سواليف:
2025-01-20@23:15:58 GMT

وقف إطلاق النار في غزة.. ماذا بقي للغزاويين؟

تاريخ النشر: 20th, January 2025 GMT

#وقف_إطلاق_النار في #غزة.. ماذا بقي للغزاويين؟

الدكتور #حسن_العاصي

أكاديمي وباحث فلسطيني

الفلسطينيون في #غزة الناجون من المذبحة الصهيونية، والذين يعانون من آثار #الحرب، لديهم آمال متواضعة من وقف إطلاق النار: العودة إلى منازلهم المدمرة. والنوم ليلة بلا خوف. والحصول على وقت مستقطع للحزن على من فقدوا من أبناء، وأشقاء، وآباء، وأمهات، وأحبة.

يحلمون أن يعود الهدوء لمدينتهن، والسكينة لحياتهم. وبقضاء يوم بلا حرب، بسماء لا تمطر صواريخ وقذائف الموت. بخيام وغرف مشتركة في المدارس آمنة من القصف الإسرائيلي. بتنقل بلا حواجز عسكرية تُهين آدميتهم, ويتمنون أن تعود للمآذن نداء الصلاة والتهليل، وصيحات الفرح والتكبير بدل بيانات النعي وبلاغات الإخلاء. هي أشياء بسيطة افتقدها الغزاويين بسبب طول أمد العدوان الصهيوني، وتقاعس الأشقاء والأقرباء، وعجز العالم المتحضر عن نجدتهم. ربما خلال ساعات قليلة، ستبدأ المدينة الجريحة في تضميد جراحها، ولملمة أشلاءها الممزقة، وإطلاق العنان للدموع المسجونة، وتحرير أحزانها، ومحاولة الفرح للصمود والنجاة.

مقالات ذات صلة بذرة الخير والأجر في الارتقاء بالنفس البشرية وحفظها 2025/01/20

فما إن أُعلن عن اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه مساء الأربعاء، حتى امتلأت شوارع غزة المدمرة والمصابة بالحشود المحتفلة المتلهفة لإغلاق هذا الفصل المؤلم. وترددت الهتافات والأناشيد والأغاني الفلكلورية الفلسطينية في الهواء، حيث توحد أهل غزة في الفرح كما في الوجع. إن رؤية ملامح الفرح العفوي البسيط على وجوه الغزاويين يدعونا إلى إعادة النظر في مفهومي “النصر” و”الهزيمة” وفق صمود أهل غزة الراسخ، وفخرهم بعدم انكسارهم أمام أعتى آلة حربية معاصرة.

لقد أعلن رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني مساء الأربعاء رسميا عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يبدأ يوم الأحد 19 يناير/ كانون الثاني بين فصائل المقاومة الفلسطينية وإسرائيل في قطاع غزة بعد حرب استمرت خمسة عشر شهراً ارتكب خلالها الاحتلال أعمال إبادة جماعية وآلاف المجازر، وواجه مقاومة شرسة حتى الرمق الأخير.

يحاول الغزاويين الفرح للانفراج المأمول رغم جراحهم. فتجمع العشرات والمئات من أبناء القطاع المكلوم وسط الأضواء الخافتة بسبب انقطاع التيار الكهربائي في أغلب مناطق القطاع، يقفون فوق أنقاض المباني التي دمرها القصف الإسرائيلي الإجرامي، بالقرب من الذكريات الضائعة والمؤلمة بعد غياب أهلها من شهداء ومفقودين في احتفال عفوي بسيط لا يضاهيه وفرح، وتعجز الأقلام عن وصفه. كأنهم بفرحهم يعلنون للعالم أجمع: أن غزة باقية رغم محاولات الكيان الصهيوني بمسحها، وأن الغزاويين صامدون كعهدهم، متشبثون بالأرض، وأن العدو الفاشي سيعود من حيث أتى، يجر أذيال الخيبة والعار الذي سيظل يلاحقه نتيجة ارتكابه مجازر الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب التي يعاقب عليها القانون الدولي والإنساني.

