د. عصام محمد عبد القادر يكتب: عيد الشرطة
تاريخ النشر: 21st, January 2025 GMT
عندما يُضّحي الإنسانُ بحياته من أجل الوطن، وبقائه ومن أجل ترابه، ومن أجل عزّته، وطُهره، وصون مقدّراته، والحفاظ على شرفه، وعرضه؛ فتلك غاياتٌ، لا تضاهيها أخرى، وتلك ممارسة نبيلة، لا تناظرها أخرى؛ فمؤسسةُ الشرطة قد قدمت ذلك، وأكثر، وشاهد ذلك موقعة الإسماعلية 1952م التي شهدتْ مُواجهةً جَسُورةً، وشجاعة مع عدوٍ معتدٍ، أثيمٍ حينئذٍ، وهو المحتل البريطاني الذي أراد أن يفرض كلمته، وسلطته، ويمارس وصايته على شعب أجل عظيم قد تربّى على العزة، والكرامة؛ فما كان من هؤلاء الرجال البواسل إلا أن قدّموا أرواحهم، وبذلوا دمائهم؛ لتبقى كرامة الوطن مُقدّمةً على كل شيء، ويصبح الحدث الجلل المخلد في ذاكرة الأمة المصرية ما بقيتْ الحياةُ.
وفي مصر العظمي يتربّى رجال الشرطة في مؤسسة عريقة، من شأنها تشكيل الوعي، والوجدان، وتكسب المهارات، وتصقل الذات؛ ليتخرج منها بواسل الميادين؛ ليؤدوا واجبهم تحت قسم الولاء، والانتماء لتراب هذا الوطن، والحفاظ على مقدّراته المادية، والبشرية، ولو تكلف ذلك الأرواح، والدماء؛ إنها تربيةٌ لها خصوصية منذ أن يلتحق الطالب بكلية الشرطة، أو كما نسميها أكاديمية الشرطة؛ فندركُ أن المهمة قد باتت عظيمة، وأن الراحة تفارق الجفون، والأبدان، وأن السهر على أمن، وأمان البلاد غاية نبيلة، وجهاد، لا يوازيه أمر أخر، وأن تعزيز العدالة، والمساواة، وتطبيق القانون على الجميع مبدأٌ راسخٌ، لا يمكن التنازل عنه.
وما تقدمه المؤسسة الشرطية من تدريب، وصقل للخبرات المعرفية، والوجدانية يُعد فريدًا من نوعه إذا ما قورن بأخرى، وهذا ليس من قبيل المُجاملة؛ فقد أشارت التصنيفات العالمية إلى منزلة، ومكانة، وترتيب أكاديمية الشرطة المصرية وفق ما تنفذه من برامج تدريبية، وتعليمية للإعداد، والتأهيل، وما توفره من نظم تقنية متقدمة، تتيح لمنتسبيها الوصول إلى مستويات قياسية، واحترافية في المجال الأمني؛ ومن ثم يلتحق بتلك المؤسسة المتميزة العديد من الطلاب العرب، والأفارقة؛ لكونها دون مبالغة من أفضل الأكاديميات الشرطية على مستوى العالم؛ نظرًا لما تمتلكه من خبرات، وبرامج، وتقنيات بما يحقق فلسفة التكامل في الإعداد المهني، والأكاديمي على حدٍّ سواءٍ.
وزيارةُ الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الأكاديمية في أوقات الاختبارات، وكلماته المعبرة، والصادقة عن رسالة الشرطة السامية، لها دلالاتها الواضحة، وتتضمن رسائل عميقة؛ حيث أشار سيادته إلى أن وزارة الداخلية، وقوات الشرطة تقوم بمهمة مُقدّسَةٍ وهي حفظ الأمن، والاستقرار في الدولة المصريّة؛ فما أجلَّ!، وأرقى هذه المهمة، وما أصعبَ مسئولية الحفاظ على الوطن!، ومقدراته، وما أشْرفها من غاية! يتحقق من خلالها أن تبيت في سربك آمنا، وقارَّ العين، ومُطَمئنَّ النفس على روحك، وكل من تحب، وما لديك، وما أعلاها من مهمةٍ! تُهيء للتنمية، والنهضة المناخ المواتي؛ ليستطيع الجميعُ أن ينتجوا، كلٌ في مجاله، وتخصصه.
وإيمانًا بالعلم، ودوره في الحياة العملية، والعلمية، والمعيشية تؤدي الأكاديميةُ الدور المنوط بها في هذا الخضمِّ؛ حيث تفتح المجال أمام طلابها، وللوافدين من الدول العربية، والأفريقية مساراتِ استكمالِ الدراساتِ العليا بمرحلتيها المعروفة الماجستير، والدكتوراه في العلوم الشرطيّة، والأمنيّة، وهذا الأمر يضيف للرصيد المعرفي عبر بوابة البحث العلمي، ويجدد من طرائق التدريب الحديثة، ويستكشف استراتيجيات أمنيّةٍ، تتماشي مع التقدم التقني المتسارع، بل ويصقل الخبرات المعنية برفع الروح المعنويّة، وتحقيق أقصى درجات الانضباط الانفعالي لمنتسبي المؤسسة الشرطية بمراحلها المختلفة.
