جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-20@19:00:38 GMT

هل ينقرض النحل وقد غاب العوفي؟

تاريخ النشر: 20th, January 2025 GMT

هل ينقرض النحل وقد غاب العوفي؟

 

 

سالم بن محمد بن أحمد العبري

حين زرت لأوَّل مرة (وادي السحتن) وأنا في مطلع الشباب كنتُ أستعين بركوب حِمارٍ خُصص لجدي الشيخ أحمد بن سعيد بن محسن العبريّ، وحين كان جَدِّي يستشعر الإعياء؛ فيطوي بعض المسافات على ظهر ذلك الحمار الذي رافقنا من (المسفاة) إلى (الغور).

وكانت تلك الرحلة السنوية تبدأ مع نهاية شهر يونيو أو مطلع يوليو وتستمر شهرا وعشرة أيام في الغالب، كما امتدت رحلاتنا؛ فلم تبق ديرة أو مسكن أو بلد إلا ونزلنا به ولو لوجبة غداء أو عشاء؛ حيث كان أهلها يذبحون للمشايخ القادمين إليهم؛ وكأن عيد الأضحى قد حلَّ أوانه، وقد تكون أُعدت للمناسبة كما تُعد وتربّى المواشي للأعياد؛ فزيارة الأشياخ موسم مقرون بالصيف والطناء؛ حيث يصاحب المنادون للآباء، ويحسبون لما سيأتي من عائد النداء حسابًا سنويًّا، وكان له نظام إنه ليس فقط للذي صاح وزعق وبُحَّ صوته كم قرشًا، خمسة قروش إلخ.

. بل يميز من كان قام بالمرافقة والنداء وفي العادة يقل عددهم عن أصابع اليد الواحدة، فإن جمعوا خمسين أو مائة قُسِّمت على عدد الموالين العاملين مع أسرتنا فإن كان نصيب كل واحد قرشاً أو قرشين كان للأشخاص الذين لازموا تلك الرحلة وتحملوا أعباءها، لكل ضعف ما للفرد الواحد الذي بقي بالحمراء في عمله وأهله، وكان لهذا النظام أثر طيب تحسب تلك الأسر حسابا؛ فإن كانت من مكونة من خمسة أفراد حصلوا على خمسة أو عشرة قروش فضة فرنسية (نمساوية بصورة الملكة تريزا).

لا أتذكر أننا في تلك الرحلة حللنا (الجفر)؛ حيث ذاع اسمها قرابة سبعة عقود أو قُلْ قرنًا حين توطن الفاضل الكريم ناصر بن خلفان العوفي بها واعتنى بالنحل أفضل مما اعتنى به أحد غيره من قبل. ورغم ما رأته عيني من صواني عسل النحل المقطع بشمعه والمقدمة بوادي السحتن كله وهو شيء قد لا يتصوره اليوم أحد. لكن تخصص ناصر العوفي في تربية النحل مع خبرة زمنية متراكمة جعله مع كرمه مضرب المثل بين الناس.

ومنذ عدت من رحلة الدراسة والعمل بالخارح نهاية الثمانينيات من القرن الماضي ما ذهبت للتداوي والعلاج أوالعمل أوالسياحة إكراما لضيفٍ أو صديق عُماني إلا وكانت (الجفر) و(ناصر بن خلفان العوفي) أولى محطاتي السياحية أو آخرها، ولم نكن في حينه نسمع أو نتخوّف من (مرض السُّكَّري)؛ فقد كنا نأكل عسل النحل، كما نأكل قطع الخبز واللحم، وإن شبعت النفوس؛ لكن كيف ترد ذلك الكريم وقد اختار لك قطعة بيضاء من شمع العسل تحسبها فضة أو ذهبا. ولم يكن هذا الكرم لمثلي فقط، ولكن لكل من يمرُّ في تلك النواحي فيُفرش لهم بالعريش مقابل المنحل الذي لا يبعد عن الأنظار كثيرا فترى الخلايا رُصَّت فوق بعضها وكان في محلِّ تجارة وبه بضاعة كثيرة.

