الجزيرة:
2025-01-21@09:49:56 GMT

أخطر ما يواجه سوريا الجديدة

تاريخ النشر: 21st, January 2025 GMT

أخطر ما يواجه سوريا الجديدة

انطلقت عجلة الحياة تدريجيًا في سوريا الجديدة مع شيوع حالة من الأمن الداخلي، والبدء بالترتيبات الأمنية والاقتصادية والاتصالات السياسية داخليًا وخارجيًا؛ فاستقبلت دمشق وفودًا عربية وإسلامية وأوروبية ووفدًا أميركيًا في ظلال التأكيد على أهمية استقرار سوريا ووحدة أراضيها، واتخاذ واشنطن قرارًا بتعليق العقوبات جزئيًا على سوريا ولستة أشهر، وتوجّه الاتحاد الأوروبي لتخفيف العقوبات أيضًا بالتوازي مع مراقبة سلوك الإدارة الجديدة بقيادة أحمد الشرع.

إيجابية المواقف الإقليمية والدولية في عمومها، وفرحة الشعب السوري بحريّته، وتطلعه نحو الأفضل، لا تكفي لبسط الثقة بالمستقبل، فكل دولة في الإقليم والعالم لها أطماعها ومصالحها التي ربّما تتقاطع أو تتعارض مع مصالح الشعب السوري، هذا في الوقت الذي تولد فيه سوريا الجديدة على صفيح ساخن، وفي منطقة مضطربة وقلقة ومتحرّكة بعنف، ما يحمل في طياته تحديات جمّة أمام دمشق والإدارة الجديدة، ومن أهمها:

أولًا: انسجام المجتمع السوري وحفظ أمنه

نجحت الثورة في الوصول إلى دمشق والسيطرة على كافة الأراضي السورية دون إراقة دماء المدنيين في المدن والأرياف، كما استطاعت المزاوجة بين تسوية أوضاع منتسبي الأجهزة الأمنية والجيش، وتقويض نشاط المتمرّدين إلى اللحظة، ومع ذلك فإن ضبط الأمن يحتاج إلى جهود أمنية واستخباراتية متواصلة ومكثّفة لقطع كافة المحاولات المخلّة بالأمن الداخلي، والتي قد تنبت في المستقبل بدعم خارجي ولحسابات سياسية لا تلتقي بالضرورة مع حسابات دمشق.

إعلان

وفي هذا الإطار، فإن سوريا ما زالت تحتاج لدمج قوات "قَسَد" الكردية في الجيش الوطني الجديد، ومن الخطورة أن تبقى قوات سوريا الديمقراطية (الكردية)، رافضة للاندماج ومتمسّكة باستقلال قرارها وقواتها ومتحكّمة بالموارد النفطية والمناطق الزراعية شرق الفرات، متّكئة في ذلك على الدعم الأميركي، الذي لو استمر فإنه سيخلق أزمة سياسية أمنية اقتصادية لدمشق، وأزمة سياسية أمنية لأنقرة التي تتطلع لدمج قوات "قسد" في الجيش السوري الجديد؛ لتجنب الصدام العسكري معها، فأنقرة حذّرت على لسان وزير الخارجية هاكان فيدان (10 يناير/كانون الثاني) بأنها ستتحرك عسكريًا ضد المقاتلين الأكراد إذا لزم الأمر، مؤكّدةً أن الأمر سيتم مناقشته مع الولايات المتحدة الأميركية.

وفي قت سابق قال هاكان فيدان (7يناير/ كانون الثاني)؛ إن "الولايات المتحدة موجودة في شمال سوريا لذرائع معيّنة، لكن 80% من هذه الذرائع لم تعد موجودة"، ومن الأسلم لعلاقات أخوية مع المكوّن السوري الكردي أن يتم التفاهم داخليًا بدون تدخلات أو رهانات خارجية.

فهل تنجح التفاهمات الداخلية مع قوات "قسد"؟ وهل تنجح التفاهمات التركية الأميركية بضم تلك القوات إلى الجيش السوري، وتجنيب البلاد قتالًا متجددًا، لتدور عجلة الاستقرار والبناء؟

في ذات السياق، يحتاج المجتمع السوري أيضًا إلى استعادة الثقة بين شرائحه المختلفة؛ بين من انتصر للثورة ومن انتصر للنظام سابقًا، بين من تضرّر من النظام وفقد بيته وهجّر (12 مليون لاجئ ونازح)، ومن لم يتضرّر ممّن كان مع النظام، وحاجة المجتمع المكلوم والمتضرر إلى القصاص عدلًا من رموز ومسؤولي النظام السابق المسؤولين عن الفساد والجرائم التي طالت ملايين السوريين.

