تعتبر الدساتير مرآة للتطورات السياسية والاجتماعية التي مرت بها سوريا منذ إعلانها مملكة عام 1920 إبان خروجها عن سلطة الدولة العثمانية وحتى انتصار الثورة السورية في كانون الأول /ديسمبر عام 2024، إثر إنهاء حكم عائلة الأسد الذي دام إلى ما يزيد عن 50 عاما.

وبعد سقوط النظام، قررت السلطات الجديدة تجميد الدستور والبرلمان خلال فترة عمل حكومة تصريف الأعمال التي من شأنها أن تصل إلى نهايتها مطلع آذار /مارس المقبل.



وكان قائد الإدارة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع، قال في مقابلة صحفية قبل أسابيع، إن عداد وكتابة دستور جديد في البلاد قد يستغرق نحو ثلاث سنوات، بينما قد تحتاج الانتخابات العامة إلى أربع سنوات.


ولا يزال المشهد السياسي في سوريا ضبابيا منذ سقوط النظام المخلوع، فبينما تتعالى أصوات مطالبة بإقرار العمل بشكل مؤقت بدستور عام 1950 لمنع أي تداعيات سلبية للفراغ الحاصل، تتحدث السلطة الجديدة عن التحضير لمؤتمر وطني جامع قد يسفر عن قرارات تعالج مسألة الدستور الذي من شأنه أن يرسم ملامح سوريا الجديدة.

وفي هذه المادة، نستعرض الدساتير التي مرت على سوريا خلال المئة عام الأخيرة:

◼ دستور 1920 - المملكة السورية العربية

في تموز /يوليو 1920، وبعد إعلان استقلال سوريا تحت قيادة الأمير فيصل بن الحسين، وُضع أول دستور للبلاد. هذا الدستور كان نتاج رؤية وطنية تهدف إلى إنشاء دولة دستورية حديثة.

حدد الدستور النظام السياسي على أنه ملكية دستورية تُحكم وفق قوانين ديمقراطية، مع وجود برلمان منتخب، بالإضافة إلى التأكيد على اللغة العربية كلغة رسمية للبلاد. لكن هذا الدستور لم يستمر طويلا؛ إذ انهار مع دخول القوات الفرنسية وفرضها الانتداب على سوريا بعد معركة ميسلون.

◼ دستور 1930 - الانتداب الفرنسي

مع تثبيت الانتداب الفرنسي في سوريا بعد انهيار الحكم الملكي، أُقر دستور جديد في البلاد في أيار /مايو عام 1930، نص على أن سوريا دولة مستقلة ذات سيادة، وأن نظام الحكم جمهوري نيابي.

حاول هذا الدستور تقديم مظهر من السيادة السورية، لكنه في الواقع رسخ سيطرة فرنسا على القرارات السياسية للبلاد. ورغم أن الدستور تضمن نصوصًا حول حقوق المواطنين وحرية الصحافة ضمن حدود القانون، إلا أن السلطة الحقيقية بقيت بيد المفوض السامي الفرنسي.


وجاءت إضافة المادة 116 على الدستور من قبل المفوض السامي لتفرغ الدستور من مضمونه، حيث نصت على أن حكم من أحكام الدستور لا يجب أن يتعارض مع الإرادة الفرنسية.

◼ دستور 1950 - الجمهورية السورية الأولى

بعد الاستقلال عن فرنسا عام 1946، بدأت سوريا مرحلة جديدة من تاريخها السياسي. في 5 أيلول /سبتمبر عام 1950، أُقر دستور جديد كان يُعتبر من أكثر الدساتير ديمقراطية في تاريخ البلاد.

ركز على تعزيز الحريات العامة وحقوق الإنسان، كما أسس لنظام جمهوري برلماني ديمقراطي مع توازن بين السلطات. ونص على تحديد الإسلام كدين لرئيس الدولة مع احترام باقي الأديان.

ونص الدستور كذلك على حرية تشكيل الأحزاب السياسية، وحرية السوريين في الاجتماع والتظاهر بصور سلمية. وعكست هذه المرحلة طموحات السوريين في بناء دولة مدنية حديثة، حيث شهدت البلاد ازدهارا سياسيا خلال هذه الفترة.

◼ دستور 1973 - عهد حافظ الأسد

مع استيلاء حافظ الأسد على السلطة في عام 1970، بدأ العمل على دستور جديد صدر في 13 آذار مارس عام 1973. هذا الدستور عزز هيمنة حزب البعث، حيث نصت المادة الثامنة على أنه "القائد للدولة والمجتمع".

كما جرى منح الرئيس صلاحيات واسعة شملت التحكم في جميع مفاصل الدولة. عُرف هذا الدستور بأنه أداة لترسيخ حكم الأسد، واستمر العمل به طوال فترة حكمه وحتى وفاته عام 2000، حيث تعرض الدستور لتعديل إحدى مواده المتعلقة بسن رئيس الجمهورية.