ورغم التوصل إلى الاتفاق والإعلان عنه، استمر الجيش الاحتلال الفاشي بقصف مناطق مختلفة من قطاع غزة ذهب ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى من المدنيين. لكن غزة الصامدة أمام الهزيمة لم تُظهر يأسها أمام العدو الغاشم، ولم تمنحه نصراً وهمياً. بل أصرت أن يكون فرحها إعلاناً لصمودها وقوتها وثقتها بنصر قادم لا محالة، وفخورة بردعها للغزاة.

غزة التي لا تنكسر

الغزيون المنهكون من الحزن الدائم، والرحيل الدائم، ومن الفُقد الدائم، ينتظرون وقف إطلاق النار وفرصة لإعادة الإعمار. يقول سكان غزة إنهم يأملون في العودة إلى منازلهم المتضررة، والبحث عن أحبائهم المفقودين، وانتشال الجثث من تحت الأنقاض. ورغم بعض الفرح بسبب الهدنة، ولكن هناك أيضاً خوف من المستقبل، وأن الحرب مع إسرائيل قد تستأنف. لكن عندما وصلت الأخبار بأن وقف إطلاق النار وشيك، انفجر سكان غزة احتفالاً. وبفضل هذه الحقنة من الحياة الجديدة، أصبح الناس حريصين على العودة إلى الأماكن التي اقتُلِعوا منها، مهما كانت درجة الدمار.

لقد كانت معاناة الفلسطينيين في غزة خلال الأشهر الخمسة عشر الماضية لا تصدق. ولكن على الرغم من القتل والدمار غير المسبوقين اللذين ركزا على إقليم غزة الصغير، فإن تصميم الشعب الفلسطيني على البقاء على أرضه – حتى مع تحولها إلى أنقاض – أثبت أنه العامل الحاسم في هذه الحرب. إن هذا إنجاز مذهل، إذا ما أخذنا في الاعتبار أن هذه المنطقة التي تبلغ مساحتها 360 كيلومتراً مربعاً كانت معزولة تماماً عن العالم، ولم يكن هناك من حلفاء حقيقيين لكسر الحصار، ولا تضاريس طبيعية لكي يحتمي بها البشر.

إن غزة تُظهِر لنا أنه في الحروب التحريرية، يمكن للشعوب الضعيفة والأقل تسليحاً أن تنجح في مواجهة القوات العسكرية الساحقة. فمثل هذه الحروب هي معارك إرادات. فالمعركة بذاتها ليست هي المهمة، بل القدرة على الاستمرار في القتال. وقد أثبت تصميم الغزيين على المقاومة أنه أكثر حسماً من قوة النيران لدى الجيش الصهيوني.

الشعب الصامد

هناك، في مدن بيت حانون، وجباليا، وبيت لاهيا، ومخيم النصيرات، تترقب عيون النازحين واللاجئين في جنوب قطاع غزة الأيام، وتعد الساعات بأنفاسها وليس بالدقائق. هناك، حيث ترقد قبور الأحباء الشهداء الذين قضوا تنتظر زيارة الأهل والخلان، أرواح تتوق للقاء من فارقتها. وكلمات ما زالت تنتظر أن تُقال لأمهات وآباء وأشقاء وأبناء رحلوا في غفلة دون وداع بسبب صاروخ أو قذيفة أو شظية صهيونية. وآخرون ما يزالون لا يعرفون أين دفن شهداؤهم ولا تحت أي ركام ينتظرون. ولكن رغم المأساة الدامية، إلا أن الغزيين مصرين على مداواة جراحهم، والعودة للحياة مرة أخرى. وهم يدركون حقيقة معركتهم والثمن الباهظ الذي تتطلبه، والذي يأتي بمزيد من الشهداء والجرحى والأسرى والنازحين، إلا أنهم يفتخرون بانتصارهم على عدو لم يستطع كسرهم رغم الدعم اللامحدود من حلفائه الأميركيين والغربيين. فالعدو لم يحقق أياً من أهدافه المعلنة أو مخططاته الشيطانية، فالمقاومة لم تنته، ولم يحرر أسراه، ولم يقم بفرض واقع جديد بشروطه في القطاع، ولم ينجح في تهجير أصحاب الأرض الشرعيين، ولن يحرر الأسرى الصهاينة إلا من خلال صفقة لا يمكن أن تتم إلا بموافقة المقاومة والشعب الصامد.

