الباحث محمد فتحي:الرواية ليست كتاب تاريخ مهما حاول البعض تقديمها على هذا المنوال
تاريخ النشر: 20th, August 2023 GMT
– خريف الأندلس وساعة عدل ومرآة التاريخ أبرز إصداراته
حاوره ـ وحيد تاجا:
أكد الباحث والأديب المصري محمد فتحي عبد العال ضرورة أن يكون للعقل العربي المبدع انفراداته لنتخلى عن عباءة التغريب وأن نبحث في إرثنا الثقافي العربي ونطور نظرياته لنقود الفكر الإنساني من جديد كما كنا بالماضي!.
حول رواياته وأعماله كان هذا اللقاء.
✱ ـ بداية.. ماهي أهم الأسئلة الثقافية والفكرية التي تشغل بالك في هذه المرحلة؟
العديد من الأسئلة تشغل بالي من بينها: متى يصبح للذكاء الاصطناعي مساحة أوسع في الوسط الثقافي ومن بينه مثلا النقد الأدبي؟! ومتى يصبح للنشر الذاتي للكتب العربية منصات ومكتبات عربية تهتم به وتيسر له أجواء من القبول والانتشار ؟! ومتى يكون للعلم مكان ومكانة في الوسط الأدبي وأن نكرس له حيزا من الروايات والقصص كي تعود ببوصلتها إلى محراب العلوم الحديثة بعيدا عن الفنتازيا المغرقة في الجهالات وتغييب العقل في أتون عالم الجن والسحر والأساطير؟! ومتى يعود للكتب الفكرية الرصينة صدارتها من جديد وأن يقبل عليها القراء بحثا عن غذاء فكري معرفي تقدمي للعقل ينشد الحداثة والرقي ؟!.
ومتى يكون للعقل العربي المبدع انفراداته ومتى يحين الوقت لنتخلى عن عباءة التغريب وأن نبحث في إرثنا الثقافي العربي ونطور نظرياته لنقود الفكر الإنساني من جديد كما كنا بالماضي ؟!
✱ ـ ما الذي كنت تبحث عنه في انتقالك من البحث والقصة إلى الرواية.. ؟
أنا أعتبر نفسي باحثا تاريخيا علميا في الأساس والقصة أو الرواية بمثابة القالب الفني الأدبي الذي انقل من خلاله تجارب التاريخ الممزوجة بحقائق العلم ونظرياته الحديثة وبينهما وشائج الدين، فالرواية أوالقصة ليست بغيتي التي أنشدها في حد ذاتها بل هي الوسيلة أو الطريق لجمهور القراء خاصة أوساط الشباب ممن تجتذبهم هذه الوسيلة ويجدوا فيها المتعة والتشويق، ولزاما أن تكون طريقهم نحو العلم والمعرفة أيضا وهذا ما أركز عليه في قصصي ورواياتي ..
✱ ـ استوقفني عنوان روايتك (ساعة عدل) .. وكأنك كتبت الرواية بعد اختيارك للعنوان.. ؟
رواية ساعة عدل هي تسجيل حياتي لمجموعة من المواقف والمشاهد والخبرات التي كنت شاهدا على بعضها أثناء عملي بعالم الجودة الطبية الشاملة الخصب والجديد، والرواية تنقل صورا واقعية للحالة التي عليها منظومتنا الصحية في بعض بلدان العالم العربي والتي تمثل عصب الحياة لمواطنيها ..لذا فقد كان كشف الستار عن هذه الثغرات في الهياكل التنظيمية والإدارية والفنية بمثابة صرخة لاستجلاب ساعة من عدل نحكم فيها ضمائرنا أولا كفرق طبية مسؤولة، ثم مسؤولية الدول في مراقبة تطبيق معايير الجودة الطبية بشكل صارم ومستمر وبآليات حديثة ..
لذا حينما وضعت العنوان مسبقا وأنا على يقين أنه يحمل في طياته الرسالة التي تضمنتها أحداث الرواية فضلا عن توصياتها التي تطرح الحلول في المقابل.
✱ ـ كانت الرواية أقرب إلى السيرة الذاتية، وبالتالي كيف يمكن للكاتب ان يكون حيادياً في تسيير شخصيات روايته في هذه الحالة؟
الغاية من الرواية هي الضامن والمحدد، فكلما كانت غاية الرواية نبيلة وتصب بين أركان الصالح العام فمن المنطق والمعقول أن الكاتب كان حياديا في طرقه للمشكلات داخل روايته وطرحه للحلول …كما أن الكاتب حينما يسبر أغوار منظومات معقدة كالصحة ويقربها من أذهان قرائه ويبرز خفاياها حتى لا يقعوا في براثن الأخطاء الطبية فهو حتما يريد بهم الخير والعبور لبر الأمان ..
