تُجسد مجموعة الفلسطيني سامر أبو هواش الشعرية، "من النهر إلى البحر"، تجربة أدبية تتجاوز حدود الكلمة لتصبح شهادة وجودية على مأساة الإنسان الفلسطيني، وحيرة البشرية في مواجهة الخراب والاغتراب، ففيها قدم أبو هواش نصوصًا محملة بالألم والرمزية، تنقل قارئها من العدم إلى بصيص أمل خافت، في رحلة أدبية تفتح أبوابًا للمعاناة والتأمل على حد سواء.

لغة مكثفة وأثر عاطفي عميق

تتميز لغة سامر أبو هواش، في عمله الصادر عن منشورات المتوسط مؤخرا، بكثافتها واختزالها، مما يجعل النصوص أقرب إلى انفجارات شعورية تنبع من عمق التجربة الإنسانية، فنجده يعتمد على التكرار كأداة أسلوبية محورية، تظهر بوضوح في السلسلة اللافتة التي تبدأ بـ"أردت أن أقول"، حيث تتحول الجملة إلى نواة فنية تحمل معاني متشعبة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2معزوفة اليوم السابع.. جديد الروائي الأردني جلال برجسlist 2 of 2تنصت على حكايات الجدران.. ثورة السجون في "ممرات" تونسend of list

سمحت تلك اللغة للصور الشعرية في المجموعة بأن تحاكي اللوحات البصرية، حيث يتجاور فيها الحسي والمجرد في تركيبة تنقل القارئ بين المشهد الواقعي والرمزية العميقة.

ففي قصيدة "الأنقاض"، يظهر مشهد اليد الممدودة من بين الشقوق كرمز للأمل المجهض، بينما تتحول المدينة في "المدينة الأخيرة" إلى حفرة تتجلى فيها نهاية الحضارة البشرية.

هنا، الخراب ليس مجرد مشهد مادي، بل حالة شعورية ومفهوم فلسفي يتخلل النصوص برمتها.

كزهر اللوز… أو أقرب. pic.twitter.com/HiInAkoH9b

— سامر أبو هواش (@samerabuhawash) November 20, 2020

بين الخراب والهوية

اختار صاحب هذا العمل ثيمات مركزية جعلها تدور حول الخراب الإنساني والهوية والشتات، فهو لا يعتبر الحرب حدثًا تاريخيًا بل حضورا دائما يلتهم كل شيء. في نصوص مثل "الضباع"، يتحول العنف إلى كائن حي، في حين تُبرز "جثث صغيرة" مآسي فقدان البراءة.

إعلان

الهوية، بدورها، تظهر كسؤال وجودي مستمر، كما في قصيدة "الرقم" التي تحول الإنسان إلى مجرد رقم محفور على الجبين، في إشارة إلى تجريد الفلسطيني من إنسانيته.

أما قصيدة "أهلي"، فتصور مأساة الجماعات المشتتة في عالم بلا وجهة، حيث يصبح الشتات تجربة وجودية تمتد خارج الإطار الفلسطيني لتلامس كل إنسان يبحث عن وطن أو معنى.

رغم سيطرة الخراب، تُضيء المجموعة ومضات من الحميمية والأمل، كما في قصيدة "أحملك يا صغيرتي"، حيث يتحول الحب الأبوي إلى قوة مقاومة للدمار.

في هذا النص، تتحول العلاقة بين الأب وطفلته إلى استعارة للحب كوسيلة للتغلب على الخسارة والوجع، ما يمنح القارئ شعورًا بأن العاطفة الإنسانية قادرة على مواجهة أكثر اللحظات قسوة.

رمزية المكان والإنسان

النصوص في هذه المجموعة تتجنب البناء التقليدي للقصيدة، لتقترب من كونها شظايا متناثرة تخلق معًا معرضًا للألم الإنساني. الرمزية، التي تُعتبر من أعمدة النصوص، تمنحها عمقًا وتفتح أبواب التأويل.

الضباع تتحول إلى تجسيد للوحشية العشوائية، والأطفال يظهرون كحَمَلة للبراءة المهدورة، بينما المكان يتحول إلى فضاء شعري يُعاد تشكيله ليعكس انهيار العالم. في قصائد مثل "أردت أن أقول البراءة"، يتم استخدام أعين الأطفال لنقل المأساة، إذ تتحول إلى مرايا لآلام لا تزال تعصف بالعالم.

