د. عبدالله الأشعل **

من الطبيعي أن تعتبر إسرائيل المقاومة ضدها من الأعمال الإرهابية، ولكن ليس من الطبيعي أن يعتبر العرب هذه المقاومة من قبيل الإرهاب.

 وإذا صح ذلك على إسرائيل فأنه لا يصح بالنسبة للعرب والسبب معروف للكافة وهو أن الضغوط الأمريكية على معظم الدول العربية تجعل الدول العربية تصمت او في صف إسرائيل بل صرح أحد المسؤولين الأمريكيين يقول علنا أن الحكام العرب قربًا أو بعدًا من واشنطن بقدر تفانيهم في خدمة إسرائيل ولذلك صرح المبعوث الأمريكي لدمشق بعد التقائه بالقادة الجدد في سوريا بأن الولايات المتحدة وإسرائيل نجحت في تحويل سوريا من بؤرة للإرهاب إلى دولة نظيفة تحارب الإرهاب، كما إن الولايات المتحدة تعتبر من يعارض مصالحها مشمولة بإسرائيل إرهابيا وتضعه على قوائم الإرهاب الأمريكية.

وواقع الأمر أن الولايات المتحدة وإسرائيل هما تجسيد للإرهاب الدولي لأن كليهما بنى على جثث سكان البلاد الأصليين. وهذه النقطة هي التي تجمع بين أمريكا وإسرائيل على أساس أن أمريكا لا تريد أن تنفرد بصفحات التاريخ باعتبارها مرتكبة للإبادة للسكان الأصليين في أمريكا الشمالية في نهايات القرن الخامس عشر، وتأمل أن إسرائيل تبيد الفلسطينيين وتتربع على كل فلسطين كما انفردت الولايات المتحدة بالجزء الأكبر من أمريكا الشمالية ولذلك لا بُد أن نفهم تصريح ترامب بأنه في عهده سوف يضم كندا وخليج المكسيك إلى الولايات المتحدة لكي تكون الولاية رقم 51 وهذه الخلفية لازمة لتصريح ترامب.

والحق أن المقاومة للعمل الضار، طبيعة بيولوجية ولذلك فإن كلمة المقاومة وردت إلينا من علم الأحياء كما أن نظريات الدفاع بنيت على القواعد العامة لعلم الأحياء. ذلك أن الدفاع الشرعي، لكي يسمى بهذا الاسم حق طبيعي؛ أي قبل نشأة القوانين.

ونصت المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة على أن رد الفعل الذي يعتبر حق الدفاع الشرعي يجب أن يكون بقدر دفع الضرر وأن لا يكون مسلحًا. والمؤكد أن المقاومة في القانون الدولي لها وضع متميز.

 وهي من ناحية حركة تحرر وطني وفي فلسطين تواجه المقاومة استعمارا من نوع خاص؛ فالمستعمر التقليدي كان يدير البلاد ادارة مباشرة من عاصمته ولكنه لم يدعى مطلقًا ضم هذه الأراضي إلى إقليمه.

أما إسرائيل فإنها تجمع للصهاينة الذين كذبوا على المجتمع الدولي حتى تستمر هذه الاكذوبة الكبرى وهي تريد أن تبيد سكان فلسطين وتستولى على الأرض كلها ثم أنها خدعت العالم عن طريق بريطانيا وأمريكا والغرب عمومًا بإنها تريد قسما من فلسطين ولا تريد فلسطين كلها ومن هذه النقطة نشأت أسطورة حل الدولتين.

ولذلك كانت إسرائيل صريحة عندما قرر الكنيسيت الإسرائيلي علم 2023 حظر اقامة دولة فلسطينية في فلسطين. وفي نفس الوقت كان الكنيسيت قد أصدر قانونا عام 2017 باعتبار إسرائيل الحالية والكبرى "دولة يهودية" لهدف واحد فقط وهو طرد الفلسطينيين المقيمين في إسرائيل المعروفين بـ"عرب 48"، خاصة أنهم انضموا إلى الشعب الفلسطيني في الأراضي الأخرى لمقاومة الاحتلال.

