سامح فايز يكتب: وهْم القراءة العشوائية
تاريخ النشر: 21st, January 2025 GMT
ونحن على أعتاب معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الحالية، التي تنطلق خلال أيام أستعيد قراءة مشهد نشر الكتاب في مصر، وقد ميزته مجموعة من الظواهر، أبرزها انتشار الرواية التاريخية إلى جانب رواية الرعب وأدب الفانتازيا وأدب الخيال العلمي؛ والتي أعتبرها التصنيفات الأكثر انتشارا بين قراء الشباب في العقدين الأخيرين اعتمادا على بعض الأرقام والإحصائيات غير الرسمية، التي جمعتها من مشاهدات بحكم اهتمامي الصحفي بمسألة النشر وصناعة الكتاب.
والحقيقة التي من المهم أن نضعها في عين الاعتبار أنّ تفسير سبب انتشار نوع معين من الكتابة في السنوات الأخيرة باهتمام دور النشر بالروايات الأكثر مبيعا ورواجا، اعتمادا على المنطق الاقتصادي وطبيعة العرض والطلب هو تفسير سطحي؛ فانتشار نوع أدبي معين مرتبط في المقام الأول بقراءة ثقافية تحلل أسباب الانتشار.
شهدت مصر انتشار أنواع أدبية عقب أحداث يناير 2011 أبرزها أدب الرعب وأدب الفانتازيا وأدب الخيال العلمي، وأيضا ذاع بين الشباب روايات الديستوبيا أو ما يعرف أيضا بأدب المدينة الفاسدة، ومن الأنواع الأدبية المنتشرة بين الشباب تلك الفترة ما عرف بالرواية التاريخية.
انتشار الرواية التاريخية مؤخرا شرحه دكتور محمد عفيفي، أستاذ التاريخ بكلية الآداب، في مقابلة صحفية أجريتها معه قبل أشهر: «من المعتاد في لحظات التحولات الكبرى في تاريخ الأمم أن يعود الناس إلى التاريخ لمعرفة الأسباب التي أوصلتهم إلى المرحلة الحالية، ودائما في تلك اللحظات والطفرات والثورات والانكسارات والانهزامات الاهتمام بالتاريخ يظهر بشكل كبير جدا، وبشكل بارز في الدراما والرواية أكثر حتى من كتب التاريخ الأكاديمية محدودة الجمهور».
الرواية الرائجة مصطلح قديم بيد أنّه انتشر مع مطلع الألفية الثالثة تأثرا بثورة تكنولوجيا المعلومات وانتشار تطبيقات التواصل التي أسهمت في سهولة وسرعة التواصل بين القراء، وهي الميزة التي استفاد منها كاتب الرعب الراحل أحمد خالد توفيق، والذي يمثل بذرة الانطلاق في انتشار أدب الرعب عربيا.
توضيح أستاذ التاريخ محمد عفيفي لأسباب انتشار الرواية التاريخية سبقه توضيح من أحمد خالد توفيق لأسباب انتشار رواية أدب الرعب، أو على الأقل لماذا اهتم توفيق بكتابة أدب الرعب؟ يقول في لقاء أجريته معه عام 2015 بمدينة طنطا: «الخوف كان يتملكني وأنا صغير ووجدت أنني حين ألجأ لكتابة الرعب أرى نفسي خلف المدفع وليس أمامه، ثم بعد ذلك وجدت أن ستيفن كينج قال نفس الكلام حين قال إن كتابة الرعب تحيطه بدائرة سحرية هو وأسرته فلا تقربنا الأخطار، فالمسألة لها بعد نفسي واضح».
علماء النفس يقولون إنّ هذا النوع من الأدب يعدّ من أساليب مواجهة الخوف، التي ابتكرها الإنسان من خلال الخوف المتخيل الذي يواجه به الخوف الحقيقي، وأنّ هذه الآلية تسمى «الإشباع البديل»؛ فأنت تواجه هنا خوفا يتعلق بأحداث وكوارث ودمار يحدث للآخرين، لا للقارئ أو الكاتب.
جميع ما سبق وأكثر يظهر أنّ اتجاهات القراءة لدى الشباب ليست عشوائية، وأنّ لها تحليلات علمية وثقافية مرتبطة بواقعهم، وأنّ المسألة ليست مجرد مجموعات من الشباب المراهق الذي تستميله كتابات ركيكة لا تقدم فكرا ولا وعيا؛ وهي نظرة استعلائية من المثقف (القديم) في مواجهة عالم جديد تغيرت معطياته وآلياته بشكل جذري في سنوات قليلة.
