أسرى القدس المحررون.. حكايات وأوجاع
تاريخ النشر: 20th, January 2025 GMT
القدس المحتلة – بعد ثمانية أشهر ونيف، تحررت من سجون الاحتلال الطفلة المقدسية روز خويص التي ستنتقل إلى مرحلة الشباب في أبريل/نيسان المقبل، وذلك بعد إدراج اسمها في قائمة الأسيرات اللاتي سيتحررن ضمن الدفعة الأولى من صفقة التبادل التي وقعت بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
اتهمت روز بمحاولة تنفيذ عملية طعن قرب باب السلسلة، أحد أبواب المسجد الأقصى، وبعد سلسلة جلسات في محاكم الاحتلال، طالبت النيابة العامة الإسرائيلية بسجنها لمدة 15 عاما تم تقليصها لاحقا لعشرة أعوام.
لم تكن هذه الطفلة تعاني من أي مشكلات صحية قبل اعتقالها، لكنها تقول إن ظروف الزنازين البائسة التي احتُجزت فيها بطريقة مهينة "كانت كفيلة بإصابتي بجلطة وارتفاع في ضغط الدم نُقلت على إثرهما للمستشفى ومكثت على سرير المرض أربعة أيام لم يقدم لي خلالها العلاج الملائم".
وبعد عودتها إلى السجن، طلبت روز مرارا زيارة الطبيب بسبب آلامها، لكن رد السجانين كان يأتي بتعنيفها ورفض طلبها دائما وإجبارها على العودة إلى الزنزانة.
أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي الليلة الماضية عن 16 أسيرا وأسيرة من مدينة القدس، في اليوم الأول من المرحلة الأولى، ضمن الصفقة المبرمة بين المقاومة في غزة والاحتلال الإسرائيلي.
والأسرى المحررون هم: آدم الهدرة، وعصام أبو دياب، وفراس المقدسي، وثائر أبو سدرة، وقاسم جعافرة، ومحمود… pic.twitter.com/wqtbVs5Dzf
— الجزيرة نت | قدس (@Aljazeeraquds) January 20, 2025
إعلان قمع وإهانة"تعامل إدارة السجن معنا كان سيئا للغاية.. كنا نتعرض للقمع المتواصل ولإجراء النقل من زنزانة إلى أخرى بشكل مفاجئ، إضافة لسوء التغذية، وعدم تقديم العلاج للأسيرات المريضات واقتصار الأدوية على نصف حبّة من المسكن"، أضافت المحررة روز خويص.
وعن أقسى ما حرمت منه الأسيرات في السجون الإسرائيلية خلال الحرب، قالت روز "الهواء والضوء"، إذ لا يسمح للأسيرات بمغادرة زنازينهن لرؤية الشمس سوى لساعة واحدة يوميا.
وقبيل تحررهم بيوم واحد، تم نقل 90 أسيرة وطفلا من السجون إلى سجن عوفر غرب مدينة رام الله تمهيدا لإطلاق سراحهم، ومن بينهم روز خويص التي طوت صفحة اعتقالها وفتحت صفحة جديدة في كتاب حياتها الذي كان عنوان آخر فصول الطفولة فيه "الأسر في ظل الحرب".
وكان نصيب القدس من الدفعة الأولى بصفقة تبادل الأسرى 16 أسيرا، هم 7 قاصرين و9 نساء، وبعد تجميع هؤلاء في سجن عوفر تم نقلهم إلى مركز تحقيق المسكوبية في غربي القدس واحتجزوا لساعات طويلة فيه قبل أن توصلهم مخابرات الاحتلال في سيارات خاصة بعد منتصف ليلة الاثنين إلى منازلهم التي تأكدوا من خلوّها من المهنئين.
ومن بين الأسيرات المحررات زينة بربر من حي رأس العامود في بلدة سلوان، وهي ابنة الأسير المقدسي المحرر مجد بربر، الذي قضى 20 عاما في سجون الاحتلال وتحرر في مارس/آذار 2021، ويتهم الاحتلال زينة بالمشاركة في أنشطة طلابية في إطار الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وبالتحريض عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
واقتحمت شرطة ومخابرات الاحتلال منزل زينة بربر خمس مرات في اليوم الذي تحررت به، وأفاد شهود عيان للجزيرة نت بأن دوريات من الشرطة والجيش كررت اقتحامها للحي ولمحيط المنزل اليوم الاثنين للتأكد من عدم تردد المهنئين عليه، وضمان عدم إقامة احتفالات ابتهاجا بتحرر زينة.
