أشهر طويلة، أيام وليال قضاها سابحا في غيبوبته أو بين خراطيم المحاليل والأكسجين، مستسلما لمشارط الجراحة وأنامل الجراحين التي تسابق الزمن كي تعيد الرجل من حافة النهاية إلى أحضان أسرته ومحبيه، الأشهر والأيام والليالي التي غيّبت فيها العقيد ساطع النعماني، نائب مأمور قسم بولاق الدكرور، رصاصة إخوانية عن الوعي والإدراك بالحياة لم تفت في عزيمة الرجل، الذي بدا واثقا ومثابرا وممتنا وهو ينحني في مطار القاهرة ليسجد شكرا لله على عودته إلى بلده يوم الخميس 18 سبتمبر 2014.

العقيد ساطع النعماني هو هذا الشخص الذي ظهر يوم الأربعاء 29 يوليو 2015، ظهر في أكاديمية الشرطة أثناء حفل تخريج دفعة جديدة لطلاب كلية الشرطة، وصافحه الرئيس عبدالفتاح السيسي وقبّل رأسه، في مشهد مؤثر بالأكاديمية، وذلك بعد أن فقد النعماني بصره أثناء التصدي لعناصر الإخوان الإرهابية في أحداث «مذبحة بين السريات» يوم 2 يوليو عام 2013.

 

فى 19 سبتمبر 2014.. التقيت العقيد ساطع النعماني في منزله بمنطقة مساكن منتصر بشارع الهرم، القائد المكلف بفض اشتباكات عناصر الإخوان الإرهابية، في منطقة بين السرايات يوم 3 يوليو 2013.. بعد أن أطلقوا النار بشكل عشوائي على عدد من رواد المنطقة، وأُصيب برصاص الإخوان آنذاك، ما تسبب في فقدانه البصر، وبعدها سافر إلى خارج البلاد بتعليمات من الرئيس السيسي لتلقي العلاج، وعاد مرة أخرى بعد قرابة 9 أشهر من العلاج إلى أرض الوطن.

قال لي يومها: «أنا كنت ميت في الوقت ده بس كنت فرحان إني هموت شهيد.. ونحمد ربنا إنه كتب لي عمر جديد ونجاني من الموت، بفضل دعاء أمي ومراتي وابني ياسين، دعاهم هو اللي نجاني من الموت، فأمي أحسن أم في الدنيا كلها عشان كده أول ما وصلت المطار وسمعت صوتها، جريت عليها وبوست رجليها».

أتذكر سنة تخرجي من كلية الشرطة، واحتفال الأهل بنا 1992، وما زلت أذكر أول عمل لي في الإدارة العامة للعمليات الخاصة، وعملت بها 4 أعوام، الحديث - للعقيد ساطع النعماني، وكان آنذاك اللواء أشرف عبدالله رئيس إدارة العمليات الخاصة، «فاكر بالظبط واقعة كنا هنموت فيها أنا وزمايلي في الإدارة، كنا في مهمة للقبض على 7 عناصر من المسجلين خطر فى محافظة المنيا، واشتبكنا معاهم، وبعد تبادل إطلاق الرصاص، تمكنا من قتل المتهمين، واقتربنا للتمشيط، وفوجئنا بأحد المتهمين، يحتضن قنبلة كبيرة الحجم، وكان بيحاول يفجرها، بس الحمد لله ربنا أكرمنا وقتلناه قبل التفجير بدقيقة، كانت من أخطر المأموريات خلال 4 سنوات عمل ليا فب إدارة العمليات الخاصة، وبعدها انتقلت إلى مديرية أمن الجيزة، قضيت فيها باقي الخدمة، بدأت معاون نظام، ثم ضابطا في الإدارة العامة للمباحث، ثم معاون مباحث لقسم الدقي، ورئيسا لمباحث المرور لمدة عام، ثم رئيس مباحث ترحيلات الجيزة، ورئيس حرس محكمة جنوب الجيزة، وأخيرا نائبا لمأمور قسم بولاق الدكرور منذ 4 سنوات، حتى يوم «مجزرة بين السرايات».

