هل تتمدد كونفدرالية الساحل على حساب المنظمات الإقليمية؟
تاريخ النشر: 21st, January 2025 GMT
في تصريحات تبدو مفاجئة، أكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون والتكامل الأفريقي في توغو روبرت دوسي -لقناة محلية يوم الخميس الماضي- أن بلاده تقترب من الانضمام لتحالف دول الساحل الذي يضم مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو.
وتأسس التحالف يوم 16 سبتمبر/أيلول 2023 كمعاهدة دفاع مشترك بعد التوقيع على "ميثاق ليبتاغو غورما" في باماكو، ثم تحول إلى كونفدرالية في السادس من يوليو/تموز 2024، بعد إعلان النظم الانقلابية في هذه الدول خروجها من عضوية المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بدعوى أنها باتت أداة في يد فرنسا تستخدمها كيف تشاء لتحقيق مصالحها وليس مصالح الدول الأعضاء.
هذه التصريحات تزامنت مع زيارة "سرية" أخرى قام بها وزير البنية التحتية والانفتاح التشادي عزيز محمد صالح لباماكو عاصمة مالي، أثارت تساؤلات هي الأخرى عن إمكانية سعي نجامينا للانضمام لهذا التحالف بعد مطالبة الرئيس محمد ديبي نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي برحيل القوات الفرنسية عن أراضيه.
التصريح التوغولي والتحرك التشادي أثارا تساؤلات عديد من المحللين السياسيين المتابعين للشأن الأفريقي عن الأسباب الكامنة وراءهما، لا سيما في ظل التحديات التي تواجه دول الكونفدرالية الثلاث بداية من وضعها الجيوسياسي المعقد على اعتبار أنها دول حبيسة ليس لها منفذ على البحر، فضلا عن كونها دولا ذات مستويات اقتصادية ومعدل نمو منخفض.
إعلانويتراوح متوسط دخل الفرد السنوي 550 دولارا في النيجر و850 دولارا في بوركينا فاسو و900 دولار في مالي، أي أن المتوسط حوالي 700 دولار بمعدل دولارين تقريبا في اليوم، وهو يلامس الحد الأدنى لمعدل الفقر الذي وضعته الأمم المتحدة، ناهيك عن شبكة البنية التحتية الضعيفة داخلها وفيما بينها، بما يؤثر سلبا على حركة الأفراد والسلع والخدمات.
توغو والانضمام المستبعدتصريحات وزير خارجية توغو الأخيرة لم تكشف بصراحة عن الأسباب المبتغاة من هذا الانضمام، إذ اكتفى الوزير بالإشارة إلى الجهة القانونية المنوط بها اتخاذ القرار، وهي الرئيس والبرلمان، والجهة التي تمنح هذا القرار الشرعية في إشارة إلى الشعب.
ومن ثم تركت تصريحاته المجال مفتوحا لتساؤلات المراقبين والمحللين المتابعين للشأن الأفريقي، ومنهم الكاتب النيجري إدريس آيات والخبير في شؤون غرب أفريقيا الذي أكد في تصريحات للجزيرة نت أن موقف توغو لا يتعدى الأقوال دون الأفعال، على الأقل في المدى القريب، لأسباب عدة أهمها:
الوضع الجيوسياسي على اعتبار أن توغو لا تقع في عمق مجموعة دول الساحل الخمس المعروفة بـ"جي 5″ التي تعاني الإرهاب، والتي تضم دول الكونفدرالية الثلاث بالإضافة لتشاد وموريتانيا. الوضع السياسي إذ إنها دولة ذات استقرار سياسي، وترتبط بعلاقات وطيدة بالمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، والتي باتت خصما لدول الكونفدرالية، وبالتالي قد يكون من الصعب لتوغو خسارة المنظمة الكبرى التي حققت إنجازات كبيرة على الصعيد الاقتصادي والتجاري، لحساب تحالف لم تتضح معالمه ومؤسساته بصورة كبيرة. عدم وجود معايير واضحة حتى الآن بشأن الانضمام للكونفدرالية، وهل الانضمام إليها يتطلب على سبيل المثال الخروج من الإيكواس، وهل التحالف الجديد مكمل لدور الإيكواس أم معارض لها؟ دور توغو الفاعل في إيكواس، و قيامها بدور الوساطة بينها وبين قادة الانقلاب في النيجر بعد انقلاب يوليو/تموز 2023، فضلا عن وساطتها بين مالي وبوركينا فاسو. إعلان تشاد الأقرب للكونفدراليةأما بالنسبة لإمكانية انضمام تشاد لتحالف الكونفدرالية، فقد يكون خطوة منطقية حسب الدكتور محمد تورشين الخبير في الشؤون الأفريقية، وذلك لأسباب منها:
