عندما يكون الاختلاف سُنَّة كونية بديهية، لا يمكن بأي زمان أو عصر، وجود توافقٍ أو إجماعٍ كليٍّ أو رأيٍ موحدٍ على قضيةٍ بعينها، لأننا حينئذ سنكون قد وصلنا إلى مرحلة من التماهي والتطابق، لم يصل إليها السابقون أو اللاحقون.
إذن، ليس بالضرورة دائمًا، التوافق مع أفكار «القطيع»، أو تلك المفاهيم والمواقف الجماعية، خصوصًا عندما تتعارض مع منطق الأشياء، أو تتنافى مع معطيات العقل والتطور، لأنها قد تمثل نوعًا من العبث، أو ما يسمى بـ«ثقافة الضجيج»!
الآن يعيش كثيرون شعورًا متطرفًا، ما بين «الأخلاقي» و«الإنساني»، حيث تستمر المِحْنَة، خصوصًا عندما تُغْرِقُنَا الحياة بهوامشها وتفاصيلها، لتقودنا إلى شعورٍ بالسُّوءِ تجاه آخرين، فتمتلئ نفوسهم بالرغبة في الانتصار عليهم.
«إشكالية» متكررة، يمكننا رصدها عند «التعاطف الإنساني» مع الكوارث أو المصائب، لمَن نكون على خلاف معهم، عبر مِنَصَّات «السوشيال ميديا»، حيث التعليقات الشاذَّة، التي لا تمتُّ إلى الأخلاق أو الإحسان بصلة، بل تنحدر إلى قاعِ الشَّماتة، وكأنَّ معاناة الآخرين قِصَاص يستحقونه!
للأسف، عندما نسمع أن كارثة أو مصيبة حلَّت هنا أو هناك، قد نلحظ بوضوحٍ ذلك التباين الأخلاقي، الذي يقع فيه البعض، أمام حادث إنساني، لتتحول أصداؤه إلى جدلٍ عقيمٍ، ومعارك ضارية من القدح والذمّ والتلاسن عبر مِنَصَّات التواصل الاجتماعي، تعقبُ تعاطفًا أو شماتةً، لتُغري البعض بنشوة الانتصار والفرح.. وفي الحالتين يبقى شعورًا متطرفًا، يُخَلِّف أثرًا سلبيًّا ينتقص من مساحة الإنسانية ونقائها.
وبما أن الشَّمَاتةُ تعني السماح للكُرْهِ أن يستوطن نفوسنا ومشاعرنا، وللحقد بأن يُلوِّن قلوبنا، وللغضب بأن يتملكنا ويحاصرنا، فإن الأخلاق الدينية والإنسانية، في أقل درجاتها، تدعو لضبط النَّفْس والمشاعر، وعدم إبداء الفرح لِسُوءٍ أَلَمَّ بالآخرين.
ذلك الشعور المتطرف بالشماتة من «أصحاب المواقف المدفوعة مقدمًا»، قد يكون ظنَّا منهم أن الله تعالى أعطاهم صكوك الغُفران ومفاتيح الجِنان، أو أنهم «مُحَصَّنون» غير مُعَرَّضِين للمصائب والابتلاءات، أو أن الدنيا ستكون متقلِّبة على غيرهم فقط!
إذن، يجب الابتعاد عن تلك الاصطفافات الحادَّة، والشماتة، وكَيْل الاتهامات للآخرين، الذين حَلَّت بهم الكوارث، والادعاء بامتلاك خارطة الطريق إلى السماء، أو تحديد المصير الأخروي، أو مَنْح صكوك الجنة والنار، لأن ذلك يتنافى كليًّا مع المنطق الإنساني والأخلاقي.. بل يسيئ للعدالة الإلهية المُطْلَقَة!
أخيرًا.. إن مسألة مَنْح صكوك الرحمة والعذاب على مَن نتفق أو نختلف معهم، ليست سوى وساوس شيطانية، تم ارتداؤها لباسًا دينيًا، أو ثقافيًّا، ولذلك فإن ما ينطق به البعض من أحكام مسبقة، يرسخ لمفهوم الاستقطاب البائس والشعور المتطرف، ودليل إضافي على الإفلاس الفكري والأخلاقي!
