لبنان ٢٤:
2025-03-04@01:34:16 GMT

عن أي فصل بين النيابة والوزارة يتحدثون؟

تاريخ النشر: 21st, January 2025 GMT

الغريب العجيب والشيء ونقيضه هو ما يتميز به لبنان من بين كل الدول والامم في تركيب سلطاته التي غيّر اتفاق الطائف في آلياتها وصلاحياتها ولكنه لم يغير العادات في تركيبها والاساليب رغم ان اللبناني هو نظام جمهوري برلماني ديموقراطي يفترض ان يكون هناك فعلا فصل بين السلطات من دون اسقاط توازنها وتعاونها. والنص واضح في الدستور ويشدد على مبدأ "الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها".

والمقصود هنا فقط السلطة التنفيذية ( مجلس الوزراء) والسلطة التشريعية (مجلس النواب) والسلطة القضائية (مجلس القضاء الاعلى).
هذا الغريب العجيب يتحدث عنه سياسيون "طائفيون"(نسبة الى اتفاق الطائف)لمناسبة الحديث عن الفصل بين النيابة والوزارة في تشكيل حكومة الرئيس المكلف القاضي نواف سلام. وطبعا المقصود بهذا "الفصل" الاتيان بوزراء من غير النواب.  
عند تشكيل الحكومات، يقول هؤلاء السياسيون، لا تراعى كل هذه مبادىء الفصل بين السلطات وانما تراعى فقط المحاصصات في اختيار الوزراء والحقائب الوزارية التي تسند اليهم وتوزيعها على الكتل النيابية والسياسية، وكذلك المحاصصات في التعيينات في المواقع القضائية والادارية وغيرها من المواقع الحساسة.
ـ اولا السلطة التشريعية التي تضم نوابا يمثلون "الامة اللبنانية" حسب التعبير الدستوري الوارد في  نص اليمين الذي يحلف به رئيس الجمهورية امام النواب بعد انتخابه. صلاحيتها الاساسية هي اولا التشريع في كل ما يخدم الشعب والدولة من خلال سن القوانين والتشريعات اللازمة لهذا الغرض، وصلاحيتها ثانيا مراقبة اعمال السلطة التنفيذية التي تحكم على اساس الثقة التي يمنحها اياها المجلس النيابي بعد مناقشتها في برنامجها (البيان الوزاري)، حتى اذا اخطأت او فشلت ينزع منها الثقة ويسقطها، ولكن نادرا ما اسقطت المجلس النيابية حكومات ونزعت منها الثقة منذ الاستقلال وحتى اليوم. 
لماذا؟ لانه لا يمكن لمجلس نيابي أن يسقط حكومة هو ممثل فيها بكل كتله او على الاقل بغالبيتها، وكيف لمجلس ان يحاسب نفسه ويسقط حكومة ما كانت لتحكم من دون الثقة التي يمنحها اياها في جلسة تسمى "جلسة الثقة"، والتقة المقصودة هنا هي الثقة ببرنامجها الذي يناقشه المجلس ويصوت على هذه الثقة به بأكثرية الحاضرين في الجلسة سواء كانوا يشكلون اكثرية مطلقة او مرموقة او موصوفة او ما دون. والاعتقاد ان هذه المسألة تشكل ثغرة في الدستور يفترض ان تعالج بحيث ينبغي على الحكومة ان تنال تأييد الاكثرية المطلقة على الاقل حتى تتمكن من الحكم.