✱ ـ في حالة الإتكاء على السيرة الذاتية.. إلى أي مدى يمكن للروائي ان يلتزم بالواقع والأحداث.. والى أي مدى يمكن ان تتدخل مخيلته الإبداعية في رسم هذا الواقع ..؟
لابد للروائي الجيد في وجهة نظري أن يكون مهموما بقضايا مجتمعه إلى أبعد حد وأن ينتقي عناصر روايته من المجتمع حتى لا يقع في فخ المبالغة والشطط..بالطبع يلتزم الكاتب خيوطا واقعية محددة ولكن بقدر إذ لابد وأن يداعبه الخيال أحيانا في إعادة رسم بعض تفاصيل الشخصيات أو دمجها والإضافة إليها بما يخدم سير الأحداث ولا يشتت القارىء بين شخصيات عدة داخل الرواية دون فائدة ..
✱ ـ تضمنت الرواية معلومات وفيرة عن الطوارق وعاداتهم واسلوب حياتهم.. لماذا.. ومتى يلجأ الروائي إلى إضافة قيمة معرفية إلى جانب القيمة الأدبية لعمله..؟
أردت من ذلك أن يعيش القارىء أجواء الصحراء وما يتطبع عليه أهلها من الخشونة والغرابة في بعض جوانب حياتهم وبالتالي لا يستعجب القارىء من حوادث تمضي داخل الرواية أو قرارات تتخذ من بعض أبطالها ففهم القارىء لطبيعة البيئة التي تحتوي الأحداث أمر شديد الأهمية ولا يقل تشويقا ويضيف لمعارفه الكثير وهو ما يندرج تحت مسمى أدب الرحلة.
✱ ـ لماذا اخترت الحديث عن المعتمد بن عباد في روايتك خريف الأندلس .؟
المعتمد بن عباد بالرواية هو تمثيل للدولة الليبرالية الناهضة في شتى أوجه الحياة والثقافة مع بعض التجاوزات في سياسته فيما مثل يوسف بن تاشفين ذلك التيار الراديكالي المحافظ الذي عادة ما يحاول اجتثاث تلك البذور الليبرالية تحت شعار المحافظة على الدين والأخلاق ومن هنا جاء تمثيل فكرة الصراع التاريخي والحروب بين الحضارات على مدار التاريخ الإسلامي واختيار هذه الفترة لا يعدو كونه تمثيلا لحقب كثيرة مضت بنفس الأحداث والخطوب وإن اختلف الأشخاص والمسميات لكن تبقى الايدلوجيات الحاكمة لهذه الصراعات واحدة كما تطرح الرواية الحل في ضرورة التناغم بين الحضارات والدول والتكامل بينها.
✱ ـ هل يحق للروائي أن يقوم بتغيير طبيعة حدث أو حقيقة تاريخية لتتناسب مع العمق الدرامي للسرد في رواياته؟
بالطبع فالرواية نسيج مرن يتيح للكاتب استخدام التاريخ وترويض بعض حقائقه بما يحقق للكاتب إيصال وجهة نظره ، فالرواية ليست كتاب تاريخ مهما حاول البعض تقديمها على هذا المنوال والتاريخ فيها وسيلة تعبير وأداة من أدوات الكاتب لإيصال عبر ودروس هادفة ولكن تبقى مساحة التغيير في الأحداث وفق الحيز المقبول والمعقول وألا يكون تغييرا كاملا وكليا فهنا تصبح المسألة قلبا لحقائق التاريخ وعبثا به وتزويرا له وهو غير المقبول.
✱ ـ في ذات السياق ماذا تحدثنا عن كتابك (مرآة التاريخ) هل هناك صلة بين الكتاب والرواية.؟
كتاب مرآة التاريخ بمفازاة عن الرواية فهو كتاب فكري يناقش عبر قصص من التاريخ أفكارا شديدة الأهمية في بناء الإنسان وانتصار لحقه في العيش الكريم وحصاد هذا يتحقق في تشييد مجتمعات صحية يتكامل فيها البشر ولا يتصارعون..يبنون ولا يخافون ،يصدحون بالرغبة في العمل ولا يتهاونون.