فصل الخطاب:
يموتُ كُثُرٌ وهم على قيد الحياة.. في جُعبة الموت لا توجد كلمة انتهاء، لأن الموت لا يسلب حياةً، ولا يفزع أرواحًا، لكنه فقط قادر على كشف معادن الناس وأخلاقهم وإنسانيتهم.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: حرائق لوس انجلوس الكوارث الطبيعية الشماتة في الموت محمود زاهر العدالة الإلهية الإفلاس الفكري السوشيال ميديا
إقرأ أيضاً:
اعتقال مسؤول في الشاباك بعد تسريب وثيقة سرية إلى وزير وصحفيين
أفادت وسائل إعلام عبرية، الثلاثاء، عن اعتقال مسؤولي في جهاز الأمن العام "الشاباك" بتهمة تسريب وثيقة سرية عن "تحقيق بشأن تغلغل اليمين المتطرف في جهاز الشرطة".
وأفادت هيئة البث الإسرائيلية، بأن إحدى المحاكم في دولة الاحتلال الإسرائيلي سمحت بنشر تفاصيل عن قضية اعتقال "عميل الشاباك المعتقل للاشتباه في تسريب وثائق سرية".
ووفقا للهيئة، فإن الوثيقة السرية جرى تسريبها من خلال المسؤول في جهاز "الشاباك" إلى وزير ما يعرف بشؤون الشتات في دولة الاحتلال أميخاي شيكلي، والصحفي في القناة "12" عميت سيغال، بالإضافة إلى الصحفية شيريت كوهين أفيتان.
يأتي ذلك على وقع تواصل الخلاف بين رئيس "الشاباك" رونين بار، وحكومة بنيامين نتنياهو الذي يحاول إقالة بار بذريعة "إخفاقه في عدد من الملفات الأمنية".
وأشارت هيئة البث الإسرائيلية إلى أن اليمين المتطرف في دولة الاحتلال الإسرائيلي سعى إلى استغلال هذه القضية للهجوم على رئيس "الشاباك"، الذي أقالته الحكومة قبل أن تعلق المحكمة العليا القرار.
وكان بار قرر في وقت سابق إبقاء التحقيق في تغلغل اليمين المتطرف بمراتب الشرطة "سريا" قبل أن يسرب المسؤول الوثيقة المتعلقة بهذا التحقيق إلى الصحفي سيغال المعروف بقربه من اليمين.
وأشارت هيئة البث إلى أنه "تم تمديد احتجاز المشتبه به حتى يوم الأربعاء"، دون ذكر اسمه، موضحة نقلا عن المحكمة أن المسؤول المعتقل سرب معلومات عن "إجراء تحقيق في تسلل الكاهانية إلى الشرطة".
ويستخدم مصطلح "الكاهانية" للتعبير عن اليمينيين المتطرفين في السياسة الإسرائيلية، حسب وكالة الأناضول.
كما نقل المشتبه به معلومات تتعلق بـ"سلوك الشاباك مساء 7 أكتوبر 2023" إلى الصحفية أفيتان باعتبارها "ذات أهمية عامة".
وقدم المشتبه به استئنافا ضد تمديد فترة اعتقاله، مدعيا أن المعلومات التي أدلى بها "لا تشكل خطرا على أمن الدولة"، وفقا لما نقلته هيئة البث الإسرائيلية بشأن مجريات القضية.
وحسب محامي المشتبه به، فإن الغرض من ذلك التسريب "لفت انتباه الجمهور إلى القضايا ذات المصلحة العامة والأهمية العليا، والتي تم تقديمها للجمهور بطريقة مشوهة للغاية من قبل الأطراف المعنية التي لديها سلطة التحكم في الإفراج عن المعلومات المخزنة لدى جهاز الأمن العام".
وكان المحكمة الإسرائيلية أمرت في بداية الأمر بحظر النشر في القضية، لكن عضوة الكنيست تالي غوتليب من حزب "الليكود" بزعامة نتنياهو، خرقت الحظر مستغلة حقها في الحصانة البرلمانية.
وقالت على منصة "إكس"، إنه "من أجل الوفاء بواجباتي، أقوم بنشر هذه المعلومات.. لا ضرر على الأمن القومي هنا، المستشارة القانونية للحكومة غالي بهاراف ميارا قلقة للغاية بشأن صديقها رونين بار".
ودافع وزير الأمن القومي في دولة الاحتلال المتطرف، إيتمار بن غفير، عن المسؤول في "الشاباك" الذي سرب الوثيقة، واعتبر الاعتقال "جزءا من ممارسات الدولة العميقة".