كما يعبر أهل غزة عن فرحتهم في مواجهة اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية، الذي سعى بكل قوته إلى إبادة الفلسطينيين وحرق الأرض واحتلال القطاع. ولكنها تحطمت بسبب صمود الأمهات اللاتي قدمن أبناءهن إلى طليعة المعركة ضد الجنود الغزاة، وبسبب رجل مسن رفض السماح لأطفاله بالعودة إلى ديارهم.

شعب لا يموت على أرضه إلا شهيداً في ترابها، وأسطورة الجيش الأخلاقي الذي لا يُهزم، فقد حطمها مناضل لم يسلم سلاحه البدائي رغم الجوع والحصار وفقدان الرفاق. ولذلك يعبر أهل غزة عن فرحتهم بهذه الهزيمة المذلة لمن هددهم بكل بلاء ونكبة، فلم يجنوا إلا الخزي والعار.

مدينة الأبطال

“ضعوا السيف على السيف.. نحن رجال محمد ضيف”، “تحية للقسام.. عز الدين”، بهذه الهتافات يؤكد الغزيون الناجون اليوم التزامهم بطريق المقاومة واعتزازهم بالقادة الأبطال الذين قدموا أروع الأمثلة في التضحية والإخلاص. وتعلن غزة أن قادتها جزء منها، وأنها تناضل من أجل قضية الشعب الفلسطيني، وهي تعبر عن إرادة هذا الشعب الذي يرفض الخضوع والهوان، وسيظل يقاتل حتى دحر الاحتلال، تحرير القدس وإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة.

وتفخر غزة أنها أنجبت أبطالاً لم يغادروا ساحة المعركة منذ تحصنوا في مواقعهم، مناضلين أذلوا العدو وأرغموه على الاعتراف ببسالتهم بعد أن كان جنود الاحتلال متغطرسين في بداية العدوان الأخير، ثبت لهم أن دخول غزة ليس كما كانوا يظنون.

وعلى أطراف المدن والقرى والبلدات، ينتظر أهل غزة الصامدون فرحتهم الكبرى، بعودة أسراهم المفقودين من سجون الاحتلال، الذين قضى بعضهم ما بين الثلاثين والأربعين عاماً. وهم الآن على أعتاب العودة إلى ديارهم، يحملون معهم شرف الصمود في وجه الجلادين بكل فخر. فيما يعود الأسرى الإسرائيليين مكللين بعار جيشهم الذي قتل الأطفال والنساء، تنتظرهم يد العدالة الجنائية الدولية.

أمنيات بسيطة

للغزاويين المنظرين وقف حمام الدم أمنيات بسيطة: العودة إلى المنازل التي تحولت إلى أنقاض. والنوم ليلة بلا خوف. والحزن على فقد الأحباء.

أعرب محمد أبو الكاس، مدير التسويق البالغ من العمر 32 عامًا والذي يعيش الآن في منزل متضرر بشدة في مدينة النصيرات بوسط غزة، عن مشاعر مختلطة حول مشاهدة الناس يحتفلون بأخبار الاتفاق – الذي توسطت فيه الولايات المتحدة وقطر ومصر – والذي تم الإعلان عنه مساء الأربعاء. قال: “سعادتهم تحطم قلبي، لأن ما الذي تبقى لنا؟”.

إذا دخل الاتفاق حيز التنفيذ كما هو مخطط له يوم الأحد، فإن وقف إطلاق النار الأولي لمدة 42 يومًا من شأنه أن يجلب لسكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة بعض الراحة من حرب لا هوادة فيها تقول السلطات الصحية الفلسطينية إنها قتلت ما لا يقل عن 46600 شخص. في المقابل، وافقت حماس على إطلاق سراح 33 من الرهائن الذين اختطفتهم خلال هجومها على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023.

منذ ذلك اليوم، تم تدمير مساحات شاسعة من غزة، ومحو أحياء بأكملها من الوجود. وكان القصف مصحوباً بانتشار الأمراض، كما دفع الجيب الذي تبلغ مساحته 140 ميلًا مربعاً إلى حافة المجاعة. ومثل أبو الكاس، نزح أكثر من 90% من الناجين من منازلهم، وكثير منهم نزحوا عدة مرات، وفقاً للأمم المتحدة.

