هل شارفت المياه الجوفية في الشرق الأوسط على النفاد؟
تاريخ النشر: 20th, August 2023 GMT
جنى العراق محصولا قياسيا في القمح هذا العام رغم الجفاف فيما يعود الفضل في ذلك إلى المياه الجوفية
تزايد الاعتماد على المياه الجوفية في العديد من بلدان الشرق الأوسط مع تفاقم تداعيات ظاهرة تغير المناخ وما نجم عنها من طول أمد مواسم الجفاف وشدة ضراوتها وقلة مواسم الأمطار مع ارتفاع درجات الحرارة. وإزاء ذلك بات الاعتماد على المياه الجوفية بشكل أساسي لري محصول القمح هذا العام في العراق الذي يعد من أكثر البلدان المهددة بتبعات تغير المناخ والجفاف في العالم.
كذلك ساهمت المياه الجوفية في ري عدد مزارع النخيل في تونس فضلا عن دورها في الحفاظ على الزراعة في اليمن وضمان حصول مدن ليبيا الساحلية على المياه. وعلى وقع ذلك، يمكن القول بأن المياه الجوفية لعبت دورا مهما في بلدان الشرق الأوسط القاحلة حتى باتت المصدر الرئيسي للمياه العذبة في قرابة عشر دول عربية، وفقا لتقرير أصدرته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) قبل عامين.
تزايد الاعتماد على المياه الجوفية
وفي ذلك، ترى آنابيله هودرت، الباحثة البارزة في المعهد الألماني للتنمية والاستدامة، ان الاعتماد على المياه الجوفية والإقرار بأهميتها "آخذ في الازدياد". وفي مقابلة مع DW، أضافت هودرت، المتخصصة في إدارة المياه الجوفية في المغرب، أن سكان المنطقة "لم يدركوا في السابق أهمية المياه الجوفية نظرا لأنها بعيدة عن المشاهدة. إذا رأوا نهراً تنخفض فيه مستويات المياه بشكل كبير، فقد ينجم عن ذلك رد فعل، لكن هذه المياه تعد شيئا مجردا ما يعني أنه بحلول الوقت الذي ندرك فيه الضرر الذي اصابها، يكون قد فات الأوان".
بسبب الحرب دُمرت محطات الكهرباء في اليمن ليجد اليمنيون ضالتهم في الطاقة الشمسية لإنارة المنازل والمستشفيات وحتى لضخ المياه
من جانبه، قال الدكتور محمد محمود مدير برنامج المناخ والماء في معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن، إن المياه الجوفية تتسم بالتعقيد نظرا لطبيعتها المعقدة. وأضاف أن هناك ضغوطات متزايدة على استخدام المياه الجوفية في المنطقة، لكنه شدد على أنها مصدر معقد للمياه فيما تعتمد طرق إدارة المياه الجوفية على نوع الأرض والصخور وعمق المياه وتدفقها وأيضا اتصالها بمياه الأنهار والبحيرات فضلا عن كونها مياه جوفية تأتي من مصادر متجددة أم لا؟
يشار إلى أن الباحثين يطلقون على المياه الجوفية التي تجمعت تحت الأرض على مدى آلاف السنين "المياه الجوفية الأحفورية" التي من الصعب تجديد مصادرها فيما يشبه إلى حد ما النفط الذي يعد مصدر للطاقة يُستخدم مرة واحدة. بدوره، قال امون برنفيوهر، مدير مشروع خاص عن سياسات المياه الجوفية في المعهد الاتحادي الألماني لعلوم الأرض والموارد الطبيعية، إن موارد المياه الجوفية التي تتواجد في عمق كبير في الأرض "بالكاد قابلة للتجديد أو غير قابلة للتجديد على الإطلاق. وقد جرى استغلالها بشكل كبير خلال العقود الأخيرة".