لقاء الأسيرة المحررة المقدسية زينة بربر من القدس المحتلة بأقاربها بعد الإفراج عنها ضمن صفقة طوفان الأحرار. pic.twitter.com/zkiJLpzib0
— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) January 20, 2025
إعلان معظم المحررات موقوفاتوتحررت أيضا المقدسية نوال فتيحة التي كانت تقضي حكما بالسجن لمدة ثمانية أعوام، قضت منها قرابة خمس سنوات بعد اتهامها بمحاولة تنفيذ عملية طعن.
أما بقية الأسيرات المحررات فجميعهن موقوفات وتتهمهن سلطات الاحتلال بالتحريض عبر مواقع التواصل باستثناء أسيل شحادة من مخيم قلنديا والتي اعتقلت قبل أشهر بعد رفعها الراية الخضراء خلال سيرها باتجاه حاجز قلنديا العسكري شمال القدس.
ومن أبرز المحررين القاصرين محمود عليوات الذي اعتقل مطلع عام 2023 بينما كان يبلغ من العمر 13 عاما بعد تنفيذه إطلاق نار في حي وادي حلوة ببلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى أصيب على إثره مستوطنان مسلحان، وخاض اشتباكا مع أحدهما قبل أن يصاب بالرصاص ويعتقل.
وبسبب صغر سنه، خرج عليوات من المستشفى بعد التعافي من إصابته إلى مؤسسة داخلية تتبع لوزارة الشؤون الاجتماعية الإسرائيلية حتى بلغ من العمر 14 عاما ونُقل إلى السجون، وكان ينتظره حكم بالسجن ما بين 15 و20 عاما، واعتبر مختصون بشؤون الأسرى أن تحرره يعتبر مكسبا كبيرا.
ووفق بيانات لجنة أهالي الأسرى، يقبع في سجون الاحتلال 440 أسيرا مقدسيا بين شاب ومسن، ويضاف إليهم 12 أسيرة تحررت منهن 9، و70 قاصرا تحرر منهم 7.
ويعد الأسير المقدسي وائل قاسم صاحب أطول حكم إذ يقضي حكما بالسجن لمدة 3515 عاما، وأُدرج اسمه ضمن المرحلة الأولى من الصفقة لكن مع نية إبعاده خارج البلاد، كما يقبع في السجون 42 أسيرا مقدسيا محكوما بالسجن مدى الحياة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
تقرير: وسط اعتداءات وسرقات واقتحامات .. كيف يُمهد الاحتلال لمخطط القدس الكبرى؟
غزة- «عُمان»- بهاء طباسي: في مشهد متكرر من الألم والمأساة، تتعرض الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس لاعتداءات ممنهجة من قبل المستوطنين تحت حماية قوات الاحتلال الإسرائيلي. اعتداءات باتت جزءًا من حياة الفلسطينيين اليومية، تتجسد في إحراق ممتلكات، وسرقة أرزاق، واقتحامات تستهدف المقدسات.
هذه الحملة المدروسة تهدف إلى تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، وإضعاف صموده في مواجهة سياسة الاحتلال. كما تأتي هذه الاعتداءات في سياق سياسة استعمارية واضحة تهدف إلى فرض السيطرة الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية وتفريغها من سكانها الأصليين، وفرض مخطط «القدس الكبرى» وذلك من خلال مصادرة الأراضي، وهدم المنازل، وبناء المستوطنات بشكل متسارع وغير مسبوق.
جريمة الفجر في أم صفا
عندما تشرق الشمس على قرية أم صفا شمال غرب رام الله، يكون المشهد ملبدًا برائحة الرماد وحزن الأهالي الذين يصرون على التشبث بأرضهم رغم القهر. في تمام الساعة الرابعة إلا ربع من فجر اليوم، شنَّت مجموعة من كبار المستوطنين هجومًا على جراج سيارات يقع على المدخل الغربي للقرية. في تلك اللحظة، كان أهالي القرية يعدون طعام السحور، لكن صوت النيران المتأججة أجبرهم على ترك طعامهم.
