مثقفو سوريا: بلادنا قارة مبدعين مستقبلها مرهون بالغنى والتنوع
تاريخ النشر: 20th, January 2025 GMT
دمشق- خلال الأسابيع القليلة الماضية، كانت الإدارة السورية الجديدة تحت منظار المجتمع الدولي والدول الكبرى، التي تراقب بعين وتترك فرصة استشعار الأمر الواقع بعين ثانية من خلال وفود دبلوماسية رفيعة تزور دمشق بكثافة عالية كما لم يحدث منذ 14 عاما، في حين تعود تلك الوفود لتطلق تصريحات متعاقبة تنضوي على كثير من المخاوف وتضيء بدون أدنى مواربة على المطارح التي لابد من العناية بها، حتى تتمكن بلادها من التعاون مع هذه الإدارة.
ومع كثرة التحديات التي تواجهها الإدارة الجديدة، من توحيد الصف وضبط الأمن وضمان السلم الأهلي، يبدو للبعض أن الشأن الثقافي لا يحتل الصدارة ضمن قائمة الأولويات. لكن وجهة النظر المحقة تلك لا تلغي إطلاقا ضرورة العناية بالشأن الثقافي، والشغل العميق على فكرة البناء انطلاقا من الثقافة، باعتبار أن صوت المثقفين والفنانين والمبدعين عموما ضامن للتعايش السلمي، ويحفز فكرة التشاركية في مجتمع متعدد ومتنوع بطريقة مربكة.
جالت الجزيرة نت على مجموعة من أهم المثقفين السوريين لتسجل انطباعهم الأولي ومن ثم رؤيتهم حول ما ينتظر سوريا، وكيف يستشعرون القادم من أيام البلاد بمنطوقها الجديد.
البداية كانت مع الشاعر السوري هاني نديم الذي يشبّه المرحلة "بمحطة لقارب بين ضفتين يعاني ما يعانيه" ويضيف: "بعد الخروج من غرفة العمليات وانتزاع ورم هائل الخباثة، سوف تختل برمجة الجسد قليلا إلى أن يستعيد إحساسه بنهايات أطرافه وجرحه الذي يبرد ويصبح من الماضي".
إعلانيشرح نديم ويستطرد بالقول: "نحن في مرحلة حرجة من الاختلال والقلاقل والأخطاء، التي سوف يأخذها المذعور ويطير بها، كما سيأخذها ذوو المآرب والغايات والرافضون للوضع الجديد. لهذا علينا بالتؤدة والهدوء إلى أن نصل إلى دولة ومؤسسات وشكل حكم مؤطر".
أما عن شكل الحكم القادم، فيحسم صاحب ديوان "نحات الرياح" أمره بأنه: "لن يكون في سوريا ولن ينجح إلا بالمدنية والتعددية؛ طالما أننا أمام دولة فيها من الأعراق والإثنيات والمذاهب والأحزاب والأفكار ما يصعب تشكيله في لون واحد.. هذه التعددية هي ثراءٌ مجتمعي وثقافي هائل، وهو رأسمال البلاد على الدوام، لذلك لا بد من العدل والمساواة بين الجميع، وهذا من بديهيات الثورة وسبب قيامها. أنصح باستثمار العقول والكفاءات السورية الوطنية دون النظر إلى خلفياتهم الأيدلوجية، فما من دولة ناجحة في العالم إلا وتستثمر في تنوع ثقافاتها وثرائها، وأجزم أنه لو تم إيلاء الأمر للأكثر كفاءة فضمن كل قطاع في سوريا، فإننا سنصل إلى مصاف العالمية بظرف سنوات، لأن سوريا دولة عباقرة وقارة من المبدعين كما كان يقول الراحل أنسي الحاج".
من ناحيته، يجد الروائي خليل صويلح أن إشارات الاستفهام هي عنوان هذه المرحلة ويقول في تصريحه للجزيرة نت: "نعيش مناخا ضبابيا يصعب تعيين درجة الحرارة فيه، فبهجة تهاوي حقبة الطغيان تضعنا أمام أسئلة الغد: هل سنعانق سوريا المشتهاة أم نغرق في مستنقع الصراعات على الحكم؟ هذه بلاد انقلابات أكثر منها واحة للديمقراطية، فلكلٍ خريطته وتضاريسه وتطلعاته وأوهامه في مستقبل الدولة".