القرب الجغرافي من دول الساحل، والعضوية السابقة في تحالف برخان الذي أسسته فرنسا عام 2014، فضلا عن كونها عضوا في مجموعة "جي 5″. الجانب الأمني المشترك والمتمثل في تحدي الإرهاب الذي تعاني منه هذه الدول. العلاقة المتوترة مع فرنسا وانسحاب القوات الفرنسية الأخير منها، وبالتالي باتت هناك ضرورة ملحة للبحث عن بديل إقليمي "الكونفدرالية"، فضلا عن بديل دولي وهو روسيا. طبيعة النظام السياسي، إذ إن النظام التشادي هو نظام عسكري بالأساس، حيث تولى الرئيس الحالي مقاليد السلطة بصورة غير قانونية بعد وفاة والده ديبي الأب قبل قرابة 4 سنوات.أما بالنسبة لتوغو، فلم يستبعد تورشين إمكانية انضمامها للكونفدرالية، لما يحققه ذلك من مكاسب للطرفين، إذ قد تصبح المنفذ الرئيس لهذه الدول على العالم الخارجي لموقعها على المحيط الأطلسي، وللشروط القاسية التي تضعها كل من بنين ونيجيريا على عمليات التصدير التزاما بعقوبات الإيكواس، فضلا عن كون ميناء توغو الأقل تكلفة من موانئ أخرى مثل موريتانيا أو حتى السنغال بسبب البعد الجغرافي.
تأثير تمدد الكونفدراليةوردا على سؤال إذا ما كان تمدد الكونفدرالية يؤثر على إيكواس والمجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا (إيكاس)، يرى إدريس آيات أن تأثير انضمام توغو المحتمل وغيرها من دول غرب أفريقيا على الإيكواس قد يبدو ضئيلا في الأمد المتوسط، لا سيما أن الكونفدرالية الجديدة لا تشترط على الدول المنضمة إليها الخروج من إيكواس، لكن على المدى البعيد قد يؤدي ذلك لإضعاف الإيكواس، بل وقد يهدد بزوالها، خاصة إذا كان من بين معايير الانضمام للكونفدرالية، الانسحاب منها.
أما بالنسبة لتأثير الانضمام المحتمل لتشاد على إيكاس، التي تضم نجامينا، فضلا عن دول أخرى مثل الكاميرون والغابون والكونغو برازفيل، فهو أمر مستبعد من وجهة نظر تورشين لعدم وجود إشكالية أو علاقة عدائية بين الإيكاس ودول تحالف الكونفدرالية التي هي بالأساس أعضاء في الإيكواس، وليس في الإيكاس.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات غرب أفریقیا فضلا عن
إقرأ أيضاً:
ما دلالات زيارة أمير قطر إلى طهران في ظل التطورات الإقليمية؟
طهران- في ظل التوترات الإقليمية المتفاقمة، قام أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بزيارة رسمية إلى طهران، حيث التقى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان والمرشد الأعلى علي خامنئي.
وخلال المباحثات، أكد الأمير تميم أن "الحوار هو السبيل الوحيد لحل النزاعات"، مشددا على أهمية تخفيف التصعيد في المنطقة، خاصة في قطاع غزة، وضمان حماية المدنيين. وأعرب عن تطلع بلاده لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري مع إيران، مؤكدا أن العلاقات بين الدوحة وطهران تستند إلى "الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة".
من جانبه، أشاد المرشد الأعلى الإيراني بالدور القطري في المنطقة، معتبرا أن "قطر تلعب دورا مهما في تعزيز الاستقرار الإقليمي". وأكد الرئيس بزشكيان أن "العلاقات القطرية-الإيرانية تشهد تطورا مستمرا في مختلف المجالات"، مشيرا إلى أن إيران تعتبر قطر "شريكا إستراتيجيا" في قضايا المنطقة. كما شدد على ضرورة تعزيز التعاون في مجالات الطاقة والاستثمار والنقل، بما يخدم مصلحة البلدين.