فالمجتمع يحتاج إلى دولة مهيبة وعادلة، ويحتاج سوريا وطنًا حرًا موحّدًا للجميع بغض النظر عن الدين والمذهب والعرق. وهذا يحتاج إلى حِكمة ورُشد، وحرية وعدالة، ومنظومة قيمية وثقافية تساهم فيها المدارس والجامعات، والإعلام، والمساجد والكنائس، والجمعيات والأطر الأهلية.

إعلان ثانيًا: النهوض بالوضع الاقتصادي

سوريا الآن دولة باقتصاد مدمّر، وبنك مركزي لا يملك سوى رصيد من الذهب والعملات الصعبة لا يتجاوز الـ 2.5 ملياردولار.

يكفي أن تتخيّل أن المواطن السوري يعيش براتب 20 دولارًا شهريًا، ويحظى بساعتين يوميًا بالكهرباء، ونسبة فقر تصل لنحو 90%، وحسب إحصائيات أوّلية، فإن عدد المنازل التي دمّرت أو تضرّرت بشكل جزئي بسبب القصف بلغ نحو 178 ألفًا، ناهيك عن التدمير في المدارس والمستشفيات والطرق والمناطق الصناعية.

هذا الأمر لا يخلق فقط تحديًا اقتصاديًا بيروقراطيًا، ولكنْ أيضًا تحديًا سياسيًا على مستويين:

الأوّل، يتعلق بالمواطن السوري الذي سيبدأ خلال أشهر في التساؤل عن مستوى التحسّن في القطاعات الاقتصادية والخدمية، وهذا سيشكل تحديًا لمصداقية وكفاءة الحكم الجديد في دمشق بقيادة أحمد الشرع. الثاني، وهو الأهم والأصعب؛ أن بعض الدول الغنية والنافذة إقليميًا ودوليًا (غير الصديقة لفكر الثورة والحرية)، قد تحاول استخدام الأزمة الاقتصادية وحاجة سوريا إلى المساعدة والإسناد لتكييفها وتدجينها مع البيئة السياسية الدائرة في فلك الولايات المتحدة الأميركية، الطرف المهيمن في المنطقة، حتى تحظى بالدعم والاعتراف، وإلا فإن تلك الدول ربما تلجأ لاستخدام الأزمة الاقتصادية المستفحلة لإثارة شرائح من الجمهور، واستخدام المتضررين من سقوط النظام السابق لمواجهة الإدارة السورية الجديدة، والخروج عليها من باب المطالبة بتحسينات اقتصادية عاجلة، يُدرك الجميع أنها تحتاج إلى سنوات من العمل الدؤوب والتضامن الدولي والإقليمي.

وهذا ربما يتطلب من الإدارة السورية الجديدة، تعميق الشراكة مع تركيا وقطر، ومد جسور التعاون مع الدول العربية الشقيقة الصديقة وطمأنتها، والتوازن في العلاقات بين الشرق والغرب الذي ما زال يمارس الاستعلاء والوصاية، وفي زيارة وزير خارجية فرنسا جان نويل بارو، ووزيرة خارجية ألمانيا أنالينا بيربوك إلى دمشق (3 يناير/ كانون الثاني) إشارة لذهنية الاستعمار الثقافي والاقتصادي المليئة بالشروط والإملاءات.

إعلان ثالثًا: حرية الشعوب ونجاح النموذج

أخطر تحدٍ هو انعكاسات النجاح في بناء النموذج القائم على حرية الشعوب وإرادتها.

لا بد من الإشارة إلى أن النجاح ربما يجلب الحسد والنكاية من الفاشلين في حماية الحريات الشخصية والسياسية، والفاشلين في إدارة اقتصادهم، والفاشلين في إدارة بيروقراطية الدولة.

