ما وراء النشاط الأميركي الجديد في الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 20th, August 2023 GMT
توصلت واشنطن وطهران في وقت سابق من هذا الشهر إلى صفقة لمبادلة سجناء إيرانيين في الولايات المتحدة بسجناء أميركيين لدى إيران، والإفراج عن مليارات الدولارات من الأموال الإيرانية المجمدة في الخارج. بعد فترة وجيزة من الإعلان عن الصفقة، ذكر مسؤولون أميركيون أن إيران أبطأت بشكل كبير وتيرة تكديسها لليورانيوم المخصب الذي يُستخدم في صنع الأسلحة، وخفضت بعض مخزوناتها فيما يبدو أنّه جزء من الصفقة.
يعكس النشاط الأميركي الجديد في الشرق الأوسط رغبة واشنطن في العودة إلى لعب دور مؤثر في ديناميكية السياسات الإقليمية، في وقت يثير فيه تراجع علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها في المنطقة شكوكًا حول مستقبل دورها. عندما قام بايدن بأول زيارة للمنطقة في يوليو/تموز العام الماضي، تلك التي شملت السعودية وإسرائيل والأراضي الفلسطينية، كان هدفه الرئيسي هو إقناع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، بضخ المزيد من النفط في الأسواق العالمية لكبح ارتفاع الأسعار الذي نجم عن الحرب الروسية في أوكرانيا. بعد أكثر من عام على تلك الزيارة، وما شهده الشرق الأوسط من تحولات كبيرة، منها التقارب بين إيران والسعودية وتزايد الانخراط الصيني في المنطقة، يبدو أن بايدن أصبح مقتنعًا بأن التراجع عن دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط قد يجلب مخاطر تفوق المكاسب المتوقعة. ونتيجة لهذه القناعة، بدأت الولايات المتحدة في سلسلة من المبادرات التي تهدف في الغالب إلى تهدئة مخاوف حلفائها الخليجيين بشأن التزامها الأمني في المنطقة، والتعامل مع المخاطر الجديدة التي ظهرت.
يُمكن تلخيص الفوائد المتصورة للتأرجح التركي بثلاث فوائد أساسية:
أولًا: بروز الصين كونها مهددا لمكانة الولايات المتحدة في المنطقة أدى إلى زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ السعودية بعد نحو خمسة أشهر من زيارة بايدن. تضمنت هذه الزيارة اتفاقيات اقتصادية كبيرة بين البلدين، وتمكنت بكين بعد ذلك من رعاية اتفاقية لتطبيع العلاقات بين الرياض وطهران، مما حذرت منه إدارة بايدن بشأن عواقب التراجع في المنطقة. أصبح من الواضح أن بكين رأت في التراجع الأميركي فرصة لإزاحتها كقوة مهيمنة في المنطقة. وعلى عكس واشنطن، التي اعتمد حضورها القوي في الشرق الأوسط لثمانية عقود على تحالفاتها الوثيقة مع قوى فاعلة مثل دول الخليج وتركيا وإسرائيل، فإن الصين تمتلك ميزة إقامة شراكات أوسع تشمل مختلف الفاعلين، وبشكل خاص السعودية وإيران. ثانيًا: التوجه السعودي في ازدياد نحو الصين. مع أن الدور الذي لعبته بكين في التقارب السعودي الإيراني قد يخدم، من منظور إستراتيجي، رغبة الولايات المتحدة في الحد من مخاطر اضطرابات أمنية إقليمية واسعة النطاق، إلا أنه في الواقع يعمل على دفع الرياض إلى تعزيز شراكاتها الناشئة مع الصين وروسيا. بالنظر إلى الأهمية المتزايدة التي كسبتها منطقة الخليج في السياسات الدولية، خصوصًا بعد الحرب الروسية الأوكرانية وعلى صعيد سياسات الطاقة العالمية، فهي تحظى باهتمام خاص في المنافسة الجيوسياسية العالمية. من الفوائد المتوقعة للولايات المتحدة في منح السعودية ضمانات أمنية مستقبلية هو أنها ستعمل كمحفز قوي لإقناع الأمير محمد بن سلمان بعدم المضي قدمًا في تعزيز العلاقات مع بكين وموسكو. ثالثًا: تصاعد مخاطر البرنامج النووي الإيراني. كنتيجة لوصول مفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي بين طهران والغرب إلى طريق مسدود، عادت إيران مجددًا إلى تسريع عملية تخصيب اليورانيوم، وكذلك تصاعدت مخاطر تطور حرب الظل بين إيران وإسرائيل إلى مواجهة عسكرية، خصوصًا مع عودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة. إضافة إلى ذلك، تعتقد إيران أن التراجع الأميركي يشكل لها فرصة لتعزيز نفوذها الإقليمي. أما التعاون العسكري المتنامي بين إيران وروسيا، وهو الذي ساعد موسكو جزئيًا في حربها على أوكرانيا، فقد أظهر أن التعثر في مفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني قد يدفع إيران إلى الانخراط الوثيق جنبًا إلى جنب مع روسيا والصين في المنافسة الجيوسياسية العالمية مع الغرب. كل هذه الأسباب دفعت إدارة بايدن مؤخرًا إلى فتح قناة للحوار مع إيران من خلال صفقة تبادل السجناء. يُتوقع أن تشجع هذه الاتفاقية إيران على إبطاء برنامجها النووي والنظر في فوائد الإبقاء على قنوات الاتصال مفتوحة مع الغرب لإعادة إحياء الاتفاق النووي في المستقبل. رابعًا: عودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة وتشكيله لأكثر الحكومات تطرفًا في تاريخ إسرائيل لم تؤد فقط إلى زيادة مخاطر الحرب بين إسرائيل وإيران والأعباء الأمنية التي تفرضها على الولايات المتحدة في المنطقة، بل أيضًا أشعلت مخاطر تفجر صراع فلسطيني-إسرائيلي. من الفوائد المتوقعة لعودة الولايات المتحدة إلى ممارسة تأثيرها بقوة على السياسة الإسرائيلية هي التقليل من مخاطر اندلاع حرب مع إيران وتصاعد الصراع مع الفلسطينيين، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات العربية-الإسرائيلية الجديدة من خلال إشراك السعودية في اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل. ومن شأن تشجيع التطبيع المحتمل بين الرياض وتل أبيب، بالإضافة إلى التفاعلات القوية بين حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة مثل الخليج وتركيا وإسرائيل، أن يعزز قدرة الحلفاء في المستقبل على الاعتماد على أنفسهم بمشاركة أميركية أقل في إدارة شؤونهم.في ضوء ذلك، لا يمكن اعتبار النشاط الأميركي الجديد مؤشرا على تغيير جذري في مقاربة الولايات المتحدة لدورها في الشرق الأوسط على المدى البعيد، أو أنه يعكس رغبتها في مواصلة انخراطها بقوة في قضايا المنطقة، بقدر ما يهدف إلى إدارة عملية تخفيف الارتباط مع المنطقة بطريقة تحد من الآثار الجانبية على مصالح الولايات المتحدة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی فی الشرق الأوسط فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
هل تتنهي حروب إسرائيل في 2025؟
منذ الهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، انخرطت إسرائيل في سلسلة من النزاعات ضد إيران ووكلائها، قائلة إنها تريد استئصال التهديدات الأمنية التي يشكلونها، بحيث لا يتكرر مثل هذا الهجوم.
نتانياهو يحتاج إلى إطالة أمد الحرب المروعة في غزة لتجنب المحاكمة
وكتب المحرر الرئيسي في مجلة "نيوزويك" الأمريكية شاين كروتشر، أن إسرائيل سعت إلى تدمير حماس في غزة وحزب الله في لبنان، ووجدت نفسها في نزاع مباشر مع إيران، الممول الرئيسي لهذه المجموعات، حيث تبادل الجانبان إطلاق الصواريخ، دون أن تندلع حرب شاملة بينهما، حتى الآن.
وبعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، قصفت إسرائيل عدداً من الأهداف هناك، على غرار مخازن للأسلحة الكيميائية.
وبحلول العام المقبل الذي سيجلب بعداً جديداً لسياسة الشرق الأوسط -مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض- سألت نيوزويك عدداً من الخبراء: هل ستنتهي حروب إسرائيل في الشرق الأوسط في عام 2025؟.
Will Israel's wars in the Middle East end in 2025? https://t.co/lSi1nN13HP via @Newsweek
— Nino Brodin (@Orgetorix) December 26, 2024
أستاذ العلاقات الدولية في جامعة لندن للاقتصاد فواز جرجس، قال إن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي الذي مر عليه 100 عام، لن ينتهي إلا عندما تنهي إسرائيل احتلالها للأراضي الفلسطينية، وتمنح جيرانها حق تقرير المصير.
وأضاف أن الجولة الحالية من الأعمال العدائية المكثفة ستنتهي عام 2025، ولكن ستكون هناك جولات أخرى عاجلاً أم آجلاً. وكما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو مراراً وتكراراً، فإن وقف النار بين إسرائيل وحزب الله ووقف النار (المحتمل) بين إسرائيل وحماس، لا يعني نهاية حروب إسرائيل. ويعارض كل من الائتلاف الذي يقوده نتانياهو والمعارضة بشدة إقامة دولة فلسطينية مستقلة. إذا كان الأمر كذلك، فإن إسرائيل تواجه خطر حرب إلى الأبد.