وكانت القضية الفلسطينية في صلب المحادثات، حيث تناولت المباحثات بشكل مكثف التطورات في قطاع غزة، وأكد الأمير تميم أن "المجتمع الدولي مطالب بوقف العدوان وحماية المدنيين"، مشددا على ضرورة إيجاد حل مستدام يضمن حقوق الفلسطينيين.
إعلانوبدوره، أكد خامنئي أن “الاحتلال الإسرائيلي يرتكب جرائم لا يمكن السكوت عنها”، داعيًا إلى “تعزيز الجهود الإقليمية لدعم القضية الفلسطينية”.
أبعاد إستراتيجية
أكد خبير القضايا الدولية أشكان ممبيني أن زيارة أمير قطر إلى طهران تحمل أبعادا إستراتيجية خاصة، لا سيما في ظل التطورات المتسارعة في غزة ولبنان وسوريا. واعتبر أن هذا التحرك يعكس الأهمية المتزايدة للعلاقات الثنائية بين إيران وقطر، فضلا عن التحديات الإقليمية التي تستوجب تنسيقا أعمق بين الطرفين.
وأوضح ممبيني، للجزيرة نت، أن التطورات الأخيرة في غزة، وتصاعد المواجهات بين حركة حماس والكيان الصهيوني، تجعل من قطر طرفا فاعلا في إدارة الأزمة، نظرا لدورها البارز في دعم حقوق الفلسطينيين والتوسط في محادثات وقف إطلاق النار.
في المقابل، أشار الخبير ذاته إلى أن إيران لطالما دعمت فصائل المقاومة الفلسطينية، مما يجعل زيارة أمير قطر إلى طهران فرصة لتعزيز التنسيق بين الطرفين فيما يتعلق بمستقبل غزة والتحديات الدولية المرتبطة بالقضية الفلسطينية.
وفيما يتعلق بالملف اللبناني، يرى ممبيني أن الأزمة المتفاقمة، خاصة مع تصاعد التوترات بين حزب الله وإسرائيل، تجعل من التقارب القطري-الإيراني عاملا مؤثرا في المشهد السياسي. وأضاف أن قطر وإيران تؤثران بطريقتين مختلفتين في لبنان، مما يجعل هذه الزيارة فرصة لتعزيز التنسيق وتجنب مزيد من التصعيد.
اجتمعت اليوم في طهران مع الرئيس الإيراني مسعود بزشکیان، في إطار سعينا المشترك إلى تشجيع المزيد من التعاون المثمر وتوسيع الشراكات القائمة بيننا في مختلف المجالات لما فيه خير ومصلحة بلدينا وشعبينا. ناقشنا أيضاً مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية، ونتطلع معاً إلى تكثيف الجهود… pic.twitter.com/d0lWl0yOf4
— تميم بن حمد (@TamimBinHamad) February 19, 2025
إعلانوبشأن الوضع في سوريا، أشار ممبيني إلى أن إيران تُعد فاعلا رئيسيا في المعادلة الجيوسياسية للمنطقة، مما يمنحها دورا رئيسيا في مستقبل التسويات الإقليمية. وأكد أن زيارة أمير قطر يمكن أن توفر منصة لتباحث التعاون الثنائي في مختلف القضايا الأمنية والإستراتيجية.
على الصعيد الاقتصادي، يرى ممبيني أن تعزيز التعاون بين الدوحة وطهران، خاصة في قطاع الطاقة، قد يعزز من نفوذ البلدين في الأسواق العالمية. وقال إن إيران وقطر تمتلكان أحد أكبر احتياطيات الغاز في العالم من خلال حقل الغاز المشترك فارس الجنوبي (حقل غاز الشمال) وأي زيادة في مستوى التعاون بينهما قد تؤثر على توازنات سوق الطاقة الدولية.
كما أشار إلى أن العقوبات الغربية على إيران دفعتها إلى البحث عن مسارات جديدة لتعزيز تجارتها الإقليمية، وهو ما يمكن أن تلعب قطر دورا مهما فيه.
أما في الشأن الأمني، فقد لفت ممبيني إلى أن منطقة الخليج تمر بمرحلة حساسة، حيث تسعى إيران وقطر إلى الحد من التوترات عبر تعزيز التعاون الأمني. وأضاف أن رغم استضافة قطر للقواعد العسكرية الأميركية، فإنها حافظت على علاقات إيجابية مع إيران، مما قد يساعد في تقليل احتمالات التصعيد العسكري في الخليج ووضع آليات جديدة لإدارة الأزمات الأمنية.