ليس ذلك فحسب، وإنما نجاح سوريا الجديدة بإدارة "إسلامية سُنيّة" قادرة على استيعاب الاختلافات الفكرية والمذهبية والعرقية، وإدارة دولة بحجم سوريا وموقعها الجيوسياسي، بكفاءة بعد سنوات عجاف، قد لا يعجب بعض الأنظمة التي ترى فيه تحديًا موضوعيًا لها، لأنها تخشى من محاكاة النموذج السوري المفترض نجاحه، ما يعزّز حضور التيارات الإسلامية في المشهد السياسي. وهو ما شكل سابقًا – وما زال – تحديًا لبعض الأنظمة في سنوات ما عرف بالربيع العربي.

هذه الخشية من ردة فعل بعض الأنظمة لا تقتصر على الشرق الأوسط الذي يعاني من تراجع الحريات وتقدّم الفقر والفساد، وإنّما تنسحب أيضًا على المنظومة الغربية التي ما زالت العديد من دولها تعيش ثقافة الاستعمار والوصاية على العالم الثالث، ولا تتورّع عن إشهار معاداتها للإسلاميين وحرية الشعوب العربية، وتجترح العراقيل والشروط أمام أي نظام ناشئ لترويضه، مستخدمة في ذلك عناوين برّاقة لأغراض سياسية؛ كالأقليات العرقية والدينية وحرية المرأة وحقوق الإنسان.

وهي ذاتها تلك الأنظمة الغربية التي تدعم إسرائيل المحتلة لأراضٍ سورية، وتدعم عدوانها المجنون على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة حتى التطهير العرقي والإبادة الجماعية، وتدافع عن ديمقراطية إسرائيل التي تمارس العنصرية والقهر ضد الفلسطينيين لأكثر من 75 سنة.

 رابعًا: إسرائيل المحتلة والمحور السنّي

إسرائيل التي تدّعي التحضّر، هي دولة دينية عرقية، تمارس التطهير العرقي والإبادة الجماعية، والعنصرية والكراهية ضد الفلسطينيين والأغيار.

إعلان

كيان محتل يؤمن بإسرائيل الكبرى بين النيل والفرات حتى الحدود التركية شمالًا، وأجزاء من شمال السعودية جنوبًا.

هذا الأمر لم يعد مجرد حديث ديني حبيس الكُنُس أو أساطير في عقول بعض المتطرفين اليهود، وإنما سياسة ينطق بها قادة الاحتلال الإسرائيلي أمثال وزير الاتصالات شلومو كرعي الذي قال في 29 ديسمبر/ كانون الأول من العام 2024؛ إن "أبواب القدس تنير دربنا حتى تصل أبواب دمشق" وهي ذات العبارة التي نطق بها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش في مقابلة أجراها مع برنامج فرنسي قبل عدة أشهر.

وفي السابع من هذا الشهر، نشر الموقع الرسمي لدولة إسرائيل على منصة إكس، خارطة يزعم أنها لدولة إسرائيل القديمة، تضم فلسطين وأراضي أردنية ولبنانية وسورية، مع تعليق يشير إلى حلم اليهود في الأرض الموعودة.

إسرائيل المحتلة تعاملت مع سقوط نظام الأسد، وخروج إيران من سوريا كإنجاز تاريخي لها، ولكنها في ذات الوقت تخشى من عواقب ثورة الشعب السوري، وتحالفات سوريا الجديدة.

هي تخشى من الحرية للشعب السوري، ولأي شعب عربي؛ لأنها تدرك أن مقتضيات الحرية هي الدفاع عن النفس والسيادة، كما تخشى من طبيعة النظام السوري الآخذ في التشكّل بخلفية إسلامية فتُعدّه خطرًا عليها ولو على المدى الطويل، لأن فلسطين والقدس والمسجد الأقصى هي عقيدة عند المسلمين، وهذا يتناقض مع المشروع الصهيوني الاستعماري القائم على احتلال فلسطين وتهويد القدس والأقصى، هذا ناهيك عن موقف سوريا من أراضيها المحتلة.

إضافة إلى ذلك، فإن إسرائيل المحتلة ترى في التقارب السوري التركي باعث قلق، رغم العلاقات التاريخية بين أنقرة وتل أبيب منذ العام 1949، ولكنها ومن منظور سياسي تاريخي ترى في حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس أردوغان، الذي تسلم السلطة منذ العام 2002، وريثًا للدولة العثمانية التي عارضت هجرة اليهود إلى فلسطين وقيام كيان لهم في عهد السلطان عبدالحميد.