أصعب موقف - كما حكى لي العقيد ساطع النعماني كان يوم 3 يوليو 2013: «كنت في مكتبي بقسم شرطة بولاق الدكرور، وكان كل الضباط في حالة تأهب بعد اعتصام تنظيم الإخوان الإرهابي في ميداني النهضة ورابعة العدوية عقب ثورة 30 يونيو، وقتها شاهدت خطاب الرئيس المعزول محمد مرسي الذي ردد فيه كلمة (الشرعية) عدة مرات، وقال نص(دمي يسيل فداء الشرعية) هذه الجملة أعتقد أنّها كانت إشارة لما حدث في هذا اليوم، بعد مرور نحو 5 دقائق سمعنا إطلاق نار كثيف أعلى كوبري ثروت، وتجمع معظم أهالي المنطقة أمام القسم وطلبوا مني التدخل لحمايتهم من الإخوان الذين اعتلوا جامعة القاهرة وأطلقوا الرصاص بطريقة عشوائية عليهم، وكان في ذلك الوقت اعتصام للإخوان في ميدان النهضة ومحيط جامعة القاهرة، وعلى الفور انتقلت إلى مكان إطلاق الرصاص أعلى كوبري ثروت، وهناك وعقب وصولي شاهدت تجمعات للأهالي وحالة من الفوضى في المنطقة وإطلاق نار كثيف من ناحية جامعة القاهرة، وبدأت أنا والقوات محاولة السيطرة على الأوضاع، واتصلت بمدير مباحث الجيزة آنذاك، اللواء محمود فاروق وقتها، وأخبرته بالأحداث التي تقع في المنطقة وأخبرته أيضا أنّ عددا من الجماعة الإرهابية اعتلوا أسطح جامعة القاهرة ويطلقون الرصاص على منطقة بين السرايات بطريقة عشوائية ويستخدمون أسلحة قنص موجهة بالليزر لقتل الأهالى ورجال الشرطة.. أُصبت بعد 10 دقائق بطلقة في الوجه أفقدتني الوعي، وجرى نقلي إلى مستشفى الشرطة بالعجوزة، دخلت العناية المركزة لعدة ساعات ولكن لم يتمكن الأطباء من إسعافي، وفي الساعات الأولى من صباح اليوم التالي، جرى نقلي بطائرة خاصة للعلاج في أحد المستشفيات بسويسرا، بعد أن أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي واللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية آنذاك، قرارا بعلاجي خارج البلاد، ووهذا جميل لن أنساه للرئيس السيسي، وبعد شهور علاج، وصلت إلى مطار القاهرة، سجدت على الأرض عشان أحمد ربنا إني رجعت تاني لمصر، بلدي، وهنخلي بالنا من مصر».. هكذا اختتم العقيد البطل حديثه.

بعد مرور قرابة 4 سنوات، رحل العقيد البطل لفظ أنفاسه الأخيرة، أثناء استكمال علاجه في أحد المستشفيات خارج البلاد، غاب عن الدنيا الشهيد البطل العقيد ساطع النعماني يوم الأربعاء 14 نوفمبر 2018 رحل الشهيد إلى مكان أفضل، لا إرهاب فيه، ولا رصاص الإخوان، رحل العقيد البطل ساطع النعماني تاركا خير مثال للضحية من أجل الحفاظ على مقدرات الوطن وحماية شعبها.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: مباحث الجيزة جامعة القاهرة

إقرأ أيضاً:

«ازرع نخلة وسقيا الماء».. حكاية سقوط عصابة النصب باسم الدين والضحايا بالملايين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

«ازرع نخلة.. سقيا الماء.. الصدقة الجارية»، لا تكد يداك تمسك بريموت التلفزيون وتقلب بين القنوات الفضائية المختلفة، إلا وتشاهد إعلانات دينية خاصة بجمع تبرعات تٌبث عبر قنوات “ تحت بير السلم” مستعينين بشيوخ كومبارس، للترويج والدعاية لجمع التبرعات الذائفة، من قبل عصابة احترفت النصب والاحتيال على المواطنين مستغلةً مشاعرهم الدينية وحبهم لفعل الخير.

قناة "تحت بير السلم" و"شيوخ كومبارس"

وفي ضربة أمنية قاسمة، نجحت الأجهزة الأمنية في تفكيك عصابة احترفت النصب على المواطنين باستغلال عاطفتهم الدينية وحبهم لأعمال الخير، تحت ستار مبادرات وهمية مثل " ازرع نخلة " و"سقيا الماء".
وكشفت التحقيقات أن 4 متهمون تم ضبطهم،  تمكنوا من جمع مبالغ طائلة بطرق غير مشروعة، مستغلين قناة فضائية غير مرخصة وشخصيات دينية زائفة كواجهة لأنشطتهم المشبوهة.

