عاطفة الإبل.
المصدر: صحيفة صدى
إقرأ أيضاً:
«الحداء».. إيقاع الصحراء ووسيلة للتواصل مع الإبل
خولة علي (أبوظبي)
يمثل التراث الثقافي غير المادي جزءاً أساسياً من الهوية الإنسانية والتاريخ المشترك بين الشعوب، ويعكس ثراء التنوع الثقافي والعادات المتوارثة عبر الأجيال، من بين هذه التقاليد، يبرز «الحداء»، وهو فن شفهي قديم يمارسه البدو والرحالة، ويعكس علاقة وثيقة بين الإنسان والإبل، وكان إدراج «الحداء» على لائحة التراث الثقافي غير المادي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) يهدف إلى الحفاظ على هذا التقليد الغني ونقله إلى الأجيال القادمة، ليس فقط لتكريم لهذا الفن الأصيل، بل هي خطوة أساسية للحفاظ على هوية المجتمعات التي تحتفظ بها منذ أمد بعيد، إضافة إلى تعزيز هذا الجزء المهم من الثقافة الإماراتية والعربية ونقله عبر الأجيال.
لغة تواصل
وتعرف الباحثة في التاريخ والتراث مريم سلطان المزروعي «الحُداء» بأنها لغة ووسيلة للتخاطب والتواصل مع الإبل، فهي تراث وتاريخ وأيقونة ورمز من رموز تراثنا الأصيل، وأداة للسفر والترحال لا يمكن أن يستغني عنها «الحادي»، الذي يعتمد عليها في تدريب قطعانه حتى تمتثل لأوامره وتسهّل تواصله معها، فهي وسيلة تخاطب للحصول على غرض ما، كالتجمع لشرب الماء عند الآبار، أو عند الانتهاء من الرعي واستعداداً للعودة قبل غروب الشمس.
وتشير المزروعي إلى أن استخدام «الحداء» في الماضي كان رغبة في خلق أجواء من التسلية خلال الرحلات الطويلة، عبر التغني بأشعار خفيفة لتطريب الإبل وحثها على السير، حتى أصبحت متوارثة بين الأجيال، لذلك سعت دولة الإمارات العربية المتحدة بالتعاون مع المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان، إلى توثيقها عام 2022، وأصبحت من ضمن قائمة اليونيسكو للتراث غير المادي.
علاقة عميقة
وترى المزروعي أنه سرعان ما تنشأ علاقة عميقة بين الإبل وراعيها، فالراعي يستخدم صوته لتهدئة الإبل وجعلها تمتثل لأوامره، عبر رحلة طويلة بين ربوع رمال الصحراء الشاسعة، لتصدح أجمل الأصوات بقصائد شعرية تمتاز بالعذوبة وسحر القافية وتناغم المقطوعات القصيرة، حيث تبدأ «الحداء» بعدة كلمات مثل: «هيد هيد أو هي دو داه..»، ومن أمثلة إحدى القصائد: «هب ولفح من بره...ياني مبرد هواه...بو قصه مسمره...ومن الطيب امحشاه»، وهذه الأشعار يتم الرد عليها بصوت يشبه الهدير، مشيرة إلى أن الأشعار في الماضي كانت تتميز بالبساطة تعكس البيئة البدوية في ذلك الوقت، واليوم وُثّقت هذه الأشعار والمفردات التي تمتاز بسحر القافية.
الراعي وناقته
تذكر المزروعي حكاية أخبرها عنها والدها، قائلة إنه كان له صديق قد فقد ناقته وحزن حزناً شديداً لفراقها، حتى مرت سنوات، وذات يوم ذهب لزيارة أحد من أقاربه ولم يكن قد وصل إلا وقت غروب الشمس، فركن مع قطيعه ونصب خيمته، ولم يمر وقت طويل حتى سمع صوتاً خارج خيمته فوجد ناقته ومعها صغيرها، فأسرعت نحوه وكأنها فرحة برؤيته، وهذا يدل على قوة العلاقة بين الراعي وإبله ومدى ارتباطهم ببعضهم بعضاً.