إعلان

هذا القلق دفع وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس إلى عقد اجتماع أمني خاص (8 يناير/ كانون الثاني 2025) بحضور وزير الخارجية غدعون ساعر، ورئيس الأركان هرتسي هاليفي، ومسؤولين كبار من وزارتي الخارجية والدفاع؛ لمناقشة توسّع النفوذ التركي، في وقت أصدر فيه مركز موشيه ديّان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في جامعة تل أبيب دراسة تحذّر من النفوذ التركي، وتدعو لوضع خطة للتعامل مع طموحات تركيا "العثمانية" التي تغيّر موازين القوى في الإقليم، ما يعرّض مصالح إسرائيل للخطر.

ولذلك فإن سوريا الجديدة تقف أمام أطماع إسرائيل في الأراضي السورية وفقًا لمنظور ديني يتغذّى على أفكار الأرض الموعودة، وأمام عداوة إسرائيل لحرية الشعوب العربية، إضافة إلى قلق إسرائيل من التقارب السوري التركي بخلفية إسلامية تتناقض، في تقديرهم، مع المشروع الصهيوني الاحتلالي.

إسرائيل لا تركن لأي طمأنات من هذا الطرف أو ذاك، فرغم علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية التاريخية مع أنقرة، فإنها سرعان ما تنتفض قلقًا وغضبًا لردة فعل مبرّرة من تركيا تقف فيها مع الفلسطينيين إعلاميًا وإنسانيًا.

وما يزيد التحدّي أمام سوريا الجديدة أنها جسم وليد في جوار وحش اسمه إسرائيل، يتغذّى على التفوّق القاتل للضعفاء والكاره للأغيار، ويؤمن بنظرية البقاء للأقوى.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات إسرائیل المحتلة سوریا الجدیدة کانون الثانی ن السوری تخشى من تحدی ا

إقرأ أيضاً:

إيكو دوبلر على الجغرافيا السياسية الجديدة بالمنطقة في ظل سوريا الجديدة

إيران وتفكك خارطة النفوذ في الشرق الأوسط

على مدار عقود، بنت إيران خارطة نفوذ إقليمي معقدة في الشرق الأوسط عبر استغلال الجغرافيا السياسية للدول العربية. اعتمدت هذه الخارطة على ممر استراتيجي يمتد من العراق إلى سوريا ولبنان، وصولاً إلى اليمن، حيث غذّت طهران الإرهاب والتطرف عبر دعم الميليشيات المسلحة وتصدير أيديولوجيات متطرفة هدفت إلى زعزعة استقرار المنطقة وتعطيل مسارات التنمية.

لكن سقوط نظام بشار الأسد، الحليف الأهم لإيران، شكّل نقطة تحول جذرية في تفكك هذه الخارطة. لم يكن سقوط النظام السوري مجرد إنهاء لحكم استبدادي، بل كان بمثابة ضربة مركزية أسقطت الحلقة الأهم في مشروع إيران الإقليمي. ومع هذا السقوط، انكشفت أعماق التدخلات الإيرانية في المنطقة، مما أتاح فرصة لإعادة رسم الجغرافيا السياسية على أسس جديدة، بعيدة عن الإرهاب والتطرف.

صورة الإيكو السياسي.. كشف خفايا التغيرات الجيوسياسية

كما تكشف صورة الإيكو الطبي أعماق الجسم وتسلط الضوء على مشكلات خفية، فإن التحولات السياسية في سوريا تُبرز خفايا المشهد الجيوسياسي في المنطقة. سقوط نظام الأسد عمل كموجة إيكو سياسية فضحت عمق التدخلات الإيرانية، وكشفت عن الدور الذي لعبته الأيديولوجيات المتطرفة في تأجيج الصراعات وزعزعة استقرار الدول العربية.

هذا الإيكو لم يتوقف عند الكشف، بل أظهر أيضاً فرصاً غير مسبوقة لإعادة بناء المنطقة، حيث بدأت ملامح جديدة من التعاون الإقليمي تظهر لتُعيد صياغة الجغرافيا السياسية بعيداً عن الخرائط التي اعتمدت على الصراعات.

سوريا.. كسر الحلقة المركزية في خارطة النفوذ الإيرانية

كانت سوريا تمثل الحلقة الأهم في مشروع إيران الإقليمي. عبر دعمها لنظام الأسد، استغلت إيران الجغرافيا السورية كممر استراتيجي يربط مراكز نفوذها في العراق ولبنان واليمن. كما استخدمت الأراضي السورية كقاعدة لنقل الأسلحة ودعم الميليشيات المسلحة، ما عزز هيمنتها في المنطقة.