لا يزال أبو الكاس يرتدي نفس البنطال الممزق الآن، الذي كان يرتديه عندما بدأ العدوان الصهيوني قبل أكثر من عام. وخلال ذلك الوقت، نزح ثلاث مرات. أصيب مع والدته في غارة جوية. في يوم الثلاثاء، قبل يوم من إعلان وقف إطلاق النار، أصاب صاروخ آخر منزلًا مجاوراً وأصاب أجزاء من الجسم في مبناهم: ساق وأجزاء من الوجه. قال “حتى اللحظة الأخيرة، الموت”.

استمر القصف أيام الخميس، والجمعة، والسبت حتى بعد الإعلان عن الاتفاق الذي صادقت عليه الحكومة الإسرائيلية. وفي الساعات التي تلت ذلك، قُتل العشرات بينهم 35 امرأة و31 طفلاً، في غارات إسرائيلية، وفقًا لمحمود بصل، المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة. وقال بعض السكان إنهم يخشون أن تشتد الهجمات خلال الساعات الأخيرة قبل دخول الهدنة حيز التنفيذ.

يقول أحد الغزيين: “نريد أن تنتهي حتى نتمكن من البكاء والذهاب لوضع خيمة فوق أنقاض منزلنا”. لم تكن رجاء حمدونة، 36 عاماً تفكر في العودة إلى المنزل. كانت تنوي البحث عن رفات زوجها الميت وابنيها البالغين من العمر 12 و14 عاماً.

قالت حمدونة إنهم كانوا يحتمون في خيمة في جنوب غزة في يونيو عندما أصيبوا بنيران دبابة إسرائيلية. وقالت إن الدبابة تقدمت إلى حيث كانوا يرقدون، فسحقت زوجها وأبناءها. وقالت حمدونة وابنتها البالغة من العمر 4 سنوات إنهما نجتا، فقط لأنهما غرقتا في تربة ناعمة تحت عجلات الدبابة. تضيف: “أريد أن أجد أي شيء يتعلق بهم. “أريد أن أشم رائحة التربة التي غمرتها دماءهم، ثم أبحث عن مكان بعيد عن كل شيء وعن كل الناس، فقط لأبكي”.

وقال محمد الجمل، الذي يعيش الآن في خيمة مساحتها 22 متراً مربعاً مع 10 أفراد من أسرته في منطقة المواصي جنوب غزة، إنه يخطط أيضاً للعودة إلى منزله في مدينة رفح الجنوبية عند “ساعة الصفر” يوم الأحد. ليس لديه أي فكرة عما إذا كان لا يزال المنزل قائماً. وقال: “حتى لو دمر، أريد العودة للعيش في أنقاضه”.

في الوقت الحالي، تعيش أسرته في مأوى ضئيل من الرياح والأمطار، ويفصله قماش مهترئ عن جيرانه. وقال إن منطقة المواصي، التي صنفتها إسرائيل كمنطقة إنسانية، لم تجلب الأمان من القصف. وأضاف “في الواقع، إنها غير صالحة للعيش تماماً”.

وقال جمال: “لقد ضربتنا الرياح والأمطار. لقد أكلتنا الأمراض دون أن نتناول حتى حبة دواء واحدة”. ووصف الحرب بأنها “كابوس من الموت والخوف يطاردنا على مدار الساعة”.

ما قد يحمله المستقبل لا يزال غير مؤكد إلى حد كبير. ومن المتوقع أن تبدأ المفاوضات بشأن المرحلة الثانية من الصفقة، عندما يتم إطلاق سراح بقية الرهائن في مقابل الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية، في الأسابيع المقبلة. ولا تزال خطط إعادة الإعمار، ومن سيدير القطاع، غير واضحة.

لا يثق البعض في غزة في قدرة وقف إطلاق النار على الصمود، أو أعربوا عن تشككهم في إمكانية سريانه على الإطلاق. خالد وليد، 31 عاماً، أب لطفلين يعيش في بقايا منزله المدمر. وقال أحد سكان دير البلح، إنه يفكر في مغادرة غزة بالكامل إذا تم فتح المعبر مع مصر خلال فترة الهدنة. وقال: “أريد أن أعطي عائلتي فرصة جديدة للحياة. لقد فقدنا كل ما نملك. أريد بناء مستقبل لأطفالي خالي من الموت والقتل”.