ذاع خبر الكرم والنحل وناصر بن خلفان العوفي الذي استقر ومن معه في هذا الركن الشرقي من وادي السحتن عند التقائه بوادي بني عوف فكأن العوفيّ هو الرابط بين الواديين وقد ربطا بمعروف لايخفى ولا يتهرب من صاحبه. وذاع خبر عسل النحل والجفر وصار لا يَقْدُمُ أحدٌ للتداوي والاستشفاء بهذه المنطقة إلّا ويتطلع لمعرفة هذه المنطقة وأهلها وخلايا نحلها وشَهْدِها الذي ميَّزه الله في قوله تعالى (يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [سورة النحل، الآية:69].

وكنت منذ عدت من الأسفار بهدف الاستقرار لا أنقطع عن المنطقة والأهل؛ وحين كنا بِـ(عَمْق) في رحلتي الأولى فما كنت أنام مع الجماعة؛ بل خُصِصْتُ بأن أكون في حضن خالة أبي الوالدة (ريا بنت عبدالله بن شامس العبرية)، التى وكأنها ترد جميل والدتي -رحمهما الله- حين زارتهم بالحمراء قُبيلَ ولادتي أو في حينها، وصار خبر زيارتها والطنين الذى رافقها، وكأنها جزءٌ من زيارة الإمام لها قبل عَقدين، و(سيف بن حمد الحمراشدي) وقد بلغ من العمر مبلغه حين استضافنا في (جبل ضبعوت)، وعرفونا به وبخبره حيث كان لديه حِدَّةٌ في النظر، فكان يرى من مسافات بعيدة، وكأنه يراقبُ من مِنظار (تليسكوب)، وإذا ما أرد أحد زيارة الوالد(عبدالله بن شامس العبري) لقضاء حوائجه كانوا يطلبون من الحمراشدي أن ينظر إلى عريش مقام الجد عبدالله بن شامس من بعيد ليتأكد من وجوده؛ ليخبر القادمين إليه بالذهاب أو الانصراف.

فلما أن صار صالح الحاتمي بالجفر والوفود لا تنقطع، وتكاد حيواناتهم لا تسمن وترعى من البراري فقط؛ فقلنا للوالد (الشيخ عبدالله بن مهنا العبري) نريد أن نخصص لهم مساحة يستعينون بها لأعلاف أغنامهم ونقطع (نُخصِّص) لهم بعض النخيل القريب تسهيلا لهم بدلا من إحضار حاجاتهم من الغرب في (وادي السحتن)، أو من الشرق من (وادي بني عوف)، وبذلك نكمل المعروف الذى بدأتموه، حين مهَّدتم لهم الإقامة في هذه تلك البقعة المباركة، فكتب لنا كتب أمرا موجَّها للوالد على بن هلال، ونسَّقت مع الوالد عَلِيّ فذهبنا للموقع الذى رشحناه لاستصلاح الأرض اللازمة وحدَّدنا موقعين بالداخل لجاره ورفيقه بالحياة صالح الحاتمي الذى لا يشرب من غيره شربة ماء إلا وهو معه، وقطعة أوسع بعدها باتجاه الطريق القادمة من الأودية أو من الحيل؛ فبدأوا يحرثون ويزرعون، وأخذوا يُتحفون أغنامهم بسيقان الذُّرة أو الأقَّت أو الشعير وبعد مضي سنة أو سنتين تبشَّروا من النخيلات التى غُرست من شهور وشعرنا بأننا قابلنا إكرامهم بمثله، وإذا بشياطين الأنس والجن تفسد الوئام وإذا بالعوفي والحاتمي يختلفان ويختصمان، حول بئر ماء بينهما كان يقتسمانها نِصفًا للعوفي والنصف الآخر للحاتميّ أو يومين لـ(ناصر بن خلفان العوفي) ويوم لـ(صالح الحاتمي). وربَّما في هذه الأيام كنت منقطعًا ومشغولا ببناء (استراحة الهوتة) في الجبل الشرقيّ فغبتُ ولم يعلمني أحد أو يأتي إلي ليطلب مني وضع الأمر في مساره الذي رسمناه حين سعينا لهم بالجزاء مقابل معروفهم فتدخل من لا يعلم، ومن ليس من أهل الأمر بالمعروف، وانتفع من يحامي، أو مَنْ يتقوَّل حين دخلوا البيت من غير بابه.