سقوط عصابة تبرعات ازرع نخلة وسقيا الماء 

وأوضحت التحريات الدقيقة، عن قيام المتهمين بإدارة برامج تبث عبر قناة فضائية غير مرخصة، يتم إطلاقها من داخل شقة سكنية، استخدمت القناة للترويج لمشروعات خيرية تبدو نبيلة، وعلى رأسها مبادرة " ازرع نخلة "، لكنها في الحقيقة لم تكن سوى وسيلة لجمع التبرعات بطرق احتيالية، ولإضفاء مصداقية زائفة، استعانت العصابة بأفراد قاموا بتقمص دور رجال الدين "شيوخ كومبارس" للظهور في البرامج وتزكية هذه المشروعات الوهمية.

أساليب مبتكرة للنصب واستغلال العواطف

لم تتوقف أساليب الاحتيال عند هذا الحد، بل عمدت العصابة إلى إذاعة برامج تتحدث عن فضل الصدقة الجارية، واستغلت حالات مرضية مؤثرة بهدف استثارة مشاعر المشاهدين وحثهم على التبرع، وكانت التبرعات تجمع نقداً عبر مندوبين يحملون إيصالات ورقية تحمل اسم جمعية خيرية زائفة تحمل نفس اسم البرنامج، دون وجود أي حسابات بنكية رسمية أو أختام معتمدة أو مقر لتلك الجمعية.

مليون جنيه في قبضة الأمن.. ونهاية إعلانات ازرع نخلة 

وفي مداهمة للأجهزة الأمنية تمكنت من اقتحام مقر القناة الفضائية وضبط المتهمين ، وخلال العملية عثرت القوات على مبلغ يقارب المليون جنيه مصري معبأ داخل جوالات، بالإضافة إلى الأجهزة والمعدات المستخدمة في عمليات البث والتصوير، وخلال التحقيقات الأولية، أقر المتهمون باستدراج الضحايا والتأثير عليهم عاطفياً لتحقيق مكاسب مادية غير مشروعة.

"بح الصوت ولا مجيب".. تحذيرات مبكرة

وقد علق الشيخ محمد أبو بكر، إمام وخطيب مسجد الفتح بالقاهرة، على هذه الواقعة المؤسفة عبر حسابه الرسمي على موقع فيسبوك، معبراً عن أسفه لعدم الاستماع إلى التحذيرات المتكررة من الوقوع ضحية لمثل هذه العصابات التي تتستر بستار الدين والأعمال الخيرية.

قائلًا: بح الصوت ولا مجيب، وأكثرنا التحذير دون جدوى، فالحمد لله على صدقنا ونسأل الله الثبات لا سيما مع مغريات تلك المؤسسات التى تجعل العقل يعيد التفكير لآلاف المرات والحمد لله على نعمه التى لا تحصى.
 


تم تحرير محضر بالواقعة وإحالة المتهمين إلى النيابة العامة لمباشرة التحقيقات واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لكشف ملابسات القضية ومحاسبة المتورطين.

مقالات مشابهة

  • شاب يفقد بصره على يد آخر بسبب مشادة لفظية في عزبة الفار بطنطا
  • بعد رفضه لعن السيدات في شرفهن.. بطل الشهامة يفقد بصره على يد الكوارشي
  • حكاية أمانة مسعف رد 900 ألف جنيه لمصاب أثناء إنقاذه
  • محافظ القاهرة يشرف على أعمال إزالة سوق الزلزال العشوائي ونقل البائعين لأسواق حضارية مجمعة بالمقطم
  • محافظ القاهرة يتابع أعمال إزالة سوق الزلزال العشوائي بالمقطم
  • تلة جصّان.. حكاية قرية فيلية قاومت عوامل الزمن لألف عام (صور)
  • تلة جصّان.. حكاية قرية عراقية قاومت عوامل الزمن لألف عام (صور)
  • «ازرع نخلة وسقيا الماء».. حكاية سقوط عصابة النصب باسم الدين والضحايا بالملايين
  • سامح قاسم يكتب | محمود الورداني.. صائد الخسارات النبيلة
  • حزب الجيل: قرار الأردن بحظر الإخوان فريضة عربية لحماية استقرار المنطقة