وفي الختام أكد ممبيني أن زيارة أمير قطر تتجاوز تعزيز العلاقات الثنائية، إذ تحمل تداعيات مهمة على موازين القوى في المنطقة. وقال إن قطر لعبت دورا محوريا كقناة دبلوماسية في العديد من القضايا الإقليمية، وهذه الزيارة قد تعكس سعيها للحفاظ على هذا الدور، وربما تمهّد الطريق لجولات جديدة من المفاوضات، سواء بشأن الملف النووي الإيراني أو قضايا أخرى ذات أبعاد إستراتيجية.
وفي السياق ذاته، رأى خبير الشؤون الإقليمية محمد رضا مرادي أن هذه الزيارة تكتسب أهمية خاصة، إذ إنها “تنسجم مع السياسة القطرية المتوازنة على الساحة الدولية، حيث تسعى الدوحة إلى لعب دور الوسيط الفاعل في حل الأزمات الإقليمية والدولية”.
إعلانوحول ارتباط الزيارة بملف غزة، أشار مرادي، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، الذي لعبت قطر دورا رئيسيا في تحقيقه، تقترب من نهايتها، مما يثير مخاوف من احتمال عرقلة إسرائيل لتنفيذ المرحلة الثانية. ورأى أن زيارة أمير قطر إلى طهران قد تكون جزءا من مشاورات دبلوماسية تهدف إلى ضمان استمرار الاتفاق وتخفيف التوترات المحتملة في المرحلة المقبلة.
وأضاف مرادي أن الخطة، التي يُقال إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يروج لها، والتي تتعلق بتهجير سكان غزة قسرا، أثارت قلقا واسعا في الدول العربية والإسلامية، رغم أنها على الأرجح لن تُنفذ بالكامل. ومع ذلك، فإنه يرى أن أي تصعيد في هذا الاتجاه قد يؤدي إلى زيادة معاناة الفلسطينيين، ومن هنا تأتي أهمية الجهود القطرية للتخفيف من تداعيات هذه القضية.
أمير قطر يتباحث مع الرئيس الإيراني ويؤكد أهمية الحوار لحل نزاعات المنطقة
للمزيد: https://t.co/8aTbO3xpAD pic.twitter.com/y58VGUSl1w
— Aljazeera.net • الجزيرة نت (@AJArabicnet) February 19, 2025
وفي الجانب الاقتصادي، أوضح مرادي أن العلاقات التجارية بين إيران وقطر شهدت نموا ملحوظا خلال العام الأخير، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 نحو 265 مليون دولار، مسجلا ارتفاعا بنسبة 53% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. ورأى أن هذه الأرقام تعكس رغبة البلدين في تعزيز التعاون الاقتصادي، كما أن زيارة أمير قطر قد تأتي في إطار الرد على زيارة رئيس البرلمان الإيراني مسعود بزشكیان إلى الدوحة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وأضاف أن الدوحة أعلنت دعمها الصريح للحكومة السورية الجديدة، بينما تبنت طهران موقفا معارضا لها، وهو ما قد يشكل تحديا آخر تسعى قطر للوساطة فيه، في إطار جهودها لتعزيز الاستقرار الإقليمي.
إعلانوفي ختام حديثه، أكد مرادي أن قطر تُمثل شريكا إقليميا مهما لإيران، فعلى الرغم من أن طهران شهدت توترات حادة في علاقاتها مع بعض دول الخليج في السنوات الأخيرة، فإن علاقتها مع الدوحة ظلت مستقرة وإيجابية.
ورأى أن البلدين، رغم اختلاف وجهات نظرهما بشأن بعض الملفات الإقليمية، تمكنا من إدارة هذه التباينات بوعي، مع الإبقاء على مسار التعاون والتفاهم المشترك.
وختم بالقول إنه يبدو أن قطر وإيران تنظران إلى بعضهما البعض كشريكين إقليميين يسعيان إلى تحقيق نوع من التوازن الإستراتيجي، وهو ما يحمل دلالات مهمة في المشهد السياسي الإقليمي، خاصة في ظل مساعي الدوحة لتعزيز حضورها وتوسيع تحالفاتها.