الآداب التي يستحب مراعاتها عند دخول مكة المكرمة
تاريخ النشر: 20th, August 2023 GMT
قالت دار الإفتاء المصرية، إن القرآن الكريم تحدث عن مكة المكرمة، وبيَّن ما لها من فضل عظيم، فبها بيت الله الحرام؛ أول بيت وضعه في الأرض لخلقه، وجعله مباركًا وهدًى للعالمين، وقبلةً للمسلمين؛ كما قرَّر القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 96].
أضافت الإفتاء، أن الإمام البيضاوي قال في "أنوار التنزيل وأسرار التأويل": [أي: وضع للعبادة وجعل مُتعبدًا لهم.. ﴿لَلَّذِي بِبَكَّةَ﴾ لَلْبَيتُ الذي بِبَكَّةَ، وهي لغة في مكة.. وقيل: هي موضع المسجد، ومكة البلد من بَكَّهُ إذا زحمه، أو من بَكَّهُ إذا دقه فإنها تبك أعناق الجبابرة.. ﴿مُبَارَكًا﴾ كثير الخير والنفع لمن حجه واعتمره واعتكف دونه وطاف حوله.. ﴿وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾؛ لأنه قبلتهم ومتعبدهم، ولأن فيه آيات عجيبة.. ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ﴾ كانحراف الطيور عن موازاة البيت على مدى الأعصار، وأن ضواري السباع تخالط الصيود في الحرم ولا تتعرض لها، وإن كل جبار قصده بسوء قهره الله؛ كأصحاب الفيل. والجملة مُفَسِّرة للهدى، أو حال أخرى.. ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾.. أي: ومنها: أمن من دخله].
الآداب التي يستحب للمسلم أن يراعيها عند دخول مكة المكرمةالكعبةأوضحت الإفتاء، أنه لمَّا كانت لمكة المكرمة هذه الفضائل وغيرها من المكارم استحقت أن تُراعى عند دخولها مجموعةٌ من الآداب والفضائل، وأهمها ما يلي:
- ألا يدخل مكة إلا محرمًا بحج أو عمرة؛ استحبابًا.
- الغسل؛ لما رواه الترمذي في "سننه" عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «اغْتَسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ لِدُخُولِهِ مَكَّةَ بِفَخٍّ»، وفي "الصحيحين" عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «إِذَا دَخَلَ أَدْنَى الحَرَمِ أَمْسَكَ عَنِ التَّلْبِيَةِ، ثُمَّ يَبِيتُ بِذِي طِوًى، ثُمَّ يُصَلِّي بِهِ الصُّبْحَ، وَيَغْتَسِلُ»، وَيُحَدِّثُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ.
فيُستحبُّ لكلِّ مَن يدخل مكة المكرمة أن يغتسل؛ فإن لم يستطع فيجزئه في ذلك الوضوء.
وقد نقل الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" حكاية الإجماع على ذلك عن الإمام ابن المنذر، بعد أن ذكر تبويب الإمام البخاري بقوله: [قوله: باب الاغتسال عند دخول مكة].
- أن يَبتدئ دخولها بالمسجد؛ لأجل الطواف بالبيت؛ فقد أخبرت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنَّ: "أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حِينَ قَدِمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً" متفق عليه.
قال الإمام الطيبي في "مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح": [وفي الحديث: الابتداءُ بالطواف في أول دخول مكة سواء كان محرمًا بحج، أو بعمرة، أو غير محرم].
- إذا رأى البيت المعظم كبرَّ وهَلَّلَ ودعا؛ فإنَّ الدعاءَ مستجابٌ عند رؤيته، وذلك بأن يقول: "اللهم هذا حرمك، وأمنك؛ فحرِّم لحمي ودمي وشعري وبشري على النار، وأَمِّني من عذابك يوم تبعث عبادك، واجعلني من أوليائك وأهل طاعتك".
أو يقول: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السلام ودارك دار السَّلَامِ تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اللَّهُمَّ إن هَذَا بَيْتُكَ عَظَّمْتَهُ وَكَرَّمْتَهُ وَشَرَّفْتَهُ؛ اللَّهُمَّ فَزِدْهُ تَعْظِيمًا وَزِدْهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَزِدْهُ مَهَابَةً، وَزِدْ مَنْ حَجَّهُ بِرًّا وَكَرَامَةً، اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَأَدْخِلْنِي جَنَّتَكَ، وَأَعِذْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرجيم".