وأشار إلى أن بعض مصادر المياه الجوفية تتجدد بانتظام بسبب الأمطار، مشددا على أنه رغم تجدد مصادر هذه المياه الجوفية، يتعين توخي الحذر في استخدامها للحفاظ عليها وللتحقيق التوازن بين المياه المستهلكة والمتجددة.
صعوبة قياس مستوى المياه الجوفية
وإزاء ذلك، تحذر منظمات مثل الإسكوا من خطورة اختلال هذا التوازن خاصة في ظل صعوبة تحديد مستوى المياه الجوفيةوالوقوف على الخلل في العديد من بلدان الشرق الأوسط. فعلى سبيل المثال، فإنه من الصعب تحديد مستوى المياه الجوفية في بلد مثل اليمن الذي يئن تحت وطأة حرب أهلية مزقته على مدى السنوات الأخيرة.
يمكن ربط حجم المياه الجوفية بالأنهار القريبة من مناطق تواجدها مثل نهر دجلة في العراق
في المقابل توجد دول مثل السعودية تدرك جيدا مستويات المياه الجوفية إذ أوقفت المملكة في عام 2018 برنامجها الزراعي الذي بدأ في السبعينيات واعتمد على المياه الجوفية لزراعة القمح. ويقول الباحثون إن وقف البرنامج يدل على أن المملكة تدرك أنها كانت تستنفد مصادرها من المياه الجوفية.
ويشير هولاء إلى إمكانية قياس مستوى المياه الجوفية من الفضاء باستخدام صور الأقمار الصناعية خاصة بيانات الأقمار المعروفة بالتقنية التي يُطلق عليها "استعادة الجاذبية وتجربة المناخ" أو (GRACE) والتي دشنتها وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) لأول مرة عام 2002. وبواسطة هذه التقنية لا تلتقط الأقمار الصناعية صورا للممرات المائية بل تقوم بقياس تحركات المياه في العالم مثل ذوبان قمم الثلوج ومستوى المحيطات عن طريق قياس جاذبية الأرض.
ورغم ذلك، قال الخبير المائي برنفيوهر إن هذه التقنية لا تقدم بيانات عن "مستوى إدارة المياه بشكل محلي حيث تقف هنا حدود تقنية الاستشعار عن بعد."
وأضاف "لذا يتعين إنشاء آبار مراقبة محلية، لكن تمويل ومراقبة هذه الأبار بشكل منتظم قد يمثل إشكالية في بعض المناطق"، مشيرا إلى أن نقص البيانات عن المياه الجوفية ليست المشكلة الوحيدة.
وقال "هناك معرفة جيدة بمستوى المياه الجوفية في الأردن، لكن هناك نقص في تنفيذ قواعد تنظيم استخراج المياه الجوفية للزراعة. أما في دول الخليج الغنية مثل السعودية، فهي تدرك مواردها المائية جيدا، لكن يعيبها نقص الشفافية."
وتتفق في ذلك آنابيله هودرت، الباحثة البارزة في المعهد الألماني للتنمية والاستدامة، قائلة "العديد من دول الشرق الأوسط سنت لوائح بشأن استخدام المياه، لكن التطبيق مازال يمثل إشكالية". واستشهدت في ذلك بمثال من المغرب، مضيفة بأنه "عندما يصل موظف سلطة المياه المحلية في المغرب لتفقد الآبار غير القانونية، فإن السيارة التي يقودها لإنجاز مهمته ذات وقود محدود رغم أن مساحة الأرض كبيرة فضلا عن أن أطفال بعض القرى يرشقونه بالحجارة حتى لا ينجز مهمته".
النسخة الحديثة من التقنية التي يُطلق عليها "استعادة الجاذبية وتجربة المناخ" أو (GRACE) لناسا في 2018
متى ستنفد المياه الجوفية؟
وإزاء ذلك، يطرح خبراء تساؤلا مفاده ما مقدار المياه الجوفية المتبقية في أعماق الشرق الأوسط ومتى ستنفد؟ تزامن هذا التساؤل مع معلومات تم الحصول عليها مؤخرا عن طريق الأقمار الاصطناعية مفادها أن المياه الجوفية في الشرق الأوسط قد استنفدت بشكل كبير خلال العقد الماضي. وفي نفس السياق ذكرت لجنة الإسكوا أن العديد من خزانات المياه الجوفية جرى استهلاكها بمعدل يفوق تجديد مصادرها.