ويرى صويلح أن "المواطنة هي الملاذ للطمأنينة، وإلا فإن ما يمكن أن يكون جنة دنيوية سيتحول إلى جحيم عابر للأزمنة بذرائع لا نهائية. سنحزن كثيرا في حال جررنا البلاد كذبيحة أو غنيمة نحو أفكار مغلقة على غيبيات تاريخية. هناك فرصة استثنائية لصناعة سوريا جديدة تحتضن الجميع من دون ثأر وضغائن وأمراض. نحن نتأرجح بين لعنة الجغرافيا والأفق الحضاري لهذه البلاد التي تشبه الجنة".
إعلان طي صفحة الأسدمن ناحيته، تحرر الصحفي والروائي يعرب العيسى لدى سقوط النظام من منع السفر المفروض عليه واستنشق مثل كثيرين هواء جديدا، أما عن قراءته للمستقبل فيرى أن: "أفضل فترات سوريا وازدهارها، كانت حينما أدركت تنوعها، في حين كانت الفترات السيئة حينما حاول أحدهم أن يفرض على البلاد إيقاعا واحدا. نحن الآن أمام مرحلة تحول كبرى ونُعتبر في حقبة الفراغ، وبعد إزالة الصخرة التي كانت تحجب الأفق لا يعني أننا أمام مستقبل وردي. سوريا المأمولة بحاجة إلى مساهمة من الجميع، والمهمة الأكبر تقع على السوريين، لا على الإدارة الحالية فقط، ويجب أن يتم العمل على جميع القطاعات. الطريق ليس سهلا، سنمر بعقبات وسنختلف، وستحاول دول إعاقتنا، لكن يجب أن نجابه كل ذلك".
أما عن رؤيته الشخصية للمستقبل، فيقول أنه يوجد معنيان للرؤية الشخصية: المأمول والمتوقع: "إذ أتمنى عل المستوى الأول لبلادي أن تطوي صفحة عائلة الأسد للأبد، وننظر إلى المستقبل فقط، ونصل إلى دولة المواطنة والديمقراطية، ويعيش الجميع بشكل متساوٍ". وعن المتوقع، يشرح كاتب رواية "المئذنة البيضاء" بالقول: "أمامنا كثير من الصعاب والوقت والجهد لنصل إلى الحلم الذي نريد، لأن بين أيدينا بلدا مدمرا اقتصاديا وعسكريا، ومجتمعه متشظ ويخاف من بعضه، وجزء منه مهجر لا يعرف متى سيعود، وإذا عاد كيف سيعيش".
Voir cette publication sur InstagramUne publication partagée par الجزيرة نت | ثقافة (@aljazeeraculture)
كل ذلك يجعل العيسى يخلص إلى نتيجة شخصية مفادها ثقته بالسوريين ووعيهم وإحساس المسؤولية العالي الذي ظهر عندهم فجأة بمجرد سقوط النظام: "ربما لو كان شعب آخر لقلت إننا سنحتاج إلى عشرات السنين كي نجتاز هذه المرحلة، لكن حالة الوعي التي ألمسها عند السوريين مطمئنة، لأن الوقت سيكون أقصر ولسنوات معدودة".
على ضفة موازية، لا يوفر هذا الصحفي الإشكالي نصائحه بغاية التركيز وتكريس الإيجابيات، ويفصح بأنه "خلال السنوات الماضية، أنجز عديد من السوريين دراسات ورؤى وأبحاثا، بناء على خبرات بلدان سابقة واستشارات خبراء، وأنجزوا عبر مؤسسات دولية ومراكز أبحاث وبالتعاون مع منظمات وخبراء سوريين في اختصاصات مختلفة أفكارا وروئ كثيرة. كلها كانت تفكر بسوريا ما بعد الأسد. ربما تكون العودة إلى هذه الأفكار، لأنها خرجت من عقول سورية تفكر بمصلحة بلدها، يمكن البناء عليها لأنها ستختصر علينا الكثير من الوقت بدءا من موضوع الدستور وانتهاء بموضوع التعافي الاقتصادي أو إعادة الإعمار".