ورغم أن المجموعة تنبع من سياق فلسطيني واضح، فإنها تتجاوز هذا الإطار لتصبح تأملًا عالميًا في معاناة الإنسان. سامر أبو هواش يلتقط مأساة الفلسطيني ويعيد صياغتها لتصبح شهادة أدبية تُخاطب كل فرد عانى من التشريد أو القهر.

في قصيدة "الرَّقْم"، يتحدث عن الفلسطيني كإنسان أُفرغ من هويته، لكن النصوص في مجملها تتجاوز السياق المحلي لتُبرز قضايا إنسانية عامة.

تسلط المجموعة الضوء أيضًا على فكرة الموت بوصفه جزءًا من الذاكرة الجمعية. الموت هنا لا يظهر فقط كحالة فردية، بل كمفهوم يربط بين الأجيال والقصائد، حيث تصبح النصوص أشبه بمرثية ممتدة تحمل في طياتها الحزن والاحتجاج معًا.

إعلان

هذه العلاقة بين الموت والذاكرة تبدو أكثر وضوحًا في النصوص التي تركز على البراءة المفقودة للأطفال، وكأن الكاتب يعيدنا إلى فكرة الفقد كحالة أبدية تتكرر عبر التاريخ.

السياق السياسي حاضر بقوة في النصوص، لكنه لا يأتي في شكل مباشر. بدلًا من ذلك، يستخدم أبو هواش الرمزية والتصوير الفني ليجعل القارئ يشعر بالمأساة دون أن يُلقى عليه عبء السرد التاريخي.

قصائد مثل "أهلي" أو "المدينة الأخيرة" تُبرز أثر الاحتلال والاستعمار، لكنها لا تُختزل في ذلك، بل تُقدم تأملًا فلسفيًا عن الإنسان والهوية في عالم مهدد.

يلاحظ أيضا أن أبو هواش حرص، في معظم قصائد هذه المجموعة، على أن يشكل الإيقاع الداخلي للنصوص جزءًا لا يتجزأ من قوتها، فمن خلال التكرار والتنقل بين الصور الحسية والمجردة، تُحدث النصوص تحولًا عاطفيًا داخل القارئ. الموسيقى الداخلية هنا ليست مجرد زخرفة بل وسيلة للتعبير عن الألم وتحويله إلى تجربة جمالية.

سامر أبو هواش لا يقدم قصائد تُقرأ وتُنسى، بل نصوصًا تعيش مع قارئها، تُعيد تشكيل أفكاره وتفكيره حول الهوية (مواقع التواصل) عن مأساة العالم المعاصر

رغم كل هذا العمق، قد يجد القارئ بعض النصوص مغلقة أو ثقيلة بسبب التركيز العالي على الرمزية والاختزال. ومع ذلك، فإن هذا الانغلاق ذاته يُبقي النصوص حية في ذهن القارئ، إذ تتطلب قراءات متعددة لفك شِفراتها.

"من النهر إلى البحر" ليست مجرد مجموعة شعرية، بل شهادة إنسانية على مأساة العالم المعاصر. سامر أبو هواش يكتب نصوصًا تقاوم النسيان، وتفتح المجال للتأمل في أسئلة لا إجابة سهلة لها. بمزجه بين المأساة والجمال، يقدم عملًا أدبيًا جديرًا بأن يُعتبر جزءًا من الأدب الإنساني العالمي.

المجموعة ليست فقط تأملًا في معاناة الفلسطيني، بل في معاناة كل إنسان يُحاول أن يجد موطئ قدم في عالم يعج بالخراب والاغتراب.

سامر أبو هواش، عبْر هذه النصوص، يُجسد الألم كحقيقة إنسانية لكنه يحوله إلى فن خالد، يجعل من الكتابة مقاومة في وجه الفناء.

إعلان

في النهاية، هذا العمل هو دعوة للقارئ للبحث عن الأمل في خضم المأساة، واكتشاف جمال الكتابة التي تعبر عن تجربة إنسانية عميقة بكل تعقيداتها وآلامها. سامر أبو هواش لا يقدم قصائد تُقرأ وتُنسى، بل نصوصًا تعيش مع قارئها، تُعيد تشكيل أفكاره وتفكيره حول الهوية، المعاناة، والقدرة على الاستمرار.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات فی قصیدة نصوص ا التی ت

إقرأ أيضاً:

نهر يغلي في قلب الأمازون “يسلق ضحاياه أحياء”

كشف فريق من العلماء عن نهر فريد من نوعه في أعماق غابات الأمازون، حيث تصل حرارة مياهه إلى درجة الغليان، ما يجعله قادرا على سلق أي كائن حي يسقط فيه.