يوم من السعادة والحزن

وقالت عبير ماهر، وهي أم لثلاثة أطفال تبلغ من العمر 36 عاماً نزحت من مدينة غزة إلى دير البلح، إنها تشكر الله على وقف إطلاق النار لكنها لا تستطيع أن تشعر بالسعادة. وأضافت: “الآن تبدأ المعاناة الحقيقية، وإدراك ما حدث. لم يتبق شيء”. وقالت: “الآن فقط يمكنني أن أبدأ في التمتع برفاهية الحداد على أقاربي وأصدقائي”.

وقالت غادة وهي أم لخمسة أطفال نزحت من منزلها في مدينة غزة خلال الصراع المستمر منذ 15 شهراً “أنا سعيدة نعم أبكي لكن هذه دموع الفرح”. وقالت من ملجأ في بلدة دير البلح بوسط غزة “نحن نولد من جديد، مع كل ساعة تأخير ترتكب إسرائيل مذبحة جديدة، وآمل أن ينتهي كل شيء الآن”. بالنسبة للبعض، اختلط الفرح بالحزن. قال أحمد دهمان (25 عاما) إن أول ما سيفعله عندما يدخل الاتفاق حيز التنفيذ هو استعادة جثة والده الذي قتل في غارة جوية على منزل العائلة العام الماضي و”دفنه بشكل لائق”. وقال دهمان، الذي نزح مثل غادة من مدينة غزة ويعيش في دير البلح: “أشعر بمزيج من السعادة لأن الأرواح تُنقذ والدماء تُوقف”. “لكنني أشعر بالقلق أيضاً بشأن صدمة ما بعد الحرب لما سنراه في الشوارع ومنازلنا المدمرة ووالدي الذي لا يزال جثمانه تحت الأنقاض”.

وقالت والدته بشرى إن وقف إطلاق النار لن يعيد زوجها، “على الأقل قد ينقذ أرواحاً أخرى”. وقالت الأم الباكية: “سأبكي، كما لم يحدث من قبل. لم تمنحنا هذه الحرب الوحشية الوقت للبكاء”.

وما زالت إيمان القوقا، التي تعيش مع أسرتها في خيمة قريبة، غير مصدقة. “هذا يوم سعادة وحزن وصدمة وفرح، لكنه بالتأكيد يوم يجب أن نبكي فيه جميعاً ونبكي طويلًا بسبب ما فقدناه جميعاً. لم نفقد أصدقاءنا وأقاربنا ومنازلنا فقط، لقد فقدنا مدينتنا، أعادتنا إسرائيل إلى التاريخ بسبب حربها الوحشية”.

وقالت القوقا: “حان الوقت ليعود العالم إلى غزة، ويركز على غزة، ويعيد بناءها”.

ليس لدي أحد

إن الدمار الذي لحق بقطاع غزة هائل. وبحسب تحليل حديث أجراه مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية، فقد دُمر أو تضرر 69% من جميع المباني و68% من الطرق حتى ديسمبر/كانون الأول. وقُتل نحو 46700 شخص، وفقاً لوزارة الصحة التي تديرها حماس.

لقد أثار استمرار القصف الجوي مزيجاً مربكاً ومتصاعداً من المشاعر لدى كثيرين، حيث كان بمثابة تذكير بأن الهدنة التي أُعلن عنها أمس سوف تأتي متأخرة للغاية بالنسبة للعديد من ضحايا هذه الحرب الطاحنة.

قالت جولييت توما، مديرة الاتصالات في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا): “التحدي الأكبر هو ما إذا كان سيتم تنفيذ وقف إطلاق النار بنجاح”. “إذا كان الأمر كذلك، فإن التحدي الذي ينتظرنا يظل هائلاً تماماً. الغالبية العظمى من الملاجئ مكتظة. يعيش الكثيرون ببساطة في العراء، أو في هياكل مؤقتة. إنهم يفتقرون إلى الاحتياجات الأساسية مثل الملابس الدافئة. لا أستطيع أن أسمي هذه الظروف المعيشية، فهي ليست ظروفاً مناسبة للبشر”.