إعلانبدوره، يتفق النحات الشهير مصطفى علي مع مواطنيه حول فكرة أن إدارة البلاد لا يمكن أن تعتمد إلا على غنى سوريا وتنوعها المثير، ويضيف في حديثه معنا أن "سوريا ستقوى حتما بوعي أفرادها ومشاركتهم الفعالة من خلال الحوار البناء، واحترام الآراء المختلفة، وتحقيق العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع".
ومن هذه الفكرة تحديدا يضيء على: "أهمية الفرد في بناء المجتمع ودوره في إحداث التغيير نحو مستقبل أفضل، حيث يسهم في ترسيخ مبادئ العدالة والحرية الشخصية، مما يشكل الأساس لبناء مجتمع متماسك. ولا بد أن تتجلى أهمية الفرد أيضا من خلال رؤيته الإبداعية على المستويات الفكرية والفنية والثقافية، إذ نرتقي بفضل ما يقدمه المفكرون من حلول مبتكرة وما يجترحه المبدعون من حلول سيكون لها دور محوري في تحقيق التغيير والانطلاق نحو الطموحات، وذلك من خلال إتاحة المجال للمبادرات الفردية التي تسعى إلى بناء مجتمع متقدم ومتطلع نحو المستقبل".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
أنس خطاب.. من ظل الاستخبارات إلى واجهة داخلية سوريا..
وسط مشهد سياسي وأمني مضطرب، برز أنس خطاب بين الشخصيات المؤثرة في الحكومة السورية الجديدة، بعد أن تدرّج في العمل العسكري والاستخباراتي ليصل إلى منصب وزير الداخلية في التشكيلة المعلنة السبت.
رجل عُرف بعمله في الظلّ خلال سنوات الثورة على نظام بشار الأسد، لكنه اليوم في الواجهة، ليقود واحدة من أكثر الوزارات حساسية في سوريا ما بعد النظام البائد.
من مسؤول استخباراتي في هيئة تحرير الشام إلى رأس المؤسسة الأمنية للدولة الجديدة، يواجه خطاب تحديات كبرى، تتراوح بين إعادة بناء الأجهزة الأمنية، وفرض النظام والقانون، والتعامل مع فلول النظام السابق.
وبينما يتطلع السوريون إلى عهد جديد يقطع إرث القمع والبطش، يتعيّن على خطاب أن يثبت أن وزارة الداخلية يمكن أن تتحول من أداة ترهيب إلى ركيزة للأمن والعدالة.
وشهدت سوريا، مساء السبت، تشكيل أول حكومة رسمية في البلاد بعد الاعلان الدستوري الجديد والإطاحة بنظام بشار الأسد، حيث اختير أنس خطاب لمنصب وزير الداخلية بعد أن كان يشغل منصب رئيس الاستخبارات في الحكومة الانتقالية التي تشكلت أواخر 2024، عقب الإطاحة بنظام الأسد.
وجرى الاعلان عن التشكيلة ضمن مراسم رسمية جرت في قصر الشعب بدمشق، بحضور الرئيس السوري أحمد الشرع، وفق مراسل الأناضول.
وضمت الحكومة 23 وزيرا، بينهم سيدة واحدة و5 منهم من الحكومة الانتقالية التي تشكلت في العاشر من ديسمبر/ كانون أول الماضي لتسيير أمور البلاد.
**مناصب قيادية
وُلد خطاب في مدينة جيرود بريف دمشق جنوبي البلاد عام 1987، وشغل منصب نائب القائد العام، ثم عضو مجلس الشورى ومسؤول الجهاز الأمني في هيئة تحرير الشام.
التحق خطاب بجامعة دمشق لدراسة هندسة العمارة، لكنه لم يكمل تعليمه إثر مغادرته إلى العراق في 2008.
عاد إلى سوريا للمشاركة مع الفصائل السورية المسلحة بعد اندلاع الثورة في مارس/ آذار 2011، وقمع نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد ضد المتظاهرين في عدة محافظات بالبلاد.
