يبدو أن القرارات المالية والاجتماعية خصوصا لا تُتّخذ بمحض الصدفة، وتعبّر عن الحالة المزاجية التي يكون عليها الفرد خلال فترة معيّنة، ونتائج القرار المتخذ ربما تنعكس سلبا على الأشخاص المحيطين أو المتوقع تأثرهم بارتداداته وعواقبه، ويظهر ذلك جليا في القرارات المالية والاجتماعية (صندوق الزواج أنموذجا) التي من المفترض أن نكون أكثر حذرا ووعيا بما نُقدم عليه أو نخطط بشأنه، لأن القرار المالي والاجتماعي يعد المحدد الرئيس للواقع المعيشي للفرد وطريقة تفاعله مع الأحداث والمواقف اليومية خصوصا تلك التي أثرها يبقى طويلا أو للأبد في هذه المنظومة الكونية.

وإذا كان أفراد المجتمع يظنون بأن الحياة لا يمكن التفاعل معها بدون بعض القرارات المسلم بها مثل قرار الزواج وشراء السيارة وبناء المنزل؛ فإن المزاج العام هو المحدد الرئيس لهذه القرارات والمؤثر على طريقة اتخاذها وإن كانت محفوفة بالمخاطر المستقبلية والنتائج العكسية المحتملة، فتارة نجد أنّ الفرد سيّد قراره ولا يتأثر بما يدور حوله، وتارة أخرى يتأثر بالمزاج العام في المجتمع الناتج عن حدث عابر أو حالة معيّنة نتيجة ظروف طارئة، وفي نفس السياق استغرب من اتخاذ قرار غير مدروس أو عبثي يؤثر سلبا على القرارات المستقبلية للفرد أو تضعه في مأزقٍ يضطر من خلاله إلى تعميق الآثار الناتجة عن القرار المتخذ بسبب حالة عابرة.

أسئلة عديدة تبحث عن الإجابة حول أثر المزاج العام في اتخاذ القرارات عموما ومدى الحاجة إلى إجراء مزيدٍ من البحوث والدراسات العلمية لفهم الحالة المزاجية لأفراد المجتمع التي تدفعهم نحو محدودية التفكير وسطحية التفاعل مع ما يطرح ويناقش ويفنّد، هذه الحالة أيضا تبعدهم عن التخطيط لمستقبلهم وتشغلهم بالاهتمام لأمور لا تعود بالنفع عليهم. عديد من المصادر العلمية تشير إلى أنّ العلوم الاجتماعية ترى أن سلوك الفرد وقراراته تتأثر غالبا عاطفيا ونفسيا بالأشخاص المحيطين به وهو ما تطرّق إليه الاقتصاد السلوكي مستندا على نظريات ودراسات وبحوث علمية متخصصة بالجوانب الاجتماعية والنفسية؛ لذلك فإن قرارات الفرد يغلب عليها الجانب غير العقلاني، ولا تستند إلى مبررات واقعية لاتخاذها وإنما تتأثر بسلوك الآخرين دون وجود خطة عقلانية ودراسة مستفيضة لواقع الفرد ماليا واجتماعيا.

تحدثنا في مقالات سابقة عن أهمية الاستفادة من تطبيقات الاقتصاد في إدارة الجوانب الاجتماعية والاقتصادية للفرد وضرورة تحكيم العقل والمنطق في اتخاذ القرارات خاصة التي يتوقّع أن تؤدي إلى تأثيرات رئيسة على الدخل العام للأسرة وإرباك وضعها الاجتماعي، ويمثل الاقتصاد التشاركي أحد الحلول المتاحة للتخلص من تبعات القرار المالي غير المدروس رغم عدم رواج أدواته وقبولها مجتمعيا؛ للنهج المتبع لسنوات طويلة، ولممارسات متخّذة على مدى الأجيال، وربما يكون دمج ممارسات السلف التي كانت لها مبررات واستمرت مع الأجيال مع تطبيقات العلم الحديث؛ بهدف تحسين المزاج العام في بعض الجوانب التي تحفّز العاطفة السلبية لأفراد المجتمع، وهنا أستحضر التوجيهات السامية لجلالة السلطان المعظم التي أسداها في الذكرى الخامسة لتولي جلالته مقاليد الحكم في البلاد القاضية بإنشاء صناديق للزواج في مختلف المحافظات، حيث لهذه التوجيهات أثرٌ إيجابيٌ على المزاج العام لأفراد المجتمع خصوصا فئة الشباب المقبلين على الزواج؛ لأن الصندوق كان مطلبا مجتمعيا لسنوات للتكاليف الباهظة -أحيانا- للزواج مما ساعد على عزوف الشباب عن الزواج في حالات عدّة، ولذلك جسّدت التوجيهات السامية لجلالة السلطان المعظم التكافل والتعاون بين الحكومة والمجتمع في هذا الجانب، مما أعاد التفكير جديا في اتخاذ قرار الزواج والتحضير له بعد أن قام كثيرون سابقا بتأجيل الفكرة حتى يستند على أساس مالي متين.