ورغم ذلك، إلا أنه من غير المعروف متى ستنفد المياه الجوفية في الشرق الأوسط. ويفسر الدكتور يوسف بروزين، الممثل الإقليمي للمعهد الدولي لإدارة المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هذا الأمر بقوله: "المياه الجوفية تنطوي على نظام معقد للغاية يتفاعل مع الأنظمة الطبيعية الأخرى بما في ذلك الأنهار وهطول الأمطار والضغوط الناجمة عن الملوحة والتلوث." ويقول خبراء المياه إن هناك سببا آخرا يجعل تحديد مستويات المياه الجوفية صعبا ويتمثل في أن المياه لا تُحدد بالحدود الوطنية، إذ تقدر الإسكوا أن هناك 43 طبقة مياه جوفية عابرة للحدود في المنطقة.
يعتمد اليمنيون بشكل كبير على المياه الجوفية، إلى أي مدى نفدت هذه المياه هناك؟
بعض التفاؤل
رغم ذلك، يرى بروزين أن هناك بعض الأسباب للتفاؤل، قائلا إن "الدول التي لا تتباحث حاليا مع بعضها البعض على المستوى الثنائي سوف تجد نفسها مضطرة للجلوس معا على نفس الطاولة عندما يتعلق الأمر بإدارة المياه".
وأضاف "فهم التوازن بين استخراج المياه الجوفية وعمليات تغذية وتجديد مصادرها سوف يقدم بمرور الوقت إجابة عن مدى استدامة استخدام المياه الجوفية وما إذا كانت في خطر نفاد وهل هذا الخطر حقيقي؟ يتمثل التحدي في تحقيق التوازن بين المصالح قصيرة الأجل والمصالح الاجتماعية والبيئية طويلة الأجل".
كاثرين شاير / م. ع
المصدر: DW عربية
كلمات دلالية: المياه الجوفية الشرق الأوسط العراق اليمن مصر تغير المناخ الطاقة الشمسية المياه الجوفية الشرق الأوسط العراق اليمن مصر تغير المناخ الطاقة الشمسية على المیاه الجوفیة المیاه الجوفیة فی الاعتماد على الشرق الأوسط بشکل کبیر العدید من میاه فی فی ذلک
إقرأ أيضاً:
جامعة دار الكلمة تنظم "المؤتمر الدولي حول فهم الصهيونية المسيحية "
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
نظمت جامعة دار الكلمة في بيت لحم، ومؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي في عمان ، "المؤتمر الدولي حول فهم الصهيونية المسيحية وآثارها على المسيحيين في الشرق الأوسط"، تحت رعاية الأمير غازي بن محمد، المستشار الرئيسي لملك الأردن للشؤون الدينية والثقافية والمبعوث الشخصي، في موقع المعمودية .
شارك في المؤتمر مجموعة من الخبراء الأكاديميين والقادة الدينيين العالميين من 17 دولة متخصصين في اللاهوت والتاريخ والآثار والأنثروبولوجيا المتعلقة بالصهيونية المسيحية. بالإضافة إلى ذلك، يشارك في هذا المؤتمر رؤساء الكنائس من القدس والأردن.
افتتح الأمير غازي بن محمد المؤتمر باستضافة المشاركين في جولة في مسار الحج في المعمودية. وسلطت الجولة الضوء على أهمية الموقع بالنسبة للمسيحية ودور جلالة الملك عبد الله الثاني في حماية المواقع المسيحية والمجتمع في الأرض المقدسة.