- وإذا دخل المسجد الحرام فليقل: "بسم الله وبالله، ومن الله وإلى الله، وفي سبيل الله وعلى ملة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ"؛ فَإِذَا قرب من البيت قال: "الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى، اللهم صل على محمد عبدك ورسولك، وعلى إبراهيم خليلك وعلى جميع أنبيائك ورسلك"، وليرفع يديه وليقل: "اللهم إني أسألك في مقامي هذا في أول مناسكي أن تتقبل توبتي وأن تتجاوز عن خطيئتي وتضع عني وزري، الحمد لله الذي بلغني بيته الحرام الذي جعله مثابة للناس وأمنًا وجعله مباركًا وهدًى للعالمين، اللهم إني عبدك، والبلد بلدك، والحرم حرمك، والبيت بيتك، جئتك أطلب رحمتك، وأسألك مسألة المضطر الخائف من عقوبتك، الراجي لرحمتك الطالب مرضاتك".
قال الإمام بدر الدين العيني الحنفي في "البناية شرح الهداية": [آداب دخول مكة: م: (قال: فإذا دخل مكة ابتدأ بالمسجد) ش: أي: إذا دخل المُحْرِم مكة ابتدأ بالمسجد الحرام؛ يعني: لا يشتغل بعمل آخر قبل أن يدخل المسجد الحرام؛ لأن المقصود زيارة البيت؛ أي: الكعبة في المسجد.. م: (وإذا عاين البيت كبَّر، وهلَّل)؛ ش: أي: قال: الله أكبر؛ أي: أجلُّ من هذه الكعبة المعظمة، وهلَّل، أي قال: لا إله إلا الله.. وقد قيل: إن الدعاء مستجاب عند رؤية البيت؛ فلا يغفل].
- أن يقصد الحجر الأسود بعد ذلك، ويمسه بيده اليمنى، ويُقَبِّلُه -دون مزاحمة- ويقول: "اللهم أمانتي أديتها، وميثاقي وفيته، اشهد لي بالموافاة"؛ فإن لم يستطع التقبيل وقف في مقابلته، ويقول ذلك، ثُمَّ لَا يُعَرِّجُ عَلَى شَيْءٍ دُونَ الطَّوَافِ إِلَّا أَنْ يَجِدَ النَّاسَ فِي الْمَكْتُوبَةِ؛ فَيُصَلِّيَ مَعَهُمْ ثُمَّ يَطُوفَ.
- أن يتحفظ في دخوله من إيذاء الناس في الزَّحْمَة، ويتلطف بمن يزاحمه، ويلحظ بقلبه جلالة البقعة التي هو فيها، والتي هو متوجه إليها، ويُمَهِّدَ عذر من زاحمه، وما نُزِعت الرحمة إلا من قلب شقي.
- أن يكون أول شيء يفعله هو الطواف بالبيت؛ أي: قبل شراء أغراض، أو استئجار بيت، أو غيره، إلا أن يكون ذلك ممَّا لا بد منه، أو تترتب عليه مشقة، أو ضرر.
وأردفت الإفتاء: أما بالنسبة إلى ما ورد في السُّنَّة النبوية ونصوص الفقهاء من سنن وآداب تتعلق بتحديد أماكن معينة للدخول إلى مكة المكرمة؛ كالدخول من الثَّنِيَّةِ العُلْيَا، والخروج من الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى، ودخول المسجد الحرام من باب بني شيبة، وكذا بتحديد أوقات معينة كالدخول نهارًا ونحو ذلك؛ فلا حرج على المكلف في عدم فعلها؛ لأن هذه الأماكن الآن دخلت في توسعات الحرم، ولم تَعُد معلومة بأعيانها غالبًا، مع تشعب الطرق الموصلة وتعددها الآن؛ فضلًا عن تعارض الإتيان ببعضها في أغلب الأحوال مع الإجراءات المتبعة في نظام التفويج، والموضوعة من قِبل الجهات المنظمة لسير حركة الحجيج والمعتمرين والزائرين دخولًا وخروجًا؛ بل الالتزام بهذه الإجراءات هو عين السُّنَّة، وذات الأدب المطلوب شرعًا؛ لما تقرر في قواعد الشرع الشريف من الأمر بطاعة ولي الأمر الذي أقامه الله تعالى في خدمة الحرمين والأماكن المقدسة ورعاية شؤون الحجيج وتنظيم أمر الحج والمناسك؛ لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]، ولقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ» أخرجه الستة من حديث ابن عمر رضي الله عنهما؛ فهذا يدل على أن السنة مراعاة أوامر السلطات التنظيمية في الأحكام الخاصة بالحرم وبالمناسك ونحوها.