قالت صابرين دوشان، 45 عاماً، التي كانت تمتلك كشكاً في الشارع وتعيش في مبنى سكني في مدينة غزة: “لقد دُمر منزلي بالكامل، واختفى المبنى”. وأضافت إنها فقدت 17 عضواً من عائلتها الأوسع منذ بدء الحرب. كانت على استعداد للانطلاق من دير البلح في وسط غزة، حيث كانت تعيش في خيمة، إلى أنقاض منزلها. قالت: “حتى لو اضطررت إلى إقامة خيمتي على الأنقاض، فسيكون الأمر على ما يرام، لأنني سأكون في المنزل. لا يوجد مكان يمكن أن يرضيني الآن سوى المنزل”.

كانت هذه الأخبار بمثابة تذكير مدمر آخر بفقدان عائلة لميس سهادي صبحي، وهي فتاة صغيرة في ملعب اليرموك في أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في سوريا، والذي يقع على المشارف الجنوبية لدمشق.

“كيف يمكنني أن أفرح عندما مات والدي وأخي، ومات أعمامي أيضاً؟”. “ليس لدي أحد”.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: غزة غزة الحرب وقف إطلاق النار العودة إلى دیر البلح مدینة غزة فی مدینة من العمر أهل غزة فی خیمة لا یزال فی غزة

إقرأ أيضاً:

ماذا يعني اتفاق وقف إطلاق النار حقا؟

ترجمة - أحمد شافعي -

مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار الذي طال انتظاره حيز التنفيذ الآن، يمكن لكل من الرئيس بايدن والرئيس المنتخب دونالد ترامب أن يدعيا الفضل في الإنجاز، بينما تحار إسرائيل وحماس في طبيعة ما وقعتا عليه بالضبط.

تدعو المرحلة الأولى من الاتفاق إلى إطلاق سراح ثلاثة وثلاثين من قرابة مائة رهينة ما زالوا محتجزين في غزة، ووقف إطلاق النار لمدة ستة أسابيع، وانسحاب إسرائيل من المناطق المأهولة بالسكان، وإطلاق سراح مئات الفلسطينيين المسجونين لدى إسرائيل، وزيادة المساعدات الإنسانية إلى غزة. وتشمل المرحلة الثانية، التي سيتم التفاوض عليها خلال المرحلة الأولى، عودة بقية الرهائن الأحياء، وانسحاب جميع القوات الإسرائيلية من غزة وإنهاء القتال بشكل دائم. بينما تشمل المرحلة النهائية إعادة رفات جميع الرهائن الآخرين وإعادة بناء غزة.

كان الاتفاق خبرا سارا لبعض الرهائن وعائلاتهم وشعب غزة الذي طالت عليه المعاناة. ولكن الانتقال إلى المرحلة الثانية من الخطة أبعد ما يكون عن اليقين، بما يثير التساؤل حول ما إذا كانت الحرب ستنتهي حقا. بالنسبة للرئيس ترامب، الذي يزعم بالفعل أن وقف إطلاق النار هو النجاح الأول لرئاسته، فالواقع المزعج أنه أصبح الآن مقيدا بمسؤولية عن مصير الصفقة.

في الأمد القريب، ستحتفل إسرائيل بعودة الرهائن، الذين يعتقد أن معظمهم على قيد الحياة، والمحتجزون في ظروف غير إنسانية منذ خمسة عشر شهرا، ويتواصل قلقها على مصير الباقين في الأسر. كما سيأسى العديد من الإسرائيليين بسبب إطلاق سراح الفلسطينيين المسجونين الذين يرجح أن يكون بعضهم على الأقل ملطخ الأيدي بدماء إسرائيلية، ويتساءلون عما إذا كانوا سيعودون إلى أعمال «الإرهاب». ويكاد يكون مؤكدا أن الوضع السياسي الإسرائيلي سوف يزداد اضطرابا، وسط تهديدات اليمين المتطرف بترك الائتلاف الحاكم اعتراضا على الصفقة.