وفي تصويت شكلي، وافق البرلمان على التعديل ما سمح لبشار الأسد بخلافة والده على حكم البلاد.

◼ دستور 2012 - عهد بشار الأسد

في ظل الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت عقب انطلاق الثورة السورية عام 2011 ضد نظام بشار الأسد، أقر الأخير دستورا جديدا في  26 شباط /فبراير عام 2012 كاستجابة لضغوط الشعبية.

جاء هذا الدستور بتعديلات شكلية طفيفة، مثل إلغاء النص الذي يمنح حزب البعث قيادة الدولة والمجتمع، والسماح بتشكيل أحزاب سياسية.


ومع ذلك، حافظ على سلطات مطلقة للرئيس، وظل النظام قمعيا في جوهره، ما جعله محاولة فاشلة لاحتواء الغضب الشعبي.

مرحلة انتصار الثورة
تاريخ الدساتير السورية يعكس مسيرة طويلة من النضال السياسي والاجتماعي، مع محطات من التقدم والديمقراطية وأخرى من الاستبداد الذي ألقى بظلاله على البلاد لعقود خلال حكم عائلة الأسد.

مع انتصار الثورة في الثامن من كانون الأول /ديسمبر عام 2024، تواجه سوريا فرصة تاريخية لصياغة دستور يحقق طموحات شعبها ويؤسس لدولة العدل والقانون.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة عربية سوريا النظام فرنسا سوريا فرنسا دمشق النظام المزيد في سياسة سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة انتصار الثورة هذا الدستور دستور جدید فی سوریا على أن

إقرأ أيضاً:

نشاط عسكري روسي متزايد في ليبيا والسودان بعد سقوط الأسد في سوريا

شددت مجلة "فورين بوليسي" على عمل روسيا على تعزيز وجودها في كل من السودان وليبيا، وذلك بعد سقوط حليف موسكو في سوريا بشار الأسد في الثامن من كانون الأول /ديسمبر الماضي.

وقالت المجلة في تقرير ترجمته "عربي21"، إن حكومة السودان وافقت على بناء روسيا لأول قاعدة عسكرية لها في أفريقيا قرب ميناء بورتسودان، حسبما  أعلن وزير الخارجية السوداني علي يوسف أحمد الشريف، بعد لقاء في موسكو مع وزير الخارجية سيرغي لافروف.

ومن خلال تأمين قاعدة عسكرية لها على ساحل البحر الأحمر، فإن روسيا ستنضم إلى الولايات المتحدة والصين اللتان أقامتا قواعد عسكرية في جيبوتي، وفقا للتقرير.

وأضافت المجلة أن خروج القوات الروسية من سوريا بعد انهيار نظام الأسد، دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين  لنقل أرصدته العسكرية إلى ليبيا والسودان، وذلك حسب  عدة مصادر أمنية متعددة.

وتكشف الصور التي التقطتها الأقمار الاصطناعية بأن روسيا تقوم بتوسيع في جنوب-شرق ليبيا والواقعة قرب الحدود مع كل من السودان وتشاد.


وتظهر الصور أن روسيا قامت بإعادة بناء مدرج وبنت منشآت للتخزين وزادت من قدراتها اللوجيستية. وكانت آخر مرة استخدمت فيها القاعدة هي عام 2011 حيث تمركزت فيها قوات الرئيس السابق معمر القذافي.

ويسيطر عليها حاليا خليفة حفتر الذي يقود ما يعرف باسم الجيش الوطني الليبي، حسب التقرير.
ونقل التقرير عن المنبر الاستقصائي للشرق الأوسط "إيكاد" في منشور على منصة "إكس"، قوله "تعتبر هذه التطورات متساوقة مع  استراتيجية روسيا لإنشاء عدة قواعد عسكرية في ليبيا".

وتمنح قاعدة معطن السارة "موسكو السيطرة على الطرق وتسهيل حركة المعدات العسكرية والجنود إلى منطقة الساحل وبدون أن تكون عرضة للرصد في الموانئ والمطارات الدولية".

ورصدت المخابرات الأوكرانية حركة الجنود والطائرات العسكرية عشرة مرات منذ منتصف كانون الأول/ديسمبر، حيث قامت برحلات من  قاعدة حميميم في سوريا إلى شرق ليبيا.

وعبر الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع عن إمكانية الحفاظ على علاقات مع روسيا، وفقا للتقرير.

وفي نهاية كانون الأول/ ديسمبر، قال "لا نريد خروج روسيا من سوريا بطريقة تؤثر على علاقتها مع بلدنا".

وزار وفد روسي في بداية الشهر الحالي دمشق للتفاوض حول الكيفية التي تحتفظ فيها روسيا بقواعدها العسكرية. ولكن من المنطقي أن يقوم الرئيس بوتين بالتحوط على رهاناته وتوزيع أرصدته العسكرية.