ولكن حتى يتمكن المجلس النيابي من مراقبة عمل الحكومات وادائها لكي يثني عليها او ينزع التقة منها، ينبغي اعتماد الفصل الفعلي بين وظيفتي النيابة والوزارة، بحيث يتحرر المجلس من التغاضي عن اسقاط الحكومة لانه ممثل فيها، وذلك بالاخذ مثلا بالنظام الفرنسي الذي يفصل عمليا بين النيابة والوزارة خلافا للدستور اللبناني المأخوذ اساسا من  دستور الدولة الفرنسية التي كنت منتدبة للبنان قبل استقلاله عن الانتداب الفرنسي عام 1943. ففرنسا طورت دساتيرها وصارت في الجمهورية الخامسة او السادسة أو أكثر، فيما لبنان لايزال في الجمهورية الثانية، أو الاولى، حيث النقاش في هذا الامر من ان بدأ العمل بـ"دستور الطائف" لم يرسِ لبنان بعد على اي من هاتين الجمهوريتين فـ"الميثاقيون"(نسبة الى ميثاق 1943) ما زالوا يعتبرون ان لبنان ما زال في "الجمهورية الاولى" فيما "الطائفيون"( نسبة الى اتفاق الطائف) او "الوثاقيون"(نسبة الى وثيقة الوفاق الوطني المعروفة باتفاق الطائف) يعتبرون ان لبنان دخل في "الجمهورية الثانية" بعد "الطائف".    
على ان الفرنسيين يقيمون فصل محكما بين النيابة والوزارة، فالنائب في الجمعية الوطنية الفرنسية اذا اختير وزيرا يستقيل من عضويته النيابية ليحل مكانه "نائب الظل"، اي المرشح الذي يكون نافسه في دائرته الانتخابية ونال أصواتا ادنى منه في الانتخابات النيابية. في حين أن النائب في لبنان اذا اختير وزيرا يبقى نائبا ولا يتغير في الامر شيء سوى راتبه الشهري بحيث يتقاضى راتب الوزير ويتوقف راتبه النيابي، وعندما يخرج من الوزارة يعود الى عمله النيابي الذي لم يخرج منه اصلا.  اما الوزير الفرنسي اذا خرج من الحكومة فيعود الى بيته ويمكن ان بفكر في الترشح للنيابة في دورة انتخابية لاحقة.
ولذلك وطالما ان ليس هناك أي فصل فعلي بين النيابة والوزارة في لبنان، لا يمكن للسلطة الرقابية على الحكومة ان تستقيم، علما انها  لا يمكن ان تستقيم ايضاً ان تركت للكتل النيابية حرية ان تسمي شخصيات غير نيابية لتمثيلها في الحكومة لأن الامر سيكون مؤداه انها لن تحاسب حكومة ممثلة فيها من خلال هذه الشخصيات.
مواصفات النائب
وفي السلطة التشريعية ايضا، يقول الدستور ان كل لبناني في الحادي والعشرين من العمر وغير مرتكب اي جنحة شائنة يحق له الترشح للنيابة على قاعدة ان الدستور لا يفرق بين اللبنانيين كمواطنين، ولكن هذا الدستور لم يفرض او يحدد مؤهلات العلمية والمواصفات التي يفترض توافرها في المرشحين ( وهذه من التغرات في الطائف)، فأي مرشح حتى ولو كان أميا يمكنه ان يصبح نائبا اذا نال عدد الاصوات التي تمكنه من الفوز. وفي هذه الحال كيف لهذا النائب ان يشرع طالما انه لا يفقه شيئا في القانون والتشريع؟ ولذلك لا يمكن اعتبار ان كل اعضاء المجلس النيابي الحالي وفي المجلس السابقة اساتذة في التشريع، بل ان بينهما ما لاينبغي ان يكون نائيا لانه لا يتمتع بالمواصفات المطلوبة، كما ان بين النواب من يحملون جنسيات أحرى الى جانب الجنسية اللبنانية، فيما يجب ان يلزمه القانون بالجنسية الوطنية وان يتخلى عن الجنسية الاجنبية كشرط لقبول ترشيحه، فحاملو الجنسيات المزدوجة وحتى المثلثة اذا اجتمعوا على بعضهم من شأنهم ان يشكلوا "كتلا نيابية" في المجلس تمثل الدول التي يحملون جنسيتها، فهل يجوز ان يكون مجلس النواب اللبناني مجلسا لشعوب اخرى غير الشعب اللبناني؟ وهل ان هؤلاء مطلوب منه سن تشريعات او التصويت على مشاريع القوانين وتقديم اقتراحات القوانين التي تخدم مصالح الدول التي يحملون جنسياتها بعيدا عما يخدم مصلحة لبنان؟