مروان صباح، رئيس مجلس قروي أم صفا، وقف أمام السيارات المحترقة، وتحدث بلهجة حزينة وقوية في الوقت نفسه: «توجهنا إلى الموقع، حاولنا إنقاذ السيارات لكنها كانت مشتعلة بالكامل».
وأكد خلال حديثه لـ«عُمان» أن قرية أم صفا تتعرض إلى اعتداءات متكررة ومستمرة من كبار قطعان المستوطنين على مدار الساعة.
وأوضح أن هذه الاعتداءات الغرض منها فرض واقع التهجير على الشعب الفلسطيني المتمسك بحقه التاريخي في الأرض: «نحن صامدون في أراضينا ولن نرحل مهما كانت الظروف ومهما كانت التضحيات».
هذا الهجوم لم يكن الأول من نوعه. رأفت صباح، صاحب السيارات المحروقة، يؤكد ذلك بقوله: «المستوطنون جاءوا وحرقوا السيارات على الساعة الرابعة فجرًا، وسبق وأتوا أكثر من مرة وحطموا وحرقوا هذه السيارات».
ويضيف لـ«عُمان»: «نحن نعيش بالقرب من المستوطنين، وهم يفعلون ذلك متعمدين بغرض ترحيلنا من أرضنا. ولكن سنظل متمسكين بأرضنا مهما حدث».
الهجمات المتكررة على قرية أم صفا تشير بوضوح إلى سياسة ممنهجة تهدف إلى تفريغ القرى الفلسطينية من أهلها، غير أن رسائل الصمود تتجدد في كل مرة، لتعلن أن الجذور أعمق من محاولات الاقتلاع.
السرقة الكبرى
لم تكن عين العوجا بمنأى عن هذا التغول الاستيطاني المتواصل، حيث شهدت واحدة من أكبر الهجمات الاستيطانية على تجمع بدوي في غور الأردن. صبيحة يوم الجمعة 7 مارس 2025، تجمع نحو 200 مستوطن مسلح تحت حماية قوات الاحتلال وشرطة الاحتلال، مستهدفين هذا المجتمع الذي لا يعرف سوى الأرض كمصدر وحيد للرزق.
هاني زايد، أحد سكان المنطقة والذي فقد نحو 70 رأسًا من الأغنام في الهجوم، يحكي بمرارة وألم: «المستوطن جاب غنمه خلطها في وسط التجمع تبعنا مع الغنم تبعتنا، في نفس اللحظة مع هجوم ما يقارب من 200 مستوطن. دخلوا على المجمع كله بحماية الجيش معهم، الجيش والشرطة، ونظفوا السير كله. ما في وحدة ما دخلوها وما خلوا فيها شيء».
وأضاف بنبرة يملؤها اليأس خلال حديثه لـ«عُمان»: «كان معهم 20 تندر (سيارة)، حملوا الغنم فيها. هذا أكبر هجوم للمستوطنين. كانوا يأخذون رأسًا أو رأسين في السابق ويقولون إنها مسروقة منهم، لكن مثل هذا الهجوم لم يحدث قط. ما يقارب 1500 رأس من الأغنام أخذوها من المجمع».
يبدو المشهد وكأنه جزء من كابوس متكرر، غير أن الحقيقة أبشع من الخيال. هذا الهجوم لم يكن مجرد حادثة سطو، بل هو تدمير ممنهج لسبل الحياة ورزق الناس، الذين يعتمدون على هذه الأغنام لتأمين معيشتهم.
زايد يشير بوضوح إلى أن اللجوء إلى الشرطة لم يعد خيارًا مجديًا، قائلاً: «الشرطة ما بتعمل أي شيء. عمرهم ما فادونا في شيء. يعني المستوطن بفتح بدو يأخذ الغنم، الشرطي بيقول أنت متأكد، آه، هاي الغنم لك».
هذا السطو المنظم لا يستهدف الأغنام فحسب، بل يسعى إلى انتزاع الروح من الجسد، وإجبار السكان على الهجرة من أرضهم، ليفسحوا المجال أمام المستوطنات التي تتمدد على حسابهم بلا رحمة.