ففي السودان دعمت روسيا طرفي الحرب هناك، حيث زودت موسكو في البداية قوات الدعم السريع بالأسلحة، ثم تعهدت بتقديم مزيد من الدعم العسكري للجيش السوداني مقابل منحها موافقة لبناء قاعدة بحرية على البحر الأحمر.

وتحدث السودان عن فكرة القاعدة البحرية في عام 2017 أثناء حكم عمر أحمد حسن البشير الذي أطاحت به ثورة شعبية عام 2019. وتم التوصل لاتفاق بشأن القاعدة في عام 2020 ولكنه انهار بعد اندلاع القتال بين طرفي الحكم في السودان في نيسان/أبريل 2023.

وفي محاولة للبحث عن حلفاء لمواصلة الحرب، أعلن السودان في الأسبوع الماضي، عن تعزيز العلاقات مع إيران. وفي ليبيا، فقد تقاسم التأثير بها الحكومة التي تدعمها تركيا في غرب البلاد وتلك التي يقودها حفتر في شرق البلاد وبدعم من روسيا ومصر والإمارات العربية المتحدة.

وقدمت روسيا إلى حفتر السلاح والمعدات. وفي الوقت نفسه وقعت شركة النفط الروسية "روسنفط" اتفاقية طويلة الأمد لتطوير حقول النفط الليبية، وفقا للتقرير.

ولعبت قاعدة حميميم الجوية في سوريا دورا مهما في عمليات شركة المرتزقة السابقة "فاغنر" والتي أعيد تسميتها بـ "الفيلق الأفريقي"، عندما نشطت في مالي وبوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى والنيجر.

وكشف تحقيق لشبكة "سي إن إن" عن تغير في حركة الدعم الروسي لحلفائها في أفريقيا، فبدلا من انطلاق الطائرات من سوريا، تنطلق الآن من ليبيا إلى باماكو، عاصمة مالي.

وإلى جانب قاعدة معطن السارة، نقلت روسيا  معداتها إلى القاعدة الليبية، الخادم في شرق بنغازي وكذا الجفرة والتي كانت نقطة تمركز سابقة لمجموعة "فاغنر"، حيث أصبحتا مركز عمليات روسية في أفريقيا.

وبحسب المجلة، فإن البحرية الروسية تبحث عن ميناء تحت سيطرة حفتر. وذكرت وسائل إعلام سورية في أواخر كانون الثاني/يناير أن عقد إيجار روسيا لميناء طرطوس السوري لمدة 49 عاما قد تم إلغاؤه.


وقالت الاستخبارات العسكرية البريطانية، في بيان، نشر على موقع "إكس" الشهر الماضي، إن "قدرة روسيا على تقديم الدعم اللوجستي لكل من جيشها والمتعهدين العسكريين الخاصين في إفريقيا، إلى جانب الحد من الضرر على سمعتها والناجم عن سقوط نظام الأسد، ستكون بالتأكيد من أولويات الحكومة الروسية".

ويشير المحللون إلى أن قاعدة بحرية روسية بديلة قد تتشكل أيضا في ميناء طبرق بشرق ليبيا، وهو ما من شأنه أن يسمح لموسكو بالاحتفاظ بقدراتها في غرب إفريقيا مع توفير مركز استراتيجي ضد حلف الناتو على البحر الأبيض المتوسط.

وفي نهاية المطاف، فإن هذه القواعد الروسية الاستراتيجية في شرق ليبيا ستمنح حفتر المزيد من القوة في المفاوضات التي تشرف عليها الأمم المتحدة بشأن مستقبل ليبيا، مما قد يؤدي تأجيل الانتخابات الوطنية.

مقالات مشابهة

  • 7 نقاط توضح التحضيرات لمؤتمر الحوار الوطني في سوريا
  • سوريا.. رحلة البحث عن كنوز أثرية في باطن الأرض وبين جدران البيوت
  • لمواجهة قرارات ترامب.. المكسيك تتجه لتعديل الدستور
  • سوريا.. بعد سقوط نظام الأسد هل سترفع العقوبات عنها؟
  • مشاهد لافتة لمن يزورها للمرة الأولى.. رحلة في دمشق ما بعد الأسد
  • نشاط عسكري روسي متزايد في ليبيا والسودان بعد سقوط الأسد في سوريا
  • الاتحاد الأوروبي يعتزم تعليق عقوبات مفروضة على سوريا في هذه المجالات
  • “انتصار وطن”… احتفال بدار الأوبرا بدمشق يعيد سرد حكايات من الثورة السورية
  • يهود سوريون يعودون إلى دمشق بعد عقود من فرارهم.. تعرف على القصة كاملة
  • “انتصار وطن”… احتفال بدار الأوبرا بدمشق يعيد سرد حكايات من الثورة السورية