سوف تستفيد حماس من فترة الراحة من الحرب التي استنزفت صفوفها بشدة. فإذا ما حصل الفلسطينيون على فرصة لإعادة بناء حياتهم، فمن الممكن تماما أن تعيد حماس بناء نفسها أيضا فتعيد بناء جيشها وأسلحتها وتجنيد المقاتلين لتعويض الآلاف الذين تزعم إسرائيل أنها أخرجتهم من ساحة القتال. وبرغم الهزيمة الساحقة التي لحقت بحماس، فقد نجت من الهجوم الإسرائيلي، ويكاد يكون مؤكدا أنها سوف تستمر على «تمردها». والواقع أن هذا الاتفاق سوف يفضح على الأقل مدى خواء رؤية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المزعومة بالانتصار الكامل على حماس.

من جانبهم، يواجه أهل غزة كارثة إنسانية مروعة أصابت جيلا بأكمله بالصدمة. فقد قالت وزارة الصحة التابعة لحماس إن أكثر من 46600 فلسطيني لقوا مصرعهم في غزة منذ بدء الحرب، وإن لم تفرق بين المقاتلين والمدنيين. وقد تسببت الحرب في صعوبات هائلة في القطاع، منها المجاعة، والافتقار الشديد إلى المياه والرعاية الصحية، ودمار مساحات شاسعة من المساكن والبنية الأساسية.

بوسع الرئيس بايدن أن يستمد قدرا من الرضا لأن وقف إطلاق النار، الذي راوغه نتنياهو طويلا، قد تحقق أخيرا ولأن المزيد من الرهائن، ومنهم العديد من الأمريكيين، سوف يتحررون الآن. ولكن الصورة التي تلوح فوق إنجاز اللحظة الأخيرة هي صورة الرئيس المنتخب الذي وضع نفسه في موقف يسمح له بالحصول على الفضل في الاتفاق. إذ يبدو أن تهديد الرئيس المنتخب ترامب علنا بأن «الجحيم سوف يندلع» إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق قبل توليه منصبه قد آتى أكله: فقد تردد أن مبعوثه إلى الشرق الأوسط ضغط على نتنياهو بقوة للتوصل إلى اتفاق، فاستسلم نتنياهو.

وللإنصاف نقول إن درجة التعاون بين الإدارتين الأمريكيتين المنتهية والقادمة في هذه القضية كانت غير عادية.

والواقع أننا لا نعرف حتى الآن ـ استنادا إلى نصف قرن من الخدمة الحكومية الجماعية ـ سابقة لقيام رئيس منتخب ومبعوثه غير الرسمي بلعب مثل هذا الدور الواضح في مفاوضات رفيعة المستوى بدعم كامل من الرئيس القائم.

وقد يكون من المحتمل أن نتنياهو - الحريص على إبقاء ترامب في بلاطه والمصمم على كسب الدعم لسياسة إسرائيلية أكثر صرامة ضد البرنامج النووي الإيراني فضلا عن قضايا أخرى - قرر منحه نصرا سابقا على التنصيب. ولعل حساباته ذهبت إلى أن تجاهل ترامب سيكون أصعب وأعلى تكلفة من تجاهل المعتاد لإدارة بايدن.

ولسوف يعتمد نجاح هذا الاتفاق على سياسات ترامب في الرئاسة. فهو الآن يمتلك العملية: إعادة جميع الرهائن، والإفراج عن المزيد من السجناء الفلسطينيين وتحويل وقف إطلاق النار لمدة ستة أسابيع إلى نهاية للحرب. وكل هذا سيكون تحديا، وسيحدد فشله أو نجاحه ما إذا كان الاتفاق محض فترة راحة بين جولات أم مسارا فعليا للسلام.

بعد ستة عشر يوما من المرحلة الأولى، يفترض أن تبدأ المفاوضات بشأن إعادة الرهائن المتبقين ومن المقرر أن تنسحب إسرائيل من غزة. وفي هذا قد تكون نهاية اللعبة إما لإسرائيل وإما لحماس: فحماس لن تتخلى عن الرهائن المتبقين - وهم ورقتها الوحيدة - دون التزام إسرائيلي بإنهاء الحرب ومغادرة غزة. ولن يوافق نتنياهو، الذي يخشى من إعلان حماس النصر ويشعر بالقلق على مستقبله السياسي الشخصي، على ذلك ما لم توجد طريقة ما لإنشاء قوة أمنية دولية أو إقليمية ذات قدرة أكيدة على منع حماس من إعادة التسلح. وحتى في هذه الحالة فإن أي انسحاب إسرائيلي كامل لابد أن يكون تدريجيا ومرتبطا بأداء قوة الأمن.