ولذلك، يقول السياسيون انفسهم، قد يكون من الاصلاحات المطلوبة تشكيل هيئة قانونية متخصصة لدرس طلبات الترشيح وتحديد مدى ملاءمتها مع المؤهلات والمواصفات المطلوي توافرها بمن سيكون نائبا يمثل الشعب في البرلمان.فلبنان ليس افضل من بقية الدول ولا سيما الدول الغربية منها التي تحدد المواصفات والمعايير الواجب توافرها في المرشحين للعمل النيابي وحتى في المواقع الأخرى في تلك الدول.
الحكومة وحصة الرئيس؟
ثانيا، السلطة التنفيذية، منذ التوصل الى اتفاق الطائف الذي صار دستور البلاد تتكرر والاخطاء والارتكابات الدستورية في الحقبة السورية سابقا وبعدها والى اليوم. واولى هذه الاخطاء وافدحها هو اخراج رئيس الجمهورية من موقعه الحَكَم بين المؤسسات وكـ"رئيس للدولة ورمز وحدة الوطن" الى موقع الطرف في اللعبة السياسية الداخلية من خلال اعطائه "حصة وزارية" للحكومة كانت سبب فشل عهود بعض الرؤساء السابقين،لان الاخرين اعتبروهم فريقا في السياسة وراحوا يصوبون عليهم ويورطوهم في النزاعات والخلافات السياسية الداخلية، فيما دور الرئيس هو ان يكون الجامع والراعي الصالح للدستور والقوانين والمؤسسات والموجه والخالي من اي مصلحة خاصة او سياسية. ويبدو ان الرئيس جوزف عون متنبه لهذا الامر منذ البداية من خلال ما قاله في خطاب القسم وتشديده على دور رئيس الجمهورية الحكم بين الجميع، ولن يتورط في اخذ حصة وزارية،ولكن  سيكون له رأي في مواصفات الوزراء الذين سيعينون في مختلف الوزارات انطلاقا من الحرص على تأليف حكومة يمكنها ان تنجح في المهمات الكبيرة التي تنتظرها، وهي مهمات كابد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي طويلا في تحملها، واستطاع تمكين البلاد من عبور مرحلة صعبة والحفاظ على وحدتها.
السلطة القضائية
ـ ثالثا، السلطة القضائية: يقضي اتفاق الطائف والدستور الذي انبثق منها باقامة السلطة القضائية المستقلة عن اي تدخلات سياسية وغيرها، بما يجعل القضاء منزها عن اي مؤثرات او تأثيرات تجعله قضاء غير عادل او فاسد، واول خطوة لاقامة مثل هذه السلطة ولتحقيق استقلالية القضاء هي ان تكون لها الصلاحية المطلقة في تكوين بينانها بنفسها بعيدا من السلطة التنفيذية او اي سلطة بديلة، اذا لا يعقل ان يكون القضاء مستقلا ورئيس مجلس القضاء وغيره من المواقع القضائية يتم بقرارت تتخذها السلطة التنفيذية اي السلطة السياسية، ناهيك عن التدخلات في تعيين قضاة المحاكم والنيابات العامة وغيرهأ. المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: السلطة التنفیذیة السلطة القضائیة المجلس النیابی اتفاق الطائف نسبة الى من خلال فصل بین ان یکون لا یمکن