وقد نقل الإمام القرطبي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" عن الإمام سهل بن عبد الله التُّستري أنه قال: [أطيعوا السلطان في سبعة: ضرب الدراهم والدنانير، والمكاييل والأوزان، والأحكام، والحج، والجمعة، والعيدين، والجهاد].
والملاحظ في الآداب المذكورة أن المراد هو أن يتخلق الإنسان بكل أدب يليق بهذه البقاع الشريفة؛ أي: أن مُحَصَّلَ هذا الأمر أن الإنسان يستحب له مراعاة الآداب التي يكون بها مُعظِّمًا مكة المكرمة؛ عملًا بقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32].
الخلاصة
واختتمت الإفتاء قائلة: "وبناءً على ذلك: فإن أهم الآداب التي يستحب للإنسان أن يراعيها عند دخول مكة المكرمة: أن يدخلها مغتسلًا، وأن يدخلها محرمًا بحج أو عمرة، وأن يبتدئ بالمسجد؛ ليستلم الحجر، ويطوف بالبيت، وأن يُكبِّرَ ويُهلِّلَ عند رؤية البيت المعظم ويدعو بالدعاء المأثور أو ما يجري على قلبه، وأن يتلطف بالناس ولا يزاحمهم؛ فلا يُسبب لهم أدنى أذى، وفي الجملة يستحب أن يراعي كلَّ ما مِن شأنه تعظيم هذه البلاد المقدسة المعظمة".
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مكة دار الافتاء الإفتاء القرآن المسجد الحرام الآداب التی مکة المکرمة الله ع ى الله
إقرأ أيضاً:
هل يجوز للزوجة الوقوف بجوار زوجها في صلاة الجماعة بالمنزل؟.. الإفتاء توضح
أوضحت دار الإفتاء المصرية أن صلاة الرجل وزوجته جماعة صحيحة، ولا يشترط أن يكون معهما شخص ثالث من جنس الذكور، أي أنه يمكن أن يؤدي الزوجان الصلاة معًا بعدد أقلهما شخصان: الإمام والمأموم، ولا يتطلب أن يكونا من الذكور.
ومع ذلك، أشارت الإفتاء إلى أن الأفضل أن تُؤدى الصلاة الجماعية في المسجد.
وفيما يتعلق بموقف المرأة في صلاة الجماعة، أكدت الإفتاء أنه لا يجوز للمرأة أن تحاذي الرجل أثناء الصلاة، بمعنى أنه لا يجب أن تكون قدمها أو كعبها أو ساقها ملامسة لأي جزء من جسد الرجل.
يجب أن تقف خلف الإمام أو أن يكون هناك حائل بينهما، مثل مساحة فارغة تكفي لمقام شخص آخر.
وأكدت دار الإفتاء أنه إذا وقفت المرأة إلى جانب الرجل أثناء الصلاة، فإن ذلك يؤدي إلى فساد صلاة المرأة، كما يفسد صلاة الرجل إذا كان قد نوى إمامتها.
القرض المباح والقرض المحرم.. دار الإفتاء توضح وتحذر هل يقبل استغفاري وأنا لا أواظب على الصلاة؟.. أمين الفتوى يردوقد استندت دار الإفتاء إلى مذهب الإمام أبي حنيفة في تحديد أقل عدد يصح به عقد جماعة الصلاة، حيث يجوز أن تتم صلاة الجماعة بين الرجل وزوجته، دون أن يشترط أن يكونا من الذكور.
وأوضح الإمام الكاساني في كتابه "بدائع الصنائع" أن الجماعة يمكن أن تتكون من اثنين على الأقل: إمام ومأموم، سواء كان المأموم رجلاً، أو امرأة، أو صبيًا عاقلًا.
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: "الاثنان فما فوقهما جماعة".
أما في ما يخص محاذاة المرأة للرجل في الصلاة، فقد أشار الفقهاء في مذهب أبي حنيفة إلى أنه يجوز للمرأة أن تقتدي بالرجل إذا نوى الرجل إمامتها، بشرط ألا تحاذي جسدها جسد الرجل، حيث تؤدى الصلاة في هذه الحالة بشكل صحيح.
وأكدت الإفتاء أن هناك تفرقة بين جواز صلاة الرجل مع زوجته جماعة، وبين محاذاتها له أثناء الصلاة، حيث تفسد الصلاة في حال وقوفها بجانب الرجل بشكل مباشر.