ومن الممكن بعد ستة أسابيع من الهدوء والمساعدات غير المقيدة التي تتدفق على غزة أن تجد إسرائيل وحماس صعوبة بالغة أو تكلفة باهظة في العودة إلى القتال. لكن من الصعب أن نصدق أن نتنياهو سوف يوقف الحرب ما بقيت حماس جماعة مسلحة متمردة وقوة سياسية. أما عن ترامب، فقد يقرر الانسحاب من المسألة برمتها ملقيا اللوم على إسرائيل وحماس في الفشل. لكن لو أنه مهتم باتفاقية تطبيع إسرائيلية سعودية وجائزة نوبل للسلام - أو حتى بمحض الوصول إلى وضع «اليوم التالي» في غزة - فسوف يعني هذا تعامله مع مجموعة فوضوية من القضايا، منها السلطة الفلسطينية التي لم يتم إصلاحها، والأمن والحكم وإعادة الإعمار في غزة، وحل الدولتين الذي من شأنه أن يدخله في صراع مع نتنياهو وحكومته اليمينية. والواقع أن شروط المملكة العربية السعودية للتطبيع قد أصبحت أشد صرامة إلى حد كبير، مما قد يتطلب التزاما إسرائيليا بإقامة دولة فلسطينية وخطوات ملموسة في هذا الاتجاه.

فهل تؤدي هذه الصفقة الجديدة إذن إلى طريق مسدود للمفاوضين، أم أنها قد توفر مسارا للمضي قدما للإسرائيليين والفلسطينيين؟ هل هناك أي أمل في ظهور شيء أفضل من هذه الحرب؟ الجواب هو «لا» إذا كان خيال ترامب والقادة الإقليميين قانعا بإدارة الصراع.

سوف يعتمد أي مسار محتمل إلى السلام الدائم على القادة الإسرائيليين والفلسطينيين إذا ما قرروا أن يكونوا سادة على سياساتهم لا أن يكونوا أسرى أيديولوجياتهم، وإذا ما صاروا مستعدين وقادرين على تحديد مستقبل أفضل على أساس رؤية دولتين لشعبين. وسوف يعتمد أيضا على رئيس أمريكي مصمم ومثابر ومبدع - يعمل يدا بيد مع الدول العربية الرئيسية والمجتمع الدولي - من أجل مساعدة الإسرائيليين والفلسطينيين على تحقيق هذا الهدف.

آرون ديفيد ميلر: محلل ومفاوض سابق في وزارة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، وزميل بارز في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي

دانييل سي. كيرتزر: عمل سفيرا للولايات المتحدة في مصر من عام 1997 إلى عام 2001 وفي إسرائيل من عام 2001 إلى عام 2005.

خدمة نيويورك تايمز

مقالات مشابهة

  • بعد انتظار طويل.. إسرائيل تودع الجندي أورون شاؤول الذي قتل في غزة عام 2014 بعد استعادة جثمانه
  • واشنطن بوست: هذا حجم الدمار الذي أحدثته إسرائيل بلبنان بعد الهدنة
  • ماذا يعني وقف إطلاق النار في غزّة؟
  • ماذا يعني اتفاق وقف إطلاق النار حقا؟
  • جباليا: وقف إطلاق النار يظهر حجم الدمار الذي خلفه الجيش الإسرائيلي وصدمة سكانها من هول المشهد
  • نتنياهو يهدد بعدم وقف إطلاق النار.. ماذا يريد من حماس؟
  • حماس: تأخر تسليم الأسماء التي سيتم إطلاق سراحها في الدفعة الأولى يعود لأسباب فنية ميدانية
  • عاجل. الجيش الإسرائيلي: صفارات الإنذار التي دوت وسط البلاد ناجمة عن إطلاق صاروخ من اليمن
  • ساندرز: نتنياهو وقع الاتفاق الذي رفضته حكومته المتطرفة في مايو الماضي