✱ ـ تكتب القصة أيضاً ..فما مدى التكامل في مواضيع الكتابة بين القصص والرواية عندك.؟
أميل للمجموعات القصصية أكثر فهي تتيح لي فرصة التحرك في مساحات زمنية أكثر وبين شخوص عدة وإن بدت معدودة إلا أن الأحداث تصبح سيدة الموقف كما أن الدروس المستفادة من القصص سريعة الأثر إذ أن القصص يمكن الانتهاء منها في جلسة واحدة بينما الرواية قد تستغرق وقتا أطول تبعا لحجمها …اتجاهي للرواية حينما تكون عناصر الزمن والأحداث والأبطال في بوتقة تنشد هدف واحد أو مجموعة من الأهداف المتصلة في نفس السياق وليست متشعبة تصب في صالح بيئة معينة ..
✱ ـ سؤال أخير ما المطلوب من الرواية.. عرض المشكلات أم طرح الحلول؟
الاثنان معا بلا شك ..فطرح المشكلات بلا حلول إهدار لحق القارىء الذي اقتطع من وقته وماله لقراءة رواية تناقش مشكلة معينة أو جملة مشاكل ثم يجد نفسه قد خرج منها خالي الوفاض دون حلول ، لذا أرى أن طرح الحلول هو الإضافة الحقيقية في العمل القصصي أو الروائي.
يذكر ان محمد فتحي عبد العال كاتب وباحث وهو صيدلاني حاصل على ماجستير في الكيمياء الحيوية ودبلوم المعهد العالي للدراسات الإسلامية.
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
يوم التأسيس.. تاريخ عريق ومجد تليد
البلاد – جدة
تحتفي المملكة العربية السعودية بذكرى يوم تأسيس الدولة السعودية الأولى في منتصف عام 1139هـ الموافق لـ 22 فبراير من عام 1727م على يد الإمام محمد بن سعود– رحمه الله– وذلك بناءً على الأمر الملكي الكريم، اعتزازاً بالجذور الراسخة لهذه الدولة المباركة، وارتباط مواطنيها الوثيق بقادتها على مدى أكثر من ثلاثة قرون، حتى العهد الميمون لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء- حفظهما الله.
في تاريخ الأوطان قيادات فذة ومحطات عظيمة في أحداثها ومنجزات أبطالها، خاصة إذا ارتبط ذلك بقيام دولة مستقرة يستظل بها أبناؤها وينعمون بخيراتها وينهضون بمستقبلها.. وهنا تكمن دوافع توقف الأجيال عندها بالاعتزاز، واستلهام أمجادها والوفاء والافتخار برمزها ولرجالاتها، والوعي الوطني في مواجهة التحديات.
وهنا تكمن أهمية قراءة التاريخ وصفحاته المرصعة بأمجاد مؤسسها الأول الإمام محمد بن سعود، وتضحيات أبنائه وأحفاده من بعده في سبيل بناء الدولة؛ حيث يفتخر أبناء المملكة العربية السعودية بهذا الإرث التاريخي العريق.
قيمة وطنية
استذكار يوم التأسيس والاحتفاء به، هو قيمة وطنية عظيمة في تاريخ الوطن المجيد، لمزيد من الفخر والانتماء لدولة عريقة الجذور تأصل تاريخها لقرون، وبُنيت قواعدها على أساس راسخ من الإيمان والإقدام، والإصرار على إرساء الوحدة والأمن، بعد قرون من التشتت والفرقة والتناحر بين القبائل في الجزيرة العربية آنذاك، ومؤامرات الغزاة الطامعين.
لقد كانت بداية تأسيس الدولة السعودية على يد الإمام محمد بن سعود، النواة التي بُني عليها هذا الصرح الوطني العظيم، وهنا تكمن القيمة الكبيرة لقراءة التاريخ وصفحاته المرصعة بأمجاد مؤسسها الأول الإمام محمد بن سعود، وتضحيات أبنائه وأحفاده من بعده، في سبيل بناء هذه الدولة العصرية الحديثة.
لذلك لم يكن يوم التأسيس- الموافق 22 فبراير من كل عام- يوماً اعتيادياً في تاريخ الدولة السعودية، وما شهدته على أكثر من ثلاثة قرون من أحداث وتحديات ومراحل تطور، فهو يمثل الجذور الراسخة في عمق التاريخ، التي بدأت من الدرعية عاصمة الدولة الأولى في منتصف عام 1139هـ / 1727م التي أسسها الإمام المؤسس محمد بن سعود- رحمه الله.
بطولات وأمجاد
لقد كان الإمام محمد بن سعود شخصية استثنائية وعبقرية؛ حين قرر إنهاء منظومة التشتت معتمداً هدف الوحدة والاستقرار والنماء، فأسس الدولة مبتدئًا بمدينته” الدرعية” فوحَّد شطريها، وجعلها تحت حكم واحد، بعد أن كان متفرقًا بين مركزين، واهتم بشؤونها الداخلية، وتقوية مجتمعها، وتوحيد أفراده، مع الحرص على تنظيم الموارد الاقتصادية للدرعية، كما حرص على الاهتمام بالمظهر الحضري للدولة وإدارة شؤونها، ما يوثق نظرته الثاقبة للاستقرار والازدهار في مجالات متنوعة، محققًا لها الاستقلال السياسي التام عن أي قوة خارجية، كما سجل التاريخ حرصه على الاستقرار والنماء في منطقته.