ورأى نائب رئيس كرسي "يونا ودينا إيتنغر" للتاريخ المعاصر للشرق الأوسط، بجامعة تل أبيب إيال زيسر، أن إسرائيل حققت خلال العام الماضي معظم أهدافها في الحرب، التي شنتها حماس وحزب الله ضدها مطلع أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
وأضاف أن حماس هُزمت كقوة عسكرية وحكومية في غزة، وتلقى حزب الله ضربة موجعة حرمته من القدرة على ردع إسرائيل وتهديدها. وفي سوريا، سقط نظام بشار الأسد، وتم صد إيران وإضعافها وردعها. وهذه ظروف مواتية لإنهاء حروب إسرائيل خلال عام 2025، وترجمة الإنجازات العسكرية إلى تحرك سياسي مع الدول العربية المعتدلة، وربما أيضاً مع الفلسطينيين. وليس من الواضح ما إذا كان هذا يخدم المصالح السياسية لنتانياهو، أو ما إذا كان قادراً على القيام بمثل هذه الخطوة، بسبب ضغوط من شركائه السياسيين.
وقال أستاذ العلوم الحكومية بجامعة جورج تاون في قطر مهران كامرافا، إنه في عام 2022، شبه رئيس الوزراء وقتها، نفتالي بينيت، إيران بالأخطبوط الذي تحاول مخالبه – حزب الله وحماس والحوثيون وما إلى ذلك – خنق الشرق الأوسط، ودعا بينيت إلى قطع رأس الأخطبوط، وهذا لم يحدث بعد.
Netanyahu: The war is expected to continue until 2025. pic.twitter.com/jz59TBGLQy
— Warfare Analysis (@warfareanalysis) January 16, 2024
وأضاف أنه باستخدام استعارة بينيت، فإن معظم مخالب الأخطبوط قد تم إضعافها بشدة، إن لم يتم القضاء عليها تماماً. ومتشجعة بنجاحاتها العسكرية منذ أواخر عام 2023، وبقيادة رئيس وزراء محاصر سياسياً مع الكثير من القضايا القضائية المعلقة فوق رأسه، من غير المرجح أن توقف الحكومة الإسرائيلية حملتها القائمة على استعداء الأخطبوط الإيراني. لكن ترامب الحليف الأكبر لنتانياهو، لا يحب الحروب - فهي ليست جيدة للأعمال – وتالياً، فإن سعي إسرائيل إلى شن حرب واسعة النطاق أمر غير مرجح.
وقال مدير برنامج إيران معهد الشرق الأوسط أليكس فاتانكا، إنه من الصعب جداً تصوير سقوط نظام الأسد بأي شكل من الأشكال، سوى بأنه خسارة لإيران و"محور المقاومة".
وأضاف أن جميع المحللين الإيرانيين يتفقون على ذلك، ويتفق معظمهم أيضاً على أن الأشهر الأربعة عشر الماضية - منذ هجمات 7 أكتوبر التي شنتها حماس على إسرائيل - كانت أسوأ عام بالنسبة لمحور المقاومة. وكما نعلم، كان الموقف الدفاعي الإيراني في العقود الماضية مبنياً على 3 ركائز: البرنامج النووي، والصواريخ، واستخدام الوكلاء الموالين لإيران في أنحاء المنطقة. وفي قلب هذه الاستراتيجية تكمن فكرة أن على إيران أن تقاتل الأمريكيين للخروج من الشرق الأوسط. وبمجرد خروج أمريكا من المنطقة، ستسقط إسرائيل، وهكذا كان تفكير المرشد الإيراني علي خامنئي.
وبحسب الأستاذ الفخري للعلاقات الدولية في كلية سانت أنطوني بجامعة أكسفورد آفي شلايم، فإنه من غير المرجح أن تنتهي حروب إسرائيل في الشرق الأوسط عام 2025 أو في أي وقت، في المستقبل المنظور.
ورأى أن السبب المباشر لذلك هو أن نتانياهو يحتاج إلى إطالة أمد الحرب المروعة في غزة لتجنب المحاكمة في الداخل، بتهم الفساد التي تنطوي على عقوبة السجن. والسبب الأعمق هو أن إسرائيل دولة استعمارية استيطانية مدمنة على الاحتلال والتطهير العرقي والتوسع الإقليمي. وتطالب الحكومة الحالية بالسيادة اليهودية على كامل أرض إسرائيل التي تشمل الضفة الغربية، وتالياً تمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة. وهذه وصفة للصراع الدائم.