يظهر من ذلك أيضا أن قراءة ذلك الإنتاج بعين الفاحص ربما تسهم في فك تركيبة تلك الأجيال المعروفة بأجيال زد وألفا، المنفصلة تقريبا عن الشكل التقليدي لأجيال المثقفين التي عرفناها منذ الستينات وحتى اليوم، أو شكل المثقف المصري عموما منذ مئة عام.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: القراءة معرض القاهرة الدولى للكتاب الرواية التاريخية الروایة التاریخیة
إقرأ أيضاً:
سفاح المعمورة.. تفاصيل جديدة صادمة عن رجل قانون أثار الرعب في الإسكندرية؟
في دهاليز مدينة الإسكندرية، حيث تتشابك الحكايات وتتعانق الأزقة المظلمة مع الأسرار، كُشف النقاب عن واحدة من أكثر القضايا الجنائية رعبًا في السنوات الأخيرة.. بطلها قاتل متسلسل ارتدى عباءة القانون ليخفي بين طياتها جرائم مروعة، ليصبح "سفاح المعمورة" اسمًا محفورًا في ذاكرة المصريين.
خيوط الجريمة.. مسرح بلا رحمةفي الأسبوع الثاني من انكشاف جريمة نصر الدين السيد المحامي، لم تتوقف الصدمات، بل تكشّفت تفاصيل تقشعر لها الأبدان.. رجل القانون الذي من المفترض أن يكون حصنًا للعدالة، تحول إلى صياد بارع، يختار ضحاياه بعناية ليوقع بهم في شباكه، ثم ينهي حياتهم بدم بارد، دون وازع أو ندم.
نجاح، شقيقة إحدى الضحايا، سردت فصولًا مأساوية من القصة، كاشفة أن أختها تركية تعرفت على المحامي المجرم أثناء نزاع قضائي، لكنه كان كالثعبان الذي يُسقط فريسته في وهم الأمان قبل أن ينقض عليها.
لم يكن مجرد محامٍ خاسر في المحاكم، بل قاتل محترف استخدم القانون كواجهة لغدره.. فقد خطط للإيقاع بتركية، وسحب أموالها قبل أن يُجهز عليها، كأنها لم تكن سوى ورقة نقدية انتهت صلاحيتها.
شركاء في الجريمة.. دائرة الجحيم تتسعلم يكن نصر الدين السيد وحيدًا في مخططه الشيطاني، فقد كشفت التحقيقات تورط آخرين، بعضهم ساعده في سحب أموال الضحايا، بينما تولى آخرون إخفاء آثار الجريمة.. رجال ونساء، جميعهم التقطوا خيوط الشر التي نسجها السفاح، ليصل عدد المقبوض عليهم إلى ستة، بينهم صديق مقرب يدعى "ب.ح"، كان يوكل إليه قضايا إيصالات الأمانة والتعاملات المشبوهة، مما جعل الشبهات تحوم حوله بقوة.
جرائم تحت الأرض.. القاتل والبصمة الأخيرةالرعب لم يتوقف عند سرقة الأموال، بل امتد ليشمل دفن الضحايا في قاع الشقق.. أسفل الطابق الأرضي، حيث تحول الإسمنت إلى شاهد صامت على فظاعة ما ارتُكب.. الزوجة العرفية، الموكلتان، المهندس.. أربعة أرواح قُبِرت مع أسرارها، وكأن هذا السفاح استلهم جرائمه من أعتى القتلة المتسلسلين في التاريخ.
لكن هل كانت هذه هي النهاية؟ التحقيقات لا تزال مستمرة، وجديدها لم يكن أقل صدمة، إذ عثرت الأجهزة الأمنية على شقة استأجرها المتهم، حيث كانت هناك آثار لحفر غامض، ما يطرح سؤالًا أكثر رعبًا.. كم عدد الضحايا الذين لم يُكشف عنهم بعد؟ وهل كنا أمام جزار أودع المزيد من الجثث في أماكن لم تُكتشف بعد؟
مطالب بالقصاص.. والمجتمع ينتظر الحكموسط هذا المشهد الدموي، تقف أسر الضحايا على حافة الألم، تتوسل لتحقيق العدالة.. محمد سامي، محامي الضحية تركية، أكد أن عائلتها تطالب بدفن رفاتها وإنزال أقسى عقوبة على هذا السفاح الذي لم يكتفِ بالقتل، بل امتص حياة ضحاياه حتى الرمق الأخير.
ومع استمرار التحقيقات، يبقى السؤال المعلق في سماء هذه القضية: هل كان نصر الدين السيد مجرمًا منفردًا، أم أن هناك مزيدًا من المتواطئين الذين لم يُكشف عنهم بعد؟ الأيام القادمة قد تحمل إجابات أكثر سوداوية، لكنها بالتأكيد لن تمحو أثر الرعب الذي زرعه "سفاح المعمورة" في قلوب المصريين.