يعرف هذا النهر باسم “شاناي تيمبيشكا”، ويعني اسمه “المغلي بحرارة الشمس”، ويقع في منطقة مايانتوياكو في بيرو.
ولفت النهر انتباه العالم لأول مرة عام 2011، عندما قرر الجيولوجي والمستكشف أندريس روزو التحقق من صحة الأسطورة المتداولة عنه. وفي البداية، اعتقد روزو أن وجود نهر يغلي طبيعيا أمر مستحيل، نظرا لعدم وجود براكين نشطة قريبة. لكنه تفاجأ عند زيارته للنهر بقياسات مذهلة، حيث سجلت المياه حرارة بلغت 100 درجة مئوية، وهي كافية لإحداث حروق من الدرجة الثانية أو الثالثة في غضون ثوان.
ووصف روزو التجربة قائلا: “الهواء الساخن المنبعث من النهر يحرق الأنف والرئتين عند استنشاقه. كما شاهدت كائنات، مثل الطيور والزواحف، تسقط في الماء وتطهى فورا. الكائنات المعقدة مثلنا لا تستطيع تحمل درجات الحرارة المرتفعة مثل هذه”.
وتعود هذه الظاهرة النادرة إلى الينابيع الساخنة الجوفية التي تغذي النهر عبر تصدعات في القشرة الأرضية. وعندما تهطل الأمطار، تتسرب المياه إلى الصخور المسامية، حيث تتعرض للحرارة الداخلية للأرض. وبعد ذلك، تُجبر المياه الساخنة على الارتفاع عبر الصدوع، ما يؤدي إلى تدفق مياه شديدة السخونة إلى سطح الأرض، محوّلة النهر إلى مجرى مائي يغلي بشكل طبيعي.
ويرى العلماء في جامعة ميامي أن نهر “شاناي تيمبيشكا” قد يكون بمثابة تجربة طبيعية لفهم تأثير الاحتباس الحراري.
وأوضح رايلي فورتير، المعد الرئيسي للدراسة، أن ارتفاع درجات الحرارة سيؤثر حتما على بيئة الأمازون، قائلا: “النهر يوفر لنا نافذة على مستقبل الأمازون. فمع ازدياد سخونة المنطقة، سنفقد بعض الأنواع النباتية، وسيتغير تكوين الغابة بشكل جذري”.
وأثار العلماء قلقا كبيرا من أن الاحتباس الحراري قد يجعل الأمازون أقل تنوعا بيئيا. وأضاف فورتير: “إذا استمرت درجات الحرارة في الارتفاع، فإن النظام البيئي للغابة المطيرة سيتغير بالكامل. قد نفقد أنواعا حيوية، ما سيؤثر على توازن الطبيعة بشكل لا رجعة فيه”.
جدير بالذكر أن العلماء زاروا الموقع عام 2022 وأجروا دراسة شملت 70 موقعا على طول النهر، حيث لاحظوا أن تنوع النباتات يتناقص كلما ارتفعت درجة حرارة المياه. ولم تستطع إلا قلة قليلة من الأنواع النباتية البقاء في المناطق الأكثر حرارة، ما قد يكون مؤشرا لما قد يحدث لغابات الأمازون مستقبلا.

المصدر: ديلي ميل

مقالات مشابهة

  • انطلاق منافسات مسابقة بورسعيد الدولية بمشاركة 33 دولة.. صور
  • سامر كابرو يطرح أغنيته الجديدة "اعترفلك" في عيد الحب
  • نهر يغلي في قلب الأمازون “يسلق ضحاياه أحياء”
  • خبراء يحذرون من مخاطر الكتابة غير اليدوية.. هذا أثرها على اللغة والذاكرة
  • الفريق ربيع: الأوضاع الراهنة بمنطقة البحر الأحمر تشهد مؤشرات إيجابية
  • سامر أبو لطيـف رئيساً لمايكروسوفت أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا
  • حكم قول "بلى" بعد قوله تعالى: ﴿أليس الله بأحكم الحاكمين﴾
  • الاتفاق ينهي علاقته بـ جيرارد رسميًا
  • “اللجنة” لصنع الله إبراهيم: كيف تسائل الرواية أنظمة القهر؟
  • المنتدى الإسلامي يختتم ندوة «علم التفسير وأدواته»