غالبا يتعدى أثر القرار المالي الحياة الشخصية للفرد إلى المجتمع ككل؛ للارتباط الوثيق بين الجانبين الاجتماعي والمالي ودورهما في تلبية الاحتياجات اليومية للأفراد والحفاظ على مكوّنات الأسرة، إضافة إلى أنهما عاملان مهمان في التخطيط لمستقبل كل فرد في الأسرة وتفاعله مع المجتمع، ولأن المزاج العام هو حالة عابرة في كثير من الأحيان يتأثر بها الفرد ويعكس ذلك التأثير على المجتمع مما يكوّن المزاج العام، فإنه من الجيد دراسة العوامل المؤثرة على المزاج العام التي تحول دون تعزيز الإيجابية وتحفّز السلبية الدائمة في التفاعل مع القضايا والموضوعات الرائجة، وفي رأيي لا بد من إجراء دراسات وبحوث علمية متخصصة تدرس عدة عوامل ربما تؤثر في المزاج العام وتسهم في تكوينه، وينبغي تشجيع الباحثين والمختصين على بذل جهود أكبر للتعمق في دراسة النظريات ومناقشتها عبر طرح أسئلة حول قضايا عُمانية متخصصة، فنحن بحاجة إلى فهم الحالة المزاجية للمشهد العام التي تربك المجتمع من تحديد أولوياته وحاجياته، مع ضرورة ألا تقف نتائج البحوث والدراسات وتوصياتها ومقترحاتها على الورق، وإنما يتم تطبيقها على أرض الواقع.•

راشد بن عبدالله الشيذاني باحث ومحلل اقتصادي

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المزاج العام

إقرأ أيضاً:

«مستقبل وطن»: العفو عن 4466 من المحكوم عليهم يعكس رؤية الرئيس السيسي الإنسانية لتعزيز الوحدة الوطنية

أشاد هاني عبد السميع، أمين مساعد حزب «مستقبل وطن» بالبحر الأحمر، بقرار الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يقضي بالعفو عن 4600 من المحكوم عليهم بمناسبة احتفالات عيد الشرطة و25 يناير، واصفًا القرار بأنه خطوة إيجابية وإنسانية تعبّر عن حرص القيادة السياسية على تحقيق التوازن بين تطبيق القانون وترسيخ قيم التسامح.

وأكد "عبد السميع"، في بيان اليوم الاثنين، أن هذا القرار يبرز الحكمة السياسية للرئيس السيسي، الذي يضع دائمًا مصلحة الوطن والمواطن في مقدمة أولوياته، موضحًا أن العفو عن هذا العدد الكبير من المحكوم عليهم ليس مجرد إجراء قانوني، بل يعكس رؤية شاملة تهدف إلى تعزيز الوحدة الوطنية وتحقيق المصالحة المجتمعية في وقت تتطلب فيه البلاد تكاتف جميع أطياف الشعب.

وأشار أمين مساعد حزب «مستقبل وطن» بالبحر الأحمر إلى أن توقيت القرار بالتزامن مع احتفالات 25 يناير وعيد الشرطة، يرمز إلى أهمية المناسبات الوطنية في تحقيق التلاحم بين الدولة والشعب، لافتًا إلى أن القرار يمثل رسالة بأن الدولة لا تسعى فقط إلى العقاب، بل إلى الإصلاح وإعادة تأهيل الأفراد ليكونوا أعضاءً فاعلين في المجتمع.

وأوضح "عبد السميع" أن العفو عن المحكوم عليهم يعزز الروح الإيجابية في المجتمع، ويؤكد أن مصر تسير بخطوات ثابتة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية، لافتًا إلى أن إعادة دمج المفرج عنهم في المجتمع يعكس التزام القيادة السياسية بإعادة بناء الإنسان المصري على أسس من التسامح والتعاون.

ولفت إلى أن القرارات التي تحمل طابعًا إنسانيًا تعزز من صورة مصر على المستوى الدولي، إذ تظهر الدولة المصرية كدولة تؤمن بقيم العدل والرحمة وتسعى لتحقيق التوازن بين تطبيق القانون واحترام الكرامة الإنسانية.

ودعا "عبد السميع" المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية إلى ضرورة تقديم الدعم اللازم للمفرج عنهم وأسرهم لضمان اندماجهم بشكل فعّال في المجتمع، مشيرًا إلى أهمية توفير برامج تأهيل نفسي واجتماعي لهم، بالإضافة إلى خلق فرص عمل تساعدهم على بدء حياة جديدة ومستقرة، مما يسهم في تقليل معدلات العودة إلى الجريمة وتعزيز السلام المجتمعي.

مقالات مشابهة

  • لكل من فاته خطاب ترامب.. هذه أبرز القرارات التي أعلن عنها فور تنصيبه
  • مصر.. توقعات بنمو الاقتصاد 4% بفضل إصلاحات صندوق النقد
  • «مستقبل وطن»: العفو عن 4466 من المحكوم عليهم يعكس رؤية الرئيس السيسي الإنسانية لتعزيز الوحدة الوطنية
  • شركات المجتمع المحلي.. "تنمية نفط عُمان" أنموذجًا
  • الكشف عن القرارات الجديدة التي سيتخذها ترامب
  • أستاذ علوم سياسية: العفو عن 4600 محكوم عليهم يعزز الروابط المجتمعية
  • تنصيب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة اليوم .. ما أبرز القرارات التي وعد بها؟
  • صندوق النقد يتوقع نمو الاقتصاد المصري 3.6% في العام المالي الجاري
  • البنك الدولي يتوقع تحسن العديد من المؤشرات الاقتصادية في أفريقيا خلال 2025