والآن.. وقد رحل ذلك الرجل- رحمه الله وأجزل له العفو والإحسان والإكرام- ونأمل أن يبارك الله في أهلهم وذريتهم ويُنزل عليهم الخصب والبركة، وأن يكونوا خير خلف لخير سلف، وأن يحافظوا على السيرة والمعروف.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

إيكونوميست: ما الذي يخطط له ترامب بعد اتفاق غزة؟

قالت مجلة إيكونوميست البريطانية إن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بدأ إعادة تشكيل الشرق الأوسط حتى قبل تنصيبه رئيسا، فقد دفع إسرائيل إلى هدنة مع لبنان، كما أن الاتفاق الهش بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) سيعزز سلطته على الدول العربية وعلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وسوف يحتاج ترامب -حسب المجلة- إلى جميع أنواع النفوذ الممكنة، لأنه سيواجه هو ومستشاروه قرارات صعبة حول السياسات التي يجب اتباعها في المنطقة، وأسئلة أكثر تعقيدا.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2تقارير: ترامب سيقلب 80 عاما من السياسة الخارجية الأميركيةlist 2 of 2موندويس: وقف إطلاق النار في غزة يكشف هشاشة إسرائيل وقوة المقاومةend of list

وذلك مثل من ينبغي أن يحكم غزة بعد الحرب، ومعضلة الاختيار بين رؤى متنافسة لمستقبل المنطقة، وهل ينبغي التمكين لأقصى اليمين في إسرائيل أم تقييده في السعي إلى صفقة تطبيع مع دول عربية، تسهل احتواء إيران أو إضعافها وإجبارها على المفاوضات.

أولوية

ووصف مستشار الأمن القومي القادم مايكل والتز هذه الصفقة بأنها أولوية كبيرة.

ومع أن لمشروع إسرائيل التوسعي متعاطفين داخل مجموعة مستشاري ترامب، فإن وقف إطلاق النار في غزة يشير إلى اتجاه مختلف، كما أن مستشارين مقربين آخرين لديهم خطط طموحة للدبلوماسية الإقليمية، والسماح لإسرائيل بضم الضفة الغربية من شأنه أن يفسد هذه الخطط، ويضع الأساس لصراع متجدد مع الفلسطينيين، توضح المجلة.

إعلان

وأشارت إيكونوميست إلى أن بعض المسؤولين في واشنطن وتل أبيب قد يستخدمون التهديد بضم الضفة كإغراء لدول عربية.

وضع غزة

وفي هذا السياق، تساءلت المجلة عن وضع غزة بعد تصريح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بأن حماس -التي فقدت بعضا من قيادتها العليا وآلاف المقاتلين خلال الحرب- لم تجد صعوبة في العثور على البديل.

وذكرت بأن حروب حماس مع إسرائيل كانت تتبع نمطا مألوفا، بحيث تتحمل غزة أياما أو أسابيع من القصف، ثم تتدخل الدول بعد وقف إطلاق النار لإصلاح الأضرار، وتحتفظ حماس بقبضتها على السلطة.

وبحسب إيكونوميست، تأمل حماس أن تفعل الشيء نفسه هذه المرة، وإن كان من غير المرجح أن يعاد بناء غزة قريبا، بسبب الدمار الهائل الذي يعتقد الخبراء أن إصلاحه لن يتم قبل 2040، ومع انهيار الاقتصاد الذي يجعل كل السكان تقريبا معتمدين على المساعدات الأجنبية.

وخلصت المجلة إلى أن تمكين أقصى اليمين في إسرائيل من شأنه أن يعرض المكاسب السابقة للخطر، أما السلام الدائم في غزة والتسوية العادلة للفلسطينيين، فمن شأنها أن تمنح ترامب الصفقة التي يتوق إليها، وربما جائزة السلام أيضا.

مقالات مشابهة

  • حماس : غزة ستنهض من جديد رغم الدمار الذي خلفته الحرب الصهيونية
  • في ذكرى رحيلها.. سعاد مكاوي صوت المونولوج الذي لا يُنسى
  • ما الذي تحاول سوريا فعله؟
  • من الذي انتصر في حرب غزة؟
  • تعرف على تطبيق ريد نوت الذي بدأ يستبدل تيك توك
  • لمدّة 10 أيّام... ما الذي سيشهده أوتوستراد جدرا - وادي الزينة؟
  • باحثون يطورون حشرات روبوتية لتلقيح المحاصيل الزراعية
  • إيكونوميست: ما الذي يخطط له ترامب بعد اتفاق غزة؟
  • التحالف الوطنى: شغالين زى النحل لإدخال المساعدات لأهالينا فى غزة