والحق في المقاومة للشعب الفلسطيني يتمتع بشرعية مضاعفة؛ فإذا كانت المقاومة في الظروف العادية مشروعة ما دام الاحتلال قائما على اساس ان الاحتلال عدوان دائم، فإنها في حالة إسرائيل الاستعمارية الاستيطانية الإحلالية مشروعة عدة مرات.

وتكتسب المقاومة ضد إسرائيل مشروعيتها من 3 مصادر؛ المصدر الأول القانون الدولي الذى يعطيها الحق في الدفاع عن النفس بكل الوسائل بما فيها ما تسميه إسرائيل الوسائل الإرهابية وتحرم المحتل من هذا الحق وقديمًا قال شاعرنا في مصر أنه لن يقوم العدل إلا إذا تصادم الإرهاب بالإرهاب بمعنى تصدى المقاومة للعدوان وهو قمة الإرهاب.

المصدر الثاني هو مشاركة واشنطن إسرائيل في إبادة الشعب الفلسطيني؛ بل إن إسرائيل مجرد أداة في خطط واشنطن في الإبادة؛ بل إن الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته جو بايدن قرر أن يعطى إسرائيل في الأيام الأخيرة له في البيت الأبيض أسلحة فتاكة محظورة دوليا بمبلغ 8 مليارات دولار لكي لا يقال إنه قصّر في أعمال الإبادة ضد الفلسطينيين. كذلك فإن واشنطن أضافت إلى المقاومة مصدرا جديدا لشرعيتها وهي أن الشعب الفلسطيني جزء من الأمة العربية والإسلامية وما دام معرضًا للإبادة من جانب اللصوص الصهاينة، فإنه توقع أن تحميه أجنحة الأمتين، لكن واشنطن بضغوطها عطلت هذه الحماية فأصبحت المقاومة تضيف مصدرًا اضافيًا لشرعيتها وهي الاعتماد على النفس ثم أن العالم كله يتفرج على انفراد إسرائيل بالشعب الفلسطيني دون أن تفلح الأجهزة في النظام الدولي الموالي للغرب في وقف إسرائيل أو ردعها.

المصدر الثالث لشرعية المقاومة خاصة في فلسطين هو أن حماس تتمتع بشرعية دستورية؛ حيث حصلت حماس في الانتخابات التشريعية الوحيدة التي جرت عام 2006 على أغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني، رغم أن إسرائيل هي التي أعطت الموافقة على إجراء الانتخابات حتى في القدس أملًا في استقطاب حماس إليها.

الخلاصة.. أن المقاومة ضد إسرائيل عموما تتمتع بالشرعية وأنه حتى استخدامها للإرهاب مبرر لها فلا يجوز وصفها بالإرهاب كما تفعل إسرائيل والغرب.

** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

كيف حوّلت الحيوانات الصراع مع إسرائيل إلى حرب رمزية على السوشيال ميديا؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

في خضم الصراعات السياسية والحروب الإعلامية، لا تتوقف الطبيعة عن إرسال إشاراتها الخاصة، وكأنها تعكس واقعًا متشابكًا يحمل تناقضات العصر،ففي زمنٍ باتت فيه الأحداث تتسارع بشكل غير مسبوق، أصبحت بعض الظواهر الطبيعية أكثر من مجرد مصادفات، بل تحولت إلى رموز تختزل معاني المقاومة والتحدي.

 ومع توسع رقعة الإعلام الرقمي، لم تعد هذه الحوادث تمر مرور الكرام، بل أصبحت مادة دسمة تُستخدم في السرديات السياسية والثقافية، حيث تختلط الحقيقة بالأسطورة، ويتحول كل تفصيل إلى إشارة ذات دلالة.

من غرابٍ ينتزع علم الاحتلال، إلى وشقٍ مصري يقتحم قاعدة عسكرية، وفئرانٍ تنهش وجوه الجنود، وصولًا إلى البرص المصري الذي أثار ذعر السلطات البيئية، باتت الطبيعة لاعبًا غير متوقع في ساحة الصراع، تقدم دروسًا عميقة عن الهشاشة والقوة، وتعيد تعريف المقاومة في أبسط صورها وأكثرها رمزية.