لكن التدخل الإيراني لم يكن العامل الوحيد في تعقيد المشهد السوري. التدخل الروسي، الذي ركز على تعزيز مصالح موسكو الجيوسياسية، أضاف طبقة أخرى من التعقيد، إلى جانب الأيديولوجيات المتطرفة التي غذتها أطراف متعددة. كل ذلك حول سوريا إلى ساحة للصراعات الإقليمية والدولية وأدى إلى انتشار الإرهاب على نطاق واسع.

كانت سوريا تمثل الحلقة الأهم في مشروع إيران الإقليمي. عبر دعمها لنظام الأسد، استغلت إيران الجغرافيا السورية كممر استراتيجي يربط مراكز نفوذها في العراق ولبنان واليمن. كما استخدمت الأراضي السورية كقاعدة لنقل الأسلحة ودعم الميليشيات المسلحة، ما عزز هيمنتها في المنطقة.سقوط نظام الأسد أنهى هذه الحلقة المركزية وأعاد للسوريين فرصة استعادة سيادتهم وبناء دولة جديدة. هذا السقوط كشف هشاشة التدخلات الخارجية، وفتح المجال لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للمنطقة بشكل يخدم الاستقرار الإقليمي.

لبنان.. انعكاس الإيكو السياسي على الساحة الداخلية

سقوط نظام الأسد في سوريا انعكس مباشرة على لبنان، الذي كان جزءاً من خارطة النفوذ الإيراني عبر حزب الله. مع انهيار الحلقة السورية، بدأ لبنان يشهد تغيرات سياسية نوعية:

1 ـ تحرر من الهيمنة: تراجع الدعم الإيراني وانحسار تأثير النظام السوري مكّنا لبنان من فرصة بناء نظام سياسي أكثر استقلالية.

2 ـ تقليص الصراعات الداخلية: ضعف قدرة حزب الله على فرض هيمنته قلّل من احتمالية الصراعات المسلحة، مما يفتح المجال أمام الدولة لإعادة بناء مؤسساتها وتجلى ذلك بانتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان وتكليف رئيس جديد للحكومة وضع فيه حلفاء إيران في صف المعارضة.

3 ـ التنمية والاستقرار: الاستقرار السياسي في لبنان يعزز فرص جذب الاستثمارات والتنمية الاقتصادية التي طالما أعاقتها الصراعات والتدخلات الإيرانية.

لبنان الآن أمام فرصة للتحول من ساحة صراع إلى حلقة تواصل في نظام إقليمي جديد، مما يعزز استقراره الداخلي وموقعه في المنطقة.

خارطة جديدة للجغرافيا السياسية في المنطقة

سقوط نظام الأسد لم يكن مجرد انتكاسة للمشروع الإيراني، بل أتاح فرصة لرسم خارطة جديدة للجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط. هذه الخارطة تقوم على التعاون بين الدول الإقليمية لتحقيق التوازن والاستقرار.

1 ـ توازن إقليمي جديد: تراجع النفوذ الإيراني خلق فرصة لتحقيق توافقات إقليمية تعزز من الأمن والاستقرار.

2 ـ تعزيز الاستقلال الإقليمي: خروج التدخلات الخارجية من سوريا يعيد صياغة علاقات المنطقة على أسس من السيادة الوطنية والمصالح المشتركة.

3 ـ إعادة بناء الجغرافيا السياسية: التغيرات الجديدة تربط حلقات التأثير الإقليمي بشكل يحقق استقراراً مستداماً في المنطقة.

معالجة جذور الإرهاب عبر الدولة المدنية

إن سقوط نظام الأسد وانهيار المشروع الإيراني يمثلان فرصة لمعالجة جذور الإرهاب في المنطقة. سوريا الجديدة تستطيع أن تُعيد بناء مؤسساتها على أسس وطنية ومدنية، بعيداً عن الأيديولوجيات التي استغلت الفوضى لإضعاف الدولة.

بناء الدولة المدنية لا يقتصر على المؤسسات السياسية فقط، بل يشمل تمكين المجتمع من تجاوز الانقسامات، مما يعزز مناعة الدول ضد التطرف والإرهاب. سوريا المستقرة ستكون نموذجاً لدولة تتخطى الأزمات وتُعيد بناء نفسها كجزء من منظومة إقليمية مستقرة.