الأقصى في مرمى الاستفزازات
وفي القدس، الهدف الأكبر للصهاينة، يستمر الاحتلال الإسرائيلي في فرض وقائع جديدة عبر استباحة المسجد الأقصى، حيث اقتحم عشرات المستوطنين المسجد تحت حماية مشددة من قوات الاحتلال اليوم، جالوا في ساحاته وأدوا طقوسًا تلمودية استفزازية، بينما فرضت قوات الاحتلال إجراءات مشددة على دخول المصلين لتضييق الخناق عليهم.
وفي كثير من الأحيان يتم استهداف الشباب الفلسطينيين بشكل خاص، واعتقالهم أو إبعادهم عن المسجد لفترات زمنية متفاوتة، في محاولة لإضعاف الحضور الفلسطيني ومنعهم من الدفاع عن مقدساتهم.
هذا التوتر المتواصل يُقابل بتحدٍّ مستمر من الفلسطينيين الذين يتدفقون إلى المسجد بأعداد كبيرة للصلاة والرباط فيه، مؤكدين على هويتهم وحقهم التاريخي فيه. وفي مشهد يعكس الإصرار على حماية الأقصى، يتواجد المرابطون والمرابطات بشكل يومي في ساحاته، رغم كل محاولات التضييق والاعتقال التي يتعرضون لها.
كما يشير النشطاء إلى أن هذه الاستفزازات تهدف إلى فرض واقع جديد يسمح للاحتلال بفرض سيطرته الكاملة على المسجد الأقصى في المستقبل.
تحذير حركة حماس
من جهتها، حذرت حركة المقاومة الإسلامية حماس، عن طريق القيادي في الحركة عبد الرحمن شديد، من استمرار اعتداءات المستوطنين على الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته، والتي تتم تحت حماية قوات الاحتلال.
وقال خلال حديثه لـ«عُمان»: «إن هذه الجرائم لن تنجح في كسر إرادة شعبنا». داعيًا أبناء الشعب الفلسطيني إلى تعزيز المقاومة والتصدي لهذه الاعتداءات بكل السبل المتاحة.
وأوضح شديد أن الاحتلال يواصل التغول الاستيطاني في عموم الضفة الغربية، حيث خطط خلال الشهر الماضي لبناء 2684 وحدة استيطانية صهيونية جديدة، منها 1278 وحدة لمستوطنات الضفة، وأكثر من 1400 لمستوطنات داخل حدود القدس.
وأضاف: «كما يواصل الاحتلال عمليات هدم بيوت المواطنين ومحلاتهم التجارية في الضفة والقدس المحتلة، فخلال شهر فبراير الماضي نفذ الاحتلال 79 عملية هدم طالت عشرات المنازل والمنشآت وغيرها من عمليات الهدم والتدمير الممنهجة».
وبيّن أن «رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، المجرم المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية، يحاول وحكومته الفاشية من خلال الحصار والعدوان المتواصل على شعبنا وأرضنا ومساجدنا ومقدساتنا تنفيذ مخططاتهم في الضم وإخلاء وتدمير مدن وقرى ومخيمات الضفة والقدس وتهجير سكانهما، وتغيير وطمس الحقيقة التاريخية والطابع الديموغرافي لهذه المخيمات الفلسطينية، سعيًا لتنفيذ مخططاته وأحلامه فيما يسمى بالقدس الكبرى».
مخطط القدس الكبرى
ويركز مخطط «القدس الكبرى» على إحداث تغييرات واسعة وشاملة في البنية التحتية للمستوطنات، بهدف دمجها في مشروع استيطاني ضخم يُعرف بـ«القدس الكبرى». يعتمد هذا المخطط على تطوير شبكة من السكك الحديدية الخفيفة والطرق التي تربط المستوطنات بشبكة الطرق الرئيسية الممتدة غرب القدس وصولاً إلى أراضي 1948، مع ربطها أيضًا بالمستوطنات المنتشرة في الضفة الغربية والأحياء الشرقية من القدس المحتلة.
ويتضمن المشروع أراضي مناطق عديدة تشمل نبي يعقوب، وبيت حنينا، وبيت إكسا، وشعفاط، وبيت صفافا (المنطقة الجنوبية)، إلى جانب مختلف الأراضي المقدسية الأخرى. يشار إلى أن هذا المشروع ليس جديدًا، بل هو خطة ممنهجة تم العمل عليها تدريجيًا على مدار سنوات الاحتلال بهدف تهويد القدس وتغيير تركيبتها السكانية، ليصبح الفلسطينيون فيها أقلية في مدينتهم.