غراب يسقط العلم

بدأت القصة بمقطع فيديو لغراب يحلق فوق منزل في الضفة الغربية، قبل أن ينقض على علم إسرائيل المرفوع فوقه، وينتزعه رغم محاولات صاحب المنزل منعه. لم يكن الحدث مجرد صدفة، بل سرعان ما تحول إلى رمز لسقوط الاحتلال، وربطه نشطاء بقصة الغراب في القرآن الكريم الذي علّم قابيل كيف يدفن جثة أخيه، معتبرين أن "الغراب يعلمنا كيف نُواري سوأة الاحتلال".

الوشق المصري

في واقعة نادرة، اقتحم وشق مصري قاعدة عسكرية قرب حدود سيناء، متحديًا أسوار الجيش الإسرائيلي. ورغم إصابته، إلا أن مجرد مواجهته لقوات الاحتلال اعتُبر رسالة رمزية تعكس تحدي الطبيعة للأنظمة العسكرية. أثارت الحادثة تفاعلات واسعة، واعتبرها البعض درسًا في المقاومة يأتي من عالم الحيوان نفسه، وكأن الطبيعة ترفض الاحتلال بطريقتها الخاصة.

فئران تنهش وجوه الجنود

في حادثة أخرى أثارت استياءً واسعًا، تعرض جنود إسرائيليون في قاعدة عميعاد لهجوم من الفئران أثناء نومهم، ما أدى إلى إصابتهم بجروح بالغة. لم يكن الحدث مجرد مشكلة صحية، بل اعتبره البعض انعكاسًا لحالة التدهور في المعسكرات الإسرائيلية منذ أكتوبر 2023، حيث باتت الظروف المعيشية المتردية تؤثر حتى على أساسيات الأمان داخل القواعد العسكرية.

البرص المصري

في عام 2022، أطلقت إسرائيل تحذيرات من انتشار البرص المصري في منطقة وادي عربة، واعتبرته تهديدًا للنظام البيئي والزراعي. لم يكن هذا المخلوق الصغير في نظر الإعلام مجرد كائن بيئي، بل تحول إلى "عدو خفي"، يُثير الذعر بأسلوبٍ بطيء ومدمر، ليصبح رمزًا لطبيعة المقاومة التي لا تعتمد على المواجهة المباشرة بل على الاختراق التدريجي.

تكشف هذه الحوادث كيف يمكن للطبيعة أن تتحول إلى سلاح رمزي في معارك الإنسان، حيث تتداخل حدود الواقع والأسطورة في تشكيل الوعي الجمعي. في ظل الصراعات السياسية، لم تعد المقاومة مقتصرة على البشر وحدهم، بل دخلت الطبيعة نفسها على الخط، تترك رسائلها بطريقتها الخاصة، وتجعل من الحوادث العادية إشارات تحمل دلالات تتجاوز المعنى الظاهر.

مقالات مشابهة

  • ترامب: الأوروبيون يستغلون الولايات المتحدة
  • بكري: مظاهرات غزة تعكس معاناة الشعب الفلسطيني.. وعلى حماس أن تستمع لصوت الناس ولا تتجاهله
  • بالصور| اختتام المؤتمر الدولي الثالث (فلسطين قضية الأمة المركزية) في العاصمة صنعاء
  • السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي: نشيد بالمؤتمر الدولي الثالث “فلسطين قضية الأمة المركزية” في صنعاء
  • إيران: الطريق مفتوح لإجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة
  • وصول 199 مهاجراً رحلتهم الولايات المتحدة إلى فنزويلا
  • تواصل أعمال مؤتمر فلسطين الدولي الثالث في العاصمة صنعاء
  • كيف حوّلت الحيوانات الصراع مع إسرائيل إلى حرب رمزية على السوشيال ميديا؟
  • مندوب فلسطين بالجامعة العربية: مصر لعبت دورا كبيرا في لم الشمل الفلسطيني
  • الوطني الفلسطيني: مصادقة الاحتلال على فصل 13 بؤرة استعمارية تحد سافر للقانون الدولي