التنمية والاستقرار.. الإيكو السياسي في خدمة المستقبل

كما تكشف موجات الإيكو الطبي الخفايا لتحسين وظائف الجسم، فإن الإيكو السياسي الذي أحدثته التحولات في سوريا يُظهر مسارات جديدة للتنمية والاستقرار.

1 ـ النمو الاقتصادي: مشاريع إعادة الإعمار في سوريا ستفتح الباب أمام استثمارات ضخمة تدعم الاقتصاد الإقليمي.

بناء الدولة المدنية لا يقتصر على المؤسسات السياسية فقط، بل يشمل تمكين المجتمع من تجاوز الانقسامات، مما يعزز مناعة الدول ضد التطرف والإرهاب. سوريا المستقرة ستكون نموذجاً لدولة تتخطى الأزمات وتُعيد بناء نفسها كجزء من منظومة إقليمية مستقرة.2 ـ التوازن السياسي: عودة سوريا كدولة مستقلة تُعيد التوازن إلى المنطقة، وتُقلل من الفراغات التي كانت تستغلها قوى خارجية.

3 ـ تمكين الدولة المدنية: بناء نظام سياسي مستقر يُظهر كيف يمكن للمنطقة تجاوز التدخلات الخارجية وتعزيز التنمية المستدامة.

صورة الإيكو السياسي.. خفايا الفرص الإقليمية الجديدة

التحولات الجيوسياسية التي أحدثها سقوط نظام الأسد أظهرت خفايا جديدة للمشهد الإقليمي:

1 ـ ربط الجغرافيا السياسية: سقوط المشروع الإيراني فتح المجال لإعادة ربط الجغرافيا السياسية على أسس التعاون.

2 ـ تحقيق الاستقرار: التغيرات تُوفر بيئة مواتية للتنمية والاستقرار، بعيداً عن التدخلات والصراعات.

3 ـ رؤية جديدة للمنطقة: مع تراجع التطرف والإرهاب، يمكن للمنطقة أن تدخل مرحلة جديدة تقوم على السلام والازدهار.

ختاماً.. الإيكو السياسي كبوصلة للشرق الأوسط الجديد

الإيكو السياسي الذي أحدثه سقوط نظام الأسد وانحسار الدور الإيراني يُعد بوصلة لرؤية جديدة في الشرق الأوسط. هذه الموجات السياسية لا تكشف فقط عن أعماق المشكلات التي صنعتها التدخلات الخارجية، بل تسلط الضوء على إمكانيات بناء مستقبل مستقر للمنطقة.

سوريا الجديدة تمثل المحور الذي تنطلق منه هذه التحولات، حيث يعاد رسم خارطة النفوذ والجغرافيا السياسية على أسس من التعاون والتنمية. كما تكشف صورة الإيكو عن الجوانب الخفية لتحسين وظائف الجسم، فإن هذا التحول السياسي يكشف عن فرص كامنة لإعادة بناء المنطقة لتكون أكثر استقراراً وازدهاراً.

من بوابة سوريا، يمكن للشرق الأوسط أن يدخل حقبة جديدة تُحقق فيها الشعوب طموحاتها، وتُرسم فيها خرائط سياسية تخدم السلام والنمو المستدام..

مقالات مشابهة

  • بعد انتظار طويل.. إسرائيل تودع الجندي أورون شاؤول الذي قتل في غزة عام 2014 بعد استعادة جثمانه
  • كيف تبخرت جثث 2800 شهيد في قطاع غزة؟ وما السلاح الذي استعملته إسرائيل؟
  • مع بداية ولايته الجديدة.. أبرز القضايا التي تواجه ترامب
  • الكشف عن القرارات الجديدة التي سيتخذها ترامب
  • إيكو دوبلر على الجغرافيا السياسية الجديدة بالمنطقة في ظل سوريا الجديدة
  • إدارة سوريا الجديدة تتلف 100 مليون حبة كبتاغون
  • ما الذي تحاول سوريا فعله؟
  • ما الذي يمكن أن تغيره انتصارات سوريا وغزة في المشهد المصري؟
  • ما الذي يمكن أن تغيره انتصارات سوريا وغزة بالمشهد المصري؟