إقرأ أيضاً:

الحكومة أمام تحدي معالجة أسباب إدراج لبنان على اللائحة الرمادية

وضعت الحكومة نفسها أمام تحدّي معالجة الأسباب التي أدت إلى إدراج لبنان على اللائحة الرمادية، بقرار اتخذته مجموعة العمل المالي (FATF)؛ حيث شكّل وزير العدل ، عادل نصّار، لجنة قانونية كلّفها «تنفيذ الإجراءات التصحيحية المطلوبة من وزارة العدل، وفق الخطة الموضوعة من قبل المجموعة الدولية، لإخراج لبنان من اللائحة الرمادية». وطلب منها «رفع تقريرها إليه في مهلة 45 يوماً من تاريخ تبلغها هذا القرار.
وتتألف اللجنة من المحامي كريم ضاهر رئيساً، والأعضاء: القاضية رنا عاكوم، القاضي السابق جان طنوس، المحاميَيْن لارا سعادة ومحمد مغبط والسيّد محمد الفحيلي.
وأكد مصدر متابع لمهمتها لـ«الشرق الأوسط»، أن اللجنة لديها 3 مهام أساسية. الأولى: اقتراح تعديلات على القوانين التي يطلب صندوق النقد الدولي إصلاحها، المتعلقة بالشفافية المالية بما يخصّ الشركات والأفراد. والثانية: مراقبة عمل المؤسسات المالية غير القانونية مثل «القرض الحسن» على سبيل المثال، وإلزامها باتباع الإجراءات المالية القانونية. والثالثة: وضع إطار قانوني لحلّ أزمة «اقتصاد الكاش»، وإعادة الثقة بالقطاع المصرفي، وإعادة أموال المودعين.
وشدَّد المصدر على أن «عمل اللجنة يُعدّ الخطوة الأولى لوضع الأطر القانونية التي تخرج لبنان من اللائحة الرمادية وتؤسس لأرضيّة قانونية ثابتة تجنّبه الانزلاق مرة جديدة في أزمات مماثلة».
وكانت مجموعة العمل المالي (FATF) أعلنت، في 25 تشرين الأول 2024، إدراج لبنان رسمياً على اللائحة الرمادية».
ورأى الخبير المالي والاقتصادي، الدكتور محمود جباعي، أن «مبادرة وزير العدل لتشكيل هذه اللجنة القانونية تُعدّ الخطوة الأولى في المسار القانوني الصحيح، لكنّها غير كافية من دون مواكبتها بإجراءات إصلاحية فاعلة».
وأكد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الخروج من معضلة إدراج لبنان على اللائحة الرمادية تحتاج إلى خطوات مرتبطة بالإصلاحات الواجب اعتمادها، التي تحدّث عنها قرار المجموعة المالية الدولية. ومن ضمنها الشق القانوني، الذي أعطى مهلة حتى شهر كانون الثاني 2026 لمعالجة هذه المشكلات».
وشدَّد على أن «مشكلة لبنان حالياً لا تكمن في الانهيار المالي والاقتصادي فحسب، بل في التهرُّب الجمركي وعمليات التهريب غير الشرعي والفساد المالي والاقتصاد النقدي، التي تعمّق هذه المشكلة وتعلق الأفق أمام الحل».  

مقالات مشابهة

  • الرئيس اللبناني: أتطلع إلى المحادثات التي سأجريها مع الأمير محمد بن سلمان
  • مرسوم جمع التبرعات وتوزيع المساعدات على طاولة مجلس الحكومة
  • الجنوب ملف متفجّر بوجه الحكومة...
  • الحكومة أمام تحدي معالجة أسباب إدراج لبنان على اللائحة الرمادية
  • مكتوم بن محمد يترأس اجتماع المجلس القضائي بدبي
  • مكتوم بن محمد يعتمد الخطة التدريبية والتأهيلية لأعضاء السلطة القضائية
  • نائب: السوداني لم ينفذ برنامجه الحكومي الذي ألزم به نفسه
  • الحاج: على البرلمان القيام بورشة تشريعية لمواكبة الحكومة
  • المعارضة أمام تحدي النجاح من داخل السلطة
  • تقرير يكشف الضرر الكبير الذي خلفته الحرب على الصحة العقلية للأطفال في لبنان