وندرك أن نتاج الدراسات العليا يعود بالنفع على العملية التعليمية بالأكاديمية؛ حيث يفرز الجديد من المعارف، التي ثبت جدواها؛ فيصبح المحتوى التعليمي متجددًا وفق ما يتناغم، ويتسق مع النظريات القديمة منها، والمستحدثة، وهذا يؤكد أن برامج الإعداد المهني، والأكاديمي التي تتبناه أكاديمية الشرطة يتماشى مع المعايير العالمية، بل وينفذ بكل دقة، وتحت رعايةٍ، وإشرافٍ متكاملين، كما يعود النفع على المجتمع المصريّ؛ إذْ تخرج الأكاديمية أفضل العناصر الشُرْطيّة المستوفيّة الإعداد، والتي تتعامل بصورةٍ لائقةٍ مع المواطن، وتقدم له سبل الدعم، والمساندة، وفي المقابل تعمل على ضبط الأمن، والاستقرار من خلال المواجهة الحاسمة للخارجين عن سياج القانون، الذي يطبق على الجميع دون اسْتثناءٍ.
وما كان لنا أن ننسى شُهدائَنا من أبرارِ الشُرْطة الذين ضَحّوا من أجل مصر، وتحقيق أمنها، وأمانها والحفاظ عليها، وصوْنها؛ فنبعث لهم دعواتِ الرحمةِ، ونتضرّعُ إلى الله – تعالى – أن يسكنهم جنّاتِ الفرْدوسِ مع النبيين، والصديقين، والشهداء، وحسن أولئك رفيقًا، ونؤكد أن ذِكْراهم مازالتْ في القلوب، والأفئدة باقيةً، وأن مِيْراثَ الشجاعة، والبطولات بيد جيلٍ تلو أخر، قد نشأوا، وترعرعوا، وتخرّجوا من تلك المؤسسة العظيمة، التي لا ينضبُ عطاؤها، ولا يجِفُّ معينُها أبد الدهر.
ويطيبُ لنا أن نُهْدِيَ برْقيةً عطِرةً تحمل التهنئة، والأمنيات بالدعوات الصادقة بدوام التقدم، والازدهار والرقيّ لتلك المؤسّسةِ صاحبةِ الرسالةِ الساميّةِ، كما تحمل في طيّاتها دعواتٍ بأن يُعين أبطالها في مهامهم، ويُسِدّدُ بالحق رميتهم، ويوفقهم لما يحب ربي - جل في علاه - ويرضى، وأن يحفظَ بهم البلادَ، والعبادَ.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الأمة المصرية المحتل البريطاني المزيد من أجل
إقرأ أيضاً:
ما لا تعرفونه عن الشهيد المساعد محمد علي..!!
الشهيد محمد علي عبد المجيد: أيقونة وطنية خالدة في ذاكرة السودان.
لن يمحو الزمن اسم الشهيد محمد علي عبد المجيد، فقد خطّه بمداد التضحية والفداء في سفر الوطن، وظلّ رمزًا للصمود والتصدي في وجه أخطر مهددات كيان الدولة السودانية.
لقد نذر حياته دفاعًا عن الأرض والعرض، مضحيًا بروحه في سبيل بقاء الوطن موحدًا عزيزًا.
ورغم رحيله، فإن صوته لا يزال مدويًا في آفاق المجد، وأشعاره وكلماته تتردد في وجدان الأوفياء.
ابنه الأكبر، الذي سار على درب والده في الشجاعة والبسالة، أصيب في المعركة، ويتلقى العلاج حاليًا في القاهرة.
كانت كلمات الشهيد وأشعاره سلاحًا لا يقل فتكًا عن الرصاص، إذ كانت قذائف حارقة تتساقط على رؤوس المتمردين والمأجورين والمشككين في قوة وجسارة قواتنا المسلحة، وكانت في الوقت ذاته أمطار خير وطمأنينة تهطل على قلوب الوطنيين، تثبتهم، وتبعث فيهم الأمل، وتوقظ فيهم روح الفداء.
لقد عرفت هذه الأسرة العريقة عن قرب لأكثر من ربع قرن، فهي من سلالة الشموخ والاعتزاز. والده، المعلم الفاضل الأستاذ علي عبد المجيد، هو حفيد جراب الرأي الأمير يعقوب، رجل الحكمة والمواقف المشهودة.
أما شقيقه، صديقي العزيز الدكتور أبو بكر، فهو من ألمع شعراء جيلنا، وزميلي في جمعية النوارس الثقافية، يكتب بالفصحى والعامية أروع الأشعار، فتنساب كلماته كالنهر العذب، تعبر عن هموم الوطن وآماله.
وشقيقه الآخر، الشاعر المبدع عمر علي عبد المجيد، هو صاحب الروائع الخالدة التي ستظل محفورة في ذاكرة الأدب السوداني.
ثم هناك العميد عثمان، الفارس المغوار، الذي لم يتردد لحظة عندما نادى القائد العام للجيش أبناءه المخلصين، فأنهى انتدابه من قوات الدعم السريع وانضم فورًا إلى صفوف الجيش، مقدمًا مصلحة الوطن على كل شيء.
هذه أسرة سودانية كاملة الدسم، متجذرة في الوطنية، عابقة بالمجد، أعطت الجيش فلذات أكبادها، وأهدت منابر الشعر أروع مبدعيه.
لم يكن منزلهم مجرد بيت، بل كان قلعةً من قلاع القيم والمبادئ، تفتح أبوابها لنا في الليل والنهار بكرم سوداني أصيل، فكانت دارًا للوطن في قلب حي الأمراء في أمدرمان.
سلامٌ على روح الشهيد الطاهرة، وسلامٌ على أسرته التي أنجبت الأبطال والشعراء. نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء، وأن يحفظ السودان وأهله من كل سوء.
ضياء الدين بلال
إنضم لقناة النيلين على واتساب