في الجلسة الافتتاحية، أوضح البطريرك ثيوفيلوس أن شرعنة الصهيونية المسيحية للإبادة الجماعية وتأييدها للاحتلال والعنف ليس جزءًا من المسيحية الحقيقية: فالمسيح لم يدع أبدًا إلى العنف.
ركزت مناقشات الأيام الأربعة للمؤتمر على المواضيع التالية:
1. فهم الصهيونية المسيحية تاريخيًا
2. الصهيونية المسيحية والاستعمار والإبادة الجماعية
3. الصهيونية المسيحية وعلم الآثار الاستيطاني والتهديد للقدس
4. الصهيونية المسيحية العالمية في الولايات المتحدة ومنطقة الشمال الأوروبي وأوروبا
5. الصهيونية المسيحية العالمية في كندا والهند واليابان
6. الدراسات الناشئة حول الصهيونية المسيحية
7. استراتيجيات وتكتيكات لمواجهة الصهيونية المسيحية
تتميز هذه المشاورة لعدة أسباب:
أولاً، تجمع لأول مرة معظم العلماء البارزين الذين ساهموا بشكل كبير في هذا الموضوع في إطار دولي شامل.
ثانيًا: تركز على موضوع غير مدروس: تأثيرات الصهيونية المسيحية على المسيحيين في الشرق الأوسط.
ثالثًا، يتم تنظيم هذا التجمع تحت رعاية الكنائس المحلية، مما يؤكد على أهمية الاستماع إلى المسيحيين في الشرق الأوسط بدلاً من مجرد مناقشتهم.
رابعًا، بالإضافة إلى العلماء وقادة الكنيسة، ينضم إلى المؤتمر مؤثرون في وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة في مجال الدين لتوسيع الوعي بهذه القضية الحيوية.
خامسًا، يتبنى هذا التشاور نهجًا مناهضًا للاستعمار. ويسلط الضوء على كيف توفر الصهيونية المسيحية الإطار الأيديولوجي، أي البرمجيات، التي تسهل استعمار الأراضي الفلسطينية من قبل المستوطنين، في حين يوفر الدعم العسكري الغربي الأجهزة، مما يتيح التطهير العرقي والإبادة الجماعية.
إن الإسلاموفوبيا والعنصرية ضد العرب جزء لا يتجزأ من الصهيونية المسيحية، التي غالبًا ما تعامل محنة المسيحيين في الشرق الأوسط على أنها أضرار جانبية.
سادسًا، يهدف المؤتمر إلى تجميع ونشر مختارات عالمية غير مسبوقة عن الصهيونية المسيحية.
سابعًا، تتمتع هذه المشاورة بأهمية لأنها تجري في الأردن، في موقع معمودية السيد المسيح، حيث بشر يوحنا المعمدان إيذانًا ببداية الخدمة العامة للمسيح.
وأخيرًا، فإن توقيت هذه المشاورة مؤثر بشكل خاص. عندما تم التخطيط للمؤتمر قبل عامين، لم يكن أحد يتوقع أن يشكل الرئيس ترامب أكثر حكومة مسيحية صهيونية في تاريخ أمريكا أو أن اليمين السياسي بآرائه الاستشراقية والمسيحية الوطنية سيكتسب زخمًا في أوروبا.
واختتم المؤتمر بوضع توصيات ملموسة للاستراتيجيات والإجراءات المستقبلية.
تضمنت اللجنة التوجيهية للتشاور كلا من الدكتور متري الراهب، رئيس جامعة دار الكلمة في بيت لحم، الدكتور طارق الجوهري، المدير العام لمعهد آل البيت للفكر الإسلامي، الدكتور وصفي كيلاني، مدير الصندوق الهاشمي لإعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة، الأسقف الدكتور منيب يونان، الأسقف السابق للكنيسة اللوثرية في القدس والأردن، الدكتور روبرت سميث، أستاذ التاريخ ووزير مكرس في الكنيسة الإنجيلية الأمريكية
IMG_1389 IMG_1388 IMG_1387 IMG_1386