وأسّس خطاب جهاز استخبارات "هيئة تحرير الشام"، وجهاز الأمن العام التابع للهيئة في محافظة إدلب شمالي البلاد وأداره، وهو جهاز توسع نفوذه ليشمل أغلب المحافظات الخاضعة لسيطرة "هيئة تحرير الشام".
وبعد سقوط نظام الأسد أعلنت القيادة العامة في حكومة تصريف الأعمال السورية تعيين خطاب يوم 26 ديسمبر/كانون الأول 2024 رئيسا لجهاز الاستخبارات العامة بالبلاد.
**تحديات صعبة
وتواجه وزارة الداخلية بقيادة خطاب مهمات صعبة، أبرزها إعادة تأهيل المؤسسة الأمنية التي كانت خاضعة لفكر نظام البعث البائد، وتمّ حلّها بشكل كامل بعد إسقاط نظام الأسد.
كما يُطلب من الوزارة الجديدة تقديم خدمات عاجلة للمؤسسات المدنية، لا سيما الشؤون المدنية التي ما تزال تعاني من تبعات الفساد الذي انتهجه نظام الأسد.
أما التحدي الثالث البارز الذي تواجهه وزارة خطاب، فهو ضبط الأمن وملاحقة فلول النظام البائد في عدة محافظات، بعد رفضهم الاندماج في الدولة الجديدة، وإصرارهم على حمل السلاح وبث الفوضى.
وفي كلمته بعد تكليفه بالوزارة، قال خطاب: "ارتبطت صورة وزارة الداخلية في عهد النظام البائد بالبطش والظلم والطغيان، وهذا ما أورثنا مهمة ثقيلة لتعديل هذا المفهوم"، وفق وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا".
وأضاف: "سنسعى لبناء مؤسسات أمنية نقية تحفظ كرامة السوريين وتعينهم على كسب أرزاقهم".
وأشار إلى أن الوزارة "ستعمل على إرساء مؤسسات أمنية يفتخر بها كل سوري شريف ويرسل أبناءه للعمل ضمن صفوفها".
وتعهد خطاب "بالعمل على تطوير عمل الشؤون المدنية من خلال تطوير عمل قاعدة البيانات المدنية، وتفعيل أنظمة الأتمتة والتحول الرقمي لضمان تقديم المزيد من الخدمات مع دقة في الأداء وسهولة في الوصول".
وخلال الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة، قال الشرع في كلمة: "في لحظة فارقة من تاريخ أمتنا تتطلب مننا التلاحم والوحدة أقف أمامكم اليوم متوجها إلى كل فرد منكم حاملا آمال كل واحد منكم ونحن نشهد ميلاد مرحلة جديدة".
وأضاف: "نشهد ميلاد مرحلة جديدة في مسيرتنا الوطنية، وتشكيل حكومة جديدة اليوم هو إعلان لإرادتنا المشتركة في بناء دولة جديدة".
وتابع: "هذه الحكومة ستسعى إلى فتح آفاق جديدة في التعليم والصحة، ولن نسمح للفساد بالتسلل إلى مؤسساتنا".
وفي 8 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بسطت فصائل سورية سيطرتها على العاصمة دمشق بعد أيام من السيطرة على مدن أخرى، لينتهي بذلك 61 عاما من حكم نظام حزب البعث الدموي و53 سنة من حكم عائلة الأسد.
وأعلنت الإدارة السورية في 29 يناير/ كانون الثاني 2025 الشرع رئيسا للبلاد بالمرحلة الانتقالية، بجانب إلغاء العمل بالدستور، وحل الفصائل المسلحة والأجهزة الأمنية، ومجلس الشعب (البرلمان)، وحزب البعث.
وفي 13 مارس الجاري، وقَّع الشرع إعلانا دستوريا يحدد المرحلة الانتقالية في البلاد بمدة خمس سنوات.
وقالت لجنة الخبراء المكلفة بصياغة الإعلان الدستوري في مؤتمر صحفي حينها، إنها اعتمدت في صياغة الإعلان الدستوري على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني في فبراير/ شباط