”.
وأضاف:”نحن نفتقد مهنية في الكتابة أولاً لنصنع الصورة المرئية وعليه ما يأتي بعد ذلك يخرج بذات الضعف، لأن أساس العمل الدرامي (الكتابة بالمهنية والشكل الكامل لصناعة صورة درامية مرئية)، هل عرفت صورة درامية؟ إذن الكتابة الفقيرة في أدواتها لا تفعل ذلك والأغلبية من الإنتاج يدخل في تلك الدائرة المليئة بضعف هنا ونقص هناك”.
وذكر الطيب في مقابلة مع “الشرق” أن أغلبية الأعمال الدرامية تعاني من ضعف لغة تناول القضايا يتبع ذلك ضعف في لغة الحوارات نفسها وتوصيفها للأشياء المختلفة، مشدداً على أن “الكتابة صناعة كاملة ولها أدوات ووسائل رئيسة ومساعدة وتفاصيل متحركة ورؤية واضحة، لكن افتقدنا كل ذلك، كيف سيكون تقييمها أو وصفها بغير عبارة اجتهادات فقط، ولا زالت في نفس الاجتهادات كل عام بلا تطوير أو رؤية لرسم ملامح متميزة.. نحن نعمل على طريقة بالضرورة نكون هناك، وبالطبع هذه الطريقة العقيمة تضعنا أننا فاشلون كثيراً”.
وتابع: “لم نصل بعد لطريقة ممارسة النقاش الدرامي لقضية ما بوضعها وصفيا ثم تناولها إجرائياً، وبعد ذلك تفصيلاتها المتعددة وأشكال الصراع نفسها وتحليلية الأوضاع بشكل متحرك درامياً وليس بالطريقة التي نراها اليوم في أعمالنا تلك، وهي الطريقة التي تشبه صناعة صورة مرئية لتقارير إخبارية هنا وهناك”.

جواب لفكرة الحرب
ونوه إلى أن الدراما السودانية لم تقدم للعالم جواباً لفكرة الحرب القاتلة وما فيها، مشيراً إلى أنه “لا يوجد مسلسل وضع الحرب في محاصرة تقييمية كاملة وناقشها بالشكل المهني كصورة وأبعاد ورؤية، وكان يمكن للحركة الإنتاجية أن تكون قيمة دبلوماسية وتعريفية بشكل الحرب التي كانت في وطننا وتضعها كصورة وأبعاد للعالم وهذا ما كنا نطمح فيه”.
وقال:” يتحقق ذلك فقط لو كانت الأيادي التي تقوم بذلك ناجحة مهنياً وفكرياً، ولها الرؤية الراسخة في توظيف الصورة الدرامية إنسانياً ووطنياً، لكن الذي حدث إخفاق كامل”.
ويخوض الجيش السوداني حرباً ضد قوات الدعم السريع منذ أبريل 2023، بعد خلافات حول خطط لدمج الدعم السريع في القوات المسلحة في أثناء عملية سياسية للانتقال إلى حكم مدني.
وأدت الحرب إلى مقتل عشرات الآلاف ونزوح أكثر من 12 مليون سوداني، كما تسببت في واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم.

الشرق

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • المستشار السياسي السابق لـ”حميدتي” يكتب عن مستقبل الدعم السريع في السودان
  • حرب اللصوص- الوجه الحقيقي للصراع في السودان
  • على أبرسي.. وتبقى المآثر (2/2)
  • الشرعية تلوح مجددا بخيار الحرب وتتحدث عن الضرر الذي جاء من البحر الأحمر
  • المعارضة الصهيونية: نتنياهو يرفض دفع الثمن السياسي لوقف الحرب
  • هل تندلع الحرب في جنوب السودان مجددا؟
  • الإعلام الأمريكي يشيد بالأسلحة الروسية التي تفوق قدرات قوات كييف
  • السودان … إستشراف المستقبل بعد الحرب
  • جون ويندهام.. رائد الخيال العلمي الذي تنبأ بكوارث المستقبل
  • دراما رمضان في السودان تحاول رصد واقع الحرب