فالتاريخ يسجل للإمام محمد بن سعود، أنه بعد توليه إمارة الدرعية، قام بالعمل على تأسيس الوحدة فيها وتأمين الاستقرار داخلها وفي محيطها من البلدات والقبائل، وحماية طريق الحج والتجارة. كما عمل على تنظيم الأوضاع الاقتصادية للدولة، والتوسع في البناء وتنظيم أسوار الدرعية؛ لتنطلق الدولة بعد ذلك في توحيد المناطق في نجد، لتشكل بداية المرحلة الأولى من توحيد الدولة السعودية الأولى، الذي اكتمل في عهد أبنائه وأحفاده؛ حيث تعكس مرحلة التأسيس شخصية الإمام محمد بن سعود المحورية في تاريخنا السعودي، التي مهدت لدولة ممتدة منذ قيامها قبل أكثر من ثلاثة قرون.
لقد اتسم الإمام المؤسس برؤية ثاقبة، واستفادته من التجربة التي خاضها في شبابه؛ حين عمـل إلى جانب والده في ترتيب أوضـاع الإمـارة، ما أعطاه معرفـة تامـة بـكل أوضاعهـا، كما شـارك في الدفـاع عـن الدرعيـة، عندمـا غزاهـا زعيـم الأحساء، واستطاعت الصمـود ودحـر الجيش المعتـدي، وأدرك ببصيرته العميقة طبيعة وتحديات الأوضاع التي كانت تعيشها إمارتـه والإمارات من حولهـا بشكل خاص، ووسـط الجزيرة العربية عـامة؛ لذا بدأ منـذ توليه الحكـم التخطيط للتغيـيـر في النمط السـائـد خـلال تلك الأيـام، واهتمامه بالتطوير نحو مفهوم الدولة المستقرة، فأسـس بذلك لاتجاه صحيح ومسـار جديد في تاريخ المنطقـة؛ تمثل في الوحـدة والعمل على تحقيق الأمن والاستقرار، والعمل على نشر التعليـم والوعي بأهمية الترابط والتلاحم بين أفراد المجتمع.
الوحدة والاستقرار
وكما يوثق المؤرخون، استطاع الإمام محمد بن سعود تحويل الدرعية من مفهوم (دولة المدينة) إلى دولـة واسعـة وذات نفوذ يحفظ الأمن والاستقرار، وقام بتوحيدها وبنائها، وكان من أبرز أحداثها:
– توحيـد شـطري الدرعيـة وجعلهـا تحـت حـكـم واحـد، بعـد أن كان الحكم متفرقاً في مركزين، والاهتمام بالأمور الداخلية وتقوية مجتمع الدرعية وتوحيد أفراده، وتنظيم الأمور الاقتصادية للدولة. كما نشر الاستقرار في الدولة في مجالات متنوعة، والاستقلال السياسي وعـدم الـولاء لأي قوة، في حين أن بعـض بلدان نجـد كانت تديـن بالـولاء لبعـض الزعامات الإقليميـة.
– إرسـال الإمام أخـيه الأمير مشـاري إلى الريـاض؛ لإعـادة دهـام بـن دواس إلى الإمـارة بعد طلـبه المعونـة مـن الدولـة السـعودية الأولى؛ إثر التمـرد عليـه، ويؤكد ذلك قـدرة الإمـام الكبيرة على احتـواء زعاماتهـا، وجعلهـم يعلنـون الانضمام للدولـة والوحـدة، وبنـاء سـور الدرعيـة للتصدي للهجمات الخارجية القادمة إلى الدرعيـة مـن شرق الجزيرة العربيـة.
– بدء حملات التوحيد، وتوليه قيادتها، وتوحيد معظم منطقة نجد، وانتشار أخبار الدولة في معظم أرجاء الجزيرة العربية، والقدرة على تأمين طرق الحج والتجارة؛ فأصبحت نجد من المناطق الآمنة، والنجـاح في التصـدي لعـدد مـن الحمـلات التـي أرادت القضـاء عـلى الدولـة في بدايتهـا، وتوالت الإنجازات في عهده؛ ومنها: نشر الاستقرار والاستقلال السياسي، وعدم الخضوع لأي نفوذ في المنطقة أو خارجها.